الواقعية السّحرية اللبنانية
قبل أن تشتعل الثورات تكون الفنون أرضها الخصبة، وحين تندلع، تواكبها، وحين تستمر “تصيّرها”. تكاد هذه الكلمات تختصر المشهد اللبناني ليس في الأيام الفائتة فحسب بل قبل ذلك بكثير. وإن كان لبنان اليوم يصيّرُ فنونَه، فلأنه كان أبدا معجونا بالحركات الفنية كمنطق للعيش حتى في قلب أقسى المراحل التاريخية.
الشعب اللبناني لم يكن حتى هذه الثورة قد تخطى الخلل الذي أصاب ذاكرته الجماعية، فقد ظلت ذاكرته حبيسة تلك الحرب الطائفية المقيتة وانقساماتها المرعبة، إلى أن حل السابع عشر من تشرين الأول. هو انتقل منذ 15 سنة إلى مرحلة جديدة اعتاد فيها أن يقاتل ظله المتوثّب عليه من كل صوب.
أما اليوم، فقد تمكن من رصد ظله المُقلق والقلق وتخطيه تماما وصولا إلى جسده الجماعي وروحه الجماعية بكل ألقها في يوم 17 تشرين الأول، أي يوم اندلاع الثورة اللبنانية. الثورة التي رفضت الطبقة الحاكمة وحاشيتها الإشارة اليها بأكثر من “حراك شعبي” بغية تصوير الشعب أمام ذاته على أنه جنين حزين قطع حبله السري بيده مع السلطة ليخوض في الفوضى ويختنق في ماء الفوضى.
أما الاختناق المرجوّ من قبل سلطة الطائفية والفساد فتُرجم حركة لانقلاب السحر على الساحر. وكما ذهل النظام بانقلاب الشعب عليه، كذلك ذهل الشعب أمام قدرته الهائلة على اجتياح الساحات في تزامن عجيب في جميع المناطق اللبنانية المفصلية، بشكل غير مسبوق، ميزته الأساسية نهوض سحري/سلمي شلّ جميع المرافق في المدن والبلدات. اتّحد الحزن مع الفرح، الخوف مع اليقين، الواقع مع السحر كما تتّحد المعاني في معظم الأعمال الفنية التي تستخدم الواقعية السحرية كأسلوب للتعبير لا يتعاطى بفكرة “المستحيل” بل بفكرة “المُمكن”. ربما لأجل ذلك أضفت الساحات المختنقة بالبشر المنتفضين تحت شعارات واحدة والتي كانت منذ بضعة أيام قبل الثورة مستحيله، نوعا من السحر الخاص على المشاهد. السحر ذاته الذي يشعر به الفرد أمام اللوحات الفنية ذات الطابع الواقعي السحري المعنية بطبيعتها بالأزمات الاجتماعية والسياسية.
يقف الفرد في هذه المظاهرات حالما أمام واقع بحت بعيد كل البعد عن الفانتازيا، إنه السحر وقد صار ممكناً يؤجّ أجيجه في المشهد العام.
بزغت صيغة 17 تشرين الأول بكل مؤثراتها الصوتية والبصرية، صيغة تأسيسية ُمزلزلة قفزت فوق مراحل الشغب، والضعضعة لتصل مباشرة إلى المصهر حيث زُللت التناقضات والانقسامات الطائفية والحزبية، واتحدت الأوجاع اللبنانية ليولد منها جديد هو لبنان غير مسبوق، تاق إليه اللبنانيون ولم تعرفه أجيالهم الجديدة إلا في صور بالأبيض والأسود عن نضالات آباء الاستقلال.
الثورة التطهرية
دارت خاصية الاستماع في هذه الساحات. تحلّق الجميع حول بعضهم البعض في كتل مُصغّرة ونابضة وتشاركوا في ما بينهم أوجاعهم المشتركة وصولا إلى ذكرياتهم “المؤجّلة”. وبعضهم الآخر تحلّق حول صحافيين ليسردوا أمام الميكروفونات سيرة فرديتهم المقهورة والمنتمية إلى منطق الجماعة، في وجد دانى انهمار الدموع واشتداد الصرخات، وقد أصبحت الكلمات القليلة، الأصوات المفردة أعدادا لا تحصى من الكلمات التي راح يتلفظ بها هؤلاء موجهة إلى الذات أولا، قبل أن تكون موجهة إلى الغير. كما باتت الكثير من الكلمات تتوالد من بعضها البعض، في سلسلة واحدة من فقرات رصها المتواجدون الواحدة في جوار الأخرى، على قماش الساحات التي استقبلت الكبير في السن والمخضرم والشاب والصغير في السن جدا.
ربما الكثير من الذين حضروا إلى الساحات حاولوا إلى جانب مشاركتهم بالهتاف وبالتعبير الجسدي شبه الشعائري المفتوح على الرقص والارتجاج على أنغام الموسيقى ووقع الكلمات، التأمل عن بعد ومن علوّ طفيف، بهدف رؤية المشهد الفني المتموّج لونيا والمُطعم بدوائر مُتلهفة/ مُتحركة تضيق وتتسع من حول الصحافيين الذين عكفوا على الإصغاء إلى أكبر عدد من الناس.
ولو أراد بعضنا تشبيه هذا التجمهر العام للمشهد فأقرب ما يمكن تشبيهه به هو ما سماه الفنان فينسنت فان غوغ الليلية المشتعلة بنجوم هي أقرب إلى الثقوب السوداء الناطقة من صلبها بالضوء ولكن، شرط استبدال الزرقة بالأحمر القاني المُرصع بالأبيض.
الانغماس الشعبي في تلك الكلية أعطى الثورة دفعا حماسياً هائلا له منطقه الخاص المحصن ضد منطق السلطة، فإذا بهذا التلاقي للأفراد مع الأفراد وهذا الالتحام الجماعي لهم في كتل بشرية يفصح عن حالات هي أقرب إلى فعل التطهر من آثام الماضي لها حرقة خاصة رمى فيها أفراد الشعب أولى تعثراتهم وأولى انقساماتهم على أمل أن يُكتب لهذه الثورة التطهرية الثبات حتى الشفاء الكامل في رحلة قد تطول، على الأرجح سيمدها الفنانون اللبنانيون كل حسب أسلوبه الفني بمبدأ يقول: لا نرسم لكي ننسى بل لنتذكر فصول غيبوبة الذاكرة الجماعية وآثارها.
من المتعارف عليه في علم النفس الجماعي أن ما يُسمى بـ”الخيال الأخلاقي” الذي يستخدمه الفن البصري بوعي أو من غير وعي، قادر على هذا التطهير وقادر على جعل الأفراد ضمن المجتمع الواحد يشعرون الواحد بالآخر، ويتعاطفون معه فيمتنعوا عن إقصائه من ساحة النضال الفكرية والمتلاقية في نوع وليد من التوحد ضد الانقسام والفساد الذي طالهم جميعا، في محاولة جماعية للشفاء من ذلك الفقر الأخلاقي المدقع.
في صلب هذا المصنع/المصهر تخطى اللبنانيون حدود بلدهم لكي يستعيدوا ولو رمزيا دورهم في المنطقة العربية فهتفوا في الساحات لفلسطين المحتلة، هتفوا لسوريا، هتفوا للعراق، والسودان ومصر واليمن والجزائر.
فنون الثورة
الـ17 من تشرين الأوّل شكل إشارة إلى اللحظة التي سلم فيها الشعب عفويا زمام سلطة الساحات إلى الواقعية السحرية تحت شعار أقصى وهو “كلن يعني كلن”، في الإشارة إلى إرادة الشعب في إسقاط النظام، فكرا ومنطقا، ومشاريع، وأفرادا، ضاربين بعرض “جدار صوت” انقساماتهم التي كرسها الزعماء على مدى سنين عديدة.
عندما تُذكر الثورات غالبا ما تُذكر الفنون المُرافقة لها من أغان وأعمال فنية لا سيما الغرافيتي والأفلام الدعائية الصغيرة الداعمة والمروجة لفكر الثورة. وقد عرف العالم العربي في السنوات الأخيرة أعمالا فنية هائلة رافقت الثورات وعبرت عنها، منها “الفوري” ومنها ما تخمّر طويلا في نفوس مبدعيها قبل خروجها إلى العلن، في أعمال تنوعت بين الفيديو آرت، والتجهيز الفني، والرسومات التوضيحية والكاريكاتورية على السواء.
لا يشكل لبنان حالة شاذة عن ذلك. وقد ظهرت أعمال فنية كثيرة منها الغرافيتي المكتوب والمرسوم على الجدران، لا سيما على جدران الساحات التي تفور فيها براكين الثورة، ومنها المشغول خصيصا لأجل العرض على شبكات التواصل وأهمها الإنستغرام والفيسبوك.
وإن كان لا بد من إطلاق صفة أولية وعامة على تلك الأعمال الفنية هو أنها تنتمي بمعظمها إلى واقعية سحرية “هادئة” لبنانية المزاج يحتضن فيها الواقعي السحري، والعكس بالعكس. أعمال هادفة إلى مناكفة الواقع المرئي الملموس والتغلب على جنونه في آن واحد.
ويُذكر أن الواقعية السحرية نشأت في بدايتها كتيار أدبي قبل أن تصبح أيضا تيارا فنيا في ألمانيا بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وهزيمة ألمانيا، كردة فعل، على الإحساس العارم بخيبة الأمل والغضب من حالة عدم الاستقرار والركود الاقتصادي والدمار شبه الشامل.
كانت ثورة ضد الواقعية البحتة وتوجه نحو سحرية الممكن وليس فنتازية المستحيل. كما كانت لها القدرة آنذاك في رأب الصدع العميق ما بين الواقع وقدرته على التوالد في أشكال أخرى أقل وطأة وأكثر إشراقا.
في حين ظهرت أعمال الغرافيتي في صيغتها الأولية الخام أي من خلال رسومات مُختصرة وكتابات متقطعة وحادة وغير واضحة المعالم في أحيان اخرى على جدران الساحات وفي مداخل المباني المفتوحة بعد تحطم زجاجها في لحظات الثورة الأولى، قبل أن تتحول سريعا إلى ثورة سلمية بكل ما تعني الكلمة من معنى.
ظهرت الأعمال، لنقل “البصرية” المنشورة على شبكات التواصل لتشي بنضج لافت لا ينتمي إلى الفوران كصفة أولية تطبع عادة المراحل الأولى للثورة. وإذا كانت الفنون تشبه ثوراتها بالشكل والفكر فهذه الأعمال الفنية الأولى المواكبة للثورة اللبنانية بدت أعمالا وكأنها نضجت على نار خفيفة وعلى مدى سنوات، لتخرج وتصيب العمق اللبناني وصلب صدور الطبقة الحاكمة دون التعثر أو التلطخ بعنف الألوان وتوتر الخطوط. أعمال هي وليدة ثورة تأججت في الصدور طويلا وبعضها حتى الترمد، وصقلها الصبر والحرفة الفنية أيضا، وشذبها الاعتياد على تناقضات لا بل على تمزقات الشارع ومكامن الشرور المُحركة لها.
ربما، وفي سياق آخر، ما يميز الثورة اللبنانية عن غيرها من الثورات أن مرآتها ليست الفنون المنبثقة عنها، على الأقل إلى حد اليوم، بل مشهدية الساحات المجتمعة التي ازدحمت بحضور علم واحد وحصري لأول مرة في تاريخ لبنان المعاصر وهو العلم اللبناني. هذا الأمر بحد ذاته عمل فني شاهق الهيبة والثورية معاً. ربما لن يدرك ما يعني ذلك تماما إلا اللبناني الذي لم يغادر لبنان فهو يعرف حق المعرفة أن طغيان العلم اللبناني بلونه الصارخ على كل الساحات هو بحد ذاته مانيفسيتو الواقعية السحرية/الفنية اللبنانية الوليدة.
قدم لبنان مشهدا واقعيا مُلقحا بالسحر: الساحات باتت هي العمل الفني المفتوح والمُتمدد طولا وعرضا. تحولت بملايين الناس المتدفقة إليها إلى عمل غرافيتي متأجج يتضاعف يتكرر دون أن يخلق الرتابة بل يضاعف من مصداقية السحر الذي خطف الواقع من أوجاعه المُستفحلة التي لم تجد ملاذا أفضل لها من الركون إلى قوانين اللحظة السحرية.
في تبنيهم لنار الثورة كوسيلة تعبير وتصريح أصبح كل لبناني على الساحة فناناً يُتمّ نصه أو يُشكل نصفه الفني جارحا صارخا ومدموغا بالحقائق المدوية الخارجة عن صمتها من تحت ركام الإذعان واليأس والقمع.
سحر الموسيقى وواقعية الكلمات
استخدام الغناء والرقص يُسمى بـ”اللاعنف الاستراتيجي” وهو وحده القادر على منع العنف من قمع الثورة. وقد حاول بعض الأطراف هذا من خلال إدخال المدسوسين ليحطموا ويضربوا ويثيروا النعرات الطائفية ولكنهم لم يتمكنوا من السيطرة لأن الأغنية المنشودة كانت هي الأعلى.
لا تخرج الهتافات المُغناة أو ما يُسمى “بالرديات” المُقفاة خارج النزعة السحرية الواقعية. فحين يُهتف في بيروت العاصمة باسم النبطية (في جنوب لبنان الواقعة تحت سيطرة حزب الله وحركة أمل) تضامنا مع مظاهر الثورة فيها، ويهتف لبيروت في جبيل (ذات الأغلبية المسيحية) ويهتف لجبيل في طرابلس (ذات الأغلبية السنية) ويهتف لطرابلس في الشوف (حيث حضور كبير جدا للدروز) الخ.. فذلك هو بالتحديد العيش في قلب الواقعية السحرية، وهي في أبهى صورها التي تختطف وجوه اللبنانيين نحو سحرية “المُمكن” المُشرق.
دخلت الجغرافيا هي الأخرى في صلب المُناداة (نستعيد مع هذه السحرية إرث الثورة السورية في تضامن المدن مع بعضها البعض في المظاهرات الليلية والنهارية). وقد لعب “شلّ” الحركة المرورية في البلد، وغياب مواكب رجال الدولة في سياراتهم السوداء الفارهة التي كانت تعطل مرور سيارات المدنيين أحيانا لساعات، دورا كبيرا في تكريس هذه السحرية المنسجمة مع الواقع البحت لأنها اعادت الشعب اللبناني إلى “تصديق” فكرة قصر المسافات التي تفصل ما بين مدن وقرى لبنان، تماما كما ذُكر هذا في كتب الجغرافيا المدرسية. ورصد تنقل الكثير من الثوار من منطقة إلى أخرى في يوم واحد ليشاركوا بمظاهرات متشابهة بسرعة قصوى لم يعيشوها من قبل.
في هذا المشهد الكلي تطابقت “الصورة” عن البلد مع “الأصل” لينضح الأصل بصوره الأصلية.
البذاءة المُضادة
سيطرت بذاءة الألفاظ والشتائم التي كالها المتظاهرون للغائب وللحاضر، وللحي وللميت من الطبقة الحاكمة وحاشيتها على جميع الساحات. وقد وجد الكثيرون في “وحدة” الشتائم وصليلها تشويها لـ”هيئة” الثورة، فتم تشذيب الملافظ واستبدالها بالأغاني والأناشيد والأغاني الوطنية التراثية/اللبنانية والجديدة منها، العربية واللبنانية.
غير أن الهجوم على ردة الفعل الأولى للشعب هي تأكيد على إغفال الكثيرين بأن الثورة، على الأقل في بداياتها، لا “تعتني” بملافظها ولا تلجم حنقها وهي نارية وفجّة كالفن الثوري الصادق.
عرفت الساحات نزاهة السباب، إذا أصاب التعبير، فتحولت الشتائم المُغناة الى شتائم طاهرة لصدقها ولاندلاعها من أتون الحقيقة المرة وصهيل الكلمة المباشرة. ارتاحت الرموز من عنائها في التعبير وتنازلت عن دورها في الساحات لتعطي محلها للمُباشرة التي هي السباقة والأكثر تعبيرا عن غضب الشعب، الذي لا ننسى، أنه وجه بسبابه للحكم أيضا كي يثير غضبه، وهو ما أكدته أخيرا تصريحات بعض الزعماء المُنددة بالسباب. هنا أيضا تدخلت الواقعية السحرية في تحرير الألفاظ المُغناة من عقالها دون أن تسلخها عن الواقع التي أنتجها وكرسها كأولى مظاهر الثورة.
لا ينطبق هذا الكلام على دخول راقصة (رقّاصة) إلى ساحة رياض الصلح في وسط بيروت بغية تحويل الثورة إلى هرج ومرج لا معنى له سوى الابتذال. وقد وقع ضربها لاحقا من قبل بعض المتظاهرين وإخراجها من الساحة ليكتشف المتظاهرون من بعد، أن أحد الأطراف السياسية أرسلها لتعيث فسادا، وتتسبب بإهانة الثورة.
ما حاولت هذه الراقصة أن تفعله شيء يشبه تفعيل ظاهرة فقدان العقل الذي بدأ اللبنانيون في استرداده. والجنون ظاهرة عابرة للنصوص الأدبية التي تعتمد الواقعية السحرية، وهي تؤدي في معظمها إلى فقدان الذاكرة وبالتالي.. فقدان الهوية. وهذا تماما ما حدث في لبنان قبل الثورة، أي في الفترة التي اعتبرت زمن انتهاء الحرب اللبنانية، والتي لم ترافقها عدالة انتقالية تضع الأمور في نصابها.
وقف اللبناني طويلا كما في رواية غابريال غارسيا ماركيز “الرجل المسن جدا ذو الجانحين العملاقين” مسجونا في قفص ومعزولا عن شريكه في الوطن ناطقا بلغة مشوشة بالنسبة إلى الآخر. لم يهبه ذلك أيّ سعادة بل جعله أكثر انعزالا ووحدة، وليبقى صامتا وصابرا لسنوات عديدة ينفّذ ما يُطلب منه في استعراض ترفيهي أمام ظلاّمه الذين ما إن يفرغوا من عملية يؤطرها الفساد والتحاصص في ما بينهم حتى يبدأوا بابتكار وتنفيذ عمليات اخرى.
تدخلت الواقعية السحرية لتنقذ الشعب وتمكنه من كتابة تاريخه المعاصر على النحو الذي كان من المُفترض أن يحصل، على الأقل احتراما للأجيال القادمة وتلك التي تتبلور هويتها اللبنانية الآن في الساحات.
ليست الواقعية السحرية بكاذبة! صدق الكاتب مارك توين حين كتب “الحقيقة أكثر غرابة من الخيال لأن الخيال ملزم بأن يرضخ للاحتمالات. أما الواقع فلا”، فهو الذي يقول كلمته الفاصلة وإن جاء مُستخدما لغة الخيال الساحرة. ربما لأجل ذلك كثر القول على صفحات التواصل الإجتماعي بأن “حكام لبنان يعيشون في لالا لاند” في الإشارة إلى الفيلم الفانتازي. فهم في علمهم الخيالي لا يمتون إلى طينة “الخيال البناء” الذي صمد في الساحات.
في المقلب الآخر من الثورة مكث الواقعيون الفجّون في هذيان الخيال والتكاذب والكذب على الذات يتفرجون على اشتعال الشعب بنار قدسية، قطعت الجسور وعمقت الهوة غير القابلة للردم في ما بينهم وبين ثوار الواقعية السحرية. وكانت النار، ولا تزال إلى يوم كتابة هذه الكلمات، فيولها وقطرانها خطابات السلطة عن برامج “الإصلاح والتغيير” المرفقة برسائل التخوين والاستهزاء، نارا ارتفعت أعمدتها عاليا في سماء لبنان الجديد.