استردوا ابن تيمية من سائر التكفيريين

الثلاثاء 2015/12/01
لوحة: مغني سيف

الثورة الفكرية

يرجع مراد وهبة عجز العقل العربي عن تكوين رؤية مستقبلية والقيام بثورة فكرية شاملة، إلى كونه عقلاً ماضوياً، ما تزال المحرمات تتحكم به، لكن من يتعرّف على فكر وهبة، الذي ينشغل بمهاجمة المثقفين عموماً، والدفاع عن السلطات التي تحكم، تاريخياً وراهناً، يجد أن العقل العربي الذي يتّهمه وهبة بالعجز، غير محدد الملامح لديه، فهل هو عقل المثقفين، أم عقل العامة، أم عقل السلطات، هل هو عقل باعة الفول والطعمية في الشوارع وأحزمة الفقر؟ أم رجال الدين ؟ أم طبقة الأكاديميين والمفكرين؟ فلا بد عند تشخيص الحال، من وضع اليد على الجهة التي تمنع ذلك التثوير الفكري وتمتنع عنه في الوقت ذاته، وهو ما لا يفعله وهبة.

غير أنه لا يتوقف في حواره مع الجديد، عن الإشادة بابن رشد، دون التوقف برهة، لتبيين السبب الحقيقي الذي يجعل مفكراً قبطياً، رغم كونه واحدا من بين الخمسمئة فيلسوف مشهور على مستوى العالم أجمع، يتخذ موقفاً متسرعاً من مفكر تم اختزاله من قبل السلفيين، وتم تجاهل تراثه الفكري الفلسفي الكبير الذي تأثرت به الفلسفة الغربية باعترافها، المقصود بالطبع ابن تيمية.

لا شك أن ابن رشد، كان فريداً في التأسيس لطور جديد من أطوار الفلسفة العالمية، لكن بالتأكيد لم يكن ذلك دون الاستناد إلى استعادة الفلسفة القديمة، مبتدئاً بنقد الفلسفة العربية الإسلامية التي سبقت ظهوره.

فضل ابن تيمية على الفكر المادي الغربي

يقول وهبة “كان الفقيه ابن تيميه يعلن بوضوح أنه “ممنوع إعمال العقل في النص الديني”، ولا بد من أن يؤخذ النص الديني بحرفيته، في إطار حاسة السمع، ولذلك هناك ارتباط دائم ما بين السمع والطاعة، ولذلك من يعمل العقل في النص الديني سيكون كافرًا في رأي ابن تيمية، ووفقًا لمذهبه”، وهو إطلاق مستغرب من الرجل، فقد كان ابن تيمية باتفاق خصومه وأنصاره، “شخصية ذات طراز عظيم، فقيهاً متكلماً ناقداً للمنطق الأرسطي والتصوف من جهة، وناقداً استثنائياً وباحثاً أخلاقياً من جهة أخرى”، والكلمات السابقة، وضعتها الباحثة الألمانية أنكه فون كوجلجن الأستاذة في جامعة برن للعلوم الإسلامية، في مقدمة بحثها المعنون “نقد ابن تيمية للمنطق الأرسطي ومشروعه المضاد”.

رسالة ابن تيمية "قاعدة أهل السنة والجماعة في رحمة أهل البدع ولامعاصي ومشاركتهم في صلاة الجماعة"، يتناول في بدايتها مسألة "الخوارج" بالقول "ولا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله، ولا بخطأ أخطأ فيه"

فون كوجلجن تعتبر أنَّ ابن تيمية ما يزال حاضرًا بقوَّة في العالم الإسلامي، وخاصَّة بعد إعادة الاهتمام بفِكْره في القرن العشرين، فقد أصبح في القرن العشرين علامةً تصنيفيَّةً فارقة، فمَن يُعْلِي من شأْن ابن تيمية أو حتَّى يتعاطف معه، يُعتبر إسلاميًّا متشدِّدًا في أغلب الأحوال، ومع ذلك فإنَّ فون كوجلجن ترى أنَّ ابن تيمية -على خلاف أنصارِه المعاصرين- لَم يخرج على حكَّام زمانه، وإنَّما تركَّز جهاده ضدَّ التَّتار والرَّدّ على أصحاب الدّيانات الأخرى، اليهود والنَّصارى، والفرق “الضَّالَّة” والصوفيَّة، وتتبعت فون كوجلجن ردود ابن تيمية على المناطقة، التي تركَّزت حول أربع نقاط أساسيَّة يذكُرها ابن تيمية في بداية كتابه بقوله “الكلام في أرْبع مقامات: مقامين سالبَين، ومقامين موجبَين، فالأوَّلان: أحدهما في قولهم: إنَّ التصوّر المطلوب لا ينال إلاَّ بالحدّ، والثاني: إنَّ التَّصديق المطلوب لا ينال إلاَّ بالقياس، والآخران: في أنَّ الحدَّ يفيد العلم بالتصوّرات. أنَّ القياس أو البرهان الموصوف يفيد العلم بالتصديقات”.

وما أتيح لي من الاطلاع على بحث فون كوجلجن، تورد فيه أهم ردود ابن تيمية على “الحد التام” الذي ينتج تصوّر الماهية عند المناطقة، وأن تعريفهم للحد التام، مبني على أصلين فاسدين التَّفريق بين الوجود والماهيَّة، التَّفريق بين الذاتيات واللَّوازم الذاتيَّة، وهي الأمور التي يرى ابن تيمية أنَّ التفريق بينها “تحكّم محض”.

يردّ ابن تيمية على التَّفريق بين الوجود والماهيَّة بما يمكن تسْميته -وفقًا للكاتبة- بـ”المذهب الأسمى”، والمقصود به هنا أنَّ الماهية ليست سوى تصوّر الأشياء في الذِّهن، بينما الوجود هو الأشياء المتكوّنة في الخارج، فليس في هذا العالَم من وجود حقيقي إلاَّ في الجزئيَّات، أمَّا الكلّيَّات الخمس الَّتي تشمل الجنس والنَّوع فهي مفاهيم ذهنيَّة ليس لها في الواقع وجود مستقلّ عن وجود الأشياء.

وهنا، عند هذه النقطة، تثبت فون كوجلجن أن بذور التفكير المادي الغربي، الذي يرى أنَّ الأشياء المادّيَّة هي “أصل الوجود”، وأنَّ الأفكار تابعة لها، موجودة بوضوح في فكر ابن تيمية، وهو ما عُرِف فيما بعد في أوروبا باسم “المذهب الأسمى”.

فاختصار ابن تيمية وفكره، الذي يعيش اليوم، فقط على ألسنة المتطرفين التكفيريين، أمر يوشك أن يجد من ينادي مثلنا، بالتحرر التام منه، ونزع تلك المرجعية الكبرى من بين يدي الظلاميين، واسترداده من عالم الوحشية إلى عالم الفكر، وهو أمر لا يفعله وهبة، بل يمضي مع كلام العوام في وصف ابن تيمية بأوصاف متسرّعة تنم عن عدم اطّلاع على فكره، على الأقل شغل ابن تيمية على اللغة، وهل هي اصطلاحية أم توقيفية؟ وصلة ذلك بالتعريفات والحدود التي تبين انقسام الحقائق اللغوية أو العرفية أو الشرعية.

ولا أكاد أغادر بحث كوجلجن حتى أعود إليه، لاستعراض كلام ابن تيمية بالنَّصّ في كتابه “الرد على المنطقيّين” والذي قال فيه “وصاروا يعظِّمون أمر الحدود ويدَّعون أنَّهم هم المحقِّقون لذلك، وأنَّ ما يذكره غيرهم من الحدود إنَّما هي لفظيَّة لا تفيد تعريف الماهية، والحقيقة بخلاف حدودهم، ويسلكون الطرق الصَّعبة الطَّويلة والعبارات المتكلَّفة الهائلة، وليس لذلك فائدة إلاَّ تضْييع الزَّمان وإتعاب الأذهان وكثرة الهذيان، ودعوى التحقيق بالكذب والبهتان، وشغْل النفوس بما لا ينفعها بل قد يضلُّها عمَّا لا بدَّ لها منه، وإثبات الجهل الذي هو أصل النفاق في القلوب، وإنِ ادَّعوا أنَّه أصل المعرفة والتحقيق”.

ابن تيمية والتكفير

لا يخفى على قارئ التاريخ، طبيعة ابن تيمية الغاضبة، تجاه الأحداث السياسية العاصفة التي رافقت زمانه، والتي وقف فيها مواقف حادة جداً، من أولئك الذين تعاونوا مع المغول ضد العرب المسلمين، لأسباب تتعلق بمصالحهم، وتصادف ان غالبية أولئك كانوا من الطوائف المنشقة عن الإسلام، لكن هذا ليس هو موقف ابن تيمية العلمي من الآخر، والذي يمكن العثور عليه في رسالته المعنونة “قاعدة أهل السّنّة والجماعة في رحمة أهل البدع والمعاصي ومشاركتهم في صلاة الجماعة”، والتي حققها محمد رشيد رضا، والتي يتناول في بدايتها ابن تيمية مسألة “الخوارج” وأورد الأحاديث التي قيلت فيهم، وأنّهم أوّل من كفّر المسلمين بالذّنوب، ليعلّق على هذا بالقول “ولا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله، ولا بخطأ أخطأ فيه، كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة”.


اختصار ابن تيمية وفكره، الذي يعيش اليوم، فقط على ألسنة المتطرفين التكفيريين، أمر يوشك أن يجد من ينادي مثلنا، بالتحرر التام منه، ونزع تلك المرجعية الكبرى من بين يدي الظلاميين، واسترداده من عالم الوحشية إلى عالم الفكر

يواصل ابن تيمية الكلام عن الخوارج، فيقول إنّه “إذا كان هؤلاء الذين ثبت ضلالهم بالنّصّ والإجماع لم يكفروا، مع أمر الله ورسوله بقتالهم، فكيف بالطّوائف المختلفين الذين اشتبه عليهم الحقّ في مسائل غلط فيها من هو أعلم منهم؟ فلا يحلّ لإحدى هذه الطّوائف أن تكفّر الأخرى وتستحلّ دمها ومالها، وإن كانت فيها بدعة محقّقة”.

الحكم في فكر ابن تيمية

يقسم ابن تيمية الحكم الإسلامي إلى “خلافة نبوة، وملك رحمة، وملك عضوض، وملك جبري”، وهو يعتبر أن الشروط التي يجب أن تتوفر في الحاكم بعد الشروط المجمع عليها، هي “الأمانة والقدرة، والكفاءة”، لذلك فهو يقرّر أن الحاكم يستمدّ سلطته من الأغلبية، كما استمدها الخلفاء الراشدون، أما الوراثة للحكم فهي مرفوضة من أساسها، لأنها “خيانة للأمة” حسب تعبير ابن تيمية، أما الاستيلاء على السلطة فلا يكون بحال موجباً للإقرار بحكم المتسلط، وذلك لعدم وجود دليل شرعي سالم من القدح فيه علمياً، وأما استمراره في الحكم فذلك يخضع لقدرة الأمة على خلعه أو إقراره.

نظرة ابن تيمية للعلاقة بين الحاكم والأمة تقوم على نظرية “العقد السياسي” أو ما يعبّر عنه بالعقد الاجتماعي، بين الحاكم والأمة، لذا فإن هناك حقوقاً وواجبات متبادلة بين الحاكم والرعية، ينبغي على كل طرق القيام بها، وهذه الحقوق ليست مطلقة، بل لها ضوابط وحدود، فالطاعة للحاكم مقيدة بطاعة الله ورسوله والراجح من الأقوال العلمية، ونصرته مقيدة بعدم العدوان، وأما نصح الحاكم فهو حق للحاكم يجب على الرعية بذله، وهو غير محدد في أمر من الأمور، ولا شخص من الأشخاص، فهو يشمل جميع مجالات الحكم، ويعم جميع الناس.

اللافت أن ابن تيمية يتناول أسباب فساد الحكم، ويردها إلى ما هو أبعد من الديني منها، فيضع أسباباً إيمانية، وأخلاقية، واقتصادية، وعسكرية، وقضائية، واجتماعية، وإدارية، وسياسية، وحضارية.

وهنا يختلف فهم ابن تيمية، لما يدّعيه المتطرفون الذين ينسبون أنفسهم إليه، فالحاكم ليس “المتغلب”، بل هو الأكثر كفاءة، على أساس أن ابن تيمية كان قد جعل مسؤوليات الحاكم ووظائف الدولة منها ما هو محدد، ومنها ما هو خاضع للتطورات الحضارية، واحتياجات العصر.

يترك مراد وهبة كلّ ما سلف في فكر ابن تيمية، ويقلّصه إلى الصورة التي ترد في حوار “الجديد” معه على الشكل التالي “الفيلسوف ابن رشد كان يطالب بتحويل المعاني الظاهرة للآيات إلى معاني باطنية مغايرة للمعنى الأصلي، إذ دعا إلى إعمال العقل في النص الديني الذي أطلق عليه التأويل، أي إخراج اللفظ من دلالته الحقيقية الحسية إلى دلالاته المجازية، والانتقال مما هو حسي إلى ما هو مجازي، فعندما يقول (الله يجلس على العرش) فالمعني الحسي المفهوم يعني وجود عرش بالمعنى المحسوس، وأن الله يتخذ وضع الجلوس، في حين يردّنا المعنى المجازي إلى الحكم الإلهي، وبالتالي أعلن ابن تيمية كفر ابن رشد، وهو ما جعله على هامش التاريخ العربي”.

الحاكم والمثقف عند وهبة

يرى وهبة أن التطور والنهضة في أوروبا لم يحدثا إلا بعد استدعاء فلسفة ابن رشد، “ففي القرن 13 كان الإمبراطور فردريك الثاني يعارض رجال الدين، ويقف مع طبقة التجار التي نشأت حول القصور الإقطاعية، فنصحه مستشاروه بضرورة ترجمة مؤلفات ابن رشد لأهميّتها في الإصلاح، وبالفعل أصدر قرارًا بترجمة مؤلفات ابن رشد، في الوقت ذاته كان ابن تيمية يبث أفكاره الظلامية في العالم الإسلامي والعربي، وهو ما نتج عنه نهضة أوروبية وتخلّف عربي”.

تلك النبرة العدائية، التي يواجه فيها وهبة، طبقة العلماء والمثقفين، سيتكرر مثلها في مواضع كثيرة من حواره، منحازاً إلى خيارات السلطة، وتحالفها مع طبقة التجار، دون أن يغفل إسقاط ذلك على الواقع الحالي، مشيداً بالجيش، وحقه في القيادة، فقط لكونه خلّص المجتمع والدولة من هيمنة جامعة الإخوان المسلمين، مترفعاً عن الديمقراطية، التي يمكن من خلالها تخليص الدولة والمجتمع بالآليات السلمية، من أيّ ظاهرة مشابهة لظاهرة الإخوان المسلمين وسواهم.

وسط هذا المشهد الذي يجهد وهبة لرسمه، تبرز الصورة التي يرى المثقف عليها، يقول “نعم المثقف وقف عاجزًا عن القيام بأيّ دور إيجابي إبان ثورات الربيع العربي، بل كان عاجزًا وقت قيامها أيضًا، عندما قامت الثورات كان الشباب هو المحرّك الأول والأخير لها، وهم من قادوا الثورة وطالبوا بالإصلاح، المثقف آنذاك وبعد الثورات كان مشغولًا بتحالفاته مع جماعات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، لذلك استولت الجماعات الإسلامية على الحكم في عدد من البلدان العربية، وهو ما أدّى إلى فشل ثورات الربيع العربي في تحقيق أهدافها، لأنها لم تجد دعمًا من قبل المثقفين الذين يمتلكون رؤية مستقبلية تمكّن الشباب من تحقيق مطالب ثورتهم”.

في هذا المفصل، يكاد يكون وهبة قريباً من وصف حال المثقفين، ولعله قصد بهم “السياسيين”، الذي تحالفوا مع الإسلام السياسي، بعد ثورات الربيع العربي، ولكن هل هذه هي الحقيقة؟ هل هذا ما حدث بالفعل؟

الباحثة الألمانية فون كوجلجن تثبت أن بذور التفكير الفلسفي الغربي، الذي يرى أن الأشياء المادية هي "أصل الوجود"، وأن الأفكار تابعة لها، موجودة بوضوح في فكر ابن تيمية، وهو ما عرف فيما بعد في أوروبا باسم "المذهب الأسمى"، بينما ينعته مراد وهبة بأنه مجرد تكفيري

إن المثقفين، الذين نفهم نحن من هم، ولا نخلطهم بالطبقة السياسية المشتغلة بالمكاسب والخسائر والتحالفات والتناقضات، كانوا على الدوام هدفاً للسلطات الحاكمة، قبل الثورات، وبعدها، فهم إمّا كانوا في سجون السلطات، أو طلقاء معطّلين عن التأثير، أو قابعين في الهامش في زمن وصول الإسلام السياسي إلى الحكم، والأخير بالذات، لم يكن يكترث بالتحالف معهم، بقدر ما حرص على توطيد صلتهم البراغماتية مع الاستبداد، قبل زواله، ومع فلوله بعد زواله.

لكن أن يقرّر مراد وهبة، المفكر الذي ينظر بعين الرأفة إلى حركات التحرر في العالم كله، إلا العالم العربي، وإلى ثورات الربيع العربي على أنها قد فشلت في تحقيق أهدافها، فإنه ينزل بهذا، من كرسي المفكر من جديد إلى مطارح العامة، في النظر إلى حركة التاريخ، ويقيس بمقياس المشاهد لشاشات التلفزة الذي يريد لتلك الثورات أن تحقق نتائجها بسرعة، كما يشتهي معرفة نهاية مسلسل درامي رمضاني.

وصحيح ما يقول وهبة إننا “نحتاج إلى مثقف جريء لديه رؤية مستقبلية تطرح حلولا للواقع المأزوم، وآليات للتفكير في الخروج من الأزمات الراهنة التي سبّبت الأصوليات الدينية في استفحالها، مثقف لديه وعي بأهمية العلمانية في الخروج من الأزمات الراهنة، يجب على المثقف مواجهة الأصولية الدينية وإعلاء فكر العلمانية في المقابل، فدون العلمانية سنظل في ذلك الوضع المأزوم دون أمل للخروج منه”، إلا هذا الدور الذي يطالب به وهبة المثقف، هو دور يتنصل منه شخصياً، ولا يحاسب نفسه على عدم القيام به، لا سيما في منعطفات هامة من تاريخ الشعوب العربية.

فالمفكر المصري، لا يرى على الإطلاق أن هناك “هيمنة من قبل السلطات السياسية على المؤسسات الثقافية أو الثقافة”. متغاضياً عن تاريخ طويل من احتكار العمل الثقافي على يد السلطات، منع فيه المثقفون من العمل والتفاعل، ومنعت أعمالهم في سيل المجاملات الدفاق ما بين الاستبداد والسلطة الدينية ومحرماتها، الذي تواطأ على المثقفين المتمدنين، وجعل الصورة حادة الطابع بين لونين فقط، سلطة ودين.

والتجارب التي أجراها مراد وهبة، لا سيما تجربته “الفلسفة ورجل الشارع″ والتي أثبت فيها، قاصداً، جهل الشارع وازدراءه للفلسفة والمثقفين معاً، أفضت به إلى رؤية ناجٍ وحيد بين أولئك اللاعبين، الحاكم ما غيره، الذي يتغنى به الفيلسوف مراد وهبة، وهو الذي قال دون أن يرفّ له جفن “لا أرى ضيرًا من تأييد المثقفين للحكومات العسكرية، فالجيش ليس عدوًا، في مصر، الجيش هو الذي أنقذ مصر من الوقوع في براثن جماعة الإخوان المسلمين، لا نستطيع عزل الجيش عن الحياة السياسية، ففي العالم العربي نحن أمام ثنائية الجيش أو الإخوان، في ظلّ غياب الثقافة العلمانية، الجيش هو البديل الوحيد الذي يحمي من الوقوع في براثن الجماعات الإسلامية، وعلى رأسهم جماعة الإخوان، أعتقد أن الحكومات العسكرية من الممكن أن تساهم في ترسيخ الفكر العلماني”.

يتحمل الإخوان المسلمون مسؤولية انحطاط الخطاب الفكري إلى هذا المستوى، بعد أن أزاحوا خلال فترة حكمهم، كل ما يمكن أن يكون له دورٌ فعال في الساحة السياسية والاجتماعية، وصنعوا بأنفسهم هذا التناقض الرخيص، الذي يختزل الشعوب العربية إلى جيش وإخوان، وكأنّ من هم لا جيش ولا إخوان، مجرد هباء منثور في صراع الفريقين، الذي ينظّر الفيلسوف مراد وهبة للحرب المندلعة بينهما.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.