ثلاث قصائد
في دمشق
في دمشق
أنتظرُ أحداً لكي يعرّفني عليَّ.
في دمشق
بلا سببٍ واضحٍ، تخرجُ وردةٌ من شقٍ في جدار.
في دمشق
دمٌ ينزفُ وصاياه كالغيم، ريحٌ تنحتُ الأفق، لتفتح نوافذ للصهيل.
في دمشق
يمشي القتيلُ في جنازته، يتخبطُ الطيرُ في جناحيه
يغرقُ الماءُ و يعطشُ الضوءُ حنيناً
للمستحيل.
في دمشق
أبحث عن ظلي، فأجده في دمعة عاشقةٍ مسرعة.
في دمشق
أرثي نفسي وأرثي أصدقائي الذين هاجروا منها
ليبحثوا عنها، في مدنٍ أخرى.
كيف يعيش الحب في هذه المدينة؟
إنه مثلنا يشعر باليتم، ويبحث عن سكنٍ للإيجار.
في دمشق
تنقذني من الموت الحاسة السادسة
في دمشق
أحياناً أخجلُ أني مازلتُ حياً.
في الأفق
-1-
في الأفق، أقصد ما تبقى منه
في هذا المدى المسيّج بالخوف والرصاص
يعبرُ القتيلُ في منام القاتل، بتؤدةٍ وصمت
تسقطُ الأحلامُ والكلماتُ، دونما أثرٍ للغبار والضحايا.
-2-
في الأفق، في هذا الفضاء المطرّز بعزلة الكون
يرحلُ الضوءُ من جهةٍ إلى جهةٍ، بلا معنى أو هدف
لم يعد أحدٌ يبكي أحدا، متنا جميعاً ونحن ننتظرُ الله أو أحد أنبيائه
أن يخصّنا بوحيٍ منتظر، أو
أن يرسل لنا طيوراً لكي تنقذنا من اليباس و العطش.
-3-
في الأفق أقصد ما تبقى منه
لم يعد ذلك الخواء الفارغ الممتلئ
تمريناً يومياً لأشياء الحواس
لم يعد طقساً للتأمل الحر
ومرآةً نرى فيه هشاشة الحياة
وفكرة عبورنا الزائل، لم يعد كل ذلك
الأفقُ الآن، أصبح مكتباً يديرُ من خلاله الموت
أعماله الحربية.
-4-
تأتي الرصاصةُ من كل الجهات
وتموتُ وردةٌ نبتت على السياج، وفراشةٌ كانت تغني للربيع
تنهارُ سماءٌ، أو تتحطمُ شمسٌ، وتموتُ
عائلةٌ من الزهر اجتمعت على تقشف زادها.
-5-
لم يعد الموتُ شخصاً مهذباً، يطرقُ الباب، صار يدخلُ علينا من السقف أو النافذة
أو يصطادنا أحياناً، و نحنُ نخبزُ لأيامنا، آمالنا الشاحبة
من شدةِ ما أصبح الكلامُ مريضاً، وتصحرت أيامنا.
-6-
في الأفق، في هذا المدى المصاب بعمى الألوان، فقدنا نعمة البصر
وسرنا كالعميان، في جنازة الوردة.
كما لو أني أموت غداً
كما لو أني أموت غداً
أستعدُ لملاقاة حتفي
أغرزُ أظافري بأقرب سماءٍ توشك على السقوط
لكي يكون الهباءُ مدوياً
عكس حياتي يسير هذا الموت
عكس حياتي البسيطة الهادئة
لولا مرور هذا الزلزال في مجرى تنفسي
إذاً لا بد من صخبٍ
يليق بهذا المشهد الصامت
لا بد من أن أوثّق سيرة تلك المصادفة التي قتلتني وقتلت غيري
لا بد أن ألتقط صورةً تذكاريةً لك أيها الموت
لا بد أن أرتدي أكثر القصائد أناقةً لأخرج في موعدي الأخير معك
لا بد أن أموت وأنا بكامل انتصاري
كما لو أني أموت غداً
أو اليوم أو بعد ثانيةٍ واحدةٍ
لا بد أن أكون وفياً لكِ أيتها الأرض التي احتضنت خطاي
وألاّ أفقد أخلاق الجاذبية
لعلي أجد حفنة تراب وأصير كما كنت أحلم دائماً
شجرةً عالية
لعلي أترك شمعةً لمن سيأتون بعدي
ويلعنون الظلام
لعلي أجد من يعتني بالورد والقصائد
في غيابي
ويشكر السماء على نعمة المطر
لعلي أجد من سيغفر للطائر جناحيه
وللعشب شغفه الأخضر
لعلي أنام وأنا مطمئن القلب
بأن ثمة من سيواصل أحلامه
ويذهب لزيارة البحر
لعل هذه البلاد، إذا كان لا بد من أن أنزف دمي
على معراج ضوئها
أن تصبح ملاذاً لكل فراشات الكون
وألاّ تسجن الخيول بعد اليوم
كما لو أني أموت غداً
أعمل ليومي
وغدي
وأرمي هذه القصيدة.