المرحلة المهملة
تعد مرحلة المراهقة فترة انتقالية، يتم فيها العديد من التغييرات الجسدية والنفسية. لذا فإن هذه المرحلة من المراحل المهمة في حياة الفرد، ولا بد أن تسير في مجراها الطبيعي لكي يستطيع المراهق التكيف مع الوسط الذي يحيطه، والتعبير عن دواخله بصورة طبيعية.
لذلك أولت الدراسات النفسية مرحلة المراهقة اهتماما كبيرا، وأخضعت المراهق للعديد من التحليلات النفسية والنظريات التي قد نجد بعضها مبالغا فيها.
في المقابل نجد أن الدارسات الأدبية أهملت هذه المرحلة من حياة المراهق، ولم تعطها حقها من الاهتمام. ففي الوقت الذي سلطت فيه تلك الدراسات الضوء على أدب الطفل سواء على صعيد القصة أو المسرح ومسرح العرائس، وأناشيد الطفولة، نجدها قد انقطعت عند مرحلة المراهقة، لتقفز بنا إلى مرحلة أدب الراشدين والاهتمام به على صعيد الشعر والقصة والمسرح، والأعمال السينمائية. وكأن العشر سنوات من حياة الفرد، والتي عاشها في مرحلة المراهقة قد ألغيت تماما، أو أنها غير موجودة.
هناك بعض الأعمال الروائية القليلة وصفت تلك المرحلة، لكنها ومع ذلك قدمتها بلغة تفوق إمكانات المراهق، وذائقته الأدبية. على سبيل المثال في رواية أمين صالح «رهائن الغيب» نجد أن اللغة الأدبية قد ابتعدت عن البساطة سواء في الوصف أو التعبير، ولم يدر في خلد المؤلف أن ينزل إلى مستوى المراهق ليستقطبه. وهذا غير مستغرب لأن العمل مقدم في مجمله إلى الراشدين.
وقد تدرجت غادة السمان في روايتها «فسيفساء دمشقية» من مرحلة الطفولة إلى مرحلة المراهقة مستخدمة اللغة المناسبة لكل مرحلة، فكما عبرت عن لغة الطفل مستخدمة الأوصاف والتعبيرات الخاصة بتلك المرحلة، نجدها قد أجادت التعبير عن عقلية المراهق وهمومه وطموحه، وما يشغل تفكيره، وما يثقل عليه، لكن ومع ذلك لم تكن الرواية في مجملها موجهة إلى المراهق.
هذا الإهمال لهذه الفئة العمرية بأكملها جعل المراهق يعزف عن عملية القراءة، أو متابعة الأعمال الأدبية. فلا يوجد بين الأدبين سواء أدب الطفل، أو أدب الراشدين ما يلبي حاجاته الذوقية، أو يناقش همومه. في الوقت الذي يجد المراهق نفسه قد كبر على أدب الطفل، نجده لا يستطيع فهم أحاسيس ومشاعر مرحلة الرشد.
لذا نجد شريحة كبيرة من المجتمع العربي ليست لها علاقة بالقراءة، إن لم نقل عدوة لها. إن مرحلة المراهقة ليست بالمرحلة القصيرة، وإنما هي مرحلة ممتدة، فلا بد من الاهتمام بها، وعدم إهمالها وتوفير الجو الأدبي والفني الملائم لها، لخلق جيل قارئ يستطيع التعبير عن أحلامه ورؤاه.