البصرة بيت الجداول

شارك في إعداد الملف: عواد علي وأحمد ضياء
السبت 2018/12/01
البصرة التي تعاني العطش

قد لا يعرف البعض أن البصرة، التي تعاني اليوم من العطش والإهمال المريع، على جميع الأصعدة، تنتج 80 بالمئة من نفط العراق منذ 66 عاما، وهي ثالث أكبر مدنه، وعاصمته الاقتصادية، ومنفذه البحري الوحيد على العالم، وصاحبة الحصة الأكبر في الإبداع الثقافي والتراث الفكري والأدبي بالعراق، ففيها نشأت مذاهب ونزعات مختلفة في الفكر والأدب والفقه والسياسة والتصوف، ومنها انتشرت في بقية العالم الإسلامي، مثل مذهب المعتزلة والأشعرية، ورسائل الفلاسفة إخوان الصفا. وهي التي ظهرت فيها مدارس النحو على يد اللغويين ابن أبي إسحاق الحضرمي، الفراهيدي، أبي الأسود الدؤلي، عيسى بن عمر الثقفي، أبي عمرو بن العلاء وسيبويه. ونظرا لعلو مكانة المدينة فقد خصها الهمذاني والحريري بمقامتين من مقاماتهما الشهيرة.

كتب الشعراء البصريون والعراقيون والعرب عن البصرة المئات من القصائد، ودارت على أرضها وفي حاراتها وبيوتها وشوارعها وجوامعها وكنائسها ومقاهيها وملاهيها أحداث العشرات من القصص والروايات، فحفظنا من خلالها أيقوناتها المكانية والمائية، التي تشكّلت من خلالها صورة نموذجية للبصرة، بوصفها مدينة كوزمزبوليتية، أبوابها مفتوحة، ونوافذها مشرعة على الدنيا كلها، يعيش فيها العرب والكرد والآشوريون والكلدان والأرمن والهنود والبلوش والأفغان والإيرانيون، وبقايا الأتراك والإنكليز، وغيرهم الكثير؛ مسلمون ومسيحيون كاثوليك وبروتستانت وأرثوذكس ولوثريون وسبتيون ومندائيون صابئة وهندوس وبوذيون.

في البصرة ظهر السياب مؤسسا للشعر العربي الحديث أو الحر، مع مجايلته نازك الملائكة وخلّد شناشيلها وقريتها “جيكور”، ونهيرها “بويب”، واضعا إياه في قلب العالم المعاصر، وكأنه نهر “الدون الكبير” لدى شولوخوف، أو “نهر درينا” لدى إيفو اندرتش.

وحديثا، جسد ساردها الماهر محمد خضير عالمها اليوتوبي في كتابه “بصرياثا: صورة مدينة”، واستدعاه ورسّخه في معظم نتاجه القصصي. فعلى غرار ما رواه الرواة عن أحداث المدن القديمة وعجائبها المنطوية، روى خضير ما هو معلوم ومدبّر في سطور قدر البصرة، برؤية سردية ومعرفية حديثة، أعادت اكتشاف المدينة، وأسطرتها وتحويلها إلى مدينة فاضلة، أثيرية، متخيَّلة.

في هذا الملف، الذي أعدته “الجديد”، تضامنا مع البصريين في محنتهم وانتفاضتهم، يلتقي عدد من قصاصي البصرة وشعرائها ونقادها ومؤرخيها، ليكتبوا عنها، عن ماضيها وحاضرها، وعن أهلها ونخلها وبساتينها ورموزها الثقافية، وعن شط العرب الذي يحتضنها، ونهرها “العشّار” الذي يمتد شريانا طويلا في جسدها، وفضاءاتها الأليفة الملهمة للمبدعين، وعن مجاذيف مراكبها، وعن عشّاقها، وما تبقى فيها من ذكريات المغتربين عنها.

قلم التحرير

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.