الفرد والقطيع الذات والعالم
لماذا لم تتمكن الثقافة العربية الحديثة على مدار أكثر من قرن من الصراع (منذ أن نشر الكواكبي كتابه “طبائع الاستبداد”، ورغم الاتهام الشائع للمثقفين بأنهم فرديون) من تحرير صوت الفرد، وانتزاع مكانة مستقلة له كماهية وكينونة في مجتمعات الثقافة العربية؟
هل يمكن، من منظور ثقافي، رد الفشل الحضاري العربي إلى غياب الذات الفردية التي تصنع كينونة الفرد وماهيته الحرة والفاعلة في المجتمع، رغم التأكيد عليها كينونةً وحقوقاً وواجبات نصياً في دساتير دول أنشأتها أو استولت عليها نخب حاكمة، شادت، على العكس مما أقرت أو أوحت به دساتيرها، نظم حكم ذات طابع قبلي وعسكري وبوليسي وشمولي، تزيّت أحيانا بأزياء الحداثة وظهرت في أقنعتها؟
من هنا نضيف: لماذا لم تتمكن الثقافة العربية من مواجهة هذه الازدواجية، ولا من تحرير مواقع متقدمة وفاعلة لها في المجتمعات تأخذ في اعتبارها الفرد وكينونته وفاعليته الاجتماعية؟
وعليه، ما دور الثقافة والمثقفين في هذه البرهة من الزمن في تجاوز هذا الفشل انطلاقا من اعتبارات الأفراد والمجتمع؟ وما السبيل إلى بناء مشروع ثقافي يحرر الفرد من فخ القطيع، ويحرر القطيع من حظيرة الطغيان والتخلف، ولأجل امتلاك الفرد صوته المفرد، والجماعة كيانها الجماعي ومصيرها، وبناء علاقة متجددة بين الفرد والجماعة لا تقوم على الهيمنة الأبوية، ولا على علاقات الإخضاع؟
وكيف يبدو، في هذا السياق أيضاً، دور المرأة المفكرة والمتحررة سايكولوجيا من عقد الخلل في العلاقات المجتمعية في بناء تصور ثقافي عصري متحرر من الذهنية المريضة لاسيما في ما يتصل بعلاقات الرجال بالنساء بما يكفل للنساء حضورا فاعلا على نحو متساو في المجتمع؟
لماذا لم تفلح النخب الثقافية حتى اليوم في تأسيس مشروعات نقدية جذرية ومتعددة الأوجه داخل الثقافة العربية هل سبب ذلك كامن في البنية البطرياركية للمجتمع العربي، كما ذهب هشام شرابي، وهو ما انعكس أولاً على الثقافة وجعلها ثقافة محكومة بعلاقات ذات منزع أبوي مهيمن، حتى في تياراتها الثورية؟
إذن، كيف يمكن أن نفكر بثورة مستقبلية في المجتمع لا تصحبها، وربما تسبقها، ثورة أفكار؟ وما هو دور الفرد في هذه المسألة، ما دام كل فكر في أصله يصدر عن فرد مفكر وليس عن جموع مقهورة؟
قلم التحرير
شارك في إعداد الملف: عواد علي، يسرى أركيلة