التجربة السعودية المرة
ربما تبدأ الحكاية من كتاب عوض القرني «الحداثة في ميزان الإسلام» الذي قدم له مفتي المملكة الراحل الشيخ عبد العزيز بن باز، ووصفه بالقيم وشكر كاتبه، وبيَّن خطر كلمة «الحداثة»، وأهميتها وتأثيرها، وأن الحداثيين في السعودية استخدموها سلاحاً لحرب الإسلام والمسلمين. لكن الحكاية لا تنتهي هناك، فمنذ بذور حركة الصحوة الإسلامية التي أتت بمباركة سياسية على شكل رشاوى ومراضاة للتيار الديني بعد الصفعة التي تعرض لها في اجتثاث حركة جهيمان في الحرم المكي أواخر العام 1979 وهذا التيار يكبر يوماً بعد يوم، وتمتد أياديه إلى مناطق الهيمنة الحساسة على المؤسسات الرسمية التعليمية والإعلامية، وعلى المراكز الصيفية، وعلى المنابر الدينية والشعبية المتنوعة في البلاد.
ومع مجيء عوالم الإنترنت المفتوحة بدأ يأخذ تشكّله الجديد في قنوات التواصل الاجتماعي في تويتر وفيسبوك، حيث يتابع صفحات حركة الصحوة الملايين. ولنا أن نلقي نظرة سريعة على صفحات رموزه من أمثال: ناصر العمر ومحمد العريفي وناصر الدويش وعبدالسلام القفاري وعبدالعزيز الطريفي ومحمد الشنار وأحمد بن سعد القرني ومحمد النجيمي وعوض القرني وسفر الحوالي ومحمد الهبدان وحمود العمري وإبراهيم الدويش ومحمد البراك وعبدالرحمن المحمود ومحمد الدويش وسعد البريك وآخرين، لنلمس مقدار حضورهم الشعبي الكبير حيث ينافسون نجوم السينما والغناء باسم الدين وفتاواه.
لقد وقف هذا التيار حجر عثرة أمام أيّ محاولة للنهوض بالخطاب العلمي التنويري العقلاني في المملكة، تحت ذريعة «مخاوف التغريب»، والتأثر بـ»الفكر الغربي المتفسّخ» أو الشرقي الشيوعي الملحد. واستمرّ هذا المسعى لسنوات طويلة في بحبوحة من العيش دون أن يجد من يوقفه عن خطابه العنيف المسكون برفض الآخر والعداء له. فحارب بعنف منذ القرن الماضي المذاهب الإسلامية المختلفة عنه من شافعية ومالكية وحنفية وشيعة وصوفية، بل وانقلب بعض أهل هذا الخطاب حتى على الحنبلية التي ينحدر منها الفكر الوهابي الذي رأى في نفسه أنه وحده يمثّل أهل السنة الحقيقيين، أتباع الفرقة الناجية.
بعض التغريدات المعبرة عن مواقف تكفيرية موجهة ضد المثقفين الموصوفين بأنهم علمانيين
أغلفة كتب تشكل بعض مصادر ثقافة العنف، صدرت ما بين ثمانينات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحالي
إن نظرة سريعة على بعض صفحات هؤلاء ستقودنا إلى نتيجة واحدة فقط، مفادها أنهم مهمومون بأمرين (الرافضة، والليبرالية). حيث سيواجه المتابع مئات التغريدات اليومية التي تعزز من ثقافة الكراهية متلاعبة بعقول المتابعين (الغيورين) عبر إيهامهم بخطورة هؤلاء على الدين بطريقة بكائية لا تخلو من الصراخ العالي والتلفيق وإعطاء الأمور أكثر من حجمها الحقيقي. وهنا الخطورة، فالأمر كما يعبّر عنه غوستاف لوبون «إذا ما أحبت الجماهير ديناً ما أو رجلاً ما تبعته حتى الموت».
على الضفة الأخرى من الخليج في العام 1979، انتصرت «الثورة الإسلامية» في إيران على نظام الشاه، وتقدّم الخميني ليدير البلاد تحت مظلّة الدين التي أبعدت منذ اليوم الأول شركاءه في النجاح من الشيوعيين واليساريين، بل حتى من الدينيين المختلفين معه في استراتيجيته القائمة على «ولاية الفقيه» قبالة «شورى الفقهاء» التي دعا لها المرجع الشيعي الشيرازي، فأعدم بعضهم، وسجن آخرين، وأمر بالإقامة الجبرية على البقية.
هذا الخطاب الإسلاموي انعكس على شيعة الخليج العربي، فساهمت فتاواه ضد الأفكار غير الإسلامية على خلق «تيار ثوري» في الداخل الخليجي يحمل الرفض والعداء للآخر المختلف عنه، سواء من السنة، أو من التيارات السياسية الثورية اليسارية والشيوعية وغيرها. لا سيما وأن المرجعية الدينية في العراق (السيد محسن الحكيم) كانت قد أفتت بأن «الشيوعية كفر وإلحاد»، الأمر الذي سهّل لأيّ خطاب ديني ثوري سيأتي منسجماً مع هذه النتيجة. مما جعل جميع الكتب التي تصدر عن غير المؤسسة الدينية ذات المرجعية الحوزوية هي كتب ضلال، كما حصل مع كتب علي شريعتي ورواية سلمان رشدي.
وهنا، من الممكن التوقف عند مدى الانسجام الكبير بين الخطاب الإخواني والخطاب الشيعي الإيراني الثوري، وجميع العارفين والمتابعين يعرفون أن علي خامنئي هو من قام بترجمة كتاب سيد قطب «المستقبل لهذا الدين» من العربية إلى الفارسية محتفياً به في مقدمة متخمة بالثناء على الكتاب ومؤلفه.
خالد عبد العزيز محمد