الأسيران، المثقف والمفكر
ثمة الكثير من الأسئلة التي يطرحها المثقفون والمفكرون في الغرب. الأسئلة حافلة بالتنوع بشكل تحتاج إلى تصنيفات ملونة مثل درجات قوس قزح. هذا ما يجعل المجال الثقافي والفكري ثريا جدا، ومنابره متنوعة وملونة بدورها.
طبيعة الأسئلة التي يطرحها هؤلاء تتركز على أبعاد ما يحدث في الغرب والعالم الآن.
مثقف الغرب اليوم أو مفكره يطرح أسئلة من نوع آخر. الكثير من هذه الأسئلة تتعلق بأخلاقيات التطور الراهن الذي يعيشه. خذ أمثلة.المثقف يقف متوترا أمام التطوّر الكبير الذي يحققه الذكاء الصناعي. المنظومات المعقدة التي تطورت مع تطور سرعة الكمبيوترات وتقدم القدرات البرمجية لأجيال المهندسين الجديدة، صارت تمثل تحديا أخلاقيا.
على المفكر أن ينظر عميقا في أخلاقيات الصحة والطب والدواء. الاكتشافات الطبية غيرت حياة العالم وأطالت الأعمار. هل العمر الطويل شيء أفضل للبشرية أم أن الحياة اختطت مسارها منذ الخليقة لكي تتجدد وتتغير بدلا من أن تعلق بسنوات الكهولة؟
المفكر ينظر جديا إلى واقع التطور في التعليم وما يمكن أن يقدم للأطفال والشباب أو في التعليم المستمر. هل نعلم أطفالنا معارف أعمق أم أوسع بعمق أقل؟ الكتاب أم الكمبيوتر اللوحي؟ الرياضة الذهنية أم الرياضة الجسمية؟ تدريب مبكر على الكمبيوتر وألعاب الفيديو أم ورق وقلم وكتب؟ متى نتوقف عن تعليم البالغين، أم هل نستمر؟
المثقف يسأل عن الثورة التقنية وأثرها في الثقافة، بكل أوجهها. ماذا يحدث إذا أنهت الثورة التقنية وعصر الاتصالات مركزية الثقافة وكيف سيكون شكل المجتمع؟ من يحتاج إلى أحزاب يسار ويمين إذا كان بوسعنا الالتفاف من حول تغريدة على تويتر أو رسالة من فيسبوك؟ كيف يمكن لليمين أن يصبح يمينا والكثير من ناشطيه من دعاة المساواة الاجتماعية كما يردّدون عبر الشبكات الاجتماعية؟ ماذا تبقى لليسار غير التأمل بعد أن سحبت المجموعات المتوالدة آنيا على الإنترنت البساط من تحت قدميه وهزت قدرته على تأليب الناس ضد انعدام العدل؟
هذه قضايا حيوية ومهمة وتطرح نفسها كل يوم في الغرب. وثمة قراءات متواصلة وناشطة في الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى وفي حلقات الإعلام البديل.
المثقف ليس صنعة محاصرة في النقد الأدبي ومراجعة الكتب. المفكر ليس مهنة النقاش في القضايا السياسية والدين. هذان عضوان حيويان في مشهد الحياة اليوم ومن غير المقبول أن نغلق عليهما حجرة الأدب والسياسة والدين ونتركهما هناك كما هو حال مثقفنا ومفكرنا في العالم العربي.
لا بد من الاعتراف بالإحباط من الدور المتعثر للمثقف العربي. لا بد من الاحتجاج على الدور الذي يضطلع به المفكر العربي. هذان الأسيران عند نفسيهما قبل أن يكونا أسيري المجتمعات التي يمثلانها. هذا الأسر في الموضوع والتاريخ والاهتمام نعاني منه جميعا وبشكل يومي، في كل صفحة ثقافة لا اهتمام لها إلا النقد الشعري والأدبي، وفي كل صفحة فكر لا تهتم إلا بطرح الشأن السياسي والديني. الدليلان اللذان نعتمد عليهما في إرشادنا إلى الطريق، يبرهنان أنهما لا يعرفان إلا قراءة القليل من علامات السير الإرشادية.
أعاننا الله في مسيرتنا