التصدير القرآني في روايات علي أحمد باكثير

السبت 2022/10/01

درج الأديب علي أحمد باكثير (1910 – 1969) على تصدير أعماله المسرحية والروائية بآية أو أكثر من آيات القرآن الكريم؛ وذلك منذ أول عمل أدبي له، وهو مسرحية “هُمام أو في عاصمة الأحقاف” التي صدرت طبعتها الأولى عام 1934، وحتى آخر عمل كتبه قبل وفاته عام 1969. ولم أجد فيما اطلعت عليه من أبحاث وكتابات حول أدب باكثير من أفرد هذه الظاهرة بدراسة مستقلة، فيما عدا دراسة باللغة الإنجليزية للأستاذ إقبال هاشم، الباحث في جامعة ميلبورن بأستراليا، بعنوان: أهمية الآيات القرآنية في أدب علي أحمد باكثير: (السلسلة والغفران) و(الدكتور حازم) نموذجاً ([1]). وسنحاول في هذه الدراسة تناول هذه الظاهرة في أدب باكثير متخذين من الروايات نموذجاً، وذلك لقلة عددها، حيث ترك باكثير ست روايات وأكثر من ستين مسرحية طويلة، بالإضافة إلى العديد من المسرحيات القصيرة ذات الفصل الواحد. وقد التزم باكثير بالتصدير القرآني في رواياته ومسرحياته الطويلة، ولكنه لم يلتزم ذلك في المسرحيات القصيرة. وقبل الدخول في صلب الموضوع، سنتناول باختصار مصطلح العتبات النصية، ومنها التصدير، وأهميته في العمل الأدبي.

العتبات النصية وأهميتها

في العمل الأدبي

يقصد بالعتبات النصية النصوص المصاحبة للنص الأدبي، مثل: العنوان، والتصدير والإهداء، والتقديم، وغيرها، ويشمل ذلك أيضاً الإخراج الفني للنص الأدبي مثل صورة الغلاف وطريقة كتابة اسم المؤلف وعنوان العمل الأدبي، وغير ذلك، مما هو خارج النص الأدبي.

ويعد اهتمام النقاد بدراسة العتبات النصية المصاحبة للنص الأصلي حديثا نسبياً، ويعد جيرار جينيت  أشهر من اهتم بدراسة العتبات ونظَّر لها في كتابه “عتبات” الصادر عام 1987 ([2])، وإن سبقته كتابات قليلة لعل أقدمها – كما يصف جينيت – هي مقالة كلود دوشي التي نشرت في مجلة الأدب سنة 1971 ([3]).

والمصطلح الأجنبي للعتبات هو ( (Para-textوتوجد عدة محاولات أخرى لترجمته مثل: المناص، والنص الموازي، والنص المحاذي، والنص المؤطر ([4]). كذلك توجد ترجمات أخرى، هي: المناصصات، المناصات، النص الموازي، محيط النص الخارجي، الملحقات النصية، الموازية النصية، الموازي النصي ([5]).

وقد آثرنا مصطلح العتبات لأنه أكثر المصطلحات شهرة بين المهتمين بالنقد الأدبي التطبيقي الحديث ([6])، ولما له من دلالة على عتبة الباب التي يُدخل منها إلى فنائه، وكذلك هذه النصوص المصاحبة للنص يمكن من خلالها الدخول إلى عوالم النص. وإذا رجعنا إلى معجم لسان العرب (مادة عتب) فسنجده يُعرِّف العتبة بأنها: “العَتَبَةُ: أُسْكُفَّةُ البابِ التي تُوطأُ؛ وقيل: العَتَبَةُ العُلْيا؛ والأُسْكُفَّةُ: السُّفْلى، والجمع: عَتَبٌ وعَتَباتٌ”.

ويفرق جينيت بين العتبات (seuils) وبين المناص (paratexte)، فالعتبات عنده تتحدد في خمسة أنماط هي: التناص، المناص، الميتانص، النص اللاحق، النص الجامع([7]) . ويرى جينيت أن أنواع المناص (وهي التي اخترنا ترجمتها بالعتبات) تندرج تحت نوعين مهمين، هما: مناص الناشر، ومناص المؤلف. وينقسم مناص الناشر إلى: النص المحيط النشري (ويشمل: الغلاف وصفحة العنوان والجلادة، وكلمة الناشر)، والنص الفوقي النشري (ويشمل: الإشهار، وقائمة المنشورات، والملحق الصحفي لدار النشر) ([8]).

أما مناص المؤلف فينقسم بدوره إلى قسمين: النص المحيط التأليفي (ويشمل: اسم الكاتب، العنوان الرئيسي والفرعي، العناوين الداخلية، الاستهلال، المقدمة، الإهداء، التصدير، الملاحظات، الحواشي، الهوامش). والنص الفوقي التأليفي (ويشمل: اللقاءات، الحوارات، المناقشات، القراءات النقدية، المذكرات الحميمية، النص القبلي، التعليقات الذاتية) ([9]).

التصدير

يعرف جينيت تصدير الكتاب بأنه “اقتباس بإمكانه أن يكون فكرة أو حكمة تتموضع في أعلى الكتاب، ملخصا معناه فهو وظيفة تلخيصية” ([10])، وعادة ما يكون في أول صفحة بعد الإهداء وقبل الاستهلال([11]) . ويتكون التصدير من ثلاثة عناصر، هي التصدير، وهو الاقتباس، وعلى الكاتب أن يضعه بين قوسين وأن يكتبه بخط مغاير للخط العمل، والمُصدِّر، وهو من يضع التصدير، وقد يكون الكاتب أو شخص آخر من محيطه أو الناشر، والمُصدَّر له، وهو قارئ يتخيله الكاتب بأنه سينخرط في فعل قراءة العمل ([12]).

وظائف التصدير

صورة

إن التصدير لحظة صامتة، يخضعها التأويل للقراءة لينطق صمتها. وقد حدد جينيت أربع وظائف للتصدير؛ اثنتان منها مباشرتان وهما: وظيفة التعليق على العنوان ووظيفة التعليق على النص، واثنتان غير مباشرتين وهما: وظيفة الكفالة/الضمان غير المباشر، ووظيفة الحضور والغياب للتصدير ([13]).

1- وظيفة التعليق على العنوان

وهي وظيفة تعليقية تكون مرة قطعية ومرة أخرى توضيحية ومن هنا فهي لا لتبرر النص ولكن تبرر عنوانه.

2- وظيفة التعليق على النص

وهي الوظيفة الأكثر نظامية بحيث تقدم تعليقا على النص تحدد من خلاله دلالته المباشرة ليكون أكثر وضوحاً وجلاء بقراءة العلاقة الموجودة بين التصدير والنص.

3- وظيفة الكفالة/الضمان غير المباشر

وهي من الوظائف غير المباشرة لأن الكاتب يأتي بهذا التصدير المقتبس ليس لما يقوله هذا الاقتباس ولكن من أجل من قال هذا الاقتباس لتنزلق شهرته إلى عمله ([14]).

4- وظيفة الحضور والغياب للتصدير

هذه الوظيفة هي الأكثر انحرافا لارتباطها بالحضور البسيط للتصدير كيفما اتفق لأن الواقع الذي يحدثه التصدير أو غيابه يدل على جنسه أو عصره أو مذهبه الكتابي، فحضوره لوحده علامة على الثقافة وكلمة جواز تثاقفي ينقشها الكاتب على صدر كتابه ([15]).

التصدير القرآني في روايات باكثير

تفرد الأديب علي أحمد باكثير بين أدباء عصره بحرصه على تصدير كل أعماله الروائية والمسرحية بآية أو آيات من القرآن الكريم، ويرى الدكتور أحمد عبدالله السومحي أن هذا التصدير القرآني من دلائل الاتجاه الإسلامي عند باكثير ([16]). أما الدكتور طه حسين الحضرمي فيرى أن “هذا التصدير يحمل توجيها أيديولوجيا يلقي ضوءًا على مضمون العمل الأدبي الذي يتصدَّره”([17]) . وكذلك يرى الدكتور أبوبكر البابكري أن الآية القرآنية في مطلع الرواية عادة ما تكون متعلقة بالحدث الروائي أو مفسرة له ([18]).

وسنستعرض في الصفحات الآتية التصدير القرآني لروايات باكثير، ونحاول تلمس العلاقة بينها وبين مضمون النص الأدبي.

رواية سلَّامة القس (1941)

نشرت رواية (سلَّامة القس) سنة 1941، على 7 حلقات في مجلة “الثقافة” ([19])، وفازت بجائزة السيدة قوت القلوب الدرمرداشية عام 1943مناصفة مع الأديب نجيب محفوظ عن روايته “رادوبيس”. وطبعت في كتاب عام 1944 صدر عن لجنة النشر للجامعيين.

وقد صدَّرها المؤلف بقول الله تبارك وتعالى: “وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ” (يوسف، 24).

والرواية تحكي قصة وقوع عبدالرحمن بن أبي عمَّار الملقب بالقس لتقواه وورعه، في حب سلَّامة المغنية، وعشقها له حتى اشتهرا بذلك، فلُقبت بسلَّامة القس. وقد حدث أن خلا بهما المجلس مرة فراودته عن نفسه، قائلة له ([20]) :

 – يا ابن أبي عمار إني أحبك.

– فقال عبدالرحمن وهو يضطرب: “وأنا والله يا سلَّامة أحبك”.

– فقالت وهي تنظر إليه مائلة الرأس: “وأحب أن أضع فمي على فمك”.

– فقال لها وبصره إلى الأرض: “وأنا والله أحب ذلك”.

– فقامت سلامة ودنت منه وأخذت بيده قائلة: “إذن فما يمنعك؟ فوالله إن الموضع لخالٍ”.

فذهل عبدالرحمن وخُيِّل إليه أنه يرى طيفاً في حلم، وبقي صامتاً يدير طرفه في أنحاء المشربة فقالت سلامة: “ليس عندنا من أحد غيري وغيرك”. فانتفض عبدالرحمن فجأة، ونظر إليها نظرة هائلة وقال: “أنسيتِ الله يا سلامة؟”. فاضطربت سلامة ورفعت يدها عن يده، وكأن ناراً لذعتها، فتراجعت إلى الوراء وعيناها الزائغتان لا تفارقانه كأنما ترى أمامها هولاً تتقيه. واستمر عبدالرحمن يقول: “لا يا حبيبتي، لا، إني أحبك يا سلَّامة، وإني سمعت الله عز وجل يقول: ‘الأَخِلاَّء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ’ ([21])، وأنا أكره أن تصير الخلة التي بيننا عداوة يوم القيامة”.

صدَّر باكثير روايته بتلك الآية الكريمة التي تحكي موقف النبي يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز حين راودته عن نفسه فاستعصم. وكذلك عبدالرحمن القس، لم يستجب لطلب سلامة رغم حبه لها وهيامه بها، وذلك خوفاً من الله تعالى، ولأن حبه لسلامة حب عفيف طاهر يسمو عن الرغبات الشهوانية، فهو يطمح أن يستمر حبه لها حتى بعد وفاتهما، ولذلك ذكَّرها بقول الله تعالى: “الأَخِلاَّء يَوْمَئِذٍ (أي يوم القيامة) بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ”، وهو يطمح أن تكون زوجة له في الآخرة إن تعذر أن يظفر بذلك في الدنيا. وهكذا رأينا أن هذا التصدير بهذه الآية القرآنية قد اختصر أهم حدث في الرواية قامت عليه، وهو أن يكون الحب طاهراً عفيفاً، وأن يكون المحب طاهراً نقياً تقياً، وبهذا يكون حبه مستمراً في الدنيا الفانية وفي الآخرة الباقية. يقول العلامة الزمخشري في تفسير الآية ([22]):

“همّ بالأمر إذا قصده وعزم عليه، ومنه: الهُمام وهو الذي إذا همّ بأمر أمضاه ولم ينكل عنه. وقوله: “وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ” معناه: ولقد همَّت بمخالطته “وَهَمَّ بِهَا” وهمّ بمخالطتها “لَوْلا أَن رأى بُرْهَانَ رَبّهِ” جوابه محذوف، تقديره: لولا أن رأى برهان ربه لخالطها، فحذف؛ لأنّ قوله: ‘وَهَمَّ بِهَا’ يدل عليه”.

وهذا يعني أن الهم لم يحصل من يوسف عليه السلام، لأنه رأى برهان ربه. وكذلك القس في الرواية لم يهم بها لأنه رأى برهان ربه، وعصمه دينه وتقواه عن الوقوع في الفاحشة. وبهذا – كما يرى الدكتور البابكري – “يتفق محور الرواية وهو تصوير الضعف الإنساني وانتصار الإيمان مع مضمون هذ الآية وتفسيرها” ([23])، وأرى أن باكثير يهدف من هذا التصدير إلى أن الاستعصام عن الوقوع في الفاحشة ليس سلوكاً خاصاً بالأنبياء – كما في قصة يوسف – بل يمكن أن يحصل من أيّ إنسان يخاف الله ويتقيه حق تقواه.

وكنت قد تناولت هذه الرواية في دراسة سابقة، ورأيت أن باكثير يصور في هذه الرواية طرفاً من الصراع الذي حدث في نفسه حين قدم مصر ورأى فتنها ومباهجها، وأخذ يوازن بين حاضره في مصر وهو يتقلب بين الفتن ولكنه يعصم نفسه من الوقوع فيها ويخاف الله ويتقيه، وبين ماضيه في حضرموت حيث كانت حياته هانئة رتيبة لا تحوطها الفتن، ولا تخالطها الشهوات، فينتصر باكثير لحاضره كما انتصر القس لحاضره على ماضيه، ويرى أنه في حاضره حيث يصارع الشهوات ويستعصم عنها، اتقى لله من ماضيه الذي لم تكن فيه فتن ولا شهوات ([24]).

رواية وا إسلاماه (1944)

لوحة

نشرت سنة 1944 عن لجنة النشر للجامعيين، وفازت بجائزة وزارة المعارف عام 1944م مناصفة مع الأديب نجيب محفوظ عن روايته “كفاح طيبة”. وصدَّرها باكثير بقول الله تبارك وتعالى: “قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ” (التوبة، 24). ويرى العلامة الزمخشري في تفسيره أن هذه الآية “شديدة لا ترى أشدّ منها، كأنها تنعى على الناس ما هم عليه من رخاوة عقد الدين، واضطراب حبل اليقين ([25]) . ويقول العلامة محمد متولي الشعرواي عند تفسير هذه الآية ([26]):

“والخطاب هنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليبلّغه للمؤمنين. وقد جاء سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة بمراحل القرابة، فذكر أولاً صلة النسب من آباء وأبناء وإخوة، ثم الزواج، وهو وسيلة التكاثر، ثم الأهل والعشيرة، ثم الأموال التي نملكها فعلاً، ثم الأموال التي نريد أن نكسبها، ثم المساكن التي نرضى بها، وبعد ذلك ذكر التجارة التي تزيد من المال. ويذكّرنا الحق سبحانه هنا إن كانت أيّ مسألة من هذه الأشياء، وهي زينة الحياة الدنيا أحب إليكم من الله ورسوله والجهاد في سبيل الله “فَتَرَبَّصُواْ” أي انتظروا حتى يأتيكم أمر الله، وحينئذ ستعرفون القيمة الحقيقية للدنيا وقيمة ما عند الله تعالى من رضاء ونعيم”.

ويرى الدكتور أبوبكر البابكري أن الرواية تحث على الجهاد كما تحث عليه الآية([27]) . ويضيف: “إن محور الرواية هو الجهاد في سبيل الله ولا شك أن الواقع السياسي الذي يشير إلى سقوط فلسطين وتقسيم العالم الإسلامي إلى دويلات هو الذي استدعى تاريخ حروب التتار والصليبيين” ([28]) ، ويرى “إن هذ الرواية تعد إرهاصا لثورة مصر 1952 واستشرافاً للمستقبل الذي ستبنيه مصر بعد ثورتها في مواجهة الأعداء” ([29]).

وكذلك يرى الدكتور عبدالله الخطيب أن الرواية جاءت “صرخة مدوّية ودعوة مفتوحة للجهاد ضد العدو الصهيوني مستلهماً هذه الدعوة من التاريخ العربي حيث تمكن المسلمون من تحطيم حملات التتار المتتالية التي كان من شأنها تدمير المرافق الحياتية في بلاد المسلمين لكن النصر في النهاية كان حليف المسلمين، ويقصد باكثير من وراء هذا التشخيص شحذ همم المسلمين ورفع معنوياتهم للقيام بالدور المنوط بهم في مثل هذ الأحوال الاستعمارية” ([30]).

ومن الواضح أن جميع النقاد قد فهموا من هذا التصدير أن باكثير يرمي إلى حث المسلمين المعاصرين له على الجهاد، ولكن أيّ جهاد يقصده باكثير؟ لمعرفة ذلك علينا أولاً أن نعرَّف مفهوم الجهاد في اللغة والشرع.

الجهاد في اللغة يشمل كل جهد يبذله الشخص، وأما في الشرع فهو على معنيين أحدهما عام والآخر خاص: فأما العام فهو بذل الوُسع في حصول ما يحبه الله من الإيمان والعمل الصالح ومن دفع ما يبغضه الله من الكفر والفسوق والعصيان ([31]). وأما المعنى الخاص للجهاد فيراد به جهاد الكفر على وجه الخصوص وهو المراد عند إطلاق الجهاد في اصطلاح الفقهاء([32]) . وهذا النوع من الجهاد على قسمين: أحدهما جهاد الدفع؛ ويقصد به الدفاع عن بلاد المسلمين، وثانيهما جهاد الطلب؛ وهو غزو  الكفار في بلادهم ([33]).  

وبالرجوع إلى أحداث الرواية، يتضح أن باكثير ضد جهاد الطلب، وأنه يفسر الجهاد في الإسلام بجهاد الدفع حين يغزو العدو المسلمين في عقر دارهم. فقد افتتح باكثير الرواية بحوار بين السلطان جلال الدين بن خوارزم شاه وابن عمه ووزيره ممدود ([34]):

“قال السلطان جلال الدين ذات ليلة للأمير ممدود ابن عمه وزوج أخته، وكان يلاعبه الشطرنج في قصره بغزنة: غفر الله لأبي وسامحه، ما كان أغناه عن التحرش بهذه القبائل التترية المتوحشة. إذن لبقيت تائهة في جبال الصين وقفارها، ولظل بيننا وبينهم سد منيع. فنظر إليه ممدود وقد أدرك أن جلال الدين يريد أن يطوي بساط الشطرنج، فقال له: أجل يا مولاي، إن عمي خوارزم شاه أخطأه التوفيق فيما ذكرت من إثارة هذه القبائل التترية. ولكني أرى أنه ليس لنا أن نلومه إلا بمقدار، فقد كان رحمه الله أعظم ملوك عصره وأوسعهم ملكاً واشدهم قوة، وكان لا بد له من التوسع المطرد لئلا يعطل جنوده وجحافله العظيمة عن العمل. فآثر أن يكون ذلك في بلاد لم يدخلها الإسلام بعد، حتى يجمع بذلك بين خدمة دنياه بتوسيع ملكه، وخدمة دينه بنشر الإسلام في أقصى البلاد. فقال له جلال الدين، وقد بدا على وجهه التأثر والحزن العميق: ولكن ماذا جنى عمك من هذا يا ممدود، غير فقدان الجزء الأعظم من مملكته، وإغراق بلاد الإسلام بهذا الطوفان العظيم من التتار المشركين، وأخشى أن يكون أبي مسؤولاً عن هذا كله أمام ربه”.

وهكذا نرى باكثير يجعل غزو التتار للعالم الإسلامي إنما كان بسبب جهاد الطلب، حين غزاهم السلطان خوارزم شاه طمعاً في فتح بلادهم وضمها لمملكته ونشر الإسلام فيها، فانقلب عمله ذلك وبالاً عليه، فقضوا على ملكه، ثم غزوا العالم الإسلامي وفعلوا فيه الأفاعيل. أما الرواية فتتناول جهاد الدفع، حيث تصور انتصار المصريين على جموع الصليبيين الذين غزوهم في عقر دارهم، ومقاومة كل فئات الشعب لهم حتى تم النصر المؤزر للمصريين في معركة “فارسكور” وأسر قائد الصليبيين لويس التاسع. وكذلك تصور انتصار المصريين بقيادة الملك المظفر قطز على جموع التتار بقيادة “هولاكو” الذين قوّضوا أركان الخلافة الإسلامية في بغداد وهتكوا الأعراض وأغرقوا كتب التراث وجعلوها جسراً مرت عليه خيولهم، واجتاحوا العالم الإسلامي وأشاعوا الرعب بين الناس، وقتلوا من المسلمين حوالي مليونين. وحين أرسلوا رسلهم إلى مصر طالبين من حكامها التسليم لهم بالولاء والطاعة، رأى كثير من أمراء المماليك مسالمتهم وقبول دفع الجزية لهم، ولكن الملك المظفر قطز كان له رأي آخر، حيث اختار جهاد الدفع، والاستعداد لمواجهتهم حتى يحكم الله بينه وبينهم، واتخذ لذلك الأسباب، فكانت النتيجة أن نصره الله عليهم نصراً مؤزراً في معركة “عين جالوت”.

وهكذا صوَّر باكثير في هذه الرواية أن المسلمين حين اختاروا الجهاد على الاستسلام للعدو نصرهم الله وأيدهم، ولو اختاروا الاستسلام لأصابهم الخزي والذل والهوان، والعذاب الذي توعدهم الله به. وفي هذا رسالة إلى العرب المعاصرين لوقت كتابة الرواية ألاّ يستسلموا للعدو الذي غزاهم في عقر دارهم بل عليهم أن يجاهدوه بكل ما أوتوا من وسائل حتى يكتب لهم النصر عليه.

رواية ليلة النهر (1946)

نشرت سنة 1946 عن لجنة النشر للجامعيين. وصدَّرها باكثير بقول الله تبارك وتعالى: “وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً” (الإسراء، 85). وهي تحكي قصة موسيقار مصري اختلقه باكثير وأطلق عليه اسم “فؤاد حلمي” ([35])، وهو فنان عظيم يجمع في برديه بين الشاعر والملحن. فهو يضع اللحن ثم يصوغ أبياتاً عليه، وقد طبقت شهرته البلاد وأخذت الإذاعة تنقل حفلاته نقلاً مباشراً، ولكنه ظل رغم هذه الشهرة وهذه المنزلة التي بلغها، شاباً خجولاً باراً بأمه، مستقيماً لا يعاقر الخمر ولا ينغمس – شأن غيره من أهل هذا الفن – في المجون والخلاعة. أحب فتاة حباً عذرياً عفيفاً ولكنها تزوجت من غيره فعاش على حبها وذكراها. وهو يرفض الغناء في الكازينوهات لأنه يرى أنها مباءات للفساد تقتل الأخلاق والفن معاً وتتخذ من دعوى الفن ستاراً تخدع به الجمهور الساذج ([36]).

وقد صاغ باكثير روايته بطريقة مشوقة حيث بناها على فكرة أن فؤاداً يتصل اتصالاً روحياً بشاعر قديم قد هلك في الدهر الأول ولكن روحه ما زالت تهيم حول قبره الموجود في خرابة تعرف بخرابة الشاعر، وسبب ذلك أنه حين أدركته الوفاة حرق جميع قصائده التي قالها في تصوير عشقه لابنة عمّه التي زُوّجت لغيره، وأمر بذرّ رماد هذه القصائد في النهر، فأصبح يتعذب في قبره كل ليلة، لأن الأزمات النفسية التي مرت بقلبه في حياته ونفسّها عنه بأشعاره قد عادت فاحتبست في صدره جملة واحدة فبقي إصرها ينقض ظهره ويقض مضجعه فما ينعم براحة ولا قرار ([37]) ، حتى قيض الله له فؤاداً فأصبح الشاعر يملي على قلب فؤاد قصيدة من قصائده في كل مرة على لحن يصوغه فؤاد ليعبّر به عن موقف أو تجربة مرت به، فيقصد خرابة الشاعر بعد الساعة الحادية عشرة مساء ويدندن بلحنه الجديد، فيسمع صوت الشاعر يتابعه بأبيات تتفق مع اللحن وتعبر عن التجربة التي مر بها فؤاد، فيظل فؤاد يرددها معه حتى يحفظها. وهكذا حتى إذا فرغ الشاعر من إملاء جميع قصائده والتنفيس عما كان يعتمل في صدره، ودع فؤاداً بعد أن أملى عليه القصيدة الأخيرة على لحن “الوداع” الذي صاغه فؤاد حين فجع بزواج محبوبته من غيره، ودَّعه شاكراً له على مساعدته إياه، وطلب منه الصبر على محنته حتى يلقاه في دار الحق. وحين سأله فؤاد كيف يستطيع أن يحصل على أبيات لألحانه الجديدة بعد ذلك قال له إنه لو حاول معالجة الشعر الآن لاستقام له، وحدث ذلك بالفعل، فقد استطاع فؤاد كتابة أبيات للحن جديد بمفرده، وكان قد حاول كتابة الشعر من قبل فلم يقدر عليه. وتنتهي الرواية بوفاة الموسيقار وبدخول محبوبته إلى مستشفى الأمراض العقلية بعد أن رأت روح الموسيقار بعد وفاته في خرابة الشاعر.

وهكذا نرى أن الرواية كلها تقوم على فكرة الروح وما يحدث لها بعد وفاة صاحبها، وغير ذلك من الأمور الغيبية. والجميل في المؤلف أنه لم يذكر تلك الأحداث على سبيل الجزم والحقيقة وإنما ذكرها بعبارات مبهمة مثل “سمع أو توهم أنه سمع”، كما أنه جعل أستاذ الموسيقار وصديقه الحميم مراد السعيد، يفسر للموسيقار كل ما يحدث معه في ضوء علم النفس الحديث بينما يعجز أحياناً عن تفسير بعض الأحداث فيدوّنها كما يرويها فؤاد على أن يعود إليها لاحقاً. وهكذا جاءت الآية التي صدّر بها المؤلف روايته متناسبة تماماً مع محتواها.

يقول العلامة محمد متولي الشعراوي عند تفسيره لهذه الآية ([38]):

“إن الخالق سبحانه يريد للإنسان أن يُوفّر طاقاته الفكرية ليستخدمها فيما يُجدي، وأَلاَّ يُتعِب نفسه ويُجهدها في علم لا ينفع، وجهل لا يضر. فعلى المسلم بدل أن يشغل تفكيره في مثل مسألة الروح هذه، أنْ ينشغل بعمل ذي فائدة له ولمجتمعه. وأيّ فائدة تعود عليك إنْ توصلت إلى سِرٍّ من أسرار الروح؟ وأيّ ضرر سيقع عليك إذا لم تعرف عنها شيئاً؟ إذن: مناط الأشياء أن تفهم لماذا وجدت لك، وما فائدتها التي تعود عليك. والحق سبحانه حينما قال: “وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً” كان يخاطب بها المعاصرين لرسول الله منذ ما يزيد على ألف وأربعمئة عام، وما زال يخاطبنا ويخاطب مَنْ بعدنا، وإلى أن تقوم الساعة بهذه الآية مع ما توصلتْ إليه البشرية من علم، وكأنه سبحانه يقول: يا ابن آدم، إلزم غرزك، فإن وقفت على سِرٍّ فقد غابتْ عنك أسرار”.

رواية الثائر الأحمر (1948)

لوحة

نشرت عام 1948 عن لجنة النشر للجامعيين. وتتكون من أربعة فصول سماها باكثير أسفاراً. وقد صدَّر المؤلف كل سفر من أسفارها الأربعة بآية أو أكثر من القرآن الكريم.

السفر الأول:

صدّره باكثير بقول الله تعالى: “وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (الإسراء، 16).

يقول العلامة محمد متولي الشعراوي عند تفسير هذه الآية ([39]):

“المراد من الآية أمرنا مترفيها بطاعتنا وبمنهجنا، ولكنهم خالفوا وعَصَوْا وفسقوا لذلك حَقَّ عليهم العذاب. ومن الخطأ أن نفهم المعنى على أن الله أراد أولاً هلاكهم ففسقوا لأن الفهم المستقيم للآية أنهم فسقوا فأراد الله إهلاكهم، و”قَرْيَةً” أي أهل القرية، وقوله “فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ” أي وجب لها العذاب”.

ونرى في هذا السفر فساد الأغنياء وفسقهم ثم الانتقام منهم وتدميرهم([40]) . حيث يحكي المؤلف قصة حمدان الفلاح البسيط الذي يعمل ضمن آلاف العاملين في جزء من أرض شاسعة يملكها إقطاعي يدعى ابن الحطيم. يعيش حمدان وأسرته في فقر مدقع وعمل شاق مضنٍ لا يعود عليهم إلا بما لا يكاد يسد حاجتهم من جشب الطعام وخشن الملابس، بينما تذهب حصيلة جهدهم وعرقهم إلى خزينة شاب عاطل لا يدري كيف ينفق ماله من كثرته ولا وقته من فراغه، لا يعرف حمدان إلا اسمه وسيرته الخليعة التي يتناقلها الناس كما يتناقلون أساطير ألف ليلة وليلة. ولكن حمدان يعيش في كوخه راضياً بحياته تلك لا يشكو ولا يتذمر حتى تُخطف أخته عالية وهي تتهيأ للزفاف إلى ابن عمها عبدان، فيجن جنون حمدان ويبحث عنها في كل مكان، ثم ينضم إلى العيارين حين علم أنها في قصر سيده ابن الحطيم يستمتع بها استمتاعه بالجواري. ويستطيع حمدان أن ينقذ أخته عالية ولكنها تختفي بعد أيام من تلقاء نفسها بعد أن شعرت أن عبدان – خطيبها السابق – قد زهد فيها بعد انثلام شرفها، وبعد أن أحست أن جنيناً يضطرب في أحشائها.

يقول عبدالرحمن العشماوي: أما قصة الثائر الأحمر فقد حقق فيها باكثير غاية هامة من غايات القصة الإسلامية بما بيّن فيها من عاقبة الترف الذي أدى إلى وجود طبقة من الأغنياء تعيث في الأرض فساداً، الأمر الذي أثقل كاهل الفقراء وملأ قلوبهم حقداً على المترفين مؤكداً في ذلك أن السبب في وجود حركة القرامطة إنما هو ذلك الفساد الذي استشرى بين الأثرياء المترفين وهو بذلك يحقق قول معنى قوله تعالى “وإذا أردنا” ([41].

السفر الثاني:

ويصدّره الكاتب بقول الله تعالى: “وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ” (الأعراف، 175 – 176).

وفيه نطالع عبدان وهو يقيم في بغداد متنكراً في زي طلبة العلم بعد أن فر من قريته بعد قتله لشرطيين جاءا للقبض عليه وعلى حمدان. ولكن عبدان ما أن أخذ في طلب العلم حتى شغف به، وبرع في الفقه وخاصة في أبواب الزكاة والمزارعة وغيرها مما يفصّل حياة الناس بما يكفل العدل للجميع، وكان يرى صورة حمدان تطل عليه من خلال السطور فيود لو يطّلع حمدان على منهج الله في العدل الذي لم يجده في الواقع فذهب يلتمسه لدى العيارين. ولكن عبدان يتعرف إلى جعفر الكرماني ويرى أخته شِهراً فيعجب بها وحين يخطبها منه يطلعه الكرماني على أنه من دعاة مذهب العدل الشامل ويجادله عبدان ولكن الكرماني يجعل قبول عبدان الانضمام لجماعته التي تقوم على نبذ الدين ومحاولة تقويض سلطان الخلافة لإقامة سلطان يدعو إلى العدل الشامل القائم على المساواة، يجعل ذلك شرطاً للوصول إلى شهر. وبعد تفكير طويل اتّبع عبدان شهوته فقبل عرض الكرماني فمكنه الكرماني من شهر يستمتع بها دون عقد زواج. ويصبح عبدان من دعاة المذهب المنظرين له ويعمل مع الكرماني وشهر في تجنيد الأتباع. ولكن الخليفة يعلم بأمر الجماعة فيشتت جمعهم ويهرب عبدان والكرماني وشهر إلى الكوفة.

وهكذا نرى أن هذه الآية تنطبق على عبدان الذي تفقه في الدين وعرف الحق ولكنه اتبع هواه ودخل حركة العدل الشامل ليتمتع بالفتاة الجميلة شهر([42]) . وهذا المثل – كما يقول الإمام القرطبي في تفسيره – عامّ في كل مَن أوتي القرآن فلم يعمل به، وقيل هو في كل منافق، والأول أصح ([43]).

السفر الثالث:

ويصدّره الكاتب بقوله تعالى: “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ” (النحل، 90).

وفيه يتوب حمدان عن العيارة ويتعرف إلى الشيخ حسين الأهوازي الذي ظهر في القرية فجأة وبدا للناس في صورة التقي الورع، وقد استضافه حمدان في بيته حين مرض لتمرضه أخته راجية ولكن الشيخ استطاع أن يجعلها تسلم نفسها له بعد أن اطلع على بعض شأنها وأنها تتصل بالشبان أثناء غياب أخيها حمدان عن المنزل. وبعد مدة يعترف الشيخ الأهوازي بحقيقته لحمدان ويخبره أنه من دعاة مذهب العدل الشامل ويعطيه رسالة من عبدان تدعوه إلى الانضمام إلى جماعة الشيخ ويطلعه الشيخ على مذهب القوم ما خلا مسألة الإباحية. ثم يغادر الشيخ القرية، بعد أن يجمع عدداً من الأتباع وجعل حمدان رئيساً لهم. وفي نهاية السفر يعلن حمدان وأتباعه العصيان، ويتخذون “مهيماباذ” عاصمة لهم ويبدأون في تطبيق مذهبهم.

ويرى الدكتور أبوبكر البابكري أن هذه الآية تتماهى مع مضمون هذا السفر، فتشكّل تقويماً أيديولوجياً، حيث نرى في هذا السفر التجاوزات التي يقوم بها العيارون ضد الأغنياء مثل اختطاف حمدان لأخت ابن الحطيم وإهدائها لصاحب الزنج ونرى الفحشاء مجسدة في حمل راجية من الشيخ الأهوازي داعية مذهب العدل الشامل في سواد الكوفة وكذلك إباحة المذهب للعلاقات المحرمة حتى مع المحارم كما حدث ليلة الإمام المعصوم([44])،  وذلك حين وقع حمدان على ابنته “فاختة” ووقع ابنه الغيث على عمته “راجية”.

السفر الرابع:

ويصدّره الكاتب بقوله تعالى: “وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاء أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ” (النحل،71)، وقوله: “ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ* وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ” (النحل، 75 – 76).

وفيه تأتي عالية – التي أصبح اسمها وردة – مع زوجها عيسى الخواص وابنتها مهجورة لتنضم إلى مملكة أخيها ولكن عامل الحدود يعجب بجمالها ولا يصدق دعواها أنها أخت حمدان، ويقتل زوجها ليخلو له وجهها ولكنها تصده، وحين يعلم حمدان بأمرها من عيونه يقتل عامل الحدود ويدعوها للإقامة معه في قصره. ولكنها إذ ترى ما هم عليه من الإباحية تطلب منه أن تقيم في منزل منفصل هي وابنتها فيجيبها لذلك. وتعمل عالية على دعوة النساء إلى العودة إلى الدين وترك الإباحية، ويحبسها حمدان في قصرها ويمنع النساء من الاتصال بها. وفي أثناء ذلك تتكشف للعمال والصناع الذين التحقوا بمملكة حمدان هرباً من ظلم الإقطاعيين في دولة الخلافة لهم الحياة الجديدة عن نوع آخر من الظلم وإذا هم قد استبدلوا ظلماً بظلم فأخذت حماستهم تقل وأخذوا يتباطأون في العمل ويتكاسلون فيه، إذ كل منهم ينال شبع بطنه سواء اجتهد أم لم يجتهد. وفي الوقت نفسه نشطت حركة أبي البقاء البغدادي – وهي حركة إصلاحية تدعو إلى إنصاف الفلاحين والعمال من خلال تطبيق منهج العدل الإسلامي – بعد وفاة الخليفة المعتمد وتولي المعتضد الخلافة وإطلاقه أبا البقاء من السجن، وتطبيق منهجه الإصلاحي، فأخذ العمال والفلاحون يتسللون من مملكة حمدان ويلتحقون بدولة الخلافة، حتى لم يبق مع حمدان إلا قلة من أتباعه. وفي هذه الأثناء كان القداحون وهم رؤساء حمدان وزعماء المذهب يطالبون حمدان بمحاربة الخليفة وهو يرفض أن يبدأ الخليفة بالقتال، فيخلعه القداحون ويولون “ذكرويه” مكانه. وهنا يتوب حمدان ويعود إلى أداء الصلوات ويأمر أهل بيته وأتباعه باللحاق بدولة الخلافة وينصرف هو هائماً على وجهه فيلقى سلام الشواف – زعيم العيارين التائب – فيطلب منه أن يصحبه إلى بغداد للقاء أبي البقاء البغدادي.

ويتضح ارتباط الآيات بمحتوى هذا السفر من خلال توضيح الفرق بين العدل الإسلامي الذي تطبقه حركة أبي البقاء البغدادي الإصلاحية والظلم الذي يجري في مملكة القرامطة الذين يزعمون العدل الشامل([45]) . ففي الآية الأولى تقرير لسنة الله في الكون، وهو وجود الأغنياء ووجود الفقراء، ولحل مشكلة الطبقية الحتمية هذه، شرّع الإسلام حقوقا للفقراء على الأغنياء، لا سبيل إلى إعاقتها من حاكم أو محكوم، أما الآيتان الأخريان، ففيهما إدانة جليّة لكل مَن ترك الشريعة السمحة إلى غيرها من الشرائع الضالّة([46]) . و”في هذه الآيات الكريمات تقويم أيديولوجي، ففيها تسويغ لمواقف أبي البقاء، وإدانة مواقف غيره من المناوئين له من الأغنياء الظالمين ومَن يعينهم، وإدانة أخرى ضمنية لمَن خرج على سلطان الحكم وسلطان الدين؛ ابتغاء للعدل الشامل” ([47]).

رواية سيرة شجاع (1956)

كتب

وصدَّرها الكاتب بقول الله تبارك وتعالى: “وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ” (التوبة، 114). وقد سقط هذا التصدير من الطبعات الموجودة في الأسواق اليوم من الرواية، ولكن الدكتور أحمد عبدالله السومحي أثبته في كتابه عن باكثير([48]) . كما أثبته الدكتور البابكري في أطروحته عن روايات باكثير التاريخية، وقال عن الآية “وهي تنطبق على شجاع الذي تبرأ من أبيه لما اكتشف خيانته للدين والوطن” ([49]).

أما طه حسين الحضرمي فلم يطلع عليه، وعلل غياب التصدير القرآني بقوله: “أما ‘سيرة شجاع’ فلم تُصدر بآية قرآنية، وهذا الأمر مخالف للمعهود من أعمال المؤلف، ولعله استغنى بفحوى الإهداء ([50]).

ولباكثير مسرحية قصيرة ذات فصل واحد بعنوان “سنّة أبينا إبراهيم”، تناول فيها طرفاً من قصة شجاع المذكورة في الرواية، وكان قد كتب المسرحية أولاً ثم أعاد صياغتها في رواية طويلة، وقد فصلنا الحديث عن ذلك في بحث آخر ([51]). وواضح من عنوان المسرحية أن باكثير يشير إلى تشابه قصة شجاع مع والده شاور من جهة بقصة سيدنا إبراهيم عليه السلام مع أبيه آزر من جهة أخرى. فآزر كان كافراً يصنع الأصنام ويبيعها وإبراهيم نبي يدعو إلى وحدانية الله، وقد حاول إبراهيم عليه السلام جهده أن ينصح أباه وأن يدعوه إلى الإيمان، ولكنه حين رأى إصرار أبيه على الكفر تبرّأ منه، كما تحكي الآية. وكذلك شجاع كان موزع القلب بين حبه لأبيه وإخلاصه لوطنه، وحاول جهده أن يوفق بين الأمرين، ولكنه حين رأى أن عليه أن يختار بين حبه لأبيه وبرّه به، وبين إخلاصه لدينه ووطنه، بعد أن تأكد من خيانة أبيه وممالأته للصليبيين، اختار دينه ووطنه، ووقف في وجه أبيه، حتى كانت نهايته القتل على يدي أبيه. وهكذا جاء التصدير بهذه الآية الكريمة مناسباً لفكرة الرواية ولمغزاها، والصراع الذي قامت عليه.

يقول العلامة الزمخشري عند تفسيره للآية: “فالتفسير الصحيح أن أبا إبراهيم وعد إبراهيم بالإيمان، فكان بمنزلة المؤلفة قلوبهم بالاستغفار له لأنه ظنه متردداً في عبادة الأصنام لما قال له: ‘واهجرني ملياً’ (مريم 46) فسأل الله له المغفرة لعله يرفض عبادة الأصنام كما يدل عليه قوله: ‘فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه’. وطريق تبين أنه عدو لله إما الوحي بأن نهاه الله عن الاستغفار له، وإما بعد أن مات على الشرك . والتبرؤ: تفعل من برئ من كذا إذا تنزه عنه، فالتبرؤ مبالغة في البراءة” ([52])

رواية الفارس الجميل (1965)

كتب باكثير هذه الرواية سنة 1965م ونشرها على ثلاث حلقات في مجلة (القصة)([53]) . وقد عثر عليها الدكتور البابكري أثناء إعداده لأطروحة الماجستير حول روايات باكثير التاريخية، فأعدها للنشر وكتب لها مقدمة، وصدرت في كتاب عن مطبعة مصر سنة 1993م.

والرواية تخلو من التصدير القرآني. ويعلل الدكتور البابكري ذلك بقوله “يفتتح باكثير كل رواية من رواياته – عدا الأخيرة لأنها نشرت في حلقات ولم تطبع في كتاب – بآية من القرآن الكريم تكاد تكون الرواية بعد ذلك ترجمة أو تفسيراً عملياً لها” ([54]).

على أني حصلت على نسخة مصورة من الرواية في حلقاتها الثلاث المنشورة في المجلة ([55])، يتصدَّرها قول الله تبارك وتعالى: “وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ” (الطور، 21). ولربط الآية الكريمة بمحتوى الرواية، ينبغي أولاً أن نستقرئ أقوال المفسرين حول هذه الآية. يقول العلامة الشعراوي في تفسيره ([56]):

“وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أي: آمنوا بالله وحده لا شريك له، وأنه واحد أحد، واعتقدوا ذلك، واحد أي ليس معه غيره، وأحدٌ أي في ذاته، وأحد ليس له أجزاء. والإيمان لا يكون كاملاً إلا إذا صحبه عملٌ بمقتضى هذا الإيمان، عمل بالمنهج الذي وضعه لك مَنْ آمنت به، لذلك قرن في مواضع كثيرة بين الإيمان والعمل الصالح، فقال: ‘آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ’ (الطلاق، 11). وقوله تعالى: ‘وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ’، فالرجل آمن وعمل صالحاً واتبعتْه في هذا ذريته من بعده، آمنوا مثله، لكن عملهم دون عمل أبيهم وأقلّ منه، فالحق سبحانه بكرمه ورحمته بالذرية، وكرامةً للأب المؤمن يرفع إليه ابنه إلى المرتبة الأعلى. ‘أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ’، ما نقصناهم شيئاً، زدنا الأبناء ولم ننقص الآباء، لأن شرط الإيمان متوفر في الاثنين، أما العمل فإنْ قَلَّ يُجبر تفضّلاً من الله وتكرّماً. معنى ذرية هي النسل المتسلسل، فذرية الرجل أولاده وأولاد أولاده، فالأب من الذرية، والابن من الذرية ففيها تسلسل النسب، والذرية قسمان: ذرية قبل التكليف وذرية بعد التكليف. والمراد هنا الذرية المكلَّفة والمطلوب منها الإيمان والعمل الصالح. وكلمة ‘وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ’ أي: أيّ شيء مهما كان صغيراً”.

والرواية تحكي قصة الصراع على الحكم بين عبدالملك بن مروان ومصعب بن الزبير، الذي كان يحكم العراق باسم أخيه عبدالله بن الزبير الذي أعلن نفسه خليفة على الحجاز والعراق، بعد مقتل الحسين رضي الله عنه. وتنتهي الرواية نهاية مفتوحة بتوجه مصعب لقتال عبدالملك بعد أن حاول تجنب ذلك لأن عبدالملك كان صديقاً حميماً له، ولكنه اضطر في النهاية لقتاله حين قدم عليه عبدالملك بجيشه لمحاربته.

ووجه الربط بين الآية وبين أحداث الرواية، هو أن أبطال الرواية وهم من أبناء الصحابة، وإن كان قد حدث بينهم من القتال والنزاع على الحكم ما حدث، فإن ذلك لا يقلل من منزلتهم عند الله، ما دام أصل الإيمان موجوداً فيهم، وإن قصَّر بهم عملهم عن اللحاق بآبائهم الصحابة، فإن الله بمنِّه وكرمه يغفر ذلك لهم كرامة لآبائهم، كما تنص عليه الآية. وكأن باكثير بهذا يريد أن يقول: لا تجعلوا ما أسرده من أحداث في هذه الرواية، يجعلكم تسيئون الظن بهؤلاء القوم، أو يجعلكم تظنون أني أقلل من شأنهم أو أوجه لهم لوماً، فإني إنما أردت من سرد قصتهم ضرب المثل لكم للاتعاظ وتجنب ما وقعوا فيه من أخطاء لتتلافوها وتحذروا من الوقوع في مثلها.

وقد ذكر الدكتور البابكري في مقدمته للرواية أنها تتنبأ بهزيمة يونيو سنة 1967([57]) . وأرى أن تفسيره العام لأحداث الرواية ومشابهتها للوضع العربي الذي سبق حرب سنة 1967، يمكن أن يكون مقبولاً في أطروحة الماجستير التي تقدم بها، فهي تعكس وجهة نظره الشخصية التي قد نتفق أو نختلف معها، ولكني لا أقره على التصريح بذلك في مقدمته للرواية، لأنه بهذا فرض وصايته على القارئ وأجبره على قراءة الرواية وفق رؤيته هو، وكان الأولى أن يترك القارئ يدخل على النص خالي الذهن، فيتلقاه وفق معطياته الثقافية والعلمية.

الخاتمة

لوحة

عرضنا في الصفحات السابقة لظاهرة التصدير القرآني في روايات الأديب علي أحمد باكثير، ورأينا أن وظيفة التصدير القرآني عنده يمكن أن تشبه ما أطلق عليه جينيت وظيفة التعليق على النص، بحيث تقدم الآية تعليقاً على النص وتحدد من خلاله دلالته المباشرة ليكون أكثر وضوحاً وجلاء بقراءة العلاقة الموجودة بين التصدير والنص.

ففي رواية “سلامة القس” اقتبس باكثير الآية الكريمة التي تبين استعصام النبي يوسف عليه السلام حين راودته امرأة العزيز عن نفسه، لتكون الآية بمثابة تمجيد وإعلاء لاستعصام عبدالرحمن القس حين راودته سلاّمة، وتأكيداً على أن هذا الموقف يمكن أن يقفه أي إنسان يخشى الله ويتقيه، وليس هذا من سلوك الأنبياء وحدهم.

وفي رواية “وا إسلاماه” اقتبس باكثير الآية الكريمة التي تحث على الجهاد ضد من يعتدي على حرمة العباد والبلاد، ليصور السبيل أمام المسلمين لاسترداد كرامتهم ودحر المستعمرين عن أوطانهم. وفي رواية “ليلة النهر” اقتبس باكثير الآية الكريمة التي تبين أن الروح سرٌّ من أسرار الله، يكتنفه الغموض، فعلينا الإيمان به والتسليم، دون الخوض في تفاصيله، لأن علم البشر محدود. ويتناسب هذا مع أحداث الرواية القائمة على الغيبيات والخيالات.

أما رواية “الثائر الأحمر” فقد صدَّر باكثير كل سفر من أسفارها الأربعة بآية أو آيات تلخص محتواه والخلاصة المستوحاة منه. فالسفر الأول صوّر فيه طغيان المال وتجبّره فكان لزاماً أن يكون نتيجة ذلك ثورة الفقراء عليهم وانتقامهم منهم، وفي السفر الثاني تصوير للعالم الذي يعرف الحق ولكنه يتركه اتباعاً للهوى، وفي السفر الثالث صوّر الإباحية المنافية للفطرة التي قام عليها المذهب القرمطي الذي كان يريد أن ينشر العدل الشامل بين الناس، ولكنه أخطأ الطريق، وفي السفر الرابع والأخير صوّرت الآيات القرآنية الفرق بين منهج الله القائم على العدل وعلى مراعاة الفطرة الإنسانية، وبين المناهج الأخرى التي انحرفت عن منهج الله فظلت الطريق.

وفي رواية “سيرة شجاع” رأينا أن باكثير يصدّرها بالآية الكريمة التي تحكي قصة تبرؤ نبي الله إبراهيم عليه السلام من أبيه لما تأكد من إصراره على الكفر، ليكون ذلك تمجيداً وإعلاء من موقف شجاع من أبيه شاور الذي خان الوطن وتحالف مع الصليبيين ضد أبناء وطنه.

وأخيراً، رأينا أن رواية “الفارس الجميل” وهي آخر رواية كتبها باكثير ونشرها في مجلة القصة ولم يطبعها في كتاب في حياته، قد خلت من التصدير القرآني. وأشرنا إلى التصدير الذي وجده الباحث على نسخة مصورة من الرواية وحاولنا ربط محتوى الرواية بتفسير الآية الكريمة.

وهكذا نخلص إلى أن باكثير قد سبق غيره من الأدباء إلى الاهتمام بعتبات النص، ومنها التصدير في جميع أعماله الأدبية.

لوحة

 

 

المصادر والمراجع

أولاً: المصادر:

  • باكثير، علي أحمد:

الثائر الأحمر، مطبعة مصر، القاهرة، د. ت.

سلامة القس، مكتبة مصر، القاهرة، د. ت.

سيرة شجاع، مطبعة مصر، القاهرة، د. ت.

الفارس الجميل، مطبعة مصر، القاهرة، د. ت.

ليلة النهر، مطبعة مصر، القاهرة، د. ت.

وا إسلاماه، مطبعة مصر، القاهرة، د. ت.

ثانياً: المراجع:

أحمد، بادحو: سيميائية العنوان في روايات عزالدين جلاوجي، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير، إشراف: أ. د. هواري بلقاسم،  جامعة وهران، الجزائر، 2016.

البابكري، أبوبكر: روايات علي أحمد باكثير التاريخية مصادرها نسيجها الفني إسقاطاتها، جامعة صنعاء، 2005.

بلعابد، عبد الحق: عتبات (جيرار جينيت من النص إلى المناص) ، تقديم د. سعد يقطين، منشورات الاختلاف، الدار العربية للعلوم ناشرون، 1429هـ/2008م.

الحضرمي، طه حسين: المنظور الروائي في روايات علي أحمد باكثير، دار حضرموت للدراسات والنشر،، المكلا، 2007.

الخطيب، عبدالله: روايات باكثير، قراءة في الرؤية والتشكيل، دار المأمون للنشر والتوزيع، عمان، 2009م

الرمادي، أبوالمعاطي خيري: عتبات النص ودلالاتها في الرواية العربية المعاصرة، “تحت سماء كوبنهاجن” أنموذجا، مجلة مقاليد، الجزائر، العدد 7، 2014، ص 291.

  • الزبيدي، عبدالحكيم:

النكوص الإبداعي في أدب علي أحمد باكثير، ندوة الثقافة والعلوم، دبي، 2011.

باكثير حياته من أدبه، رواية سلامة القس نموذجاً، مجلة الرافد، الشارقة، العدد 160، ديسمبر 2010.

الزمخشري، جارالله بن عمر: تفسير الكشاف، موقع التفسير:

http://www.altafsir/com

السحيمي، عبدالسلام بن سالم بن رجاء: الجهاد في الإسلام مفهومه وضوابطه وأنواعه وأهدافه، مكتبة دار النصيحة، السعودية، 1429هـ/2008م.

السومحي، أحمد عبد الله: علي أحمد باكثير، حياته شعره الوطني والإسلامي، نادي جدة الأدبي، 1981.

الشعرواي، محمد متولي: خواطر إيمانية، موقع التفسير:  http://www.altafsir/com

العشماوي، عبدالرحمن صالح: الاتجاه الإسلامي في آثار باكثير القصصية والمسرحية، المهرجان الوطني للتراث والثقافة، الرياض،  د. ت.

القرطبي، محمد بن أحمد الأنصاري: الجامع لأحكام القرآن، موقع التفسير: http://www.altafsir/com

ثالثاً: مراجع باللغة الإنجليزية:

Hassim, Eeqbal: The Significance of Qur’anic Verses in the Literature of Ali Ahmad Bakathir,  available at: http://arts.unimelb.edu.au/__data/assets/pdf_file/0012/1889949/NCEIS_Research_Paper_Vol1No3_Hassim.pdf, accessed on: 19/11/2017.

 

الهوامش:

[1]–  Hassim, Eeqbal:  The Significance of Qur’anic Verses in the Literature of Ali Ahmad Bakathir,  available at: http://arts.unimelb.edu.au/__data/assets/pdf_file/0012/1889949/NCEIS_Research_Paper_Vol1No3_Hassim.pdf, accessed on: 19/11/2017.

[2]– بلعابد، عبدالحق: عتبات (جيرار جينيت من النص إلى المناص) ،تقديم د. سعد يقطين،منشورات الاختلاف، الدارالعربية للعلوم ناشرون، 1429هـ/2008م، ص 32.

[3]– بلعابد،عبدالحق: عتبات (جيرار جينيت من النص إلى المناص)، مرجع سابق، ص 29.

[4]– المرجع السابق، ص 14.

[5]– أحمد،بادحو: سيميائية العنوان في روايات عزالدين جلاوجي، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير، إشراف: أ. د. هواري بلقاسم، جامعة وهران، الجزائر، 2016،ص 62-63.

[6]– الرمادي، أبوالمعاطي خيري: عتبات النص ودلالاتها في الرواية العربية المعاصرة، “تحت سماء كوبنهاجن” أنموذجا، مجلة مقاليد، الجزائر، العدد 7، 2014، ص 291.

[7]– بلعابد، عبدالحق: عتبات (جيرار جينيت من النص إلى المناص)، مرجع سابق، ص 25.

[8]– المرجع السابق، ص 46-48.

[9]– المرجع السابق.

[10]– بلعابد، عبدالحق: عتبات (جيرار جينيت من النص إلى المناص)، مرجع سابق، ص 107.

[11]– المرجع السابق، ن ص.

[12]– المرجع السابق، ص 109-110.

[13]– المرجع السابق، ص 111.

[14]– المرجع السابق، ن ص.

[15]– بلعابد، عبدالحق: عتبات (جيرار جينيت من النص إلى المناص)، مرجع سابق، ص 112.

[16]-السومحي، أحمد عبدالله: علي أحمد باكثير، حياته شعره الوطني والإسلامي، نادي جدة الأدبي، 1981م،ص 183.

[17]-الحضرمي، طه حسين: المنظور الروائي في روايات علي أحمد باكثير، دار حضرموت للدراسات والنشر، المكلا، 2007، ص  54.

[18]-البابكري، أبوبكر: روايات علي أحمد باكثير التاريخية مصادرها نسيجها الفني إسقاطاتها، جامعة صنعاء، 2005، ص 294.

[19]-ابتداء من العدد رقم (127) بتاريخ 3 يونيو 1941، وانتهاء بالعدد رقم (153) بتاريخ 2 ديسمبر 1941.

[20]-باكثير، علي أحمد: سلامة القس، مكتبة مصر، القاهرة، د. ت.، صص92-93.

[21]-سورة الزخرف، آية رقم 67.

[22]-الزمخشري، جار الله بن عمر: تفسير الكشاف، موقع التفسير:http://www.altafsir/com

[23]-البابكري، أبوبكر: روايات علي أحمد باكثير التاريخية، مرجع سابق، ص 244.

[24]-انظر: الزبيدي، عبدالحكيم: باكثير حياته من أدبه، رواية سلامة القس نموذجاً، مجلة الرافد، الشارقة، العدد 160، ديسمبر 2010

[25]-الزمخشري، جارالله بن عمر: تفسير الكشاف، موقع التفسير:http://www.altafsir/com

[26]-الشعرواي،  محمد متولي: خواطر إيمانية، موقع التفسير:http://www.altafsir/com

[27]-البابكري، أبوبكر: روايات علي أحمد باكثير التاريخية، مرجع سابق، ص 245.

[28]-البابكري، أبوبكر: روايات علي أحمد باكثير التاريخية، مرجع سابق، ص192.

[29]-المرجع السابق، ص 192.

[30]-الخطيب، عبدالله: روايات باكثير،قراءة في الرؤية والتشكيل، دار المأمون للنشر والتوزيع، عمان، 2009، ص 101.

[31]-السحيمي،عبدالسلام بن سالم بن رجاء:الجهاد في الإسلام مفهومه وضوابطه وأنواعه وأهدافه، مكتبة دار النصيحة، السعودية، 1429هـ/2008م، ص 32.

[32]-المرجع السابق، ص 29.

[33]-المرجع السابق، ص 45.

[34]-باكثير، علي أحمد: وا إسلاماه، مطبعة مصر، القاهرة، د. ت، ص 4.

[35]-من غريب المصادفات أن هناك ملحناً مصرياً حمل هذا الاسم ولد عام 1922، تخرج في المعهد العالي للموسيقى المسرحية سنة 1948، وبدأت شهرته عام 1951، وتوفي عام 2007.

[36]-باكثير، علي أحمد: ليلة النهر، مطبعة مصر، القاهرة، د. ت.، ص 106.

[37]-المرجع السابق، ص 235.

[38]-الشعرواي،  محمد متولي: خواطر إيمانية، موقع التفسير:http://www.altafsir/com

[39]-المرجع السابق.

[40]-البابكري، أبوبكر: روايات علي أحمد باكثير التاريخية،مرجع سابق، ص245.

[41]-العشماوي، عبدالرحمن صالح:  الاتجاه الإسلامي في آثار باكثير القصصية والمسرحية، المهرجان الوطني للتراث والثقافة، الرياض،  د.ت، ص ص 217-218.

[42]-البابكري، أبوبكر: روايات علي أحمد باكثير التاريخية، مرجع سابق، ص245.

[43]-القرطبي، محمد بن أحمد الأنصاري: الجامع لأحكام القرآن، موقع التفسير:http://www.altafsir/com

[44]-البابكري، أبوبكر: روايات علي أحمد باكثير التاريخية، مرجع سابق، ص ص 245-246.

[45]-البابكري، أبوبكر: روايات علي أحمد باكثير التاريخية،مرجع سابق، ص 246.

[46]-الحضرمي، طه حسين: المنظور الروائي في روايات علي أحمد باكثير، مرجع سابق، ص  54.

[47]-المرجع السابق، ن ص.

[48]-السومحي، أحمد عبدالله: علي أحمد باكثير، حياته شعره الوطني والإسلامي، مرجع سابق،ص 183.

[49]-البابكري، أبوبكر: روايات علي أحمد باكثير التاريخية،مرجع سابق، ص 246.

[50]-الحضرمي، طه حسين: المنظور الروائي في روايات علي أحمد باكثير، مرجع سابق، ص 54.

[51]-انظر: الزبيدي، عبدالحكيم: النكوص الإبداعي في أدب علي أحمد باكثير، ندوة الثقافة والعلوم، دبي، 2011، ص 59.

[52]-الزمخشري، جار الله بن عمر: تفسير الكشاف، موقع التفسير:  http://www.altafsir/com

[53]-الأعداد (2-3-4)، فبراير- مارس- أبريل سنة 1965.

[54]-البابكري، أبوبكر: روايات علي أحمد باكثير التاريخية، مرجع سابق، ص 244.

[55]-أهداني إياها الصديق الدكتور محمد أبوبكر حميد، الأمين على تراث باكثير.

[56]-الشعرواي،  محمد متولي: خواطر إيمانية، موقع التفسير:http://www.altafsir/com

[57]– انظر:  البابكري، أبوبكر: مقدمة الفارس الجميل.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.