البحث عن مسطرة جديدة
1
أكتب الشعر لكي أشعر بالمعنى، أكتبه لأنه طاقتي اليومية المتدفقة من الينابيع السريّة، أكتبه لأنه يعينني على خشونة أيامي وصرامة ما أكتبه خارجه، أكتبه لكي أحقق لماهيتي وذاتي امتلاء وجودهما، أكتبه لكي أهزم الماضي ولكي أصطاد المستقبل، أكتب الشعر لأني جعلت له وظيفة عملية محددة في حياتي وبها يكتمل الشعر عندي، أكتب الشعر لكي أشعر بفرادتي ولكي أدوّن أسطورتي الشخصية.
2
أمور كثيرة جداً.. لعل أهمها العمق الروحي الذي يتشبع به شعري، شغفي بوتر خاص وغير مطروق في المرأة، رموز دفينة أخفيتها في نصوصي مثل مفاتيحٍ تحت التراب.. محاولة تطويعي لفنون شرقية بائدة في صيغة حداثية جديدة، وغيرها كثير. النقاد لا ينتبهون لمثل هذه الأمور للأسف.. وربما يعتبرونها غريبة.
3
أغلب الشعر المعروفين أكملوا مهمتهم على وجه جيد وغيابهم لن يؤثر على مشهد الشعر الحالي، هناك عزف شعري جديد يقدمه بعض الشباب لا بد من الانتباه إليه وتركه يأخذ مجراه ويحفر نهره بهدوء. الواقع تغير وانفضح بشكل غير مسبوق، وكلّ من لا يتلمس بشعره هذا فسيمر الزمن عليه.
بكل صراحة أقول أني أكتب الشعر عفوياً كما تنضح به تجاربي الواقعية وما يتماسك في أسلوبياتي، لكنّ هناك مشروعاً بنيته، بعناية وحرص، بعد كل هذه التجارب أراها وقد اجتمعت في مجلدات شعري الثمانية (وهي الأعمال الشعرية التي صدرت) كمأوى روحي وجمالي لي أعتز به.
4
واضح أن هذه الجملة تقيس الشعر بمسطرة عتيقة تعود لزمن الشعراء العرب الكبار النجوم في النصف الثاني من القرن العشرين، وهي مسطرة المنبر والكاريزما والشهرة الإعلامية ومهرجانات الشعر والتوازي مع زعماء العرب (بنية شعرية في مقابل بنية سياسية)، لا بد من وجود مسطرة جديدة تنظر للشعراء لا كنجوم.. وإنما كقطع فسيفساء تكمل بعضها لترسم صورة شعرية بلا مركز فحلٍ لها.
5
الواقع، اليوم، يقترب من الشعر أكثر، فقد نزع هذا الواقع ثيابه المزركشة اللّماعة وأصبح عارياً يشبه الشعر في صراحته، وإن كان قاسياً ومعذباً، لكنها الحقيقة. كان الشعر، أيضاً، يحتمي ببراقعه البلاغية مثل الواقع المُزيّن بمكياجٍ رقيعٍ ورخيص.
ولذلك فإن أكثر من صدمتهم هذه المفارقة هم الذين كانوا يعيشون ببلاغة زركشية أيضاً، أما الشاعر الباصر المعلم العميق والذي كان يرى باطن الواقع السابق فلم يُصدم بل أتيحت له فرصة أفضل ليقول ما يريد.