الخيالات الجنسية
تجمع الجنسانية ما بين الجنس، الهوية- النوع اجتماعية، الدور، الخيالات/ الهوامات الجنسية، الأيروتيكية، المتعة والحميمية، وتشكل هذه المواضيع في مجملها مواضيع محرّمة يضرب حولها تابوهات عميقة الجذور ترمي بها في بواطن المسكوت عنه مع اختلافات جندرية نعزوها عموما إلى البناء الاجتماعي البطريركي.
إذا كانت الحياة الجنسية للإنسان تتسمّ بالتنوع والابتكار والتغيير، فإنّ للخيالات الجنسية، واعيةً كانت أو غير واعية، دورا بارزا في بلورة العلاقة الحميمة بين الجنسين، سيّما وأننا في عصر يتسمّ بسيرورة حراكه الاجتماعي المعولم وبتحولات هجينة في منظومة قيمه، فما هي الخيالات الجنسية؟ هل هي ظاهرة طبيعية أم مرضية؟ هل للخيالات الجنسية تباينات جندرية، وما هو أثرها على العلاقة بين الرجل والمرأة؟
يعرّف كلود كريبولت Claude Crépault الخيالات/ الهوامات الجنسية les fantasmes sexuels بأنّها إدراك عقليّ واعٍ حينا، لاواعٍ حينا آخر، وهي مجموعة من الرغبات الجنسية التي تأتي على شكل صور تربط بين شخصين أو أكثر. تمتلك هذه الهوامات الجنسية قيمة ملهمة مثيرة حيث تسمح للفرد بإثارة غرائزه الجنسية مع إمكانية السيطرة عليها.
تجدر الملاحظة أنّ الخيال الجنسي قد يكون قصة كاملة أو فكرة عابرة لبعض السلوكيات الجنسية أو الرومانسية، وإذا كان البعض ينطلق في خيالاته الجنسية مستحضراً حدثاً أو إشارة أو حركة أو صورة واقعية، ماضية أو حاضرة، فإنّ البعض الآخر يعتمد في هواماته الجنسية على الخيال المحض. بناءً عليه يمكننا القول أنّ الخيالات الجنسية ظاهرة متغيرة في الزمان والمكان تبعًا لتركيبة الفرد النفسية وتبعًا للعوامل الاجتماعية التي شكّلت شخصيته سواء تلك المتعلقة بالتنشئة الاجتماعية، الانتماء الديني والمناطقي، الانتماء الجيلي، كما بمقدار المثاقفة والانفتاح على الآخر واقعيا أو افتراضيا.
هل التخيلات الجنسية حالة طبيعية؟
تؤكد الدراسات في علم النفس أنّ الخيالات/ الهوامات الجنسية موجودة بالفطرة لدى جميع الناس دون استثناء، وهي على ارتباط وثيق بطفولة الفرد وعلاقته بوالديه.
وإذا ما كان موضوع الجنسانية يحاط بكثير من التابوهات التي تجعل البعض ينظر إلى الخيالات الجنسية- الواعية أو اللاواعية- باعتبارها حالات مرضية، فإنّ البحوث السوسيو- سيكولوجية تؤكّد على أنّ تلك الخيالات ظاهرة تكاد تكون عالمية حتى لدى الأفراد الذين يحققون نضجا واكتفاءً جنسيا، وأنّ الغياب الكلّي للخيالات الجنسية عند الفرد هو حالة غير طبيعية ومستهجنة اجتماعيا ونفسيا.
التباينات الجندرية
منذ الطفولة يتلقى الأطفال- ذكورا وإناثاً- تنشئة اجتماعية متباينة جندريًا معتمدين في تغذية مخيالهم الاجتماعي على ادّعاءات وافتراضات مستمدّة في غالبيتها من البيولوجيا كما من الأيديولوجيا الدينية. وإذا كانت التنشئة الاجتماعية في المجتمعات البطريركية تحرص على تحفيز الرجل للإعلان عن رجولته واختبار الحياة الجنسية بشكل مبكر، فإنّ هذه التنشئة نفسها تربي الفتاة على الحياء المفرط والنظر لكل ما هو جنسي باعتباره مصدرٌ للّوم والعيب.
بناء على ما ذكرنا يصبح التباين الجندري في الخيالات الجنسية التي يعيشها كل من الرجل والمرأة أمر بديهي ناتج عن تركيب سوسيو- سيكولوجي- بيولوجي مختلف لدى الجنسين. وقد بيّنت الدراسات أنّ الخيالات الجنسية تزداد لدى الرجال منها لدى النساء، وهي تتمحوَر عادةً عند الرجل حول مواضيع السيطرة والضغط والقوّة الجنسية والإخضاع والاستحواذ ورفع رايات الفتح الدال على هوية فحولية محققة لأسبقية التملّك. أمّا عند المرأة فنجد أنّ الخيالات الجنسية تتمحور غالبًا حول الحبّ والعاطفة والمداعبات، ذلك أنّ نسق التصورات لديها (الهابيتوس) متمحور حول فكرة مؤداها أنّ الجنس وسيلة لا غاية، هو طريق للحصول على السترة والحماية والأمومة.
ونحن نرى أن هذا التباين الجندري سببه الأساسي هو التنشئة الاجتماعية التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تلغي حاجات المرأة الجنسية ورغبتها في تلبيتها بطرق أيروتيكية أبرزها لعب الأدوار والاستعراضية وغيرها من الطرق التي باتت في تزايد مستمر بسبب دخولنا في عصر العولمة (التقنية خاصة) وما تحدثه الصورة من تحوّل في منظومة القيم عمومًا والقيم الجنسية خصوصًا.
العلاقة بين الشريكين
تتغذّى الخيالات/ الهوامات الجنسية ممّا يراه الشخص ويَختبره في حياته العادية من لقاءات واقعية وافتراضية وحركات وإشارات وتلميحات وصور وأفلام. وإذا كان بعض الأشخاص يعملون على تنمية خيالاتهم الجنسية فإنّ البعض الآخر يعمل على إخفائها ودفنها في أعماق اللاوعي. غير أنّ علماء النفس يجمعون بأنّ الخيالات الجنسية من شأنها أن تنشّط الرغبة والإثارة الجنسية بين الشريكين، هذا وقد أكّد الأنتربولوجي والباحث في الجنسانية “فيليب برينو”Philippe Brenot ضمن كتابه “النساء، الجنس والحب les femmes، le sexe et l’amour” أنّ النساء اللواتي لا يمتلكن خيالات / هوامات جنسية يحققن مستوى أقل إيجابية من الإشباع والرضى الجنسي.
وفي هذا المجال لا بد من التأكيد على أنّ الخيالات الجنسية ظاهرة ثقافية نسبية، ما يعني أنّ خيالا جنسيا قد يكون إيجابيًا في حياة بعض الأفراد ويكون سلبيا في حياة آخرين، حتى أنّ هذا الخيال الجنسي نفسه قد يتغير تأثيره لدى الفرد باختلاف التوقيت والظرف، وذلك لارتباطه بمتغيرات سوسيو- ثقافية ونفسية كثيرة.
وإذا كان لبعض الخيالات الجنسية – خاصة تلك التي يتم شحنها ذهنيًا في عصر الانفتاح المعولم وما يروّج له من بورنو porno- أثر سلبي في تحويل العلاقة الجنسية من الشراكة بين الجنسين إلى المزيد من العنف والسادية المحملة بدلالات الاغتصاب الجنسي، فإنّ بعض الخيالات الجنسية الأخرى قد يتم توظيفها لتحسين وتنشيط العلاقة بين الرجل والمرأة بالرغم من اختلافها بين الجنسين، ويبدو ذلك في النقاط التالية:
- تساعد الخيالات الجنسية على التخلص من الروتين الذي قد يصيب العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة.
- في المجتمع البطريركي تساعد الخيالات الجنسية في التعويض عن الكبت الجنسي الذي يعيشه البعض، وبالتالي فهي تساعد الفرد- رجل أو امرأة- على إشباع بعض الرغبات الجنسية.
- تضاعِفُ الخيالات الجنسية المتعة الجنسية في الحياة الرومانسية عند الرجل والمرأة.
- إنّ نقل الخيالات الجنسية من الحلم إلى الواقع يخفّف من الخيانة الزوجية إذا ما عاشها الرجل والمرأة كشراكة لا سيطرة وخضوع.