بيزنس النشر

الاثنين 2016/02/01

بالتأكيد للقصة القصيرة مكانتها لدى القارئ العربي، وهناك عشرات المجموعات الجيدة تتطبّع سنويًا، وفيها الممتاز والجيد وما دون ذلك‭..‬ وهناك عدد لا بأس به من الجوائز لها مثل جائزة ساويرس في مصر أو جائزة دبي الثقافية وكان لي شرف الحصول عليهما عن مجموعتي “مثلث العشق” و”بيضة على الشاطئ”‭.‬

لكنّ المشكلة تظهر عندما نقارنها بحضور الرواية والاحتفاء بها إعلاميًا لأسباب تتعلق بـ”بيزنس″ النشر بالدرجة الأولى وجوائزها ذات القيمة الكبيرة‭.‬ والأمر أكثر سوءاً حال المقارنة مع الشعر أو المسرح‭..‬ فرهان الناشرين على “الرواية” والترويج لها بقوّة أثر سلبًا في حظوظ الأجناس الأخرى، وأضعف ميل الكُتاب إلى معالجتها، لأسباب مادية غالبًا، وكرّس تراتبية مقيتة بدت فيها القصة القصيرة كأنها مجرّد بروفة لكتابة الرواية مستقبلا‭..‬ وهذا غير صحيح‭..‬ فهي فن صعب قائم بذاته ولها كُتّابها العظام، وليس بالضرورة من يجيد كتابة الرواية أن يكون قاصا عظيما أو العكس‭.‬

كما كان من أسباب انحسار الضوء عن القصّة وكُتّابها، تخلّي الصحافة عنها إلا فيما ندر‭..‬ فازدهار هذا الفن ارتبط في الأساس بترويج الصحافة له، لكن ليس معنى الرواج التجاري للرواية أن القصة باتت فنًا شاحبًا‭..‬ بالعكس هذا التهافت التجاري والدعائي غالبًا ما يرتبط بالأكثر رداءة‭..‬ ويتيح الفرصة للفنون غير الرائجة لتجديد ذاتها ومساءلة أدواتها والتعبير عن هموم الإنسان بأصالة وحرفية‭.‬

ولو تطرّقنا إلى جماليات القصة حاليًا‭..‬ فبالتأكيد هي استفادت من وسائط حديثة مثل تويتر وفيسبوك‭..‬ واقتربت أكثر من روح الشذرة والومضة فيما يعرف بالقصة القصيرة جدًا التي تُكتب أحيانًا بقاموس الشعر وصوره وليس بمنطق السرد‭.‬ وباتت حافلة بالتجديد في أساليبها وبنائها ولغتها وفضاءاتها‭.‬ وهناك كتاب ركّزوا مشروعهم الأساسي عليها، وأزعم دون تواضع أو ادعاء أنني أحدهم حيث صدرت لي خمس مجموعات وأستعد للسادسة‭..‬ دون أن تصدر لي أيّ رواية حتى اليوم‭..‬ ولا يعني ذلك أنني أكره الرواية ولن أكتبها‭..‬ وإنما وجدت في القصة وتقنياتها التعبير الأمثل عن ذاتي‭.‬

أما سؤال المستقبل فدائمًا ما يتردد مع رواج شكل فني بعينه‭..‬ تمامًا مثل الكلام عن انقراض المسرح عند ظهور السينما وانقراض السينما عند ظهور التلفزيون‭..‬ صحيح مساحات الاهتمام تتباين وتتغير وتتأثر‭..‬ لكن هذا لا يعني أن جنسًا فنيًا سيلغي الجنس الآخر‭..‬ فكل جنس يشق طريقه إلى المستقبل دائما بطريقته الخاصة.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.