الشعر‭ ‬والسرد‭ ‬صنوان

الاثنين 2016/02/01
لوحة: أسامة دياب

التجريب يأتي عادة استجابةً لرغبة الكتّاب في استكشاف حدود الفن الذي يمارسونَه أولا، ثم دفع تلك الحدود باستمرار ثانيا، وذلك من أجل تعميق التجربة الفنية والإنسانية على حدّ سواء‭.‬ ولا يمكن أن يكون التجريب عائدا على الفن بفقد‭.‬ التجريب اكتسابٌ بالضرورة، وقبل ذلك هو برهانٌ على مرونة الجنس الأدبي أو الفني لاستيعاب التجربة الإنسانية والتعبير عنها بأقصى درجة ممكنة من الفعالية والتأثير‭.‬ زد على ذلك أن التجريب يعيد تشكيل ملامح الجنس الأدبي من خلال إثرائه والإضافة إلى أعرافه الجمالية‭.‬ وإن كانت القصة القصيرة ستفقد ملامحها من خلال التجريب فهذا يعني أن باقي الأجناس ستلاقي المصير نفسه، وهذا بعيد عن الواقع‭.‬

***

الشعر والسرد صنوان لا يستغني أحدهما عن الآخر‭.‬ ولا أظن أنه قد حصل وأُشيرَ إلى نص ما بسهولة بأنه شعر خالص أو سرد خالص‭.‬ لا ينفك الاثنان يستعير أحدهما من الآخر ما يريد، والراهن يكشف عن تداخل الأجناس الأدبية ببعضها بشكل غير مسبوق، انسياقا خلف ملامح الاكتساح التكنولوجي لحياة الفرد والمجتمع‭.‬ اللغة عنصر واحد من عناصر العمل القصصي، وإن جاءت فائضة بالشعرية فهناك عناصر أخرى تشكّل معها قوام القصة قد تكون منيعة على التأثر بالشعر، فعلى سبيل المثال، لا يمكننا الحديث عن حبكة شعرية‭.‬ إذن لو مالت بوصلة لغة القصيدة إلى الشعر فإن غيرها من عناصر القصة لا يميل بالضرورة‭.‬

***

وفي ما يتصل بتنازل القصة عن مكانتها لفنون سردية أخرى فهذا أمر تحدّث فيه كثيرون ولن آتي فيه بجديد‭.‬ وهنا تجب الإشارة إلى أن تنافس الأجناس الأدبية حديث مختلق‭.‬ فعوامل كثيرة خارجية تحدد غزارة الإنتاج في كل جنس، بل حتى الجوائز التي يستشهد بها بعضهم للقول إن القصة القصيرة عادت إلى الواجهة (بعد فوز أليس مونرو –مثلا– بجائزة نوبل قبل الأخيرة) تخضع لعوامل لا علاقة لها بالقصة القصيرة‭.‬

***

لا أظن ذلك، فللقصة من الميزات ما ليس للرواية‭.‬ ولعل أهمها بالنسبة إليّ شخصيا كقارئ أنها نص “الجلسة الواحدة”‭.‬ أقرأها باستمرار في الصحف العربية وفي المواقع الإلكترونية، ورقيا أو على شاشة هاتف حتى‭.‬ دائما هناك وقت كاف لقراءة قصة قصيرة، وهذا يُنزل القصة القصيرة منزلة عالية عند القارئ‭.‬

وإذا اعتقد كاتب الرواية أن روايته ستقول كل شيء فلن يقول شيئا‭.‬ كتّاب القصة القصيرة محظوظون بتفادي هذا المطبّ‭.‬

***

ولو صحّ فعلا، أن كتّاب القصة يهجرونها إلى الرواية، فلا بد أن نرد الأمر إلى أشياء أخرى لا علاقة لها بجوهر القصة القصيرة‭.‬ أعتقد أن كتابة الرواية أسهل بكثير من كتابة القصة، ولو كان اعتقادي في محله فربما كان هروب كتّاب القصة إلى أختها هو بحث عن السهل‭.‬ شيء آخر يستخدم في الدراسات الإحصائية لا يعتني بطبيعة القصة القصيرة من حيث حجمها‭.‬ فهو يضع الرواية كإصدار مقابل المجموعة القصصية كإصدار‭.‬ بمعنى آخر، قد تضم المجموعة القصصية اثني عشر نصا بينما الرواية تحمل بين جنباتها نصا واحدا‭.‬ أمر آخر متعلق بضم عدد من النصوص وتقديمها للنشر بين غلافين، وعليه قد يجتمع لدى كاتبٍ عددٌ من القصص القصيرة لكنه لا يرغب في ضمها ونشرها لتفاوت نصوصها من حيث التجربة أو الثيمة أو حتى الحجم‭.‬ أخيرا، إن القصة القصيرة ستواصل حضورها طالما هي قادرة على استيعاب التجارب المختلفة، وهي بالضرورة قادرة.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.