الروائيون باتوا مجهولين

الجمعة 2016/04/01
لوحة: إدوارد شهدة

كان الرّوائيّ في العالم ولا يزال صوت الإنسانيّة الأول وصداها الأدبي الأبرز. وهو بحق رصيده المعرفي وتجربته الاجتماعية، والنّاطق الفني لشعور المواطن عبر مختلف طبقاته، فهو اللوحة السردية الصادقة رغم قتامة ألوان الحياة المحيطة به وبقرّائه، وقد لخص “كونديرا” تلك الملكة في جملته الشهيرة “الرّواية هي الجنة التي يتوق إليها خيال كل فرد. وهي – قبل ذلك – المكان أين لا أحد يحوز الحقيقة المطلقة”.

وليس الرّوائيّ العربي بمنأى عن ذلك الحراك الإنساني بل هو في بؤرته، في فترة شهدت وما تزال متغيرات سياسية واجتماعية على أعتاب ما عرف بـ”الربيع العربي”، الذي عصف بالشارع العربي بعد فترات دامت لعقود من الاحتقان السّياسي الشديد، من الرباط غربًا إلى مسقط شرقًا، ليطال هذا الغضب شرائح شتّى من المجتمع العربي.

ومن بين المناطق التي كان فيها التأثير الثوري قويًا ودمويًا أرض سوريا؟، فقد كان الاستبداد مصيرها كمصير الكثير من انتفاضات البلدان العربية، وانقسم ضحاياها بين شهيد ومعتقل ومشرّد. وكان الرّوائيّ العربي أحد أولئك الضحايا، كإنسان أولًا قبل أن يكون مثقفًا، إذ هو من أوائل الشهداء وعلى قائمة المرضى والمشرّدين.. شهيد بالحرف والكلمة، ومغمّسة كلماته الثائرة بدمائه ومداده، والتي كانت مقطّرة من محبرة الحرية فاتنته منذ الأزل، في زمن القيد السّياسي والتديّن الزائف.

قد لا يتّسع مقام هذه الشهادة لذكر عديد الأمثلة عن ضحايا هذا الحراك من الكتّاب وعن غياب كثير من الرّوائيّين عن المشهد، وهم الأولى بتوجيهه وتعديله إن انحرف، وهم ممّن يرون في الثورات الأيقونية مثالًا يحتذى به، حينما كان الآباء المنظّرين لها من طينة بالزاك، وستندال، وبيرناردان وغيرهم.

ولكن السؤال المزاحم لتلك التضحيات قبل الثورات وبعده: هل كان النص الرّوائيّ -ومن خلفه صاحبه- مواكبًا لتطلعات تلك الشعوب؟ وهل يحمل الرّوائيّ هموم الشارع ونبضه من خلال منزلته المعرفية والحضارية عبر نصوصه؟ هل ارتقى بتلك النصوص إلى مصاف التحدّي أمام صنّاع القرار قبل وبعد أن يثور البسطاء ضدّهم؟ وبكل صدق ومباشرة هل الرّوائيّ هو الضمير الثقافي لتلك الشعوب؟

قد يلاحظ القارئ العادي أن بعض تلك الأسئلة تجيب سريعًا عن نفسها، من خلال القراءة المتأنية (والصادمة أحيانًا) عبر اليوميات والصحف الدورية ووسائل التواصل الاجتماعية ذائعة الصيت، أن شهادات التّكريم لكثير من الرّوائيّين هي من صنع أولئك القادة، لشرائهم دون ذمة، والبضاعة هي الدّفاع المستميت على سياسات تكميم الأفواه والزجّ بالناس من قرّاء نصوص غسان كنفاني وحنا مينه ونجيب محفوظ إلى السجون، والمبررات تتعدّد وتتنوع بحبر أولئك الرّوائيّين أنفسهم من الحفاظ على “الأمن” إلى محاربة “المصير المجهول”، ولم يدرك أولئك الرّوائيّون أنهم أمسوا مجهولين في ظل جلاء الصورة وحركية التغيير، التي فاقت سرعتها أحيانًا سرعة تدّفق المعلومات عبر شبكة عنكبوتية نُسجت بألسنة العالم أجمع.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.