القصيدة والمعيار
تسود الحياة الشعرية العربية حالة ممّا يمكن اعتباره فوضى معيارية، ففي الوقت الذي تعدّدت فيه أساليب الكتابة الشعرية العربية وبرز ذلك في نتاج عدد من الشعراء العرب خلال العقود الأخيرة، لم يستطع النقد الشعري أن يقدّم لنا مراجعات كاشفة الى الدرجة التي تتيح لنا خلاصات ضرورية تستضيء بها ذائقة القراءة، وهو ما أدى من جملة ما أدى إليه إلى ضياع المسافة الموضوعية بين ما يمكن اعتباره أصلا شعرياً صادرا عن تجربة محددة ونسخة صادرة عن تثاقف، أو استلهام أو استهلاك لهذا الأصل.
كيف يمكن للنقد اليوم الوقوف على هذه المعضلة، في محاولة باتت ضرورية لحل الإشكاليات العديدة الناجمة عن هذه المعضلة؟
وقبل أن نتطرق بعمق إلى هذا الموضوع، نطرح السؤال التالي:
هل مازال نقاد الشعر العرب يعتقدون بفكرة “المعيار” أم أن النقد الحديث انتهى به الأمر إلى اعتبار الشعر ظاهرة (تنطوي على ظواهر) لا غير، ويدرس بالتالي بعيدا عن فكرة “المعيار”، وما يلحق به وينجم عنه من اعتبار محتمل لقيمة الموهبة وعيارها وثقافة الشاعر وقاموسه اللغوي، وللقصيدة كبنية لغوية ومصدر ابتكاريتها، والخيال الشعري وطبيعته ولفلسفة الشاعر ومفهومه للشعر ورؤيته للعالم، وجملة أخرى من الأسباب والعناصر التي تتشكل منها تجربة الشاعر؟ ويتشكل منها مشروعه الشعري؟ وتتحدد من خلالها خصوصية هذا المشروع ومصادر قيمته الشعرية.
كيف نستطيع، لو كنا نحتاج إلى ذلك، إلى تبيان الأصل المفترض للقصيدة من النسخ المتكررة المفترضة، بنية وتشكيلات وتراكيب لغوية وموضوعات ورؤية، ورؤياً وخيالا شعرياً؟