الشخصيات الثانوية في روايات عواد علي
تتباين آراء النقاد والدارسين حـول مكانة الشخصيات الثانوية في الرواية وأهميتها، فثمة من يقلل من أهمية دورها وثمة من يعظّمها. لكنها في الحقيقة لا تقل أهميةً عن الشخصيات الرئيسية، فهي تسهم إسهاماً فاعلاً في بناء الشخصيات الأساسية ومؤازرتها، على الرغم من أنها تحمل وظيفةً أقل، ودوراً محدداً، لكنه في الوقت ذاته ضروري ومهم، إذ تأتي متممةً لأجزاء من المشهد السردي أو الحواري أو المكاني، وهي شخصيات لا يعتني النص الروائي بصفاتها وملامحها الجسدية والمعنوية فحسب، بل تدور مع الشخصيات الرئيسية، وتتصل بها اتصالاً مباشراً.
يقول أوتولود فيغ عن الشخصيات الثانوية “إنها بالغة الأهمية، لا لأننا نتتبع حياتها خطوةً فخطوة، بل لأننا نراها فقط في اللحظات المهمة، إنها تباغتنا بقدرتها الكلية، وفي الظهور في أكثر المواقف أهمية”، ذلك لأنها تقدم صفةً واحدةً محددة بالدور الذي تؤديه كونها “نمطية، إذ يستطيع المرء أن يجد شخصيات شيئاً ما، وغالباً ما تفضح أسماؤها ذلك الشيء”، وهي بهذا تخلق توازناً مع أدوار الشخصيات الأخرى، وتنير أهميتها التي لا تحجبها محدودية دورها.
في هذا الدراسة محاولة لقراءة الشخصيات الثانوية في أربع روايات للروائي العراقي عواد علي هي “حليب المارينز”، “نخلة الواشنطونيا”، “حماقة ماركيز” و”أبناء الماء”.
حليب المارينز
تأتي أهمية الشخصيات الثانوية بحسب قربها وبعدها من شخصية البطل والشخصيات الأخرى. وأولى الشخصيات الثانوية التي تذكر في رواية “حليب المارينز” للروائي عواد علي هي شخصية إلهام، التي تبرز في المتن الحكائي من خلال ذكريات جمعتها ببطل الرواية سامر عبر علاقة استمرت سنتين قبل أن يتزوج عشتار. إلهام صاحبة الستة والعشرين عاماً، أنوثتها رقيقة لشدة صفاء بشرتها توهم ناظريها بأنها أقل من عمرها، تنفصل عن زوجها نتيجة تسرعها في ذلك الاختيار، إذ تكتشف أن له ميولاً جنسية شاذة مع شاب يوناني، يتعرّف عليها سامر أثناء عمله في إحدى الصحف ببيروت، تحمل بين يديها قصة عن تجربة زواجها الفاشل، وتطلب من سامر أن يبدي رأيه فيها، على الرغم من أنها أخفت فيها كثيرا من الأمور التي تتعلق بميول زوجها المثلية. وما إن يعبّر عن وجهة نظره، ويكشف لها عن جمال قصتها حتى تقبّله لتبدأ خيوط العلاقة بينهما. ويمكن عدّ شخصية إلهام شخصيةً ثانويةً أسهمت في توضيح ملمح في شخصية البطل من خلال إبراز رغبته وشغفه بالنساء.
ولعل انحدار الروائي عواد علي من مدينة كركوك، التي تمثل الأطياف العراقية بأبهى صورها، دفعه إلى أن يقدم لنا صورةً لذلك الانسجام والتآخي الذي حاول الاحتلال تعكير صفوه، لتدخل شخصيات الرواية في لعبة المصير الواحد، وينوع النص الروائي بالأصوات في سياق بوليفوني، ومن بين تلك الأصوات صوت شخصية سرجون الآشوري الذي تربطه علاقة صداقة قديمة ببطل الرواية سامر، فهو صديقه أيام الدراسة المتوسطة في مدينة كركوك، وتتوثق علاقتهما إبان الدراسة الجامعية، حيث يتخصص سرجون في التاريخ القديم، ويحصل على شهادة الدكتوراه في موضوع التاريخ الآشوري، بإصرار من والده، رغم ولعه بالسينما، وحلمه بأن يصبح ممثلاً مشهوراً. يغادر إلى بيروت ومنها الى مونتريال في كندا حيث يقيم عمه فيها، ويتزوج من فتاة ذات أصول فرنسية، وقُدر له أن يلتقي بسامر بعد فراق دام أربعة وعشرين عاماً. لذا نجد أن شخصية سرجون يضعها الكاتب من أجل أن على لسانها أصل عنوان روايته “حليب المارينز” خلال حديث مروي لزوجته ناتالي التي تخاطب سامر قائلة “خذها على لساني يا سامر إن المارينز لم يدخلوا بغداد حاملين مشعل الحرية، ولم تذهب أميركا إلى العراق كي ترضع شعبه من ثديها المدرار بالحليب المجاني، بل لتهبه صندوق بندورا المشؤوم”. لكن رد ناتالي هذا التبس على سرجون، فبدلاً من أن يقول “الحليب المجاني” قال “حليب المارينز”، وقد أدهشت هذه العبارة كلا من سامر وزوجته عشتار، التي تفكر في أن تجعلها عنوان لإحدى قصائدها.
تظهر في الرواية أيضاً شخصية شاهين الثانوية، وهي شخصية معيقة للشخصية الرئيسة آنيا، التي كانت ترتبط به بعلاقة ملتبسة، وحين تكتشف حقيقته تقطع تلك العلاقة، فهو ذو ميول شاذة، لا يستحقها ولا يحترم أنوثتها، وكان يبتزها ويهددها بمستمسك لم يفصح النص عن تفاصيله، فظلَت خاضعة له أكثر من سنتين، وعندما تتخلص من نقطة ضعفها تلك تتحرر من قبضته، وتلتقي بمن تحب، لكن شاهين يظل يلاحقها بعد أن تخلصت من تلك المساومة، ومن شدة غيرته وعدم انصياعها له يقتلها ويهرب متلبساً بجريمته. وعلى هذا تكون شخصية شاهين ذات تطور سلبي في مسار متعلق بحياة الشخصية الرئيسية آنيا.
روزا شخصية ثانوية ترتبط بالشخصيات الرئيسية بعلاقة صداقة اجتماعية وإنسانية في إطار علاقتها مع عالم المنفى، فهي رسامة وابنة يهودي عراقي أبعد عن وطنه، وتحتفظ بأوراق كتبها والدها تتضمن ذكرياته عن موطنه، وعن تهجير اليهود العراقيين إلى إسرائيل، وعدم انسجامهم مع تلك الدولة، وتعامل اليهود الأوروبيين معهم بتعالٍ. وحين لم يطق ذلك الواقع الجديد غادر إسرائيل إلى كندا. ومن خصال روزا أنها لا تلتفت إلى انتمائها الديني، وتحتفظ بحب شديد للعراق وتاريخه الحضاري، ويتضح ذلك في موقفها من اختطاف ساهر، الشقيق الأصغر لسامر، عندما تطلب الجهة الخاطفة فديةً، فتتبرع بمبلغ خمسة وعشرين ألف دولار لتحريره من المختطفين. ويعدها سامر بأن يضع تلك المذكرات في رواية ينوي كتابتها.
نخلة الواشنطونيا
ضمن تنوع الشخصيات في هذه الرواية تظهر شخصية الفلسطيني جهاد البشير شخصيةً ثانويةً تبرزها حبكة الرواية، فهو صديق مقرّب لكمال بطل الرواية، درس في الجامعة نفسها التي درس فيها كمال، وتخصص في اللغة العبرية بكلية اللغات، وأصبح مترجماً بارعاً، لكنه اضطر إلى ترك منزله بسبب تلقيه تهديداً بالقتل في خضم العنف العنصري والطائفي الذي شهده العراق بعد الاحتلال الأميركي، فعرض عليه كمال حمايته في شقته، لكنه يصطدم برجل ملتحٍ، يسكن في نفس البناية، ينتمي إلى إحدى الميليشيات، يصفعه بأسئلة عديدة من بينها سؤال عن أصله. وفي الأثناء يشرع جهاد في كتابة رواية أشبه ما تكون برواية حلم يرى فيه أنه يقيم علاقة مع تيسيبي ليفني، وزيرة خارجية إسرائيل السابقة، في فرنسا، كارتشافٍ وتعويضٍ له عن القهر وفقدان الكرامة التي شعر بها تجاه أفعالها المشينة، متخيلاً إذلالها والانتقام منها ولو في الخيال.
لا يخبر جهاد صديقه كمال عمّا جرى، بل يغادر شقته بعد أيام قليلة، تاركاً رساله له يقول فيها “اعذرني لقد اخترت مخيمات الحدود، فربما تتاح لي هناك فرصة للحياة في مكان آخر ليس فيه ميليشيات قذرة ولا فرق موت متوحشة، ولا علّاسين سفلة”.
وثمة شخصية ثانوية أخرى يقدمها النص الروائي، من خلال رواية يكتبها بطل الرواية كمال، هي شخصية ماريدا، امرأة ذات شأن رفيع في الوسط الذي يعيش فيه تدّعي أنها تنتمي إلى السلالة العباسية، حفيدة ماريدا خاتون إحدى زوجات الخليفة المعتصم، وقد تسمَّت باسمها حين عثر والدها على شجرة عائلته العباسية.
يكشف النص تفصيلات حياة ماريدا من خلال شخصية سلام الياسري، أستاذ التاريخ الذي كان يدرّس ابنتها، فهي تنفصل عن زوجها إثر مشادة حدثت بينهما لتعيش بعد ذلك حياة صعبة مع ابنتها جلدران. وتتعرض لصفعات وإشاعات حول سلوكها، لكن حياتها تتحسن، وتستعيد رفاهيتها بعد موت طليقها، فترث ابنتها ممتلكاته وتتعرف إلى رجل الأعمال التركي إحسان الأناضولي، ويرتب لها حفلةً كبيرةً، وتصبح سيدةً أشبه بالأميرات، وترافقها ثلاث فتيات إحداهن نسرين، التي يتعرف إليها كمال أثناء حضوره الحفلة صحبة صديقه سلام الياسري، الذي دعته ابنتها جلدران. وفي تلك الأثناء تعترف له أن ماريدا تستعمل جمالها لميولها السحاقية، وأنها، أي نسرين، تنصاع لرغباتها بسبب الظروف الصعبة التي تعيشها.
أما جلدران ابنة ماريدا، فهي شخصية ثانوية يضعها الكاتب في مواقف مهمة وضرورية لإضاءة جوانب من شخصية سلام الياسري الرئيسية، فقد كانت علاقتها به علاقة تلميذة بأستاذها إلا أنها أغرته بجمالها، وانشد إليها لأن ملامحها تشبه ملامح فتاة أحلامه غزالة التي هام بها، وتتحول علاقته بها إلى علاقة جنسية عابرة، وكانت مربيتها نسرين على علم بتلك العلاقة، إلا أنها لم تفصح بها أبدا لأنها هددتها بأنها ستنتحر إذا ما أفشت السر لوالدتها.
حماقة ماركيز
تتعقد الشخصيات الثانوية في رواية “حماقة ماركيز” بتعدد الأصوات الساردة فيها حول صديق بطل الرواية باهر الكناني، والاختلاف في اسمه، فكما يروى، على لسان شخصية مراد، أنه صديق سلمان البدر، يلتقيان به في إحدى مقاهي بغداد، وهو شاب صاحب بشرة سمراء يتحدث اللهجة الجنوبية وأنه شاعر يكتب قصائد نثر خارقة للمألوف منتهكة للحياء والوقار، يكتبها بتلقائية قليلة، ويكره الشعر التعبوي، حاصل على شهادة الأمية. وعلى الرغم من أن له أربعة دواوين مخطوطة فإنه لم ينل اهتمام المثقفين، بل يواجَه بالسخرية والإهمال، ولم ينشر له أيّ ديوان بحجة أن قصائده ذات طابع سوريالي متهكم.
شخصية الكناني شخصية جريئة متمردة، وتفاجئنا الرواية بمسحة غرائبية حين تكشف على لسان البطل بأن اسمه ليس باهر الكناني بل “شاهر النصّار”، فيثير استغراب الراوي، الذي يروي حكايته، ويوهم القارئ بتأكيده قائلاً في حواراً كابوسي مع شخصية مراد، “بلى، وقد عرفته إليكم بأنه نائب عميد الشعراء الصعاليك، يكتب قصائد نثر خارقة للمألوف، منتهكة للحياء والوقار”.
في سياق آخر نجد شخصية ألماس الثانوية، وهي خالة نورهان حبيبة بطل الرواية، شخصية مضطربة لم تأخذ نصيبها وحقها من الحياة، إذ لم يحالفها الحظ بزوج مناسب، فلم تنل مرادها، وكانت سبباً في لقاء نورهان بسلمان البدر عندما خرجت برفقتها إلى متنزه المدينة، وكانت تظن أن علاقتهما تشكّل لها تعويضاً عن فشلها في الحب، فقد كانت أولى تجاربها عندما أحبت طالباً يدرس معها في دار المعلمين، إلا أن علاقتها به لم تدم طويلاً، كان أنانياً ويشعر بغيرة منها لتفوقها في الدراسة، فأخذت خيوط العلاقة تنقطع شيئاً فشيئاً إلى أن تخلى عنها. وكانت تجربتها الغرامية الأخرى مع مدير مدرستها في القرية. كان يكبرها سناً بكثير، ومتزوجاً ولديه أولاد. يغريها بما يملك، يخدعها بورقة طلاق مزوّرة، ويمثل عليها دور العاشق إلى أن اقتنعت به على الرغم من أنها كانت لا تشعر بالاطمئنان منه. لكنها اكتشفت الخدعة التي انطلت عليها. وثمة أيضاً تجربتها العاطفية القاسية مع حبيبها الشيوعي التي انتهت بتصفيته أواخر 1978.
أما شخصية سائق التاكسي (حامل التابوت)، فهي شخصية ثانوية مكملة وملازمة لدور مراد المكلّف بنقل جثة سلمان البدر إلى أهلها. إنه يقوم بأشغال مراد بأسئلة عن استشهاد سلمان البدر، وعن مدينة كركوك لأنه كان يدرك في الحقيقة ما يجول في ذهن مراد. وبعد مرور سنتين على تلك الحادثة يلتقي مراد بالصدفة فيكشف له عن أكذوبة اضطر إليها في ذلك الوقت قائلاً ” كانت الجثة راقدةً في كفنها، ثم استقامت جالسةً مثل جنيّ، دون أن تندّ عنها أيّ حركة، ولم أجرؤ على إعادة النظر إليها في المرآة، كما أنني لم أستطع أن ألفت نظر المأمور إليها لأني خشيت ألاّ أكون دقيقاً في ما لمحت، أو أن يكون خيالي قد اشتطّ فصوّر لي الأمر على ذلك النحو”.
أبناء الماء
تتباين الشخصيات في هذه الرواية من حيث الدور الذي تسهم به، فهناك شخصيات ثانوية تنبثق لتقدم جوانب بارزةً، ومنها ما يملأ فراغات سردية، فشخصية سليمة تنتمي إلى سلسلة الأحداث المروية عن بطل الرواية ميران، إنها ابنة جاره سليم النّجار، تتوثق علاقتها به أكثر، وتصبح لقاءاتهما المتكررة فرصةً ليتبادل معها المعانقات والقبل، فهو لم يكن صادقاً في مشاعره تجاهها، في حين أنها عكس ذلك تُغرم به بصدق، ما جعلها تذهب الى بيته مرتين في الأسبوع أو أكثر. سليمة شخصية بريئة تجاربها قليلة في الحياة، لم تُكمل الدراسة من أجل إدارة شؤون البيت بعد وفاة والدتها، تعينها خالتها في بعض الأمور، لكن علاقتها مع ميران لم تستمر، إذ سرعان ما تكتشف الفارق الديني بينهما عندما تُخبرها جارتها نزيهة بأنّ ديانته مختلفة عن ديانتها، فهو صابئي وهي مسلمة، الأمر الذي ولّد شعوراً بالندم في داخلها، وتنفر منه أكثر عندما يُخبرها بأنه لن يتزوجها، وأنه كان يقضي معها على سآمته، ويبدد حزنه، ويملأ فراغ نفسه، وأن مستواه العلمي لا يسمح له بالارتباط بفتاة لم تحصل على شهادة الإعدادية أصلاً، وتنصرف عنه هائمةً ومقهورةً.
وتظهر بعض الشخصيات الثانوية في هذه الرواية حينما تستحضر بعض الشخصيات الرئيسية مذكراتها، مثل يوسف البكري الذي يستحضر شخصية والده حينما يتعرض للتهديد لأنه ينتمي للحزب الشيوعي المعارض لنظام الحكم، فيفضّل العيش في بلد عربي لأنه لا يتقن اللغة العربية، ويستقر في جيبوتي، ويتعرّف إلى مهندس اسمه آدم محمود، يقدم له المعونة عندما يهرب من اليمن، التي كانت تحت صراع داخلي بين الأحزاب، ويحدّثه عن معاناته من ملاحقات وقمع السلطة له. أما المهندس فيتضح أنه كان يعمل في بغداد مدة أربع سنوات، ثم عاد إلى أهله عند نشوب الحرب العراقية الإيرانية. ولسلاسة أسلوبه وتعامله مع الناس اطمئن له والد يوسف، وحصل منه على الكثير من الاحتياجات المنزلية. وقد عد المهندس، المعارض للحزب الواحد الذي كان يسيطر على السلطة في جيبوتي كرمه تسديداً لدين عراقي في ذمته.
أما شخصية آيسل الأذربيجانية، والدة آيجون، فهي شخصية ثانوية تقدم الرواية تفاصيلها عبر لقاء جمعها، رفقة ابنتها مع ميران في أحد المطاعم الكندية، تستقر في كندا بذريعة غياب الحرية الدينية في بلدها، وهي شخصية جشعة تحب المظاهر والمكاسب بأيّ طريقة، كانت غير مقتنعة بزواج ابنتها آيجون من ميران، لذا ترغمها على إجهاض جنينها، وتقنعها بالانفصال عنه من أجل مصالحها الشخصية، وتشجعها على الارتباط بمخرج سينمائي لتحصل على وظيفة إدارية في شركته على حساب تعاستها.
وثمة أيضاً شخصية لورين السورية اليهودية، شقيقة زوجة يوسف البكري، التي تدرس اللغة الألمانية في الجامعة، وتسعى إلى أن تكون مترجمةً في المستقبل، وقد اعتنقت الإسلام فيما بعد، وقد أراد الكاتب من استدعائها في حبكة الرواية أن يخفف من وطأة الآلام التي حلّت بشخصية البطل إثر انفصاله من زوجته.
ويكمن دور هذه الشخصية البديعة في إنارة الجوانب المعتمة في حياة ميران، فهي شابة متحررة، ولم تكن على علاقة بأيّ شخص، تتوثق علاقتها به على الرغم من الفارق الديني بينهما، وكان أول لقاء لها به أثناء حفلة في بيت شقيقتها أيهان التي كانت تمهّد السبل من أجل فكرة الارتباط هذه بمعونة زوجها يوسف البكري. وبعد أن تتوطد علاقتها به تتعرّف إلى ديانته الصابئية شيئاً فشيئاً، لكنه يخبرها بأنه غير ملتزم بتعاليمها. وهكذا يعقدان العزم على أن يكونا أكثر تبصّراً، ويصنعا سعادتهما باتباع إرادة الحياة، كما يريدانها، حياةً يصقلها الهوى وشغف أحدهما بالآخر، لا تكدّر صفاءها عثرات المعتقدات وتقاطعاتها. وبمرور الوقت يكتشفان أن ذلك ليس عسيراً عليهما، ويتوصّلا إلى قناعة مشتركة بأن الحب لا دين له، وإذا ما قُيّض لهما أن ينجبا طفلاً ذات يوم فسيحرصان على تهميش دور المعتقدات الدينية في تنشئته، ويتركان له حرية اعتناق ما يشاء حين يكبر.