المتوسط بأصوات إيطالية

ستة شعراء إيطاليين ينشدون للبحر
الثلاثاء 2020/12/01
الشاعر يتذكر صوت البحر

لا يمكن الاستغناء عن البحر، فعندما تعرفه، حتى ولو لفترة قصيرة، تنشأ بينك وبينه رابطة قوية. إنه دائمًا على استعداد لمنحنا منظورًا جديدًا، وآفاقاً لا متناهية.

مشاهدته من الشاطئ يجعلك تشعر بالبهجة والكآبة، بهجة النساء أثناء انتظار عودة أزواجهن من رحلات الصيد في المحيط، وكآبتهن عندما يذرفن دموع الغياب. هكذا ولد “الحنين – ساوداد” (Saudade) يتجلى في موقف الحسرة والحنين إلى الماضي، الذي يعتبر سمة روحية للشعب البرتغالي، بشكل خاص في مظاهره الأدبية والموسيقية، و”الفادو” (أغان برتغالية فولكلورية، معظمها ذات محتوى عاطفي، تتميز بالحنين إلى الماضي والحزن المؤثر). أو البقاء في البحر المفتوح، دون رؤية الحدود، مدركاً أن كل حدٍّ هو ما خلقه الإنسان، والطبيعة تسافر دون عائق، في كل مدى ونطاق.

البحر الأبيض المتوسط، في حالته المألوفة، يحتوي على آلاف البحار. كل ساحل قصة وكل قصة هي ملك للجميع. دون هذا البحر الصغير العظيم، لما كان وُجد أوليسيس، ولا حتى أول المسافرين أو المهاجرين. الحاجة للذهاب، والرغبة في تغيير وجود المرء، عبرا البحر لآلاف السنين، وحتى اليوم ما زال الطريق هو نفسه،

فالشعراء مرنون إلى حد ما، هم أنفسهم وسيلة. الكلمات تستخدم الشاعر كما يستخدم قائد الدفة البحر للوصول إلى كل مكان.

أرض وبحر

ألدا ميريني

أيا بحر

أهيمن عليه بالفكر،

ألف كذبة أخفيت عني

وحقائق لا تحصى.

ذات يوم في نيسان

هاجت موجة

فتمنّيت أن ألثمها،

كحيوان

يهرب من أمام النار،

هربت منك.

لقد تركت البحر للأرض

والأرض للبحر،

وأخطأت كل شيء،

فليس هناك

ثمة ظلال ولا أضواء،

لكن تفكيرنا العابر فحسب،

لكن حاجتنا للحب فحسب.

******

هذه الرائحة البحرية

جورجيو كابروني

هذه الرائحة البحرية

كثيراً ما تذكّرني

بشعرك، بأول

إشعاع الصباح.

في عينيّ شمس

باكورة الصباح الغضّة. ملح

البحر…

سوياً

مثل دخان النبيذ،

تثملنا، هذه

الرائحة البحرية.

لا يزال على صدري

ملح محّار الصباح الباكر.

******

عريق، ثملتُ من الصوت

يوجينيو مونتالِهْ

هذه القصيدة هي جزء من قصيدة “البحر الأبيض المتوسط” التي كتبها الشاعر في عام 1924، ووضعها في منتصف ديوان “عظام الحبار”، كقسم منفصل تقريباً.

عريق، ثملتُ من الصوت

الخارج من أفواهك عندما

تنفغر

كأجراس خضر، وترتد

رَجعاً، وتذوب.

منزل أصيافي البعيدة،

كان بجانبك، أتدركين،

هناك في البلاد حيث الشمس تحرق

ويُغيّم الجوّ بالبعوض.

كما آنذاك، اليوم في وجودك

أتحجّر،

 يا بحر، لكن بلا جدارة.

أنا أؤمن بالنذير المهيب

لأنفاسك. ألم تخبرني أولاً

أن هياج قلبي الصغير

لم يكن سوى لحظة

من هياجك؛ وكان لي في النهاية

شريعتك الجُزافيّة: أن أكون واسعاً

ومغايراً

وراسخاً في الوقت نفسه:

وبالتالي أفرغ نفسي من كل قذارة

كما تفعل أنت الذي يرمي على كلا الضفتين

بين طحالب الفلين نجوم البحر…..

أنقاض عديمة الفائدة من قعرك.

******

“ما يزال البحر يُسمع“

سلفاتوري كوازيمودو

هذه قصيدة ذكريات: الشاعر يتذكر صوت البحر الذي يأتي بخفة من الزمن والآن يستمع إلى صوت طيور الأبراج ويودّ أن يذهب صدى صوته إليها مثل همهمة من مياه البحر الطفيفة.

المنزل، الأم، الطفولة وفوق كل شيء الحنين إلى أرض صقلية، التي تتحول في الذاكرة إلى مكان أسطوري، هي الموضوعات المتكررة للمياه والأراضي. في الواقع، في هذه المرحلة الأولى من نشاطه الشعري، فإن إعادة تمثيل المناظر الطبيعية لأرضه، التي يشيد بها الآن في الذاكرة، تصبح نزعة شجية للكآبة.

أصبحت أسطورة الجزيرة بالنسبة إليه رمزًا للهروب من الواقع والانغماس في عالم قديم وبراءة وجودية، ولكنها قبل كل شيء رمز لموسم السعادة الشخصية التي لا يتكرر، أي الطفولة. ترك كوازيمودو أرضه في سن مبكرة جدًا، وربما كان هذا الرحيل المبكر هو الذي حدد، في خياله، أسطورة جزيرته.

******

ما يزال البحر يُسمع منذ ليال،

خافتاً، صاعداً وهابطاً، على طول الرمال الناعمة.

صدى صوت مغلق في الذهن

عريق في الزمن؛ وهو أيضاً

النَوْحُ الدؤوب لطيور النورس هذه: ربما

من طيور الأبراج، التي يدفعها نيسان نحو السهل. كنت

قريبة منك بذاك الصوت؛

وأود أن يصلك أنت أيضًا،

الآن، صدى من ذكرياتي،

مثل تلك الهمسات القاتمة للبحر.

******

دائما من البحر تأتين

تشيزاره بافيزه

دائما من البحر تأتين

وصوتك أجش،

دائما لديك عيون خافية

من الماء الحي بين العليق،

وجبهة منخفضة،

تحت سماء واطئة من الغيوم.

في كل مرة تعيشين ثانية

كشيء قديم

وشرس، حيث القلب

كان يعرفه بالفعل وينغلق.

صدع في كل مرة،

موت في كل مرة.

نحن قاتلنا دائماً.

من يعزم على الصدام

قد ذاق الموت

في الدم يحمله.

كأعداء طيبين

الذين لم يعودوا يكرهون بعضهم البعض

نحن لدينا الصوت

نفسه، ونفس البلاء

ونعيش متواجهين

تحت سماء بائسة.

لا مخاطر بيننا،

لا أشياء عديمة الفائدة،

سنقاتل دائماً.

سنقاتل مرة أخرى،

سنقاتل دائماً،

لأننا نسعى لرقاد

الموت جنباً إلى جنب،

ولدينا صوت أجش

جبهة واطئة ومتوحشة

وسماء متطابقة.

لقد خلقنا من أجل هذا.

إذا استسلمت أنت أو أنا للصدمة،

يتبع ليل طويل

وهو ليس سلام ولا هدنة

وليس موتاً حقيقياً.

أنت اختفيت. عبثاً تكافح

الأذرع.

طالما ترتعش قلوبنا.

لقد لفظوا اسمك.

يبدأ الموت من جديد.

شيء غير معروف ووحشي

أنت ولدت ثانية من البحر.

******

البحر

جوفانّي باسكولي

أنظر من النافذة وأرى البحر:

النجوم تذهب والأمواج ترتجف.

أرى النجوم تمر، الأمواج تمر:

وميض ينادي، نبضات القلب تستجيب.

ها هو الماء يتنهد، تهب الرياح:

ظهر جسر فضي جميل

على البحر.

جسر مُدَّ فوق بحيرات هادئة،

لمن بالتالي صُنِعتَ وإلى أين تمتد؟

ترجمة: يوسف وقّاص

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.