التعليم‭ ‬مصدرًا‭ ‬للعنف

الثلاثاء 2016/11/01
لوحة: ياسر صافي

ومن ثم فقد تعالت صيحات المطالبين بتأسيس دور قيادي جديد للتعليم في بلادنا، ننبذ فيه التطرف بكل أشكاله، نحن ندرك أن مناهج التربية والتعليم في بلادنا العربية في حاجة إلى منهج وسطي في كل شيء، وإذا كانت الدعوات تتزايد بين الحين والآخر لتعديل المناهج التدريسية، بحيث تكون هذه المناهج داعية للتعبير عن التسامح والحوار وتبنّي الفكر المعتدل وتقديم مناهج الفكر النقدي وإعمال العقل، فإن هناك تسابقًا من نوع ما بين هذه الدول، بيد أنه تسابق بطيء للغاية، فإذا كانت هناك الدول التي تحاول أن تسير في هذا الاتجاه، فإن الأغلب لذلك يسير كسير السلحفاة ، فضلا عن أن بعضها لا يعير تلك الدعوة اهتمامًا من الأساس، وهذه المواقف المتباينة هي في ظني نتيجة اختلاف النظم السياسية والاجتماعية والثقافية في بلداننا العربية، ومدى إلمام هذه النظم بحقيقة الظرف التاريخي الذي نعيشه الآن.

قد يعتقد البعض أن الأمر يتعلق بالمنهج أو المقرر الدراسي فحسب، فيتجه إلى تطعيم هذه المناهج أو تلك المقررات ببعض الألفاظ كألفاظ: التفكير النقدي والتفكير العلمي والحوار والمناقشة والتسامح والتنوع والآخر؛ لكي يشي كذبًا بتطويرها، مع أن واقع الأمر ليقودنا إلى أن التطوير ليس في الشكل، ولكنه تطوير في المضمون، والدليل أننا لا نلمس تفاعلاً ما معها بين المعلم والمتعلم، أو بين المتعلم ومجتمعه، بما يعني أن هذه الألفاظ استخدمت استخدامًا أجوف؛ حتى أنها لم تستطع أن تشكل وعيًا ما داخل العقل الجمعي فضلاً عن الفردي في المجتمع، حيث ظلت ألفاظًا خارجة عن حيز التطبيق العملي، مع أن الاستقراء العام للتصنيفات في المجتمعات العربية يبين لنا أن هناك تعددية من نوع ما بين أبناء المجتمع الواحد، فهناك المسلم والمسيحي كتعبير عن التعددية الدينية، وهناك السني والشيعي كتعبير عن التعددية المذهبية ، وهناك الدروز والأكراد والتركمان وغيرهم كتعبير عن التعددية العرقية، وهذه التصنيفات تعد عاملاً ملحّا على تقديم صور من التواصل مع هذا الآخر دينيًا أو عرقيًا أو مذهبيًا، ليس لكي يؤمن كل واحد بمعتقد الآخر، فلكل معتقده الذي يختاره ، إذ لا إكراه في ديننا، ولكن لكي نمد جسورًا من التسامح والعيش في سلام معه.

ومن ثم يمكن القول إن التعليم بالطريقة المتّبعة في العالم العربي يعد سببًا من أسباب إنتاج العنف، ليس بين رافدي الوطن فحسب، بل بين أبناء العقيدة الواحدة، فالعديد من المؤسسات التعليمية تحاول بمناهجها ومعلميها تأجيج الصراع مع الآخر ليس على المستوى العقدي فحسب، ولكن أيضًا على المستوى الفكري، فما أكثر اختلافنا على أتفه الأسباب، وما أشد قسوتنا على رأي بعضنا بعضًا، وما أغرب فعلنا عندما نحوّل هذا الاختلاف في الرأي إلى خصومة وصراع، قد يأكل في طريقه الأخضر واليابس.

ترى لو كان للتعليم دور هل كنا سنصل إلى هذه الحالة؟ إن التعليم يعتوره العديد من العوائق على كافة المستويات المتعلقة بالعملية التعليمية، ولن ينصلح حال التعليم في مؤسساتنا التعليمية ما لم تنصلح هذه الأطراف جميعها. ومن ثم كان من اللازم أن نحيط علمًا بهذه العوائق محاولين في الوقت نفسه التكاتف من أجل الوصول إلى بعض الحلول التي من شأنها أن تقود إلى بيئة تعليمية سليمة، وذلك من مستويات عدة كالمعلم والمتعلم والمناخ التربوي والمنهج الدراسي والقيادة المدرسية وغيرها من المستويات التي يعني تضافرها الوصول إلى الجودة الشاملة في التعليم، والخروج بمنتج تعليمي -أقصد المتعلم- يحمل آمال الوطن وطموحاته، فيعمل على تحقيقها، بدلا من أن يكون عامل هدم تتخاطفه يد البطش تحت ستار التمسح بالعقيدة أو الانجراف وراء الأيديولوجية المقيتة.

ومن هنا تأتي أهمية تدريس الفلسفة في العالم العربي؛ لأننا نريد جيلاً قادرًا على النقد والإبداع وتخطّي الحلول التقليدية، لا جيلاً خائر التفكير، عييّ التعقل، ضعيف التفلسف. وهذا يقودنا إلى ضرورة الكشف عن أمر من الخطورة بمكان وهو أن التعليم على ذلك النحو المتبع في مؤسساتنا التعليمية بصورته الحالية لا يخرج لنا جيلاً قادرًا على تحويل دفة الأوطان العربية من جاهلية فكرية -على صعيد التواصل البنّاء مع الآخر واحترامه واعتباره شريكاً في الوطن والمواطنة- تغرق فيها حتى الثمالة إلى تقدم منشود على المستوى الحضاري المادي والروحي الأخلاقي، وإنما سيخرج لنا جيلاً هو إلى التوهم أقرب منه إلى التعقل، وإلى التقليد أقرب منه إلى الإبداع، وإلى التشدد أقرب منه إلى الترفق، وإلى الاقتتال أقرب منه إلى الحوار.

التعليم في بلادنا لا يساعد المتعلم -في الغالب- على التمكن من المهارات الأساسية كمهارات التفكير، ومهارات التعامل مع الحياة والحفاظ على الإنسانية وقيم المواطنة

ويمكن القول إن الأهداف الجوهرية لأي عملية تعليمية تبغي لنفسها بناء جيل واع يؤمن بقيمة الوطن والمواطنة تتلخص في: الاهتمام بالنواحي العقلية وإعمال الفكر الحر وإخضاع العقل لاتّباع خطوات التفكير السليم، مما يؤدي إلى وجود نقد واع، أو إن شئت فقل وعيا نقديا يتجاوز كل الأطر التقليدية والأنظمة العتيقة، كل ذلك في إطار من تجاوز الأثرة والانطلاق بفكره إلى نوع من الموضوعية، ولن يؤتي ذلك ثمرته إلا إذا كان التعليم عاملاً رئيسًا في تأهيل الذهن وتنمية جودة التمييز، حتى يكون مؤهلاً على تحمل التبعات المستقبلية بكل ما تنطوي عليه من صعوبات. وحتى يكون متواكبًا مع التحولات العالمية بتوافقه مع قيم الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية.

كما أن هناك إشكالية كبيرة تتعلق بالقيادة التربوية؛ إذ أن القيادة التربوية في مؤسساتنا التربوية لا تهتم بأن تشيع روح التواصل بين المتعلمين وذلك من خلال أنها: لا تتبع أسلوب الحوار في الوصول إلى القرارات، أو إشراك المتعلمين فيما يخص بيئتهم التعليمية، كما أنه ليس هناك اهتمام بمشاركة ممثلين من العاملين والمتعلمين في وضع خطط التطوير، أو حتى وضع نظام لترقّي الاقتراحات والشكاوى والتعامل معها بكل شفافية، وعدم تفعيل اللوائح والقوانين بما يخدم المؤسسة التعليمية، بالإضافة إلى عدم استطاعة أعضاء المؤسسة التعليمية في المشاركة لوضع قواعد المساءلة، مع تطبيقها على الجميع، وبمستوييها الفردي والجماعي. فإذا كانت القيادات التربوية في مؤسساتنا التعليمية لا تهتم بأبجديات الحوار والتواصل مع الآخر والاعتراف بدوره في صنع القرارات الخاصة به، فكيف لنا أن نطلب من الجيل الذي نشأ في ظل هذه القيادات أن يعترف للآخر بحقوقه؟ أو أن يدخله معه في حوار من نوع ما؟ فهو لم يمارس هذا الدور الذي منع من النشوء والتربية عليه فكيف نطلب منه ممارسته؟ فقد عودناه منذ الصغر على الاستبداد بالرأي والاقتتال عليه ولو كان خطأ، ومن ثم فنحن بذلك نستبدل بمستبد مستبدًا آخر، فيصير كل منا مستبدا (بكسر الباء) ومستبدا به (بفتحها)، ومن هنا ينشأ التطرف بكل ألوانه وفي كل سياقاته، فبما أن أساس التنشئة فاسد فإن النتيجة حتمًا ستكون مخيبة للآمال.

وعليه فإن التعليم في بلادنا لا يساعد المتعلم -في الغالب- على التمكن من المهارات الأساسية كمهارات التفكير، ومهارات التعامل مع الحياة والحفاظ على الإنسانية وقيم المواطنة، ومهارات التواصل الاجتماعي مع الآخرين، والتمكن اللازم الذي يجعل منه عضوًا فاعلاً ومتفاعلاً مع مجتمعه، بحيث يتقبل الآخرين ويستطيع تكوين علاقات اجتماعية تتسم بالإيجابية معهم؛ ذلك أننا نفتقد في هذا النوع من التعليم إلى حث المتعلمين على امتلاك مهارات العمل الإيجابي كالتعاون والتسامح والحوار واحترام الرأي والرأي الآخر، والإيمان بحقوق الآخر المختلف عقديًا أو غيره. وهذه من أشد القيم التي نحتاجها في حياتنا، وخاصة في عصرنا هذا بعدما انتشرت فيه الأنانية والتعصب للرأي أو للذات، وعدم قبول الرأي الآخر؛ حيث أن المتأمل في واقعنا المعيش يجد دروبًا من التعصب الذي أفضى إلى دوغماطيقية صرفة أخذت بتلابيب الفكر إلى دهاليز العنف والقتل، حتى أصبح السلاح بديلاً للفكر، والانغلاق بديلاً للرأي الحر، والتعصب بديلا للتسامح، والقوة بديلاً للحوار. ومن هنا كانت المهارات التي يؤديها التعلم الفعال لرواده أكثر من كونه مجرد مواد تدرس أو شخصيات تحكى إنجازاتها للطلبة في قاعات الدرس وحجرات العلم، وإنما المهارات التي يجب أن يحصل عليها الطالب من دراسته هي مهارات حياتية في المقام الأول لها مردودها المستقبلي عليه إلى أن تأتيه منيته.

وإذا المعلم هو المحور الأساس في التدريس للمتعلمين، وعليه تدور كل المحاور الفرعية الأخرى، فهو كالترس الذي بدورانه تدور كل المحركات، لما له من دور بارز في تحويل دفة العملية التعليمية، فإنه فقد كثيرًا من هذا الدور المنوط به فهو يعتمد على تلقين الطلبة دون تصميم مواقف تعليمية تعمل على تنمية مهارات التفكير لدى المتعلمين، فهل هناك تنمية للمتعلمين في مهارات التفكير؟ بل هل يراعي المعلم تنمية المهارات الحياتية لدى المتعلمين؟ فالمعلم في طريقة التلقين لا يخلق للطالب فضاءً يستطيع من خلاله أن ينمّي فيه قدرته على الانفتاح على العالم من حوله، وإنما يخلق سياجًا حديديا بين الطالب وبين عالمه الذي يعيش فيه ، ومن ثم ينظر هذا الطالب للآخر نظرة ريبة وشك فلا يتعامل معه إلا بمنطق القوة لا منطق الحوار، خاصة إذا كانت ثقافته الدينية التي حصّلها من دراسته ضحلة، لا تمده بالقدر الكافي من التواصل والحوار مع الآخر، ذلك التواصل والحوار الذي يزخر به الدين ذاته، ولكنه لم يدرسه بما يجب أن يكون تحت إلحاحات واضع المنهج السياسية والأيديولوجية.

ولذا نحن نفتقد في المعلم عدم إدراكه لأهمية الدور الذي يؤديه ومدى تأثيره في قطاعات كبيرة من الشعب، ولو علم ذلك لربط بين المنهج بالمشكلات التي تواجه المجتمع، وتلبية حاجاته وآماله، فالمشكلات التي يواجهها أكثر من أن تحصى، وبحاجة إلى مد يد العون التي تزيل هذه المشكلات، أو تعمل على حلها، فنحن نواجه مشكلة في المواطنة والحقوق والواجبات، ومشاكل في الأمية والجهل والأخلاق، وإشكاليات في علاقة المستحدثات العصرية بالقيم والمبادئ ومعاني الإنسانية، وهذه كلها إشكاليات لا يستطيع الإجابة عنها إلا معلم مشبع بقيم الحوار والتواصل مع الآخر، وإدراك أهمية التفاعل البناء مع الآخر أيًا كان توجهه ومسماه، فليست هذه الإشكاليات في حاجة إلى الطبيب في مشفاه، أو المهندس في مصنعه، أو الكيميائي في معمله، وإنما في حاجة إلى عقلية فلسفية تؤمن بقيمة العقل في حل إشكاليات العصر وتنبه إلى خطورتها، وتستطيع إيجاد البدائل عند اللزوم. فإذا استطاع المعلم أن ينقل للمتعلم أهمية التواصل مع الواقع المعيش في معالجة هذه القضايا وقدرته على الانتقال بالمجتمع إلى أفق أوسع وأرحب لاستطاع أن ينمّي في الطالب بصورة غير مباشر -فضلاً عن الصورة المباشرة- مهارات التواصل مع الآخر، وكذلك المهارات الحياتية بصورة أشد تأكيدًا وأكثر واقعية.

وإذا كان الأمر بصدد المنهج فإنه يمكن القول إنه يمثل مع المعلم ركنين رئيسين في العملية التعليمية، ومن ثم فإن من الواجب أن يشمل المنهج الدراسي على ما من شأنه أن يجعل المتعلم يعتز بموروثه الثقافي، مع إتاحة الفرصة له للتعبير عن أشكال التراث الفكري التي ظهرت في وطنه أو أمّته، وما من شأنه أن يجعله يتمسك بسلوكيات المواطنة الصالحة.

فضلاً عن أنه من اللازم أن يتضمن المنهج بعدًا يراعي تنمية مهارات التعلم طوال العمر عند المتعلمين، لأننا لا نريد جيلاً لا يرجو من دراسته سوى الحصول على تقدير عال في الاختبار، وإنما نريد جيلاً تصنع فيه المؤسسة التعليمية ما لم تصنعه المؤسسات الأخرى من أسباب الفكر والعلم والتفلسف الذي يبني ولا يهدم، يقارب بين الشعوب والأديان ولا يباعد، يتخذ منهجية التسامح والحوار لا العنجهية والغلو. فالمنهج الدراسي هو أداة تعليمية تهدف إلى نقل مجموعة من الأفكار التي تبنى عقول الطلاب، ومن ثم فنحن في حاجة إلى مادة تفكير يكون الهدف الرئيس من تدريسها بناء فكر، فهل تسعى المناهج الحالية إلى ذلك أم تهدف إلى ماذا؟ وهل يدرس الطلاب المناهج التعليمية ليكتسبوا مهارات فكرية أم ليكتسبوا مزيدًا من السخط على الآخر الذي يتحول تدريجيًا إلى نوع من التطرف الذي يعد بدوره قنبلة تحرق الأخضر واليابس؟

سؤال ملحّ يطرح نفسه مؤداه: هل المناخ التربوي في مؤسساتنا التعليمية يساعد على إشاعة روح التواصل والحوار البناء مع الغير، أم أنه قد يؤدي إلى التطرف؟

المشكلة الرئيسة التي نواجهها في مجتمعاتنا أن القائمين على المنهج لا ينفكّون وهم بصدد إعداده عن أيديولوجيتهم المقيتة، فتراهم يحاولون أن يصبغوا المنهج وموضوعاته المختارة بتوجههم الأيديولوجي ومذهبهم الفكري، وعملية كهذه لا تراعي التنوع في المجتمع هي في التحليل الأخير ضربة قاسمة لفكرة التنوع والاختلاف في المجتمع، وهي الفكرة التي تؤسس عليها فكرة المواطنة، وقد مرت علينا العديد من التجارب التي تكشف عن علاقة المنهج بالتوجه الفكري الذي يدين به واضعه، رغبة في خدمة أغراضه السياسية أو الأيديولوجية، والخاسر الوحيد هو المنتج التعليمي وهو الطالب الذي تتخاطفه أيدي المتعصبين من واضعي المنهج هنا وهناك، ومن ثم كان من اللازم أن يلغى من المنهج كل هذه الإشكاليات، فالمنهج الدراسي لا يقدم اتجاهًا سياسيًا أو أيديولوجيًا محددًا بعينه كما يريد هؤلاء أو أولئك، وإنما يقدم معلومات ومعارف واتجاهات تساهم في تنمية الطالب وتبث فيه روح التعامل بحرفية مع الحياة والتواصل مع الآخر.

وهنا ينتابني سؤال ملحّ يطرح نفسه مؤداه: هل المناخ التربوي في مؤسساتنا التعليمية يساعد على إشاعة روح التواصل والحوار البناء مع الغير، أم أنه قد يؤدي إلى التطرف؟ إن المناخ التربوي في مجتمعاتنا هو في الغالب مناخ لا يساعد على إشاعة روح الحوار والتواصل مع الغير، وإن كنت أرى فيه كثيرًا من مظاهر العداء مع الآخر، فالمناخ التربوي في أيّ مؤسسة تعليمية هو المعوّل عليه الرئيس والأساسي في جودة العملية التعليمية والوصول بها إلى الهدف المنشود ، فالطلاب لا بد من أن يعيشوا داخل المدرسة في جو تعليمي صرف ليس فيه مجال للإرهاب الفكري أو التعصب العقدي؛ حتى يتيح له ذلك المناخ فرصًا أكبر للإبداع والابتكار والعمل الخلاق. ومن ثم فإن المؤسسة التعليمية مطالبة بأن توفر بيئة داعمة لتعليم بنّاء وهادف. فالمعلم بدوره لا بد أن يوفر المناخ التعليمي المناسب للأولاد، فلا تفضيل للذكور على الإناث، ولا للمسلم على المسيحي أو العكس، بل لا تفضيل في جانب المعاملة للمتفوق دراسيًا على المتأخر دراسيًا، ومن ثم فإنه عليه أن يوفر الفرص التعليمية بنسب متساوية بين المتعلمين، فلا مجال للحجْر على رأي المتعلمين.

ولكن ما دور النخبة في هذه القضية؟ إننا نرى أن هناك إشكالية ما تكمن في النخبة، فالنخبة في واد ومسار التعليم في واد آخر، فالنخبة منقسمة لا شك بين نخبة مثقفة تحاول تعديل مسار التعليم دون المساس بتراثنا الحضاري والفكري الذي تكوّنت منه ثقافتنا عبر التاريخ، والتي تخشى أن تكون الدعوة إلى تنقية التعليم من التطرف أساسها نصب حصار حول الدين، وتهميش وجوده في المسار التعليمي، وهذا ما تقوم به بعض التيارات، وبين نخبة مثقفة أخرى -وهو ما تغذيه بعض الاتجاهات الحداثية المغالية- تحاول بتوجهاتها تكريس هذا الأمر لدى الفريق الأول، وعليه فإذا كنا نعترف بأن التعليم بصورته الحالية في الوطن العربي لا يشكل قيمًا واتجاهات إيجابية لدى المتعلمين إلا بصورة باهتة لا تتناسب مع ما يفترض أن يقوم به التعليم في نفوس وعقول الطلبة، كالالتزام بالقيم والحقوق والواجبات وممارسة الأنشطة التواصلية المختلفة، فإننا نعترف أيضًا بأن مادة التربية الدينية الإسلامية والتربية الدينية المسيحية تحيي في الطالب قيم الأمانة والصدق والالتزام والمشاركة الفعالة والاحترام الكامل للجميع، وتحثه على أن يظهر في سلوكه قيم الولاء والانتماء والمواطنة، فيكون حريصًا على حقوقه، ملتزمًا بأداء واجباته، أما الدعوات المغالية التي تتخذ من التزام الطالب بأداء الصلاة مثلاً داخل مدرسته دليل على تصنيف هذه المدرسة بأنها تنمي لهذا التوجه الأيديولوجي أو ذاك التوجه السياسي، فهذا مما يؤجج فتيل التشدد والتطرف ولا يلبي حاجتنا في التأكيد على قيم التنوع والاختلاف.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.