العين الثالثة: عدسة فاطمة الصبيحة
تعترف المصورة الفوتوغرافية السعودية فاطمة الصبيحة أن دخولها إلى عالم التصوير الفوتوغرافي كان بسبب وقت الفراغ الذي كان يحاصرها خلال فترات الصيف حيث يمتد النهار لساعات طويلة عقب انتهائها من عملها موظفة بالجمارك لتقرر شراء كاميرا والبدء في ممارسة التصوير على كورنيش الدمام، ولتكتشف من ثم أن هناك مجموعة تتبنى المصوّرين والمصوّرات عن طريق ورش ودورات معتمدة، وقد التحقت بها منذ عام 2015 وحتى اليوم، وهي الآن عضو في مركز مصوري الخليج بقيادة الفنان مجدي آل نصر، كما التحقت بمجموعات تصوير أخرى داخل المملكة وخارجها مثل جماعة التصوير الضوئي بالقطيف واتحاد المصوّرين العرب وجمعيات دولية أخرى، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في تطور علاقتها بفن التصوير وصقل موهبتها وتحديد توجهها في هذا الفن.
ما لم تذكره فاطمة الصبيحة أن ثمة موهبة أصيلة تكمن داخلها وكانت الدافع الأصيل وراء تشكيل العالم عبر عدسة كاميرتها، لذا لم يكن غريبا أن تحصد أعمالها 35 جائزة دولية وتشارك في عدد كبير من المعارض المحلية والدولية آخرها معرض “إكسبوجر” في الشارقة ومعرض “المسابقة الأولمبية للتصوير” في اليونان، وهي معارض مشتركة وتابعة لمسابقات معينة. وتحرص الفنانة على المشاركة بأعمالها في المعارض الملحقة بالمهرجانات والفعاليات الثقافية والترفيهية في المملكة ودول الخليج عامة، وينتظر أن تقيم معرضا شخصيا خاصا بها تكشف فيه عن اهتماماتها الخاصة وميولها الشخصية في التصوير والجماليات التي تتمتع بها أعمالها.
تقول الصبيحة “التصوير هوايتي ومتنفسي من ضغوطات الحياة متكافئا مع حبّي للقراءة والسفر اللذين يساعدان بشكل كبير في صقل الموهبة من حيث الثقافة والمعرفة والرؤية الفنية”.
وتؤكد الفنانة أنها لم تواجه عوائق كبيرة أمام تحققها كمصورة فوتوغرافية “لا توجد عوائق مجتمعية تواجه المصورة السعودية، وبعض العوائق التي يواجهها المصورون عامة تتلخص أولا في رهبة الكاميرا للكثير من الأشخاص، وثانيا عدم وجود هيئات أو مؤسسات معنية بإصدار تصاريح التصوير سابقا، وثالثا صعوبة الوصول إلى بعض المناطق أو الأماكن لتصويرها. إنما بشكل عام نجد التشجيع في كثير من المحافل والفعاليات.
وترى الصبيحة أن المنظور الثقافي والرؤية الفنية يختلفان من فنان إلى آخر ومن بيئة ثقافية واجتماعية إلى أخرى ويختلف معهما مدى تقبل الآخر للاختلاف. إن إيمان المصور الفوتوغرافي بأن الفن وسيلة تواصل إنسانية لا تحتاج لشرح أو تفسير يختصر الكثير من الكلام.. الصورة تعبّر عن كلّ ما نحمله من ثقافة وحضارة ومعرفة وجمال، وغالبا ما يتم ذلك بطريقة بسيطة من حيث الموضوع والتكوين والإضاءة والتعابير، وهنا أيضا لا يمكن أن نغفل أهمية متابعة فن التصوير في مختلف دول العالم، فهذه المتابعة تصقل الموهبة والخبرة، وتساهم بالتغذية البصرية وتفعيل الحوار وترقى بالنقد البناء بين ذوي الخبرة والمعرفة والمتطلعين إلى التفرد والتحقق.
وتشير الصورة إلى أن بعض الصور تكون وليدة اللحظة، سريعة التكون، تقتنصها العدسة في أجزاء من الثانية، وبعضها يحتاج إلى تخطيط وانتظار واستعدادات مسبقة. لكن تظل الصور العفوية والمفاجئة هي الأجمل والأبلغ.
وتضيف الصبيحة “أعشق تصوير حياة الناس والشارع. أحب الاختلاط مع مختلف الشعوب والثقافات والديانات وأحب المغامرة، لذلك لا أمانع من زيارة بلد لا أتحدث لغته أو أعرف الكثير عن مقدساته ومعتقداته. السفر يغنيني عن قراءة ألف كتاب، ولذلك أسافر برفقة عدستي لأستمتع أولا وأتعرف على البلدان ثانيا، ثم أمارس التصوير بعد ذلك”.
وحول مكانة الأماكن المقدسة كمكة والمدينة وأيضا خصوصيات المجتمع السعودي في حيواته اليومية في أعمالها الفنية تلفت الصبيحة إلى أن التصوير في الحرمين الشريفين له ميزة خاصة، وتقول “لعلّي كنت من المحظوظين لتصويري الحرم المكي قبل عدة سنوات، ولديّ مجموعة صور لازلت أحتفظ بها، وقد شاركت هذه الصور في مسابقات ومعارض محلية ودولية وحصدت العديد من الجوائز، ولكن بسبب صدور قرار بمنع التصوير داخل الحرمين احتراما لخصوصية الحجاج والمعتمرين منعني من التجربة لمرة ثانية، ونتمنى أن تتاح الفرصة لاستخراج التصاريح عن طريق الجهات المعنية لأتمكن من التصوير مرة أخرى وإظهار جماليات هذه الأماكن المقدسة وعظمتها لنقلها إلى العالم.
وترى الصبيحة أنه على الرغم من التكنولوجيا الهائلة التي تحققت في تقنيات التصوير تظل هناك اختلافات بين مصوّر وآخر تتصل بداخله وثقافته وطبيعة ما يسعى لتحقيقه، وتقول “المصور يحمل صور عدسته ورؤاه الجمالية والفنية وينقلها للآخرين على اختلاف ثقافاتهم ودياناتهم، هو يقدّس مواطن الجمال ويبحث عنها في أبسط الأماكن، وعند أبسط الأشخاص والمواقف، ويظهر أهمية التوصل الإنساني والترابط الفكري، وتقبّل الآخر، وإيجاد الجمال في المتناقضات واعتبار الاختلاف تميزا وتفرّدا، كلّ مصوّر له عين ثالثة تخدم أفكاره وقناعاته وما يطمح إليه وما يرتجيه من رسالته الفنية.