الخيال والتوهم
تعددت تعاريف لسان العرب لمصطلح الخيال ولكنني سأكتفي في هذه الورقة بالوقوف عند تعريفين أولهما: الخيال كخشبة توضع فيلقى عليها الثوب للغنم إذا رآها الذئب ظن أنها إنسان ففرّ، أما ثانيهما فتقصد بالخيال خيال الطائر الذي يرتفع في السماء فينظر إلى ظله فيرى أنه صيد فينقض عليه (أي على ظله) ولا يجد شيئا. (ابن منظور، لسان العرب، المجلد 11، ص:276-278- بتصرف).
في الدلالة الأولى نتحدث عن “الإيهام”، إذ لا تتحقق النجاة إلا بواسطة الخيال القصبة الضعيفة التي بمجرد أن تُكسى ثوبا تخيف الذئب فيترك القطيع في حاله، ربما المثال الأوضح لهذا في السرد العربي تمثل في شهرزاد وحكاياتها. أما في الدلالة الثانية فنكون أمام “التوهم”، إذ يقع صاحب الخيال ضحية تهيؤاته، وهو ما مثلت له الرواية منذ الدون كيشوت إلى يومنا هذا.
ما السبب في هذا الانتقال من الرغبة في التأثير على الآخر إلى الوقوع في شباك الذات؟ ربما هو لانفصال الفرد عن جماعته، أو ربما لانتباهه المفاجئ إلى أن الشر لا يكمن في الخارج، بل يشكل جزءا من تكوينه. هكذا تقرر الذات -أمام غياب الجمهور- أن تنشئ مونودرامتها الخاصة، حيث تكون هي الممثل والمشاهد في آن، لتخادع بذلك نفسها حتى تخدعها، وتدخل في مونولوجات محصورة في الآن والهنا، مشغولة بنفسها عن الآخر والعالم.
أمام كل هذه التغيرات لا تجد الذات مفرّا من الانتقال من دلالات البطولة والحيلة والتضحية التي دلّت عليها في السرد الكلاسيكي (شهرزاد) إلى اللابطولة والفانتازيا والجنون كما أصبحت تدل في السرد الحديث (دون كيشوت). ولعل بطل المقامة يشكل مرحلة انتقالية بين الاثنين، إذ قبل الانتقال من بطلة تحتال بالحكاية لتحمي حياتها والوصول إلى لابطل يجن من كثرة قراءته لحكايات الفروسية لينطلق في البراري على فرسه الأعجف محاولا نشر الخير، كان هناك بين الاثنين بطل احتال على غرار الأولى بالحكاية ليضمن قوت يومه، وانطلق يجوب الأرض (تكفي عناوين المقامات دليلا على هذه الحركة في المكان) مثل الثاني، ولكن لا لينشر الحق بل لينصب على الناس.
رغم اختلاف نوايا الثلاثة وغاياتهم، إلا أن الخيال كان في حالة كل منهم سببا في البقاء على قيد الحياة، وإلا فكيف كان لشهرزاد أن تبقى حيّة بعد الليلة الأولى مع شهريار، وكيف للسروجي أو أبي الفتح الإسكندري أن يقتاتا وقد أدار الجمهور ظهره للشعر، وكيف للدون كيشوت أن يحيا بلا غزواته الوهمية وحبيبته الخيالية (لنتذكر أن نهاية الدون كيشوت قد تزامنت مع اكتشافه لحماقته وعبثية حروبه الوهمية مع الشر، ليهتف قبل موته بلحظات “ذهني الآن حرّ وصاف، إذ تخلّص من ظلال الجهل الكثيفة التي غلفته به قراءة مستمرة ولا طعم لها، لكتب الفروسية اللعينة. الآن فقط، أتبين مبالغاتها وإغراءاتها المضللة”)، ورغم كل هذا لم يكن الخيال في عين أيّ من الأربعة كذبا أو جنونا، بل كان وسيلة منطقية للعيش في عالم لامنطقي تحكمه جماعة تحدد لأفرادها الجرعة المناسبة من الخيال على مقياس ثابت على طرفه الأول الإيهام الغائي أو الإبداع، وعلى طرفه الآخر الجنون أو التوهم.
شهرزاد.. الخيال والجماعة
في أيّ مرحلة يصل الخيال بصاحبه إلى مستوى الإبداع وما ينتج عنه من شهرة واعتراف اجتماعي وفكري؟ وفي أيّ مرحلة يودي بصاحبه إلى الجنون أي النفي والطرد من الجماعة؟ بعبارة أخرى ما مقدار الجرعة المناسبة من الخيال التي تتيح للكاتب أن يحلّق بجناحيه في سماء الإبداع وأن يبقى في الآن نفسه مشدودا ولو بخيط رفيع إلى أرض الواقع ليضمن لنفسه اعتراف الجماعة.
ربما يكون المدخل الأنسب للجواب عن هذه التساؤلات هو تحديد الفرق بين الإبداع والجنون.
أولا، يشترك الاثنان، أي المجنون والمبدع في توظيف ملكة الخيال توظيفا استثنائيا غير مشترك بين عامة الناس، فالشاعر سُمّي بشاعر لأنه يشعر بما لا يشعر به غيره، أما المجنون كما يعرّفه صاحب عقلاء المجانين، فهو “من يخالفهم (أي الناس) في عاداتهم فيجيء بما يُنكرون” (النيسابوري، عقلاء المجانين، ص:30). وبذلك فكلاهما استثنائي، إلا أن ما يميز المبدع عن المجنون هو اعتراف المجتمع بالأول وإنكاره للثاني. هكذا، وكما قُسم العالم إلى مركز وهامش، وإلى خاصة وعوام، فكذلك يمكن تقسيمه إلى مبدعين ومجانين.
ثانيا، يقطع الاثنان صلتهما مع الواقع، ولكنّ المبدع لا يقطعه تماما، إذ وهو داخل إلى متاهة الخيال، يحتفظ في يده بخيط أرينا الذي سيتيح له الخروج، أو على غرار عقلة الإصبع ببضع أحجار تتيح له العودة إلى منزله، وعلى عكسهما يظل المجنون تائها، في الهناك، إلى ما لا نهاية.
ثالثا، أن المبدع يلتزم بالوظيفة التي خلقتها الجماعة للخيال، إذ لا تقبل الجماعة من الخيال إلا ذلك النوع الذي يلتزم بالوظائف التي حددتها، كالتعليم والترهيب والردع.. هكذا لم تقبل الثقافة العربية من الشعر في الماضي إلا ما كُتب في الأغراض التي حددتها (الهجاء، المدح، الفخر..)، وكلما كان الغرض مرتبطا بمصلحة الجماعة (الفخر بمناقب القبيلة، مدح محاربيها، هجاء أعدائها..) زاد احتفاؤها بالشاعر، أما إذا انكبّ على ذاته وخص بشعره محبوبة تخصه وحده، فقد كانت تتركه لجنونه وحيدا في الصحراء كما فعلت بقيس ابن الملوح (مجنون ليلى).على غرار الشعر لم يُقبل من النثر التخييلي (أي السرد)، إلا ما اشتمل على “حكمة (كليلة ودمنة) أو عبرة (السرد التاريخي) أو صورة بلاغية ترفع من قدره (المقامات)” (عبدالفتاح كيليطو، الأدب والغرابة، ص28)، ليتأكد من ثمة أن الثقافة ما كانت لتقبل من التخييل إلا ما له غاية تعليمية؛ أي ما سمّته بالعِبرة (Leçon de morale)، أما الغاية الجمالية فكانت تأتي في رتبة أخيرة، لأن الخيال جزء من الأدب أو التأديب، أي منتوج لغوي هدفه تلقين أفراد الجماعة قيما وحِكما تضم لحمتهم. ولعل دليل هيمنة الوظيفة التعليمية على الخيال يتجلى من خلال هيمنة الدرس الأخلاقي حتى في المتن التخييلي الذي لم تعترف به الجماعة ضمن أدبها الرسمي فحكايات الجدات مثلا، المخيفة والمتخمة بالغيلان والجن، لا تهدف سوى إلى تحذير الأطفال من الخطر الكامن هناك، بمجرد اختراق الحدّ الذي رسمته الجماعة.
ولما كانت الوظائف “البراغماتية” للحكاية لا تتحقق إلا بإقبال المتلقّي عليها وإصغائه لها، فقد استعان الحاكية بمقولة العجائبي لاستيلاب متلقيه وإبقائه أكبر وقت ممكن تحت رحمة الحكي، ذاك أن “شهرزاد لا تحكي أيّ شيء كان، إنها تحرص على أن تدرج حكاياتها ضمن مقولة الخارق، إذ لا مناص من أن تكون الحكاية “عجيبة وغريبة”، وإلا فإنها غير جديرة بأن تروى. يجب أن يتأكد المستمع من أنه ينجز ذهنيا المسافة التي يقطعها البطل من العالم المألوف إلى العالم الغريب” (عبدالفتاح كيليطو، العين والإبرة، ص16). بوقوع المتلقّي في فخ الغرابة، يتراجع العقل بوظائفه النقدية والتشكيكية، ليجد المتلقي نفسه فجأة وحيدا أعزل أمام سلطة الحكاية، على أهبة الإيمان بكافة قيمها وأيديولوجياتها. وبذلك، تنتفي أيّ غاية جمالية للعجائبي في الحكاية، ولا يبقى للحكاية من وظيفة إلا إفراغ متلقيها من وعيه، استعدادا لحشوه بقيم تتيح له الديمومة داخل أسوار الجماعة؛ على هذا النحو إذن يخلق المجتمع مومياواته.
لم يكن للخيال في هذه الفترة إذن حياة خارج الجماعة، كما أن وظيفته كانت منحصرة تماما في ترسيخ ذاكرة قيمية مشتركة بين الأفراد حتى لا ينفرط عِقدهم؛ وحتى لا ينسوا أن الجماعة وحدها مكمن الخير، وبذلك فهي تستحق الحياة بل والخلود ولها الحق في أن تلجأ للخيال/العصا لحماية نفسها من شر الآخر/الذئب، مما يؤكد إشارة أمبرتو إيكو من أنه لا وجود لحكاية بلا ذئب.
ليتضح من ثمة، أن الخيال في العصر الكلاسيكي كان يعد “شرعيا” بقدر ما كان يكرس قيم الوعي القائم، وبعبارة أخرى، فقد كانت الجماعة شيطان المبدع وملهمته (عبدالفتاح كيليطو، الأدب والغرابة، ص56)، إلا أن الشيطان والمبدع ما لبثا أن افترقا في العصر الحديث في لحظة تدوين التخييل وخروجه من المساحة العامة التي تهيمن عليها الجماعة، إلى المساحة الحميمية للذات، حيث ينفرد الكاتب والمتلقي بالحكاية إلى درجة التماهي (Identification) والجنون.
الدون كيشوت.. الخيال والذات
عرف الخيال حياة جديدة حين انفصل عن الجماعة والبلاط أو غيرهما من فضاءات التخييل المشروعة، وفي هذه الحياة الثانية غابت الحدود الرفيعة الفاصلة بين الإبداع والجنون، ليبزغ مفكر جديد لا هو بالمبدع تماما؛ لأنه فارق الجماعة التي لها وحدها أن تضفي هذا اللقب على أتباعها، ولا هو بالمجنون تماما، لأن منتجاته التخييلية وإن كانت قد أعرضت عن تكريس وظائف الجماعة إلا أنها قد خلقت لنفسها وظائف جديدة؛ رغم أنني لست متأكدة إلى أيّ حدّ يمكن أن ننعتها بالوظائف، ما دامت سمة “الوظيفة” بدورها لا تصدر إلا عن سلطة، أو لا تكون كذلك إلا إذا نفعت سلطة. وبذلك نجد أنفسنا مع بداية الرواية أمام مبدع مجنون وبطالي فقد “وظيفته الحكومية”.
إن المفارقة المثيرة في علاقة الخيال بالجنون من جهة وبالإبداع من جهة أخرى، هو أن الخيال في الماضي كما كان يمارسه مبدع “عاقل” تكون غايته أبدا هي إيهام الآخر إما لتهذيبه أو لائتمان شره، في حين أن الخيال في العصر الحديث يرتبط بمبدع “مجنون” خسر اعتراف عشيرته وحاجتهم إليه، لذلك قرر أن يجترح وظيفة لنفسه، تتمثل في نقل قارئه بواسطة التوهم والتماهي مع شخوص التخييل إلى النقد والتفكير ومساءلة الواقع. وبصيغة أخرى، لا تنجح شهرزاد في مساعيها إلا بتطويع المتلقّي وتقييده بالحكاية، فيما لا تحقق الذات الدون كيشوتية غايتها إلا حينما تلفت متلقيها إلى العقال الذي يمنعه من رؤية الواقع على حقيقته.
فقد المبدع إذن مع وعيه بتسلط الجماعة اعترافها به، ولكنه في الآن نفسه كسب وعيه بذاته، وصار بإمكان الشخصية التخييلية أن تعلن بصراحة “كنت مسكونا بهاجس وحيد، هو ألا أحد مثلي، وأنا بدوري لست كأحد منهم. فكرت ‘أنا وحيد، وهم الناس جميعا’ (Notes from the underground, p:47)، بهذه الصيغة التي نطقها أحد أبطال دستويفسكي مجهولي الهوية أُعلنت القطيعة التامة بين الأنا والهُم، وبين أيّ تصالح مستقبلي ممكن بين التخييل والمؤسسة. نتيجةً لهذا الانفصال بين الخيال والمؤسسة وانتفاء الوظيفة الإيهامية، ظهرت الحاجة إلى تبئير الذات وجنونها أو استثنائيتها التي طالما كتمتها الجماعة، ذاك أن الجماعة بفرضها لتخييل رسمي موجّه كبتت كل الأصوات الأخرى التي دخلت متاهة التخييل باحثة عن فكرة استثنائية، وبقيت هناك لأنها فشلت في ربط فكرتها أو حكايتها برؤية المؤسسة وأهدافها “التسييرية”.
كان من الطبيعي إذن أن يكون أول صوت يطلقه التخييل في العصر الحديث هو صوت مجنون، جنّ من كثرة الحكايات التي سمعها فانطلق في البراري على حصان أعجف، لا فقط ليدافع عن حق الذات في المضي بالخيال إلى منتهاه، بل وكذلك لتبيان مسؤولية الجماعة عن هذا الجنون، ذلك أنه بالرغم من فصل قرون بين شهرزاد والدون كيشوت، إلا أن الحكايات التي جننته شبيهة بحكاياتها؛ تلك الحكايات التي تغيّت تضليل الذات وإقناعها بأن شرعية الخيال لا تتحقق إلا باعتراف سلطة، ولنتذكر أن أول حماقة ارتكبها الدون كيشوت كانت هي توجّهه لصاحب فندق (كان يظنه نبيلا، ويظن فندقه قصرا) ليطلب منه أن يمنحه وسام الفروسية، لأنه كان قد تعوّد في كافة القصص التي قرأها أن يصدر هذا القرار دائما عن صاحب سلطة، ولم تقف الرواية عند هذه الحد، بل سرعان ما بينت في الجزء الثاني أن أصحاب السلطة الذين كان ينتظر منهم دون كيشوت اعترافا كانوا أشد منه حمقا، خاصة شخصيتا الدوق والدوقة، فقد قرآ الجزء الأول من رواية الدون كيشوت وأبيا إلا أن يوهما صاحبها بفروسيته. ليصبح الجنون من ثمة ردّ فعل طبيعي على سلطة الجماعة التي نمطت الخيال وتركته يتعفن في جيبها.
فقدت الجماعة سلطتها على الخيال إذن، في اللحظة التي بدأت فيها كتابة التخييل (أي مع ظهور الرواية)، فبالإضافة إلى التغيرات النوعية التي تحدثها الكتابة، هناك تغيير جوهري مس الخيال والتخييل تجلى مع فقد الجماعة لرقابتها على المحكي؛ لنتذكر أن الحاكية في الماضي كان إما أن يمثل هو نفسه سلطة أخلاقية (الجدة) أو أن يتوجه بحكايته لسلطة سياسية (شهرزاد، بيدبا، التوحيدي)، أو أن يحكي في ساحة عمومية، إلا أن الأمر ما فتئ ينقلب رأسا على عقب مع الكتابة، إذ خرج الخيال من يد السلطة التي وإن ظلت تراقب الكُتاب وتحشر أنفها بينهم وبين ما يكتبونه، إلا أنها ظلت عاجزة عن التحكم في القارئ وتوجيهيه إلى دلالات وتأويلات معينة؛ ذاك أن القراءة عملية فردية تتم دائما في فضاء حميمي مغلق، مما يفتح المجال واسعا أمام صاحبها للتماهي والتأويل؛ ولِمَ لا الجنون.
هكذا، يصبح الحل الاستعجالي لردّ كل قارئ مجنون إلى صوابه هو إحراق كتبه، وهو تماما ما فعلته خادمة دون كيشوت بمساعدة ابن أخته والقس والحلاق، إلا أنه أمام عدد الكتب الضخمة، لم يجد الأربعة من سبيل سوى بناء جدار أمام باب المكتبة وإقناع -أو بالأصح إيهام- الدون كيشوت أن هذا الجدار كان دائما هنا وأن مكتبته كانت محض وهم. ليتضح من ثمة، أن الرواية قد جمعت بين ثيمتي الذات المجنونة والآخر “العاقل” المتسلط، لتفضح بذلك تاريخ الخيال أو الإيهام الذي مارسته الجماعة على أفرادها.
ولعل التقليد الذي رسّخته الرواية ومن بعدها السينما في تصدير الأعمال، بالقول بأنها محض خيال، إشارة ضمنية إلى سلطة الإيهام الذي مارسته هذه الجماعة طويلا وسقط فيه متلقون أبرياء من قبيل الدون كيشوت، ومن ثمة تكون هذه الإشارات الافتتاحية دعوة ضمنية لبناء علاقة تشكيكية بين الذات والموضوع، قوامها “تعليق التصديق”(The suspension of Belief) والانتقال من القراءة العادية التي تفترضها الحكاية إلى القراءة العالمة التي تفترضها الرواية.
الخيال بين الجلاد والضحية
هل يدل الربط بين شهرزاد بدلالات الجماعة والإيهام والمؤسسة اتهامها بكونها كانت جلادا حرم الذات من حقها في النقد والتفكير؟ ربما، سيدافع عنها البعض قائلا إنها قد فعلت ما فعلته مضطرة لحماية حياتها، ولكني لا أراها مضطرة بقدر ما أراها ثمرة طبيعية للمحيط السياسي الذي نشأت فيه، ذاك أن شهرزاد ابنة وزير وزوجة ملك، ومن ثمة لم يكن لها إلا أن تقاتل أعداءها بنفس سلاحهم، أي بالحيلة. ولكن، ما ذنب كل الأفراد “الهامشيين” الذين اطلعوا على قصتها فيما بعد ليقعوا من دون علمهم في شباك تضليلها دون أن يكونوا قد تسببوا لها في أيّ ضرر أو تهدّدوها بأيّ خطر؟ هل المشكل في من دوّن الحكاية وأخرجها من أسوار القصر؟ أم في شهرزاد التي بدأت هذه اللعبة ولم تستطع أن توقفها؟
من هو المجرم في هذه الحكاية، هل هو الخيال بشقيه الإيهامي والتوهمي؟ أم المؤسسة التي وظفته لغير وجهه؟ أم المتلقي الذي بإقباله على الحكاية مكّن الجماعة منه؟ أم الذئب الذي فرّ من العصا فألهم السلطة سلاحا ناجعا للتحكم في أفرادها؟ أم هو الطائر الذي بمطاردته لظله قد أحل لهؤلاء جميعا شرعية إيهامه والضحك منه.
بيبلوغرافيا:
كيليطوعبدالفتاح، العين والإبرة؛ دراسة في ألف ليلة وليلة، ترجمة: مصطفى النحال، الدار البيضاء، نشر الفنك، 1996.
كيليطو عبدالفتاح ،الأدب والغرابة؛ دراسات بنيوية في الأدب العربي، الطبعة الرابعة، الدار البيضاء، دار توبقال، 2007.
ابن منظور، لسان العرب، المجلد الحادي عشر، بيروت، دار الكتب العلمية، 1971.
النيسابوري، أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب، عقلاء المجانين، تحقيق: عمر الأسعد، بيروت، دار النفائس، 1987.
DE Cervantes, Miguel.Don Quichotte II, trad. Luois Viardot, Paris, Booking international, 1996.
Dostoevsky, Fydor.Notes from the underground and the Gambler, Trans. Jane Kenitsh, Oxford, Oxford university press, 2008.