الشعر يبدل الأرض
ينطوي السؤال في جزء من بعده، على بعض اليقين، والاستكانة إلى ما راج في فترة التسعينات من القرن الماضي، من فكرة كون عصرنا الحاضر هو زمن الرواية التي أطلق شرارتها الناقد جابر عصفور، إذ سرعان ما سرت المقولة كالنار في الهشيم، وأضحت تسيطر على المشهد الثقافي لسنوات طويلة، لكن على الرغم من ذلك، فالشعر جنس إبداعي، ظل رونقه ساطعا، ولم يشهد أيّ انحسار أو خفوت، أو تقهقر، يشي بضحالة ما في منحى من مناحيه الفنية، أو جانب من جوانبه الجمالية، بل استمر عبر مراحل التاريخ إلى يومنا هذا، يسترفد الحياة في مسالكها المتشعبة، ويستند في رؤاه إلى مجال المعرفة الواسعة، والثقافة المتنوعة، ويسخر كل طاقاته التعبيرية وأدواته الخلاقة، مواكبا التطور الذي يشهده العالم، ليسهم في التأثير والتغيير، ويبدل الأرض تبديلا، بما يملك من لغة، وإيحاء ورمز ووقع وخيال وصورة وأسلوب وطاقة وتكثيف وعاطفة وبديع ومعنى، وغيرها من أدوات الجمال والابتكار التي لا حد لنسيجها الضاج بالعطاء والخصب.
نخلص إلى أن كلّ من الرواية والشعر، ظلا لهما الحضور، الذي يليق بمقامهما ومكانتهما، كل يرسم آفاقه المديدة، وينحت رحابه الشاسعة، دون أن يلغي أحدهما الآخر، بل يتفقان في الدور الرائد، الذي يلعبانه في التأثير الجمالي والنفسي والفكري، وإن اختلفا في الوسائل والأنماط والأدوات.