المرأة والكتابة النقدية
أسهمت دول منطقة الخليج العربية، وجامعاتها الوطنية من خلال البعثات التعليمية التي أرسلتها إلى الدول العربية والغربية، من أجل الدراسة، والحصول على المستوى الأكاديمي الذي يؤهل المرأة لتتبوأ المناصب التعليمية والأكاديمية والإدارية والمهنية المرتبطة بالتكنوقراط، في تعزيز مكانة المرأة وقدراتها البحثية والأكاديمية، بالإضافة إلى تنمية مواهبها المختلفة لتخرج إلى المجتمع وقد تأسست من خلال قاعدة من الخبرات، وتغذت بالمعارف، واكتسبت المهارات، وآمنت علميًا ببعض الاتجاهات التي كانت ولا تزال تساعدها في تدبير شئونها الحياتية اليومية، والعملية، والأسرية، لذا نرى المرأة الخليجية تبوأت -بحكم هذه القدرات- مناصب مختلفة ومواقع متعددة في العمل الحكومي والأهلي، ومارست دورها كمبدعة في مجالات عدة ومتنوعة.
تأخر النقد الأدبي بقلم المرأة في منطقة الخليج العربي لأسباب شتى، وهذا الأمر ينسحب على جغرافيات عربية أخرى، ولكن ما طرأ في العقود الثلاثة الأخيرة، بدءًا من ثمانينات القرن العشرين وحتى اليوم، فإننا نرى بين الحين والآخر، ونقرأ على صفحات الجرائد والدوريات الأدبية والثقافية بعض القراءات النقدية لعدد من الكاتبات الخليجيات، وبخاصة في عقد التسعينات من القرن الماضي، وما تلاه، بل تكللت هذه الكتابات النقدية ببعض الإصدارات في مجالات متعددة، وما أفرحنا كثيرًا أن بعض هذه الكتابات لم تعد مستندة إلى مناهج النقد القديم، وإنما اتجهت إلى التعامل النقدي مع النصوص وفق مناهج نقدية حديثة، ومواكبة لتطور الحراك النقدي في المجالين الأدبي والثقافي، ولا مناص أن للأساتذة بالجامعات دورا مهما وأساسيا لأنهم فرشوا لهن قاعدة نقدية معرفية.
وفي إطار المحاولات والتجريب برزت المرأة الخليجية بوصفها ناقدة في الكتابات النقدية الأدبية والثقافية، وبدأت مساهماتها تأخذ دورًا في المشهد الثقافي والأدبي الإقليمي والعربي إلى حد ما، وذلك لعدة أسباب، نراها تتمحور في وجود مادة إبداعية شعرية وسردية وثقافية تغري الباحثات بالعمل على تحليلها وتفسيرها، والدعم الأكاديمي والمعنوي من قبل أساتذة الجامعات الذين كانوا يؤكدون على دراسة الأدب المحلي وإبرازه خارج الحدود الجغرافية، لذلك ظهرت أسماء من الناقدات خريجات كليات الآداب والعلوم الإنسانية مثل نورية الرومي ونجمة إدريس من دولة الكويت، ومنيرة الفاضل وضياء الكعبي التي اتجهت في الكثير من كتاباتها النقدية إلى النقد الثقافي وإن كانت بعض مادتها التي تشتغل عليها خارجة من بوابة الأدب، بالإضافة إلى سوسن كريمي وأنيسة السعدون وانتصار البناء وصفاء العلوي من مملكة البحرين، وسعيدة بنت خاطر الفارسي رفيعة الطالعي وعائشة الدرمكي وابتسام الحجري ومنى السليمي من سلطنة عمان، وفاطمة الياس ونورة محمد وأميرة كشغري ولمياء باغشن وأميرة علي الزهراني وأحلام حادي ونورة القحطاني وسماهر الضامن وغيرهن الكثير من السعودية، ونورة فرج من قطر، وفاطمة خليفة وزينب الياسي وفاطمة البريكي من الإمارات، ومن المؤكد أن هناك العديد من الكتابات النقدية الخليحية النسوية وإن لم يأت ذكرها هنا.
وإذا كان هدف بعض الكاتبات في النقد هو الحصول على الشهادة الأكاديمية بغية التدريس الجامعي، فإن البعض الآخر واصل عطاءه النقدي، والحضور الثقافي في الإعلام المقروء والمرئي والمسموع، والمشاركة الفاعلة في المحافل الثقافية والأدبية والنقدية من مؤتمرات ومنتديات وملتقيات عربية وأجنبية، والشيء الجميل في النقد الخليجي النسوي التنوع في التعاطي مع النصوص المدروسة، ومع المناهج التي تطبق تحليلا وتفسيرًا وتفكيكًا على هذه النصوص.
إذ هناك من الناقدات من اتجه في الكثير من دراساته وأبحاثه على النص الشعري كنورية الرومي التي لها الخبرة البحثية والأكاديمية في الشعر العربي حديثه وقديمه (الحركة الشعرية في منطقة الخليج العربي -بين النقد والتطوير- صدر عام 1980م. الطبعة الأولى-المطبعة العصرية) تناولت من خلالها التجارب الشعرية وفق تيار الشعر التقليدي سواء في غرض المدح أم الغزل، ووفق تيار التطور من خلال العودة إلى الذات والبعد العاطفي والوجداني وأثر التجربة العربية في المنطقة التي انتقلت بها إلى الاتجاه الواقعي، وعملية الالتزام.
كما أسهمت سعيدة بنت خاطر الفارسي من عمان ببعض الأبحاث التي تناولت فيها مسألة الاغتراب في شعر المرأة الخليجية، واقفة على الاغتراب التاريخي، وما يمثله من رفض للحاضر، والاغتراب الميتافيزيقي وما يشكله من رفض فيما هو موجود في الزمان والمكان والآخر سياسيًا واجتماعيًا ووجوديًا ونفسيًا (سعيدة بنت خاطر الفارسي، الاغتراب يف الشعر النسوي الخليجي، 2002؛ سوسنة المنافي – حمدة خميس وتحولات الاغتراب السياسي، 2003؛ انتحار الأوتاد في اغتراب سعدية مفرح، 2005.)
أما في القصة فقد كتبت نجمة إدريس كتابًا تحدثت فيه عن القصة الكويتية موزعة الكتاب على قسمين، أخذ القسم الأول مختارات من الأعمال الكويتية السردية لتقف عند جدلية الماضي والحاضر، ودور كل من المجتمع والمرأة في العمل الإبداعي السردي، بالإضافة إلى ظاهرة الاغتراب ومحنة الكويت أثناء الغزو العراقي لها، معتمدة على بعض النصوص التي كتبها كل من الرجل المرأة، داعية جميع القراء والمتابعين للانتباه والتأمل في التجارب الكويتية الإبداعية من خلال القسم الثاني الذي ضم عددًا من الأعمال السردية القصصية (نجمة إدريس، الأجنحة والشمس – دراسة تحليلية في القصة مع مختارات قصصية، 1998).
وشاركتها في ذلك أميرة علي الزهراني التي أصدرت دراسة نقدية عن تجليات الاغتراب في القصة القصيرة في الجزيرة العربية بعنوان “الذات في مواجهة العالم” وتناولت الدراسة النقدية الاغتراب من زوايا مختلفة منها: الذاتي والاجتماعي والثقافي والمكاني، ليدور موضوعها في معالجة اغتراب المواطن بسبب الأوضاع والواقع المعيش السلبي (أميرة علي الزهراني، الذات في مواجهة العالم – تجليات الاغتراب في القصة القصيرة في الجزيرة العربية، 2007).
وفي نقد الرواية أصدرت فاطمة خليفة أحمد كتابًا تحدثت فيه عن نشأة الرواية الإماراتية منطلقة من السؤال الجوهري القائل: هل ثمة رواية إماراتية، دارسة العوامل والأسباب التي أسهمت في هذه النشأة، مثل: التأثيرات العربية، وغير العربية، وحداثة المجتمع الإماراتي ثقافيًا واقتصاديًا وسياسيًا، وأثر ذلك على الرواية، بالإضافة إلى تلك الأنواع النثرية كالقصص الشفاهي والحكايات والمورثات الشعبية التي أسهمت بصورة غير مباشرة في نسيج العمل الروائي، كما تناولت القضايا التي اهتمت بها الرواية الإماراتية منتهية بالملامح الفنية من رومانسية وواقعية (فاطمة خليفة أحمد، نشأة الرواية وتطورها في دولة الإمارات العربية والمتحدة، 2003).
وأصدرت رفيعة الطالعي كتابًا نقديًا حول النص الروائي النسوي في الخليج تناولت فيه تقنيات النسق السردي التقليدية والحداثية -بحسب تعبيرها- وتطبيقات على بعض الروايات، حيث كان سعيها متمثلاً في دراسة مكونات الخطاب الروائي النسوي في الخليج وتقنياته، بهدف الكشف عن مجموعة من القضايا والتحولات المرتبطة بالمرأة والمجتمع (رفيعة الطالعي، الحب والجسد والحرية في النص الورائي النسوي في الخليج، 2005).
أما نورة سعيد القحطاني فأصدرت كتابًا حول “الرجل في الرواية النسائية السعودية”، مركّزة على الصورة والدلالة، متوقفة حول مدى ما تمثله هذه الكتابة والتجربة من انعطافة في تجربة المبدعة الخليجية في المجال الأدبي بعد ما كان الشعر وكتابة القصة والخاطرة والمقال الصحفي هي المجالات الأغلب لديها، واصفة تتبع مسيرة الرواية النسوية السعودية من التقليد في الكتابة حتى محاولاتها في توظيف الرمز والتجريب، منتهية إلى أن الأوضاع الاجتماعية والثقافية في المجتمع السعودي لها دور بارز في الرواية النسوية التي نظرت إلى الرجل وفق هذه الأوضاع والمورثات.
ولهذا كان الخطاب الروائي كأنه وثيقة دفاع عن ذاتها ومكانتها ودورها في المجتمع تجاه الرجل (نورة سعيد القحطاني، الرجل في صورة الرواية النسائية السعودية – الصورة والدلالة، 2009). كما كتبت سماهر الضامن كتابًا بعنوان “نساء بلا أمهات، الذوات الأنثوية في الرواية النسائية السعودية”، وهو كتاب في الأصل كان رسالة ماجستير، إذ تناولت من خلاله الذات الأنثوية في المفهوم، والوعي، كما تناولت تلك الشروط التي تجعل من ذلك الوعي كتابة، وثقافة، ونقدًا، وفق مسيرة العمل الروائي النسوي، وتحولاته.
وأصدرت هدى النعيمي كتابًا تناولت فيه بالقراءة التحليلية بعض التجارب القطرية والعربية في الشعر، والسرد من دون الاعتماد على منهج نقدي محدد، أو وفق دراسة أكاديمية (هدى النعيمي، عين ترى – قراءات في الشعر والسرد والمسرح، 2002). بالإضافة إلى موزة المالكي التي أصدرت ترجمة لكتاب بعنوان “السرد القصصي والعلاج النفسي” (جون مكللاوي، السرد القصصي والعلاج النفسي، تر: موزة المالكي) لتؤكد دور القصص والحكايات، ونقلها للمستمع أو القارئ، وأهمية ذلك في العلاجات النفسية الذي تعطي نتائج إيجابية في إطار البناء الاجتماعي للفرد والمجتمع. ويأتي كتاب “سرديات” لأسماء الكتبي طارحًا بقراءتها عملا نقديًا لمجموعة من الأعمال الخليجية والعربية والعالمية، وهو كتاب ظهر نتيجة ذلك الاهتمام بالقراءة للرواية، ومن خلال (ندوة الكتاب) التي تنظمها الشيخة شما بنت محمد بن خالد في قصرها بالعين (أسماء الكتبي، سرديات، دائرة الثقافة والإعلام، الشارقة، ط1، 2008).
كما كانت الأعمال الإبداعية محفزة للدراسة والنقد لدى النقاد رجالا ونساء من حيث الأشكال والمضامين والتقنيات، فإن اللغة في الكتابة الإبداعية لم تغب عن النقد الخليجي النسوي، إذ عمدت أحلام حادي إلى دراسة القصة القصيرة السعودية وقف جماليات اللغة، وضمن تيار الوعي، إذ اتجهت في دراستها نحو استنطاق الجمل اللغوية في القصة القصيرة الدالة على تيار الوعي نص الكاتب، على الرغم من صعوبة الموضوع الذي أكدته بنفسها في مدخل دراستها بالقول “وهو طبيعة الموضوع الشائكة الملغومة بالشراك المعرفية” (أحلام حادي، جماليات اللغة في القصة القصيرة، ص25).
كما تناولت نورة فرج اتجاها آخر في المشهد النقدي، وهو المرتبط بالنقد الثقافي، ولكن ضمن سياق النص الأدبي، إذ أصدرت كتابًا بعنوان “ارتباكات الهوية، أسئلة الهوية والاستشراق في الرواية العربية الفرنكفونية”، ومدى انتماء الأعمال التي كتبت باللغة الفرنسية وعلاقتها بأيّ هوية، أهي عربية أو فرنسية، مثل: كتابات أمين معلوف، أو الطاهر بن جلون، أو حتى رواية أحمد أبودهمان الحزام.
وفي الإطار نفسه تأتي ضياء الكعبي التي أوكلت نفسها للعمل على تفكيك بنى المجتمع أدبيًا وثقافيًا ضمن علاقته بالمرأة والعمل الإبداعي، بل دخلت في مناطق متعددة ضمن مجال تخصصها النقدي، حيث كتبت العديد من الأبحاث التي قدمتها في المؤتمرات، والملتقيات العربية تناقش فيها هذا المنحى وهو دور المرأة ثقافيًا، وأهمية العلاقة بين المرء وتراثه الثقافي والشعبي.
كما تناولت مواد أخرى خارج نطاق الجغرافية المحلية للمنطقة، فاتجهت للنبش في التراث العربي من جهة، وذلك في كتابها “السرد العربي القديم، الأنساق الثقافية وإشكاليات التأويل”، وفي كتابات المؤلفين المعاصرين العرب من جهة أخرى، فكان اشتغالها على الأنساق الثقافية في الكتابات السردية العربية القديمة والحديثة، بما في ذلك صورة المرأة، والخطاب السجالي، والهويات، إذ استطاعت في فترة زمنية قصيرة أن تحقق إنجازًا مهمًا في الثقافة البحرينية والخليجية في مجال الدراسات البحثية والعمل الأكاديمي، من خلال تلك البحوث والدراسات المقدمة في المحافل الأدبية والنقدية والثقافية.
ومن هنا لا بد من النظر إلى المنجز النقدي النسوي في المنطقة على أنه من الروافد المهمة في المشهد الثقافي الخليجي، لذلك ينبغي التواصل معه في أبعاده المختلفة، وفي تناوله للنصوص المكتوبة أو الشفاهية أو المادية، وإن كانت التجربة النقدية في المنطقة قليلة قياسًا بما هو في العالم العربي سواء على صعيد النقد الذي يكتبه الرجل، أو الذي تكتبه المرأة.
ولكن لكي نصل إلى ما وصل إليه النقد العربي فإننا نحتاج إلى وقت وعدد ودعم وطاقات ونتاج يستحق الدراسة البحثية أو الأكاديمية، وأن تلتفت المؤسسة الرسمية والمؤسسة الأهلية للكتاب والمبدعين لمساعدتهم والوقوف بجانبهم دعمًا ماليًا ومعنويًا، وأن تخطط المؤسسات الحكومية المسؤولة عن الثقافة لوضع برنامج زمني يتضمن تفرغ بعض المبدعين والكتاب والنقاد لكي يقدموا أبحاثهم ودراساتهم، وبحاجة إلى قراءة نقدية من قبل الناقدات أنفسهن تجاه نقوداتهن، بطرح الأسئلة عليها، كأن يكون السؤال حول العلاقة النصية في الكتابة الإبداعية، ومدى الاتساق بينما هو ضمن سياقات الثقافة الشعبوية، والثقافة النخبوية، وأهمية اللغة، وتوظيفها في النص المكتوب أو المسموع، وآليات توظيف قضايا المرأة في العمل الإبداعي، وهل نصل بالنص الأدبي إلى نص ثقافي، والنص الثقافي يأخذ منحى النص الأدبي؟