تَوْنَسَةْ

يوميّات الدّم المتكلّس و"بوليمات" أخرى
الخميس 2021/04/01
لوحة: محمد بدر حمدان

عظمة

البداية هي الصّمت والنّهاية لم تعد كذلك

كلّ من اختار الصّمت

لم يعد ينتمي إليّ

للقصيدة الحقّ في قطع رقبته

البداية هي الصّمت

النهاية فوضى

الفراغ محشوّ

انطلقت الكلمة

أنا حيّ

البداية هي الصّمت

النّهاية طرد للأرواح السّوداء

احذروا إيجازي

فمن هنا تولد

الغزارة والوحدة

النّهاية تثبتُ قوّتي

والبداية عجزي

بندقيّة تلتصق بصدري

لا بأس الموت زيف

بإمكاني أن أرحل

البداية هي الصّمت والنّهاية لم تعد كذلك

من اختار أن يَصْمُتَ

لم يعد ينتمي إلى هذا العالم

لقد طَرَدْتُهُ.

***

أرخبيل

بيننا يمتدُّ البَرْزَخُ

الكلام الذي كان بيننا صَمُتَ

بعض الأجمة تحجب وجهكِ

بعض الأنسجة تغطي مَلْمَحَكِ

بيننا يمتدُّ الصّمت الصّاخب والكلام الذي كان بيننا يرتخي

الحجر القرمزيّ ينصهر منحوتا بالريح والمطر والموج

إذن ينبلج الفوحان بين الثمرة وجلدها

البرزخ يمتدّ حتّى الأسى

أرقبُ المعنى في الفجر

بين الضّفاف البعيدة اللازورد يستقبل الأحياء

الجو الغارق يمتلأ بكل الأصوات

عندها إذن تولد الكلمة

ليس للصّمت مكان في برزخ أيامي

ببطء تكبُرُ ذاكرتي تنبني بكلمات وطلاسم ذات أصوات حادّة لعصافير ما وراء البحار

أرقبُ المعنى في الفجر.

***

نشيد الرّبيع

1

وأيّ شفاء حَمَلْتَ إلينا، أيّها الرّبيع!

الشّمس تخلّصت من الضّباب أخيرا ونشرت خيوطها المرهفة الدافئة.

وفي الوعاء الّذي تعرّض للتوّ لذلك العنف الطيّب، شرعت بذرة في النّشوء.

أخضر هو الازهرار الّذي يغنّي صوت الشّفق الجديد.

ونحن.

تيّارات بسيطة تحملنا في الهواء

وآخرون أقلّ حدّة يطرحوننا أرضا إلى جانب الأوراق الميّتة والورود الجافّة.

أتوجّه إلى نعمة الرّبيع عقب الزّوابع لاسترضاء أرواح الشّعراء المجعّدة بفعل العواصف والرّياح العاتية.

وأيّ شفاء حَمَلْتَ إلينا، أيّها الرّبيع!

2

إنّه ربيعٌ يافعٌ قد استقرّ هنا!

متحدّيا القمم الّتي تزال متوّجة ببياض الثّلج الرّائع، الأودية ومن دون حذر تزوّجت بالتدفّق المنعش لتهب معنى للحياة. وهذا نشيد عصفور سيشدو حيث تنمو البذور النّائمة محتفلا بصلاة للإلهة الأمّ للمحاصيل والأرض.

لطالما آمنتُ بتماهي الإنسان والرّبيع.

الإنسان يحمل في قلبه حمّى الخلق المزمنة وذلك الرّجل الّذي هو الرّبيع ينبعث من رماده مثل تلك العنقاء الّتي لا تقوى أيّ لعنة على وأدها.

وهذا أدونيس، مع حلول الرّبيع، يولد من جديد مع شقائق النّعمان احتفاء بالحياة.

3

وأيّ شفاء حَمَلْتَ إلينا، أيّها الرّبيع!

حينما يرتق نشيد عصفور بسيط جروحا غائرة وأحزانا دائمة.

لم يتبقّ للمادّة وللوقت أو للعالم بدايات لترميها إلينا. إنّه الرّبيع الّذي يغرز فينا إبرة الحياة المتجدّدة ويدفع بالحيّ نحو التّأليه.

وأيّ شفاء حَمَلْتَ إلينا، أيّها الرّبيع!

***

يوميّات الدّم المتكلّس

لوحة: محمد بدر حمدان
لوحة: محمد بدر حمدان

إلى فلسطين،

إلى محمّد الدرّة،

أخي الطّفل الشّهيد

1

على وجوهنا يَرْتَسِمُ: وَحْشٌ

جَاءَ من حَيْثُ نَجْهَلُ

وعلى شِفَاهِنَا يَبْدوُ: مُرَتّْلُ

الخُشُوعِ الزَّائِفِ.

الإثنين 9 أكتوبر 2000

2

الضَّباَبُ يُزِيحُ الضَّبَابَ

يَسْتَنْفِذُ الفَجْرُ نَفْسَهُ مَسْكُونًا بأمل العودة

والأرضُ المسلوبة تُنادي أبناءها الجُدُدَ

وأَنْتَ أيّها الطّفلُ أيُّ ريحٍ حملت حجارتك وأيُّ ريحٍ أدمت جبينك؟

الضّبابُ يُزيحُ الضّباب والدّمُ يَنِزُّ من الدّم.

الثّلاثاء 10 أكتوبر 2000

3

تُبَاعُ حياتنا في المزاد

ادفنوا الطّفل

ادفنوا المرارة

مع الطّفل وخدّيه المبلّلة بالدّموع

مَنْ يَصْنَعُ الصّمت؟

الصَّمْتُ الّذي نَدْفِنُهُ مع الطّفل

ملاكُ الاثني عشر عامًا

كلماتٌ

صلواتٌ أُطْلِقُها في اتّجاه اللاّنهاية

قطراتُ دمٍ إسقاطُ الجوعٍ

والعدم

حياتنا تُباعُ في المزاد العلنيّ

هذا ما لم يَقُلْهُ الرّسول

ذاق مرارة المستقبل

حاضرنا

رأى الدّم في كأس اللّبن

رأى كلّ شيء

لكنّه لم يقل أي شيء

ادفنوا الطّفل.

الأربعاء 11 أكتوبر 2000

4

الصُّرَاخُ يدْعَمُ الفراغ

الصُّرَاخُ مَعْدُومُ الصّدى

الصّمتُ وحده يُدَوّي

من الشّرق إلى الغرب

الصُّراخُ يدْعَمُ الفراغ

انظر إلى ذلك الّذي

بِحَجَرِ يُدَافِعُ عن الحريّة

انظر إلى هؤلاء

الّذين اختاروا الحجارة لينتصبوا واقفين

حَرَكَاتٌ غريبةُ في دقّات الأجنحة هذه

حمائمُ وسنونواتِ

القُدْسِ

تَقُودُ الحراك

الصُّراخُ يدْعَمُ الفراغ

وحدها الثّورة

تُدْخِلُ الإنسان في التّاريخ.

الخميس 12 أكتوبر 2000

5

الطّفلُ أقوى من الجندي

القَصَبُ أشدُّ صلابة من البلّوط

الرّاحاتُ المفتوحةُ تُميّزُ الرّجال

الحجارةُ تَصْقِلُ النّفوس

الرّاحات المتحجّرة تنفتحُ

على العالم الضيّق

الطّفل أقوى من الجندي

القوسُ في القلب

السّهمُ في العين

السّمُ يتدفّقُ مع الدّم.

الجمعة 13 أكتوبر 2000

6

الوُجُودُ

جسما لجسم مع الخطر

يبني الإنسان نفسه فينا بعيدا

بعيدا عن شفافيّة الفراغ والضّجيج العامّ

قُرْبًا منه الحلمُ يُصَعِّدُ الحيوان المسجون في جسم من حجر ودمّ

الحياة

جنبا إلى جنب مع الموت.

السّبت 14 أكتوبر 2000

7

على هامش جُبْنِنَا

التّاريخُ يَخْلِقُ الرّجال

الحياةُ

زئبق ينزلق من بين أيدينا

الخَلْقُ الّمُتَلَهّفُ يَكْسِرُ أغلال الأرض القاحلة

تغيير العالم للعيش في بهجة المرتفعات

تغيير العالم للعيش في الخطر.

الأحد 15 أكتوبر 2000

نيرانٌ ثلاث

إلى هشام شَلْبِي

المجد للشيطان معبود الرياح

من قال “لا” في وجه من قالوا “نعم “

من علّم الإنسان تمزيق العدم

من قال “لا”… فلم يمت

وظلّ روحا أبديّة الألم!

أمل دنقل

1

النّهارُ يُتَوِّجُ تَحُوُّلاَتِ أيّامنا

الشّمسُ تضربُ على مرمى منّا

لَمْسَهَا لأعناقنا

يُثيرُ اليأس

الّذي يُثْقِلُ قُلوبنا ويَسْكُنُ عيوننا

النّهار رمز التمرّد

الّيل نفق لا نهاية له

أين تخطو أحلامنا الضّجرة

في همس الوجود

هكذا الحريّة

تَنْتَقِلُ

من الجدّ إلى الأب

من الأب إلى الابن

ومن الابن إلى الحفيد.

2

عَلٍّمْنِي أن أقول لا

– أن أُوجَدَ

عَلِّمْنِي الصّعود على منصّة الإعدام

على الصّليب

فوق المقصلة

الموت هو نفسه

– الجلّادون ينوّعون زخارفهم

الحياة قبل الموت

– إنّها على الأرض

علّمني كيف أنظمّ إلى العاصفة

عندما تهبّ

كي تعيد بعث الجسد

علّمني أن أقول نعم

للاضطرابات

للآلام

للحياة.

3

لأننا نعرف جيّدا حدودنا

نخاف كثيرا من المجهول

نزرع الجنون على قارعة أحلامنا

الحصاد يكون بأيدي عزّل

بأقدامنا نحرث الأرض المخضّبة بالصّمت

وبقلوبنا نقلب تراب الأرض

الحجر صلب

ونحن أصلب

من تلك الرّواسب

الّتي وضعوها في طريقنا

هذه الأرض آية لله

نُترجمها وفق معرفتنا

الأرض مفتوحة للبؤساء

فلتكن لهم حفنة هواء منعش

لقمة خبز

قدح دم

الإنسان سيكون أخيرا في الإنسان

لن ينشد الحكمة

ستولد من عرقه.

صلوات إلى لومومبا

 1

يَسْعَى بَعْضُ الرّجال إلى مَجْدٍ ما، والبعض الآخر يمتلكه، لكنّهم لا يدركون ذلك

مجدي من أرض المغاربة حيثُ الشّمسُ الّتي تُتَوّجُ السّماء تُعطّرُ إخواني الزُّنُوجَ بالعرق والدّم

الحرّ يُثْقِلُ كاهل الأجساد العارية والأرواح الملعونة، هذا عقابي لأنّي وُلدتُ في هذا البلد حيث يُعتبرُ المجد إثما

تحت وطأة أرض عطشى، أُفَكّرُ في زراعة مجد أَرْوِيهِ بماء مأخوذ من عوالم القدماء ومن نرجسيّتهم الّتي ترعرعت في داخلي على مدى عدّة مواسم، منذُ يَوْمِ تَمَزُّقِ السُّرَّةِ

في ذلك اليوم وُلِدَ طِفْلٌ من جمر، رجلٌ من اللّبد الصرّار وهو يُحِبُّ أن يترك بصماته أينما ذهب

كُنْتُ أنا، ذلك المخلوق البغيض، ذلك الرّجل الّذي كان يُرْمَى أَحْيَانًا على الأسفلت والطّرق

وَوُلِدَ مَجْدِي في ذلك اليوم

ثم جاءت القصيدة لإثارة عطش الزّنجي فيّا

كان العالم مغطىّ بأرواح ممسوسة وأجساد فاسدة وأراضي مُغْتَصَبَةٍ ونساء عواقر

لم يظهر في الأفق سوى شبحٌ بعيد، كان وجه لومومبا

كانت اللوحة جاهزة لتشهد على عربدة الضّباع.

2

مغاربيّ أنا

أُحَاوِلُ كسر قيودي

أُحَاوِلُ إعادة زرع الأمل في أرضي

مغاربيّ أنا

أرفو ملابسي الممزّقة

أُعَزِّي مجاري المياه الهادئة والشّجاعة

مغاربيّ أنا

إنسانٌ يتعلّمُ الحياة

تمتدّ جذوري إلى عيون الأمازيغيّة

لديّ ثقافة مستمدّة من حماسة الغجر والإنكا

أحملُ في داخلي الشّغف الملحميّ لأرواح الأجداد

مغاربيّ أنا

تَغْرُبُ الشّمس في أعماق صدري

مغاربيّ أنا

مجدي هو أن آوي النّور بعد كل غروب للشّمس.

3

بِحُرِيَّةٍ يَتَدَفَّقُ دمي للوصول إلى الأنهار المتحالفة

غثياني طبل تام تام مع دقّات خافتة

عَبَرَ غيظي وصرخاتي الغابة

خَالَفَ صوتي هدوء الأجداد

جاب صوتي في السافانا المحاصرة لإيقاظ الأسود النّائمة:

لومومبا! لومومبا! صاحت الغابة لومومبا!

لومومبا! كلّ أفريقيا أنشدت

لومومبا! لومومبا! أراضينا متعطّشة لدمائكم الضّائعة

يا أفريقيا! فلتتطهّر أرضك بفضل رماد الأسد المبجّل!

(2000- 2002)

أنوار

قصيدتي شجرةٌ

شَجَرةٌ تُزْهِرُ

دون جذع أو جذور

في أغصانها

تتعرّض القلوب

لغثيان الزمن

فات وقت القول

فات وقت الكلام المعدوم الصّدى

ما الّذي يتقشّرُ

القصيدة على الرقّ

الّذي يغار منه الزّمن

أو الكلمة المحظورة

الّتي تَدْخُلُ السّرّيّة

أم أنّها الابتسامة

الّتي تَذْبُلُ

عندما تُوضَعُ

عِصَابَةٌ على عيوننا؟

1

أَمُرُّ

الضّبابُ يسبقني في الحلم

يَعْلَمُ أنّني أُمْسَحُ البُخارَ عن النّوافذ

لكي تولد نبوّة من الفراغ

أَحْمِلُ قلبي على أَطْرُفِ أصابعي

أخشى عليه من أن يتعفّن في أحشائي

أُريدُ أن تُنْصِفَ دَقَّاتُهُ

الأَحْيَاءَ.

2

تَكَلّمْ

تَعَلَّمْ كَسْرَ الصّمت

قُلْ أنّك تكره يوم الإثنين

أكاذيبه

انطلاقاته الزائفة ووعوده

خُبْثَ الوقت

قُلْ أنّك تَرْفُضُ فتح عينيك

تَرْفُضُ أن يَغْمِرَ الضّوءُ نومك

لسرقة أحلامك

دع صوتك يقول

أكاذيب النّور

رَفْضُكَ خَلاَصُكَ.

3

سَرَابُ اليد الّتي تمتدّ نحو العشق

تنفتح القبضة

واثقة في الشّباب

ولكنّ العطش يَلْفَحُ الشّفتين

والنّظرة تضيع على الطّرقات

سَرَابُ اليد الّتي تمتدّ نحو العشق

النّور الرماديّ يَعْبُرُ اللّيل

يخترق الشُّحُوبَ قوّة اليد

الواثقة في الشّباب.

4

يَتَقَدَّمُ الظلُّ

يُذيبُ في طريقه وُضوحَ

الذّاكرة الحقيقة المتوهّجة

مَشِيتُ وسط السّديم

لا توجد علامة حياة في اللّيل

ولا حتّى دمعةٌ

شيئا من الوضوح

وحده الفراغ

ضيّقا

بين النّور وتألّقه.

5

نورٌ

امرأةٌ مخلصةٌ لطقوس الأمس

حفيفُ الحبّ

يُدوّي في زفير النّار

يَحْتَرِقُ

حُزْنُ الذّاكرة

الألمُ الّذي نتباهى به

كي نكون بشرا.

6

لَهَبٌ يَسْطَعُ ويَتَشَتَّتُ

في الدّخان

تَعَرَّفْتُ عليكِ:

أَنْتِ الشّمعةُ الّتي تُضيءُ الطّريق

أَنْتِ الجَمْرَةُ الّتي لا تموت.

هنا والآن

لوحة: محمد بدر حمدان
لوحة: محمد بدر حمدان

هُنَا الطّقسُ رماديّ

الآن النُّورُ حقيقيٌّ

لماذا الخُرُوجُ؟

الكهفُ يُوَفّرُ كامل حُبِّ

العَدَمِ

الثَّوْرَةُ ليست سوى دمارًا

والأملُ خرابٌ

لماذا الخُرُوجُ؟

اللذّةُ في اللّون الرّماديّ:

وَحْدَهُ المَجْنُونُ يُسَيْطِرُ على الوقت

ويَخْرُجُ من الحلبة.

مقاومة في حضرة زهرة

“إن لم يَنْتُجْ عنها بروزُ زهرة داخليّة لا تَدِينُ لها بشيء، فسوف نُسَمِّيها غَبَاءً.”

جورج بيرّوس

حَمِيمِيَّا مَعَ بِلَجَّةٍ وضَجَّةٍ − صَدْعٌ

أو انشقاقٌ − عندما اللّغةُ – تلك الّتي تَتَكَلّمُ

تَشْرَعُ في الحبّ − عيد العَنْصَرة

كُلُّ واحدٍ يتحدّثُ لُغَتَهُ الخاصّة – وهي غير مفهومة

في الحبّ خاصّة وَجْهُ كمن يستحقُّ الشّنقَ

حياة قصيرة – حياة قصيرة – حياة قصيرة – حياة قصيرة

مِنْ حَيْثُ لا أَعْرِفُ أو من مكان ما على الأرجح

الإيمانُ قُدُمًا – أو لنقل مولود من جديد؟ – إذن مولود وحسب

كما لو أنّ بالإمكان قطع اللّيل

لا شيء يُنْبِأُ بذلك بين الحبيب والمحبوب

ضوءٌ ثابتٌ للجسد والرّوح

وقد صُرّفا في الزّمن الكامل للماضي الأتمّ

– في الفَمِ لِسَانٌ كسمكٍ في الماء

الآن أَلْمَحُ صَوْتَكِ − فُقَاعَةُ ماذا؟

– فقاعةُ صَمْتٍ عندما يحتضرُ المسكوت عنه

من صمتٍ يحتضرُ أَمَلُ لماذا المحض

أَزَهْرَةٌ أَنْتِ أم فِعْلُ إيمانٍ؟ − هل علينا المرور؟

– تحت شوكات العار؟ − حَيَاةٌ قَصِيرَةٌ أَمَلٌ طويلٌ؟

(2008)

(تحدّث)

رُبَّمَا شَيْءٌ ما يدعو إلى الدّهشة

أَيْنَ؟ مَتَى ذَلِكَ؟

ارتجافٌ مثل صَوْتٍ يَتَحَدَّثُ عندما من خلال فَرْقَعَةِ

لسانٍ ضدّ الحَنَكِ

فَهْمُ هذا من بين أمور أخرى

: بَرَاِفيتُودْ/ صجاعة [1]

رُبَّمَا شَيْءٌ ما يدعو إلى الدّهشة

أَيْنَ؟ مَتَى ذَلِكَ؟

فَرْضُ الصَّمْتِ إذن أو الاستسلامِ إليه

انقباضُ المحدود

يتحدّثون بلا سبب

جنون − لغةٌ للاستخدام في القصور.

(تحدّث كذلك)

ستشتكي الأشواك منكم إلى الجروح

تقول الأشواك: واحدة تلو الأخرى

فرزتمونا واحدة تلو الأخرى

فصلتمونا عن أّمّنا الصبّارة واحدة تلو الأخرى

شحذتمونا بسكاكين جيبكم

واحدة تلو الأخرى لطّختمونا بلعابكم

السمّ واحدة تلو الأخرى زرعتمونا في الرّيح

واحدة تلو الأخرى سمّيتمونا جروحا واحدة

تلو الأخرى لقّبتمونا حُثَالَةً[2].

(2007 – 2010)

LA BALLADE DE CHARLIE

أُرْقُوصَةُ شَارْلِي

Ici Paris avant-hier toujours New York

هنا باريس أمس الأوّل ودائمًا نيويورك

Hier Tunis demain où ça sait-on jamais

بالأمس تونس وغدًا أين لن نعرف

Au bord de quel fleuve lac océan rivière

على حافة أيّ نهرٍ بحيرةٍ محيط ٍجدول

Les assassins viendront à bout portant buter

سوف يرسون وعن كثبٍ يستهدفون

Frapper tirer tuer la vie annihiler

ويضربون ويطلقون النّار لمحق الحياة

Ici Paris encore et toujours oui Paris

هنا باريس مرّة أخرى ودوما نعم باريس

Rue Appert dans les locaux de Charlie Hebdo

شارع أبّير في مقرّ جريدة شارلي ايبدو

Les messagers sont entrés sans porte frapper

أعوان الرّسالة دلفوا دون طرقة باب

La porte ils l’ont forcée dans leur malle des lettres

والباب زجّوا به عنوةً في سيّارة نقل البريد

À cran d’arrêt de désamour arrêt de mort

وبمدية إيقاف كراهيّة وقف الموت

Je suis Charlie partout à New York à Tunis

أنا تشارلي في كلّ مكان في نيويورك في تونس

À Paris à Ramallah à Jérusalem

في باريس في رام الله في القدس

Là où Marianne Meriem et Maria pleurent

حيث مريان مريم وماريا يسفحن

À chaudes larmes ce que des dessins à l’encre

دُموعًا من جمر على رسوم من حبر

Ont produit sang versé vies libertés spoliées

أثمرت دماء مسكوبة وحيوات وحرّيات منهوبة.

Tunis، le 13 janvier 2015

تونس في 13 جانفي 2015

Traduit du français par Moncef Mezghanni

الترجمة عن الفرنسيّة للشّاعر منصف المزغنّي.

حاشية

كان كتاب “تونسة” تحت الطّبع عندما تُوُفِّيَ منير المزوغي، أحد الّذين أهديته إليهم، مساء يوم الإثنين 7 سبتمبر 2015. فبهذا القصيد أَرَدْتُ أن أضرب عصفورين بحجر واحد: تخليد شهداء الثّورة التّونسيّة وتكريم أولئك الّذين يعانون من المرض ومع ذلك يُقاومون باسمين. كُنْتُ واثقا أنّ منير المصاب بالسّرطان سَيُحِبُّ قصيد “تونسة”، إذ كان خلال دراستنا في دار المعلّمين العليا بتونس يُتَرْجِمُ بكلّ حبّ وطواعيّة قصائدي الفرنسيّة إلى اللّغة العربيّة. كان منير يعتبر الشّعر مصدرا للأمل، أو ربّما الأمل نفسه. وليس هذا بالأمر السّهل، خاصّة هذه الأيام. خلال ليلة حداد، كتبتُ هذه المرثيّة الّتي أبدى النّاشر الفرنسيّ (فيديروب) رغبته في إضافتها إلى هذا الكتاب حيث الحياة والشّعر تتشابكان لتكريس ما كنّا نسمّيه بالحياة الحقيقيّة… باسم هذا الكائن النّادر والخالد في عينيّ المتواضعتين والفانيتين المرحوم منير المزوغي، أشكره جزيل الشكر. أمّا اليوم، بعد مرور أكثر من خمس سنوات على رحيل منير، لا يسعني إلاّ أن أعيش ذلك الحداد من جديد خاصّة وأنّ المرحوم كان حتما سيقرأ ترجمتي أو بالتّحديد إعادة كتابة نفسي بلغة الضّاد.

مَرْثِيَّةُ مُنِيرْ

لا يَرْحَلُ أبدا ذلك الّذي حياته كانت

قصيرة مثل ابتسامة وَلِيدٍ مَيْتٍ

مُنيرةٌ            مُفَارِقَةٌ           قَاتِلَةٌ

كمثل مساء في سبتمبر حَيْثُ الحَيَاةُ

نالت من أفضل ما فيها

الحياةُ الحقيقيّةُ

الآن الموت وفير ونحن حفنة من الحبوب

الّتي تُحِيطُ بها الزُّوّان

كُنْتَ ذلك الذّهب

الّذي اشتغل عليه شاعر جاهليّ

بين السّماء والصّحراء بين الجنون والحياة

بين النبوءات الكاذبة والشّعر الصّحيح

إنّ من يمشي ويشربُ ويأكلُ

ويتكلّمُ ويُعاني وينهضُ ويَحْلُمُ وينامُ ويَضْحَكُ

ويُحِبُّ ويَجْعَلُ الآخرين يُحبّونَ ويتخلّون عن الكراهيّة

هو وحده الأركان الألف للدّين

نعم الدّين الّذي يضعُ الإنسان في مركز العالم.

الحمّامات، ليلة 8-9 سبتمبر 2015

  • هذه القصائد

ليست قصائد هذا الكتاب ترجمة لقصائد كتاب آخر. ربّما يحمل الكتابان نفس العنوان ونفس اسم المؤلّف أو بالأحرى الشّاعر. في الحقيقة، بما أنّ صاحب “تونسة” فرنسيّ اللّغة عربيّ الهوى، فلقد آثر أن يترك لغيره سعادة ترجمة كتابه. فكان هذا العمل في لغة الضّاد حبّا لعنترة وامرئ القيس ومحمود درويش والمختار اللّغماني وأمل دنقل ومنصف المزغنّي ومحمّد الصغيّر أولاد أحمد وأدونيس ونوري الجرّاح، بإلهام فرنسي محض، أي بتركيب يجعل من القصيدة الواحدة كتابا شعريّا كاملا ومن الكلمة ملحمة للدّفاع فالهجوم على أعداء الوطن والحبّ والحياة. هنا تونس المرأة، فهي راضية الأمّ، وسلمى الزّوجة والحبيبة، وإيمان الأخت والصّديقة، وألمى البنت والمستقبل. لكنّها كذلك تونس الثّورة الحقيقيّة من نساء ورجال كادحين ينظرون نحو “عالم أرحب”.

ولقد سمحتُ لنفسي بصياغة كلمة “بوليم”  (polème) وجمعها “بوليمات” لأقول أنّ القصيدة (poème) في نظري هي ذاتها سياسة (politique) وحرب فكرية (polémique). فبالنّسبة إلى العديد من أصدقائي الشّعراء والمفكّرين والكتّاب، الشّعر – شأنه شأن أيّ خطاب – سياسيّ بالأساس. ويتجلّى هذا القول في علاقتنا بالكلمات التي لا يمكن استعمالها دون عقاب، خاصّة عندما يفاجئ التاريخ الزّاحف الشّعراء ليريهم أنّهم لم يكونوا المواطنين الّذين كان عليهم أن يكونوا أو ذوي الرّؤى النيّرة كما يُقال عنهم وكما ينبغي عليهم أن يكونوا. تطمح “تونسة” إلى تجاوز كلّ هذا لأنّ التّجربة السّياسيّة والثّورية التّونسيّة هي الوحيدة الناجحة في خضمّ ما سُمّي بـ”الرّبيع العربي”. فَلْتُصَاحِبْهَا إذن هذه “البوليمات” ولتتغنّى بها علّها تَصِيرُ نشيدا لها…

في النّهاية، شكرا لمن ساعدني على امتحان كتابتي بالعربيّة، فالشّاعر شاعر لا محالة بقطع النّظر عن اللّغة، فاللّغة حقيقة وإن كره الكاذبون من تجّار الدّين وصنّاع القرار الزّائفين. تحيّة منّي إلى الرّفيقة والزّميلة مريم دزيري الّتي تابعت ولادة “تونسة”، لكن هذا الكتاب كتابها كما هو كتاب تونس الثّورة والمستقبل.

الحمّامات، تونس، في 29 يناير/كانون الأوّل 2021.

إشارتان:

 [1] برافيتود” خطأ لغوي فادح نطقت به المترشّحة للانتخابات الرّئاسيّة الفرنسيّة سنة 2007 سيغولين روايال، وهو يكشف عن ثقافة اللامبالاة والجهل الّتي يتّسم بها أغلب السّياسيّين.

[2] لفتة نظر لخطابات نيكولا ساركوزي عن أبناء الجالية العربيّة والأفريقيّة في ضواحي المد الفرنسيّة المشتعلة خلال خريف – شتاء 2005، وخاصّة استعماله كلمة racailles أي حثالة.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.