"تاريخ الأدب العربي" بالإيطالية

يمثل مجلادا "تاريخ الأدب العربي"، اللذان يتم نشرهما حالياً من قبل دار النشر Le Monnier / Mondadori Educational، تتويجا لسنوات دراسة وأبحاث قام بها المؤلفون والمحررون على مدار العقود الأخيرة. هذا العمل لا يتجاهل ما أنجزه أساتذتنا في الماضي، بل يدمج التراث مع النظريات النقدية الأدبية الحديثة، كما يقدم لمحة عن الإنتاج الأدبي والشعري والمسرحي الجديد في القرن الحادي والعشرين. والواقع أن لدراسة الأدب العربي في إيطاليا تقليد طويل ومشرّف تطور مع مرور الزمن: في هذا العمل، تجدون إسهامات لأساتذة مثل فرانشيسكو غابرييلي، فرجينيا فاكّا، باولو مينغانتي، أومبرتو ريتزيتانو، دانييلا أمالدي، جوفاني كانوفا، إيزابيلا كاميرا دأفليتو وغيرهم ممن تمت الإشارة إليهم في الفصول المختلفة. وقد أسهم العديد من الخبراء الذين تخرجوا من هذه المدرسة في تعميق فهمنا لفترات وموضوعات بعينها. لمن يهتم بالأدب العربي، سواء في فترات ما قبل الإسلام أو الأدب الكلاسيكي أو ما بعد الكلاسيكي أو الأدب المعاصر في السياق الأكاديمي، ليس من السهل الابتعاد عن النهج الأكاديمي مع الحفاظ على الدقة العلمية المطلوبة.
في هذا العمل، سعينا إلى تنظيم المحتوى بناءً على مفهوم ‘الحقب”، واعتمدنا نهجاً تاريخياً يلتزم بمعيار علمي وتاريخي – أدبي مشترك، مع التأكيد على ضرورة تحديد الفترات الانتقالية من عصر إلى آخر، على الرغم من صعوبة تحديد هذه الفترات بدقة في بعض الأحيان.
يتشكل الحديث والكلمات من خلال المعارضة بين المعنى والصوت. المعنى هو نتيجة، وليس أصلياً ولا ثانوياً، بل هو اعتباطي ولا يوجد أيّ رابط مثلاً بين مفهوم الصحراء والصوت الذي يُعرّفه. نحن ندرك جميعاً أن صورة الصحراء ترتبط لدينا بعدد محدود من الكلمات، بينما يستخدم العرب كلمات أكثر من ذلك بكثير للتعبير عن نفس المفهوم، وهذا ينطبق على أشياء كثيرة أخرى. في البحث الأدبي، يجب أن نعتمد على فكرة التزامن، وفقاً لمبدأ دي سوسير الذي يقول بأن الأنظمة اللغوية والأدبية تتطور باستمرار. الأدب هو محور النقد الأدبي، وهو علم يعتمد على البعد التاريخي. الكلمات، وكذلك الأفكار والمفاهيم، لها عمق تاريخي داخلي. لذا، فإن دراسة الأدب هي وسيلة لفهم المجتمع، وتجعلنا نعيش أحلامه ومآسيه من خلال الكلمات. نحن باعتبارنا دارسين نعيش ضمن تاريخنا الخاص، وننظر إلى الأشياء من خلال تجاربنا والسياق المحاط بنا، وهذا قد يكون ميزة، ولكنه قد يشكل أيضاً تحدياً. نحن نستفيد من رؤية الآخر، لكن هذه الرؤية تظل محدودة بتجاربنا الخاصة. ومع ذلك، من خلال التبادل المشترك، يمكننا أن نساهم في توسيع فهمنا للعالم.
هذا العمل موزع على مجلدين، يتضمن كل منهما 16 فصلاً موزعة على 4 أجزاء. في كل جزء تم تحليل الفترات الزمنية والموضوعات المختلفة. المجلد الأول – الأدب العربي: من العصر الجاهلي إلى العصر ما بعد الكلاسيكي – يضم الأجزاء التالية: الجزء الأول (من الجاهلية إلى الخلافة الأموية)، الجزء الثاني (عصر الخلافة العباسية)، الجزء الثالث (الأمراء، السلاطين والخلفاء في عصر السيادة المجزأة)، والجزء الرابع (العالم العربي في العصر ما بعد الكلاسيكي). أما المجلد الثاني – الأدب العربي: من النهضة إلى الثورات وما بعدها – فيضم الأجزاء التالية: الجزء الأول (النهضة وتطور الأدب العربي حتى عام 1948)، الجزء الثاني (الأدب العربي بين 1948 و1991)، الجزء الثالث (الأدب العربي من التسعينات إلى الألفية الجديدة)، والجزء الرابع (الثورات العربية وما بعدها). في كل من المجلدين، يتم تقديم كل جزء بمقدمة تاريخية حتى يتمكن القارئ من فهم الأدب كمساحة للتفاعل النقدي مع السياق التاريخي والسياسي والاجتماعي الذي يعبّر عنه. تلي هذه المقدمة التاريخية الفصول الفردية التي يتم فيها تحليل الحركات والتيارات والمؤلفين في فترة زمنية معينة. تتيح الدراسة التفصيلية لمرحلة أدبية مّا فهم خصائصها من منظور تزامني، فضلا عن تتبع السمات المميزة في النص الواحد. يمكن قراءة الفصول المختلفة بشكل متسلسل لتتبع تطور النوع الأدبي في فترات زمنية مختلفة. تحليل الخصائص المميزة للأشكال الشعرية والسردية والدرامية مرفقة بجهاز متكامل من الدراسات المستفيضة والسيرة الذاتية للمؤلفين، بالإضافة إلى قراءات عبر الإنترنت (ترجمات أصلية أو منشورة) مدمجة في النسخة الرقمية للعمل، والتي يمكن التعرف عليها من خلال أيقونات مرجعية في النص. كما تتضمن الصور والخرائط. الدراسات المستفيضة هي ذات طابع موضوعي (الاتجاهات والأنواع الأدبية الخاصة)، تاريخية – ثقافية (بالنسبة إلى الأحداث أو الحركات) ومتعددة التخصصات (العلاقة بين الأدب والفنون الأخرى مثل السينما، أو بين الأدب وعلوم مثل السياسة والفلسفة). أخيرًا، في كل فصل توجد إشارات وإحالات إلى فصول أخرى تتناول نفس المؤلفين أو الموضوعات المشابهة، ولكن في مرحلة أو سياق مختلف. تختتم جميع الفصول بمراجع بيبليوغرافية أساسية.
في نهاية كل جزء، يتم تقديم قاموس يشرح بإيجاز بعض المصطلحات المتعلقة بالأنواع والأشكال النصية، وكذلك المصطلحات التقنية. بالإضافة إلى ذلك، لتسهيل القراءة، تم توفير فهرس للأسماء. لاستكمال كل ذلك، توجد جداول زمنية تدرج الأحداث الأدبية والفنية – الثقافية والتاريخية للثقافة العربية بالتوازي مع تلك الخاصة بالثقافات الأخرى (خاصة الأوروبية)، مما يوفر نظرة شاملة على القرون التي يتناولها كل جزء. يُعتبر هذا الكتاب دليلاً مفيدًا لغير المتخصصين وأداة مناسبة للدراسة الجامعية. إنه منتج تعليمي وتحريري مبتكر: يقدم الجزءان أقساماً عن الأدب الجاهلي، الكلاسيكي، ما بعد الكلاسيكي والمعاصر، كل منها يبدأ بنبذة تاريخية وغنيّ بأنثولوجيا نصوص بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من الملاحق للاستشارة الرقمية. يقدم الكتاب لمن يهتم بتاريخ الآداب أو لمن يرغب في التعمق في الإنتاج الثقافي للعالم العربي، معالجة متعددة الجوانب تتيح الاختيار بين المسارات الشكلية أو الموضوعية، الاعتماد على سرد أكثر تاريخية أو استكشاف المواد الرقمية بشكل مستقل.
يتناول المجلد الأول تاريخ الأدب العربي من العصر الجاهلي إلى العصر ما بعد الكلاسيكي. الجزء الأول (العالم العربي منذ بدايات الإسلام حتى الدولة الأموية) يصف الأدب باللغة العربية بدءاً من المرحلة التي سبقت نزول القرآن الكريم وصولاً إلى الإنتاج الأدبي في زمن الدولة الأموية (680 – 750). يتم توضيح السمات الأساسية للأدب القديم والتطور الفني والثقافي الذي أعقب نزول القرآن. يغطي هذا الجزء فترة زمنية طويلة نسبياً، تمتد من القرن السادس إلى القرن الثامن تقريباً، وتشكل المرحلة الأساسية لتطور الأدب العربي بأكمله.
لقد تم تقسيم الجزء الأول إلى أربعة فصول، وقد تم تصميمه ليكون إطاراً مرجعياً يساعد في فهم التطور الفني والثقافي اللاحق. فمع نزول القرآن الكريم، يبدأ تغيير عميق في القيم يشمل النماذج الجمالية ومنهجيات النقد (ليس فقط من الناحية الشكلية) المناسبة لتقييم الشعر والإنتاج الثقافي بشكل عام. في القرون التي تلت ذلك، كان الشعر الجاهلي والشعر الذي تلاه مباشرة نموذجاً مرجعياً للأدباء. لذلك، بعد الفصل الأول المخصص للشعر الجاهلي، يأتي فصل مخصص للقرآن الكريم، ثم دراسة عن الشعر في العصر الأموي، وفصل آخر حول تطور النثر، مع تركيز خاص على علم التأريخ والتراث النبوي.
الجزء الثاني (عصر الخلافة العباسية) مكرس لأحد أهم عصور ازدهار الأدب العربي، الذي يمتد من حوالي 750 إلى 1250. هذا الجزء مقسم إلى فصلين، يخصص الأول لدراسة الشعر، باعتباره الشكل المفضل للتواصل الأدبي في العالم العربي في تلك الفترة. يليه فصل عن النثر مع تحليل نظري لمختلف الأنواع الأدبية، الأساليب، والتراكيب الداخلية. في هذه الفترة، يتطور النثر في تفاعل مع الشعر وليس في معارضة له: ولذلك تم التأكيد على التداخلات والتوافقات التي تظهر تكامل هذين النوعين الأدبيين في وحدة عضوية. في هذه المرحلة، تتضح المسارات الفنية والأدبية التي تتسم بالتداخلات والتقاطعات (النثر الشعري).
في الجزء الثالث (الأمراء، السلاطين والخلفاء في عصر السيادة المجزأة)، يركز أول فصلين على الإنتاج الأدبي الأندلسي والصقلي، مع تعمق في دور المترجمين والتبادل والتفاعل بين شمال البحر المتوسط وجنوبه. في بعض الفصول، تمت تلبية الحاجة إلى إبراز خصائص بعض الأنواع الأدبية التي تطورت بشكل متقاطع: مثل الأدب الصوفي، أدب الرحلات، الأدب الشعبي، الأدب الكوميدي ومسرح الظل. هذه الأنواع الأدبية تميزت عن تطور الأنواع الأدبية الأخرى، رغم أنها في بعض الأحيان قد تداخلت معها.
الجزء الرابع (العالم العربي في العصر ما بعد الكلاسيكي) يشمل ثلاثة فصول: الفصل الأول مخصص للنثر في العصر المملوكي؛ الفصل الثاني للشعر في الفترة التي تمتد من الأيوبيين (القرن الثاني عشر إلى الرابع عشر) إلى العثمانيين (القرن الرابع عشر حتى الثامن عشر)؛ والفصل الثالث للنثر العثماني (حتى المرحلة التي تسبق العصر الاستعماري الذي سيتم تناوله في المجلد الثاني). لا تزال الأبحاث التي يجريها الباحثون في هذه المرحلة الغنية بالتجارب الفنية في بداياتها، ولذلك فإن الفرضيات والتصنيفات لم تصبح نهائية بعد. تتسم التيارات الأدبية التي ظهرت في هذه المرحلة بتعددية قوية في الأساليب، وبالتداخلات والتجارب في لغات جديدة، مما يمهد لظهور بعض الموضوعات الأدبية في أوائل القرن التاسع عشر.
يتناول المجلد الثاني تاريخ الأدب العربي منذ عصر النهضة حتى يومنا هذا. ويبدأ الجزء الأول (النهضة وتطورات الأدب العربي حتى عام 1948)، المقسم إلى ستة فصول، بحركة الإحياء الثقافي المعروفة بالنهضة، والتي بدأت في مطلع القرنين الثامن عشر والتاسع عشر واستمرت حتى العقود الأولى من القرن العشرين. خلال هذه الفترة، لعب الرحالة والمترجمون دورًا أساسيًا في تعريف العرب بالثقافة الغربية ونشر الأفكار الجديدة التي تغلغلت تدريجيًا في المجتمع في سياق كان معرضًا بالفعل لدفعات كبيرة للتغيير والتحديث. من وجهة نظر ثقافية وأدبية، اقترنت المواجهة مع النماذج الأوروبية بحركة إحياء عناصر وأنواع أدبية تنتمي إلى التراث الكلاسيكي. وسرعان ما أجبر التغلغل العنيف للاستعمار الأوروبي، الذي حلّ محل الاستبداد العثماني، الأدباء والمثقفين العرب على التفكير في علاقتهم بالغرب، وهو موضوع شكّل جزءا كبيرا من إنتاج هذه المرحلة والفترات اللاحقة. وخلال هذه المرحلة، شهد الشعر والرواية والأدب الدرامي ابتكارات عميقة كانت حاسمة في تطور هذه الأنواع الأدبية. وقد اخترنا أن نخصص فصلًا خاصًا للمجلات الأدبية التي أفسحت صفحاتها مجالاً واسعاً لهذه الابتكارات من خلال نقاشات حية ومواجهات فكرية.
يركز الجزء الثاني (الأدب العربي بين عامي 1948 و1991)، المقسم إلى خمسة فصول، على ما يمكن أن نعرّفه بالمرحلة الناضجة والواعية من الإنتاج الأدبي العربي المعاصر، معبّراً عنها بجميع أنواعها. تشكل النضالات المناهضة للاستعمار وولادة الدول القومية والحركات التي تمجد العروبة (الناصرية أولاً وقبل كل شيء) خلفية لأدب ملتزم سياسياً ومكرس لتجريب أشكال جديدة ومواجهة التراث التقليدي. بدأ الأدباء من العالم العربي يدخلون المشهد الأدبي العالمي، حتى أن المصري نجيب محفوظ حصل في عام 1988 على جائزة نوبل للآداب. وأدّت الأحداث الحاسمة مثل القضية الفلسطينية أو الحرب الأهلية اللبنانية إلى ظهور اتجاهات جديدة مثل أدب المقاومة وأدب ما بعد الصدمة. تم تخصيص مساحة واسعة لإنتاج بلدان المغرب العربي، وهو إنتاج غني بشكل خاص ومهمل بشكل غير مفهوم.
أخيراً، تم تخصيص فصل للأدب الذي أُنتج خارج حدود ما يسمى بـ”الوطن العربي”: وهو ما يُعرف بأدب المهجر، أو الشتات، أو المنفى، والذي أصبح مع مرور العقود ذا أهمية متزايدة، ليس فقط من حيث الكم. الجزء الثالث (الأدب العربي من التسعينات إلى الألفية الجديدة)، المكون من فصلين، يتناول فترة حساسة للغاية في التاريخ المعاصر للأدب العربي. فمن جهة، شهد العالم العربي في بداية التسعينات من القرن الماضي تحولات عميقة تركت بصماتها بشكل كبير على حساسية المثقفين (من كتّاب وفنانين)، الذين تأثروا أيضاً بالتحولات الجيوسياسية العالمية الجديدة. ومن جهة أخرى، فإن النشاط السياسي الذي لم يعد يعترف بالدولة كمرجعية أساسية له حفز إنتاجات أدبية وصفها بعض النقاد بأنها ما بعد الوطنية أو ما بعد السياسية. من بين هذه الإنتاجات، تبرز مساهمة نسائية مثيرة للاهتمام، تركز على جسد المرأة في الكتابة، بهدف إعادة تمكين هذا الجسد من استكشاف الذات والعالم. ويختتم هذا الجزء بفصل عن تلك الأجناس الأدبية الجديدة، مثل الخيال العلمي والرواية السوداء، التي ستلقى صدى واسعاً في زمن الثورات. الجزء الرابع (الثورات العربية وما بعدها)، ينقسم إلى ثلاثة فصول، يفتح نافذة على أحدث توجهات الأدب في العالم العربي في الحقبة ما قبل الثورات وما بعدها. في هذه المرحلة، إلى جانب أنواع السرد والشعر والدراما، يبرز إنتاج ملحوظ ينتشر عبر الإنترنت ووسائل الإعلام الجديدة، مما يجدد الكتابة واللغة ويتناول مواضيع ملحة مثل الحريات الفردية واحترام التنوع. انطلاقاً من هذه الفرضية، يعتمد هذا الكتاب على التنسيق تضافر الخيارات العامة، التي أصبحت ممكنة بفضل استعداد المؤلفين والمحررين لكل فصل للمشاركة في الكتابة، وإعادة القراءة، ومناقشة الأجزاء المختلفة، مما أثرى التجربة المتبادلة وأدى إلى تناغم في المهارات والأساليب والميول المختلفة. تحمل النبذ التاريخية والفصول والملخصات والمواد اسم من كتبها، والذين يُعدّون من كل الجوانب مؤلفين حقيقيين لها.
نتوجه بالشكر الخاص للمؤلفات والمؤلفين الذين شاركونا في هذه المهمة التي تذكرنا بكتاب” منطق الطير“ لفريد الدين العطار، حيث يتم الوصول إلى المعرفة من خلال تبادل الخبرات. ولولا مساهمة المدارس العربية التي تجوب إيطاليا عبر تورينو وميلانو والبندقية وروما ونابولي وكاتانيا، – دون أن ننسى بيسكارا وكازيرتا وبرغامو وفلورنسا وماشيراتا وباري وليتشي وميسينا وراجوزا وباليرمو وكالياري، وصولاً إلى السويد والنرويج – لما اكتمل هذا العمل.