الموبايل في زمن وَاتْساب
هل الموبايل وسيلة للحصول على معرفة؟ لكي نجيب عن هذا السؤال، ربما وجب التمييز بين المعلومة والمعرفة. فإذا كانت المعلومة أداة للمعرفة، فهي ليست معرفة بالرغم من ذلك. المعلومة معطى خام. إنها المادة الأوّلية لبناء المعرفة، أي للتعامل مع المعلومات بروح نقدية متفتحة، بهدف تمحيصها وتحليلها، والتمييز فيها بين ما يصلح قاعدة لبناء معارف وما لا يليق، وإلاّ ظلت المعلومات مجرد ركام من المعطيات المختلطة. لا يمكننا أن نقول، والحالة هذه، إن بإمكان الموبايل أن ينقل المعارف. الموبايل يمكّن من التزويد بالمعلومات، وبما أنه يكتفي بالتقاط المعلومة وهي متنقلة بين الهواتف، فإن بإمكانه كذلك أن ييسر انتشار الشائعات، فيجعلنا نغرق في المعلومات، الصحيحة منها والخاطئة.
وإذا سلمنا مع الفكر المعاصر بألاّ معرفة إلا نقدية، أدركنا أن المعرفة وحدها هي الكفيلة بأن تمكّننا من أن نقود تفكيرنا ونفحص معلوماتنا. فإذا كان مفهوم مجتمع المعلومات يقوم على التقدم التكنولوجي، فإن مجتمع المعرفة يشمل أبعادا اجتماعية وأخلاقية وسياسية، وهي أبعاد أكثر شمولا واتساعا. والحال أننا أصبحنا اليوم أمام مجتمع إعلام يعمل فيه الموبايل، من بين وسائط أخرى، على الزيادة التي فاقت كل التوقّعات من كمّ المعلومات المتوفرة، وسرعة انتقالها، وسهولة انتشارها.
عندما تصلني المعلومة عبر وَاتْساب فإنني لا أشعر أن عليّ تمحيصها، بقدر ما أحسّ أن عليّ أن أساهم في نشرها و«اقتسامها» مع آخرين. هذا ما توصيني به كل رسالة أتلقاها: اقتسم مع غيرك Partager. فأنا، في نظر واتساب، «نقطة توزيع» و«محطة بث» أكثر مني «نقطة فحص». هاتفي أداة وصْل وليس وسيلة تواصل، إنه محطة توزيع، تسهم في «حركة» نقل المعلومة ونشرها.
قد يقال إن هذا التوزيع والاقتسام من شأنه أن يحقق نوعا من التواصل، بل ومن «العدالة المعلوماتية»، باعتبار كون المعلومة، مبدئيا، سلعة تباع وتشترى، وباعتبار أن اقتصادها يخضع مثل باقي المواد الاقتصادية لقانون الندرة، لكن الموبايل، بفضل واتساب، غدا ييسر الاتصال «المجاني» الذي لا يكلّف صاحبه إلا نقرات كي ينقل ما يصله من صور ومعلومات إلى من يعرفه ومن لا يعرفه، أو لنقل إلى الجميع: المقربين والأقل قربا.
إلاّ أن هذه التّسوية لا تسمح لنا ربما بأن نتكلم هنا عن تواصل حقيقي، مادام ذلك التواصل يقتضي اختلافا في العلائق، ومراعاة لدرجة التقارب بين المتواصلين. والحال أن الموبايل عبر واتساب يسوّي بين العلائق، ويجعلني أشارك غيري، أنّى كان وكيفما كان، المعلومات نفسها، الحميمية وغير الحميمية، المهمة والأقلّ أهمية، بل إنه يجعلني أنشر، دونما رقابة ذاتية، أخبارا كانت تعتبر حتى وقت قريب أسرارا يلزم الاحتياط في نقلها، والتحفّظ في شأنها أو التحمّس المتساهل معها.
لكن، ربما لا يمكننا أن ننفي، بالرغم من ذلك، أن في هذه التسوية وهذه «المبادرات الإخبارية» ما من شأنه أن يخلق رأيا عاما معارضا لما يجري، أو على الأقل، ساخرا من واقع الحال، حتى وإن بُني ذلك الرأي على أحكام غير مضبوطة، بل وعلى شائعات مغلوطة!