المسرح فعل نضالي في مفهومه الواسع
المسرح في حد ذاته كان وسيظل على مر الزمان، فعلا نضاليا في مفهومه الإنساني الواسع. لقد كان المسرح منذ اليونان إلى الآن، مجالا للصراع، صراع الذوات الإلهية فيما بينها أولا، ثم تطور هذا الصراع من أجل هيمنة الفكر الألوهي على أشباه الآلهة، إلى أن صار صراعا بين الفرد والآلهة، بين الفرد وقدره. من هنا اتخذ المسرح شرعيته ليصبح ساحة عامة «Agora» للتعبير عن الأفكار بالشعر والفلسفة والسياسة أي أصبح المسرح ساحة للديمقراطية ولممارسة ثقافة الاختلاف في الرأي وفي العقيدة.
ولعل مجتمعاتنا الثالثية التي تعاني من الهشاشة الاجتماعية وتفشي الأميّة لفي حاجة ماسة للمسرح كأداة للتوعية والتنمية الفردية والجماعية ولدعم الأجيال القادمة التي هي في حاجة للتعليم والتلقين والتسلح بقيم المساواة والإخاء والتسامح.
أما بخصوص اختلاف المسرح عن بقية الفنون فأنا من المؤمنين غير المتطرفين طبعا، بأن المسرح هو ليس ككل المجالات الإبداعية الأخرى، فلقد منحته أسبقيته التاريخية بأن يكون أبا للفنون جميعها، غير أنني أرى في هذا الوصف تنقيصا من أهمية المسرح، ذلك أن المسرح هو أبو المعارف والعلوم الإنسانية أيضا، لأنه مجال أغرى الفلاسفة والساسة من عهد الإغريق إلى اليوم، كما أغرى علماء الاجتماع والنفس وغيرها من المجالات العلمية التي ابتكرتها العبقرية الإنسانية قديما وحديثا.
لذلك فإن قدر المسرح هو أن يظل مصدر النور الذي ينير وعي الإنسان في كل زمان ومكان. لذلك فهو يظل اليوم وأكثر من أيّ وقت مضى مجالا محاصرا ومشوّشا عليه من قبل المنظومات الرسمية التي لا تؤمن بالديمقراطية واختلاف الرأي، وتسعى لأن تحنط وعي وإحساس مواطنيها في أنموذج الفرجات الاستهلاكية السريعة التي أضحت تحتل المجالات السمعية والبصرية والفضاءات الحضرية العمومية. ولأنّ المسرح ظلّ وعلى مر التاريخ المجال الأوحد المحتفل بإنسانية الإنسان، باعتباره فرجة لا تكتمل إلا باجتماع الناس في مكان واحد. فهو مجال أولا وقبل كل شيء لاحتفال الإنسان بالإنسان، احتفال الإنسان بفكره، بشعره وبحكيه. يغني حياته وحريته، أمانيه وآلامه على جمهور آنيّ ومباشر. إذن سيظل المسرح محتفظا بدوره الريادي في تنوير روح الإنسان في الزمان والمكان الذي تنتعش فيه الحريات وتتعملق فيه الإرادات لتحقيق حيوات أفضل.