تلك الأيام

الثلاثاء 2015/12/01
لوحة: فيصل علي

ملاحظة 1

ثلاث بقع ضوئية باللون الأصفر المريض بالأزرق، وثلاث بقع ضوئية بمحاذاتها باللون الأزرق المريض بالأصفر على خشبة فارغة، وكأن المكان هو جوف حوت زجاجي معلق فوق الماء بقليل، حيث ربط بستة حبال شفافة إلى أعمدة خرافية في مجرة بعيدة.

ملاحظة 2

جميع الأغراض المستخدمة يجب أن تكون لها رائحة زهر الليمون وملمس خشب عتيق وطعم أعواد القنب الرطبة.

ملاحظة 3

الشخصيات هي ستة أصوات، ثلاث منها ظلال لثلاث.

صوت 1

الحوذيُّ يلُفُّ جسدَهُ النحيلَ بطبقاتٍ من الكتَّانِ ويرنو إلى عمودٍ من خشبِ السِّنديانِ يغفو على ذكرياتٍ قديمةٍ بعمرِ الغبارِ العتيقِ الذي يستريحُ على عروقِهِ اليابسة كي تمدَّهُ بصلابةٍ كافيةٍ تقيه من ثقَلِ ذكرياتِ الذين مرقوا على بابٍ لذلكَ البيتِ المتكئِ كعجوزٍ أدركَ بعدَ فواتِ العمرِ أن الفجرَ الذي سيخرجُ من عباءتِهِ ليس لأيامِه بل لتنهداتِ أعشابٍ ومناطقَ شاسعةٍ وبعيدةٍ حيثُ الحياةُ برمّتِها هناكَ وهنا أمامَ البابِ الذي يحبِسُ الموتَ في خلايا أخشابِه العتيقةِ ليس سوى حوذيٍّ يرنو إلى شفةٍ من الضوءِ الشفيفِ سوفَ تغصُّ بالأرجوانيِّ المخضَّبِ حين تبزغُ من ثُلمٍ سوف يتسعُ رويداً رويداً بين حافةِ البابِ وحافةِ الانتظارِ العالي للأملِ المتطلبِ والمشاكسِ ذاك الذي لبخارٍ يتساقطُ من مِنخرَي حصانٍ شاخصٍ بثباتِ مَنْ ينتظر أوانَ الرحيلِ الطويلِ نحو النهارِ العاري سوى من شغبِ الضوءِ واتساعِ الأعمارِ المتزاحمةِ للخيولِ التي في ذاكرةِ الهواء.

ظل 1

وحيث أنتَ الذي ينتظرُ وأنتَ العجوزُ الذي كُنتَ ترنو إلى ندمِه الذي تبدَّى على حافةِ البابِ كطيفِ أيامِكَ الغابرة وحيثُ لرائحةِ ذكرياتِ الأشجارِ في عروقِ السنديانِ العتيقِ بوحٌ وصوتُ زفيرٍ نقيٍّ من الأغنياتِ العابراتِ للطيورِ حين تسكنُ أعشاشَها وتنامُ ملءَ الفراغِ الطلقِ وحيثُ يزورُ وحشتَكَ الناعمةَ أيها الحوذيُّ النبيلُ قطيعٌ من صغارِ الخيولِ ستعبرُ من منخري حصانٍ شاخصٍ بثباتٍ إلى غبارِ أيامِه الغاربة وثمةَ رائحةٌ لوبرِ مهرتِه التي عبقتْ في المكان.

صوت 2

تلك الأيامُ الساحراتُ العابثاتُ النائماتُ كقطيعٍ متعبٍ يستريحُ في براحِ الأسف حيث كانت مهرةٌ يفزُّ من جنباتها زمنٌ خرافيٌّ نقيٌّ من حقائقِ أيامِنا التالياتِ المنهكاتِ من وِزْرِ الخلودِ وحكاياتِ الأبد.

ظل 2

حيثُ تلك الخرافاتُ تتلو علينا دوائرَها التي تستبيحُ أشكالَنا المغلقة وأرواحَنا المقفلة كي نصدقَها وحيثُ ترفُّ جفونُها ببراءةِ الظباءِ التي تحدِّقُ بانتباهٍ دهِشٍ نحو فقاعاتِ المطرِ على وجهِ البحيرة.

صوت 3

تلك الأيامُ الساحراتُ العابثاتُ النائماتُ كقطيعٍ متعبٍ يستريحُ في براحِ الأسف حيث كانت مهرةٌ يفزُّ من جنباتها زمنٌ خرافيٌّ نقيٌّ من حقائقِ أيامِنا التالياتِ المنهكاتِ من وِزْرِ الخلودِ وحكاياتِ الأبد.

ظل 3

كُنا نستمدُّ منَ الخرابِ أشكالَ الحُلمِ المصّفدِ ونُشهرُهُ رعباً بوجهِ البحيرةِ النائمة حيثُ تداعبُها فقاعاتُ المطرِ لتغفوَ كلونٍ وليدٍ من مُزاحِ الثعالبِ مع العشبِ وطحالبِ الصخورِ وانبلاجِ الأرجوانيِّ الذي على شفةِ الأفق.

صوت 1

تلك الأيامُ الساحراتُ العابثاتُ النائماتُ كقطيعٍ متعبٍ يستريح في براحِ الأسف حيث كانت مهرةٌ يفزُّ من جنباتها زمن خرافيٌّ ..حيث كنتُ أعدو مع الريحِ في فراغٍ خلّفتْهُ الحافلةْ .. وأتذكرُ أن خرافاتِها كانت تُزنّرُني بها بكفيها برائحةِ الغاردينيا في تنفسِها كي توصدَ البابَ على مكرِها الشتَوي وأنا بداخلِها أنثرُ القمحَ والحكاياتِ التي علقت على وبرِ أصابعي حينَ كنتُ أعدو في الطريقِ إلى شهقةٍ عاليةٍ في تنفسِها كي نستريحَ معاً كما بعدَ الشتاءِ تستريحُ خلايا الشجر.

صوت 2

والانتظارُ القريبُ من حوافِّ الصراخِ يزجُّ بنولٍ من خشبِ السنديانِ في وقتٍ تأبَّدَ حولَ خيوطِ البُرَهِ ليغزلَ نوماً طويلاً كما في الظهيرةِ تستريحُ إلى أبدٍ مستحيلٍ خنافسُ سوداءُ غابت ملامحُ أحلامِها في اشتدادِ ضوءٍ حارقٍ وغبارٍ مَلُولٍ من مِزاجِ الأبدِ الذي في الرياحِ التي لا تُقادُ إلى جهةٍ أو مكانٍ أو صلاةٍ لكنَّه ذاك النشيجُ الغريبُ لأرواحِ من عبروا قبلَ ولادةِ أحزانِهم في شرانِقَ من ورقٍ أصفرَ لنباتاتٍ تلهثُ حولَ القبورِ كي تُوْدِعَ أغنياتِها الخفيضةَ عن جفافِ الفصولِ لدى الريحِ التي ستأتي عابرةً من جهاتِ الشمالِ كي تؤبِّدَ النومَ بلا حقائبَ تغصُّ بأحلامٍ كانت ذات يومٍ تراودُ الأمكنةَ كالظلالِ المستحيلةِ في جسدِ الظهيرةِ المشتهاة.

ظل 3

وحيثُ الظهيرةُ لها ذاكرةٌ كالرمالِ التي لها ذاكرةٌ كالظهيرةِ فقد أودعَتْكَ الظهيرةُ ثوباً قديماً لكي يرتديكَ وتلبَسه وسوفَ تكونُ تلكَ الأيامُ التي عبرتْ كأنها وعدٌ أكيدٌ سيحضُرُ يوماً حيثُ كُنتَ أيها الحوذيُّ النبيلُ تعدو في الظهيرةِ عبرَ الطريقِ الذي عَبرَتْهُ الحافلةُ ملوحةً لك بمنديلِها كي تراها ولا تراك.

صوت 1

تلك الأيامُ الساحراتُ حيث كانت مهرةٌ توصدُ البابَ كي تصبحَ في بيتها كاليرقاتِ النائماتِ الحالماتِ بقضمِ الضوءِ ولعقِ الهواءِ وشمشمةِ العشبِ.. توصدُ البابَ عليَّ وأنا بداخِلها أمكثُ كروحِ الفراشةِ وتسكنُ جدرانُ بيتها جلدي كالمدنِ المقفلةِ على خرائطِ أيامِها تلكَ الخرائطُ التي لا تزالُ في شرانقِ مناماتِ أبوابِها المقفلةِ أبوابِها الموصدةِ بوجهِ الرياحِ التي كالرسلِ المتعبينَ الذين يحملونَ ما تبقى لسكانِها من حكاياتٍ في جعبةِ المطرِ..

ظل1

ولأنه المطرُ النبيلُ يأتي ولو بعدَ حينٍ كي يقرعَ أرواحَنا ثم يقصُّ علينا حكايةَ ما قبلَ الموتِ كي نغفوَ لمرةٍ واحدةٍ وأخيرةٍ على صوتِهِ الذي كأصواتِ الأمهاتِ القابعاتِ خلفَ جدرانِ الكلامِ حيثُ يحلُمْنَ بلا أجنحة وتقفزُ أرواحُهُنَّ نحوَ أحداقِنا التي لم توصدْ بعدُ ألوانَها وشعابَها بوجهِ الأملِ الذي في الضوءِ والعرباتِ المسرعاتِ نحو الجنوب تلك التي للريحِ وفي جعبتِها كلامُ المطر.

صوت2

الأيامُ العابراتُ لا تَرَاَكَ وسوفَ تُدركُ أنكَ مهما اقتربتَ من طيفِها لن ترى سوى نهارٍ واحدٍ حيثُ الظهيرةُ يومَها تلهثُ تحتَ ثيابِكَ في منخريكَ وأنت تعدو في الطريقِ الذي عبرتْهُ الحافلة..

ظل 3

يومها لويْتَ عُنُقَكَ قليلاً ثم زفرتَ طويلاً من منخري حصانٍ شاخصٍ بثباتٍ إلى عمودٍ من خشبِ السنديانِ العتيقِ وحيثُ لن تكونَ تلكَ الأيامُ كما كانتِ اللحظاتُ الوحيداتُ اللواتي مررْنَ على وحشتِكْ وكانت مناديلُهُنَّ تُلَوِّحُ راقصةً على حافّةِ العربةِ التي لحصانٍ يلهثُ من وطأةِ أمنيةٍ جامحةٍ في أنْ يقولَّ لحوذيِّهِ الذي يستريحُ وحيداً في مقدمةِ العربةِ: أنا معك.

صوت 3

الأيامُ العابراتُ لا تَرَاَكَ وسوفَ تُدركُ أنكَ مهما اقتربتَ من طيفِها لن ترى سوى نهارٍ واحدٍ حيثُ الظهيرةُ يومَها تلهثُ تحتَ ثيابِكَ في منخريكَ وأنت تعدو في الطريقِ الذي عبرتْهُ الحافلة.. ولن تعودَ طيوفُ أيامِكَ الغابرة من جهاتِ ذاك الغبارِ البعيدِ بل عتماتها حيثُ تلكَ العتماتُ البعيداتُ المتعباتُ العائداتُ من محنةِ الضوءِ نحو بَراحِ الظلالِ التي لإبطٍ يتنفسُ قبلَ عراكِ الغيومِ التي تنضجُ في حلمِ الخلايا النائماتِ كما تنامُ الثعالبُ في مساءاتِ صيفٍ تزنرهُ الغِواياتُ الغامضاتُ المشبعاتُ بالوعودِ وبالعنب.

ظل 2

الأيامُ العابراتُ لا تَرَاَكَ ولن تعودَ طيوفُ أيامِكَ الغابرة من جهاتِ ذاك الغبارِ البعيدِ بل عتماتها حيثُ العتماتُ الغابراتُ من وحي العطشِ المعمِّرِ ذاكَ الذي في لحظةٍ واحدةٍ يختزلُ الفرقَ بين قطراتِ الضوءِ ونُدَفِ الغيومِ التي تلهثُ نحو حقولٍ تفكُّ أزرارَها ولحاءَ أجسادِها كما فاتناتِ المعابدِ اللواتي يصنعْنَ نُبلَ الجسمِ المخبَّأِ في ظلامِ أردافِهنَّ وفي غبارِ الكلامِ والأنبياء.

ظل 1

حيثُ عندَ تخومِ ذاك البريقِ الآتي من خُدعةِ الفضاءِ الحرِّ من كلِّ شيءٍ سوى من معناهُ الذي يُثقلهُ بأصفادٍ لا تموت وحيث هناك.. ثمةَ عتماتٌ تهبِطُ من أنفاسِنا متعباتٍ خائباتٍ عائداتٍ من محنةِ الضوءِ نحونا كأطفالٍ خائفينَ يدركونَ بغريزةٍ طريةٍ أن الملاذَ الأخيرَ هو البوحُ طويلاً في أعالي السفر.

أصوات عجلات ترتفع رويداً رويداً

ويرافقها أنين خفيض على وتيرة واحدة وطويلة.

إظلام

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.