السرد النسوي التونسي
ملف آخر لكتابة المرأة تقدمه "الجديد" لقارئاتها وقرائها الشغوفين بالقصص التي تنسجها شهرزاد في ليل عربي طويل طويل، حتى لكأنه ليل كهف عميق لا يريد أن ينقضي. وهو محاولة لتحرير صورة المرأة من إطار اجتماعي ثابت لا يريد لها أن تظهر بكامل بهائها ولا بقدراتها الإبداعية بوصفها شهرزاد الحكاية والرواية والسرد القصصي. هذا الملف يقدم صورة بانورامية لكتابة القصة القصيرة في تونس.
إننا لنرى مع الناقدة التونسية نزيهة الخليفي ما رأته من أن "تطوّر السّرد النسائي التونسي نتيجة وعي المرأة بقضايا الواقع الاجتماعيّة والثقافيّة والفكرية وضرورة التّعبير عنها بالكتابة، لذلك نوّعت على مستوى الأجناس الفنيّة من قصّة وشعر ورواية ومقالة ومسرح… ونوّعت أيضا على مستوى البناء الفنّي، فحطّمت النموذج التقليدي القديم ورسمت لنفسها مسارا قائما على التحرّر والانعتاق من القديم، وحاملا لرؤية تسعى إلى تحقيقها عبر الكتابة، لذلك خاضت التجريب وجدّدت في أساليب الكتابة والتّعبير إيمانا منها بأنّ الكتابة هي فعل ممارسة، وفعل اختلاف، فلا كتابة خارج الاختلاف، ولا كتابة خارج الأسئلة الكبرى التي لا جواب لها.".
ولو جئنا إلى الملف القصصي المنشور في هذا العدد فهو على اختلاف مستوياته الإبداعية إنما يعكس بطريقة جلية المسارات الأساسية لكتابات القاصات التونسيات، من الجيل الرائد، وحتى الكاتبات الجديدات اللواتي طورن أساليب السرد ونوعن في موضوعات الكتابة. وكما تشير الناقدة الخليفي، فإن "تطوّر الكتابة القصصيّة النسائيّة التونسيّة يعكس بكلّ جرأة وإبداعيّة جوانب من المسار التطوّري في الكتابة القصصيّة النسائيّة الجديدة في تونس وتحوّلها وانفتاحها على المغاير والمختلف نحو التجديد والتجاوز. وأمّا عن الثيمات التي تناولتها القصص القصيرة، فقد تنوّعت وتشظّت بين الذّات والأمكنة والأزمنة والمرأة والجسد… وهي ثيمات تتداخل مع أخرى مجاورة لها ولا تقلّ عنها أهميّة. وأمّا من جهة الخصائص الأسلوبيّة والبنائيّة التي ميّزت هذه التّجارب القصصيّة المنفلتة في نشدانها للحداثة والمغايرة، فنجد توظيف العديد من التقنيات السردية واللّغة القصصيّة الجديدة والشّاعرية سواء في توسّلها بالجرأة في الكتابة والبوح، أو في ارتياد عالم الذّكورة والحديث عن التابو والمسكوت عنه."
النصوص المنشورة في الملف هي بمثابة من قبل مجلة "الجديد" لإضاءة مساحة ظليلة من النشاط الإبداعي للمرأة في تونس، في لحظة تاريخية يختلط فيها حلم المستقبل بهواجس الأصالة الموهومة، والتطلع إلى الجديد، بأوهام استعادة الماضي، وتقع المرأة في القلب من المعركة الاجتماعية الكبرى لأجل الانتقال من ماض لا يريد أن يمضي إلى مستقبل يستعصي على الحالمين بأنواره.
قلم التحرير