الصوت الهادئ للنص

الجمعة 2016/04/01
لوحة: أحمد قليج

الكتابة الرّوائيّة، في رأيي، هي حالة تأمل ومساءلة، تتطلب هامشًا زمانيًا وربما مكانيًا فاصلًا عن المشهد الراهن. الكتابة الرّوائيّة أيضًا هي محاولة لبعثرة مكوّنات المشهد، والعبث بمسلّماته وإعادة ترتيب عناصره، من خلال الخيال وزعزعة البديهيات. الرّوائيّ يمارس فعل التحريض على الشك، وبما أن جوهر المشهد الحالي في العالم العربي هو الاصطفاف حول المسلمات السّياسية والدّينية، فالرّوائيّ يعيش اللحظات الأكثر إلحاحًا. لا تضطلع الكتابة الرّوائيّة بمهمة مباشرة في ما يخص الواقع المعيش، وليس لها تأثير ملموس عليه. القراءة هي فعل تراكمي في الأثر الطفيف الذي يتركه على وعي القارئ، ولكنه أثر غير مباشر، سواء من حيث الماهية والاتجاه.

هو أثر جمالي بالدرجة الأولى وربما فلسفي. الكتابة الرّوائيّة الجيدة هي بالضرورة فعل تحد وتحريض وتحرر، تحد لعسف الوعي الجمعي السائد، وتحريض على التفكير والشك من خلال الصدمة، وتحرّر من سلطان البديهيات السّياسية والأخلاقية والدّينية.

ماذا يكتب الرّوائيّ في لحظة الدّم؟

الدّم المسفوك على الأرصفة هو نتاج تغييب العقل وتغليب الثوابت والمسلمات، لذلك فالرّوائيّ يضطلع بمهمته الروتينية: التحريض الجمالي على التحدي والتفكير، التبشير بسطوة الجمال من خلال خلق عوالم بديلة تفتح آفاقًا في سجون الحياة، وتعيد الحياة والقدرة على التحليق للأشلاء وتحاول إعادة بناء الحطام. أداة الرّوائيّ الخيال، لذلك فهو متحرر من سلطة الزمان والمكان، يحلق بقرّائه متأملًا المشهد بشمولية تساعده على رؤية أوضح وسبر أغوار طريق الخلاص. أنا شخصيًا لا أؤمن بدور تعبوي للفن بشكل عام وللأدب الرّوائيّ بشكل خاص، ولا بالتبشير الخطابي الشعاراتي. أؤمن بقدرة الصوت الهادئ للنص والغياب التام لصوت الكاتب، الذي لا يفعل سوى أن يدير المشهد، يحرّك شخصياته، ينطقها، يوجّه مصائرها، بما يتطلبه السياق الرّوائيّ لا بما تتطلبه نواياه المسبقة.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.