جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة

الفائزون يتحدثون
الجمعة 2019/03/01
غرافيك "الجديد"

أقام “المركز العربي للأدب الجغرافي-ارتياد الآفاق” حفلا لتتويج الفائزين بجائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة، خلال فبراير الماضي، في فضاء المعرض الدولي للنشر والكتاب بمدينة الدار البيضاء. الحفل الذي احتضنته القاعة الكبرى للمعرض “قاعة المتوسط” شهد حضور وزير الثقافة والاتصال السيد محمد الأعرج، وأعضاء لجنة تحكيم الجائزة، وانتهى بإطلاق مشروعين جديدين في أدب الرحلة، بشراكة مع وزارة الثقافة والاتصال في المغرب، يتمثل الأول في تنظيم ندوة دولية عن ابن بطوطة، ويتعلق الثاني بإيفاد ستة باحثين عرب إلى الهند لتدوين رحلاتهم “على خطى ابن بطوطة في الهند”، كما هو عنوان هذا المشروع الرحلي الجديد.

شهد المعرض الدولي للنشر والكتاب بمدينة الدار البيضاء حفل تسليم جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة في دورتها السابعة عشرة، وهو الحفل الذي أقامه المركز العربي للأدب الجغرافي بشراكة مع وزارة الثقافة والاتصال، وبحضور المتوجين بالجائزة، في مختلف فروعها، إلى جانب المئات من الباحثين والمهتمين العرب والأجانب، من الذين شدوا الرحال إلى معرض البيضاء. “الجديد” التقت الفائزين بجوائز ابن بطوطة لهذه السنة، واستطلعت آراءهم حول الجائزة، ورحلتهم مع أعمالهم المتوجة.

من قال إنه عصر انحطاط؟

بالنسبة إلى الباحث الفلسطيني هيثم السرحان، فلا وجود لما ظل يسمى “عصر انحطاط” في تاريخنا العربي. والحال أن هنالك نصوصا شاهدة على نبوغ الكتاب والرحالة العرب في تلك الفترات. هذا ما انتهى إليه السرحان، وهو يدرس ويحقق رحلة “نشوة الشمول في السفر إلى إسلامبول” لشهاب الدين الألوسي، المتوجة بالجائزة في فرع الرحلات المحققة. عن تجربته مع تحقيق هذه الرحلة، يؤكد الباحث في لقاء مع “الجديد” أن “رحلة أبي الثناء شهاب الدين السيد محمود الألوسي تمتلك إمكانيات نصية وأخرى تخييلية وثقافية وأنثروبولوجية متعددة. ففي المستوى النصي تمثل الرحلة بنيانا لغويا ساحرا لامتلاك ذاكرة السرد العربي الكلاسيكي. وأما التخييلي فيتمثل في استكشاف العوالم والأمكنة ولقاءات الشخصيات ورجالات الدولة العثمانية”. بينما تتصل الأبعاد الثقافية فتتصل بالمعارف والمسائل العلمية التي نوقشت وبحثت في أثناء الرحلة. وأما البعد الأنثروبولوجي فيتجلى، حسب محقق الرحلة، “في كشف العوالم العقائدية والإثنية في الاستطلاع الرحلي. بينما يتمثل البعد الثقافي في ذاكرة النص السياسية والمعرفية، وفي الخبرات المتصلة بمواقف المثقف العربي من الدولة العثمانية والخلافة الإسلامية”.

وفي صنف الترجمة، آلت الجائزة إلى المترجم السوري كاميران حوج، عن ترجمة كتاب “فاس: الطواف سبعا” لشتيفان فايدنر. وتبعا للمترجم، فهذا الكتاب هو “رحلة ثقافية في أرجاء المغرب. وهو رحلة مستعرب ضمن وفد من مثقفين أوربيين تدعوهم إحدى اللجان الكثيرة، التي تنظم لقاءات شرقية -غربية، تحديدا بعد أحداث 11 سبتمبر في نيورورك. هنا حيث طرأت نزعة شديدة لاتهام عموم العالم الإسلامي بالإرهاب، ما دعا المثير من المثقفين المسلمين، عموما، إلى الدفاع عن النفس كرد فعل”. وفي الرحلة الفاسية هذه “نعثر على قطبي هذا الصراع، بعبارة المترجم، حيث يتمثل القطب الأول في العالم الغربي الذي يسعى إلى “دحض كل ما قدمته الحضارة الإسلامية على تنوعها، وتحديدا الأندلسية المغاربية، في مواجهة ذلك الشاعر المغاربي المثقف الذي يلقي على أسماع زواره محاضرات غنية عن أجداده”.

إلا أن الرحلة لا تتوقف عند هذا، فهي “تبرز جمال المكان والإنسان، علاوة على عذاباته، وهو يجد في كل تفصيل لحظة فجاءة تصدم الغريب بعنفوانها: الإنسان المشغول في مدبغة، والمجذوب في الله، والدار المهملة رغم غناها الفني، والحديقة الغنية بتلاميذ يبدو أنهم خاسرون سلفا، والماخور الذي يعبر عن انهيار الفرد، وكذلك الجامع الذي يسمو بالمريد إلى مقامات الروح العالية، كما عرفها ابن عربي مثلا”.

هكذا، يعرض علينا صاحب هذه الرحلة “كل التناقضات الممكنة بين عالمين، كي يدلنا على سوء الأحكام المسبقة، ويدعو من ناحية أخرى إلى إلغاء النظرة الفوقية، كما عرفها جيل سابق من المستشرقين، كما يدعو الشرقيين أيضا إلى الكف عن النظرة الدونية إلى الذات”.  لهذا، سنجد الشاعر المغربي في هذه الرحلة “يرفض الكتابة بالفرنسية، وينتقد من يكتب بها، رغم أنه يلقي محاضراته على زواره بالفرنسية التي يتكلمها كأي باريسي”. ومن هنا، تجاوزت هذه الرحلة المعاصرة نظرة المستشرقين الكلاسيكيين، أولئك الذين اخترعوا مقولة “عصر الانحطاط”، وجمدوا فيها تاريخ العرب منذ قرون.

رحلة في الزنزانة

ابن بطوطة

في مقابل الرحلة الواقعية، وكذا الخيالية، قد تجري الرحلة في مكان واحد لا تبرحه، ونعني هنا اليوميات التي كتبت في الزنازن الانفرادية، أو ما يمكن أن نسميها “رحلة سجنية”. وقد فاز بجائزة الترجمة لهذه السنة الباحث عائض محمد آل ربيع عن ترجمة كتاب “وراء الشمس: يوميات كاتب أهوازي في زنازين إيران السرية”، للكاتب يوسف عزيزي.

عن تتويجه بالجائزة، يؤكد لنا الباحث أن مثل هذه الجوائز التقديرية إنما هي “مبادرة نبيلة من المركز العربي للأدب الجغرافي يشرف عليها نخبة من المثقفين العرب لدعم حقل مهم من حقول العلم والمعرفة الإنسانية في عصر العولمة وهو أدب الرحلات، سواء كان بالتأليف أو الترجمة، وتحرص على انتقاء نفائس الآداب العالمية وتقديمها للقارئ العربي”. ويذهب محدثنا إلى أن هذه الجائزة تبقى “من أقدم الجوائز العربية وأكثرها استقلالية، كما تحمل اسما له قيمته الدلالية الهامة عالميا، وهو الرحالة المغربي الشهير ابن بطوطة”. وعن الكتاب موضوع الترجمة، يرى عائض محمد آل ربيع أن هذا العمل يتضمن “المذكرات اليومية للأديب والمناضل العربي الأهوازي يوسف عزيزي، حيث يصور لنا يومياته في أحد السجون السرية في إيران، وقد دون فيها، بشكل دقيق، كل ملاحظاته ومشاهداته والوقائع والأحداث بأسلوب سردي شيق جسد فيها معاناة الشعب العربي الأهوازي وما يلاقيه من ظلم”. أما الكاتب الأهوازي يوسف عزيزي، والذي حضر إلى معرض البيضاء، فيحدثنا في “الجديد” عن الدوافع التي حملته على كتابة يومياته السجنية، والتي بدأت فور خروجه من السجن، لأنه كان محروما من كل شروط وأدوات الكتابة داخل زنزانته الانفرادية القاسية. “وبعد إطلاق سراحي من السجن السري في الأهواز، أثارت مشاعري هذه الفترات المؤلمة التي عشتها في السجن، كما شجعني العديد من الزملاء والصحافيين على تدوين هذه التجربة. وهو ما أدى إلى كتابة هذه الذكريات”. وفي مقابل ذلك الألم الذي قاوم جزءا منه عبر الكتابة عنه، يعبر يوسف عزيزي عن مدى سعادته، “حين سمعت باحثا بقيمة الدكتور عبد الرحمن بسيسو يقول في حفل تسليم الجائزة إن كتابي قد رفد الأدب العربي بنص مهم. وهي جملة ستبقى راسخة في ذهني إلى الأبد”.

وفي صنف اليوميات، آلت الجائزة للكاتب خيري الذهبي عن كتابه “من دمشق إلى حيفا: 300 يوم في الأسر الإسرائيلي”. الروائي السوري خيري الذهبي يروي لنا، في “الجديد”، حكايته مع هذه اليوميات. فبعد معاناة شديدة في حلب كطالب يتم إعداده للعمل في الخدمة العسكرية، سيعيش خيري ما يسميه “الوجه القاسي السوري”. ولحسن الحظ أن قدم المسؤول عن ضباط الأمم المتحدة إلى سوريا لاختيار عدد الطلاب الذين سيشغلون مناصب ضباط ارتباط مع القوات الأممية. فوقع الاختيار، يومها، على خيري الذهبي ليكون أحد هؤلاء. وهكذا، فقد “التحقت بالجبة السورية مع الجولان المحتل من قبل إسرائيل، وكان ذلك في سنة 1972. فرأيت للمرة الأولى الطبيعة العذراء في وادي الرقاد الكبير، وكان هذا من حسن حظ الحيوانات البرية من نمور وضباع ودببة…”. قضى صاحبنا في الخدمة العسكرية ما يقارب السنتين حين اندلعت الحرب بين سوريا وإسرائيل. حينها “أهملنا الجانب السوري”، يقول خيري الذهبي، “غلى أن جاء الإسرائليون. ولكنني رفضت الانسحاب، وكان أن قدمت دورية إسرائيلية،  فتخلى عني ضباط الأمم المتحدة أيضا، لتبدأ التجربة الفظيعة التي كتبت عنها في هذا الكتاب. حيث قضيت 300 يوم في التعذيب، ظلما وعدوانا، لأنهم قاموا باعتقال شخص محايد وليس بمقاتل. وقد اتهموني بالعمل جاسوسا للدولة السورية ضد الأمم المتحدة وإسرائيل”. ويواصل الكاتب حكاية تجربته في السجون الإسرائيلية، وكيف عانى في هذه السجون القاسية، وكيف كانوا يريدون انتزاع أي اعتراف منه على حد قوله.

كما يحكي الكاتب لـ”الجديد” أنه بعد مرور 300 يوما، ومع انطلاق عملية تبادل الأسرى بين السوريين والإسرائيليين، “تقدم مني رجل من الصليب الأحمر، حين كنا في الطائرة، وطلب أن يجري معي مقابلة حول ما جرى معي في السجن، فقلت له: لكل سرور. لكنني لم أستطع. وهاأنذا بعد 48 عاما، أقوم بهذا في كتاب “300 يوم في السجون الإسرائيلية”.

أثر الرحلة

كتب

وفي صنف اليوميات، دائما، آلت الجائزة، أيضا، للكاتبة خلود شرف، عن كتابها “رحلة العودة إلى الجبل: يوميات في ظلال الحرب”. وبدت الشاعرة السورية متأثرة من وقع الجائزة، خلال لقائها مع “الجديد”، وهي تردد: “كم أشعر بالحرج من نفسي لأني أحصل على جائزة عن يوميات تحمل أمي وآلام أناس يعيشون في ظل حرب أنهكت أرواحهم وملأتها صدمات. لكن أحيانا لا مناص من قول ما نحمل، عسى أن البشرية تتعظ من أخطائنا وآلامنا، فتفكر مرتين قبل حمل سلاح، أو إعلان حرب”. وتؤكد خلود أن هذه اليوميات إنما جاءت “محاولة للتعريف بالآخر، ومدى الاختلاف الذي نعيش به نحن كبشر لكي نلتقي بإنسانيتنا، بصرف النظر عن الدين أو العرق أو اللون، والسياسة، فقط الحب الإنساني ما يجمعنا على عتبة واحدة لننهض ولنساعد بعضنا البعض”.

وفي فرع الرحلة المعاصرة “سندباد الجديد”، كانت الجائزة من نصيب الكاتب المصري مهدي مبارك عن كتابه “مرح الآلهة: 40 يوما في الهند”، ومعه الكاتب عثمان أحمد حسن من السودان وكتابه “أسفار استوائية”، وكذا الكاتب المصري مختار سعد شحاته عن كتاب “في بلاد السمبا: يوميات عربي في البرازيل”. هذا الأخير أكد لنا أن الحياة لا يمكن أن نخطط لها. وهذا هو الدرس الذي أفاده من خوض هذه الرحلة وكتابتها. “لا تخطط أبدا للحياة. هذه هي الجملة التي صارت أعظم ما منحته لي الرحلة إلى البرازيل، إذ على الدوام ستبهرك الحياة، بما تخطط هي لك. وإذا كنت مصرا على أن تخطط فاجعلها خطة مرنة تسمح باستيعاب كل مفارقات الحياة، وما تمنحه من إدهاش لروحك”. وبحسب هذا السندباد الجديد، “فلا مجال للصور الذهنية والمتخيل، فكل ذلك سيفسد جمال الرحلة، وكل ذلك سوف تتلاعب به مسارات مقررات رحلتك ومفاجآتها؟ فقط كن مستعدا”، يختم مختار سعد شحاتة.

وكان راعي الجائزة الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي قد وجه تحية إلى المشاركين في حفل الجائزة، حين أشار إلى أن الأعمال الفائزة في دورة هذه السنة قد “حملت لنا مفاجآت طيبة”. وأن “الجديد الذي يمكن الإشارة إليه هو تلك الوفرة في نصوص الرحلة المكتوبة من قبل أدباء معاصرين سافروا وتجولوا عبر العالم، وآخرين كتبوا يوميات تجوالهم في بلادهم، أو في جوارها القريب، وهو ما يغني خزانة الرحلة المعاصرة”. وأضاف راعي الجائزة أن “ما نقصده ونسعى إلى تعميمه في مشروع “ارتياد الآفاق”، إلى جانب تشجيع الكتابة في أدب الرحلة، هو الانفتاح بأوسع صورة ممكنة على الجغرافيات والثقافات المختلفة، وتطوير الحوار مع الآخر من خلال السفر في عالمه، والتعامل مع صور الاختلاف التي يتكشف عنها هذا العالم. وكذا تقديم صورة عن استعداد الثقافة العربية للتواصل مع الآخر بندية حضارية، دون شعور بالنقص، لكسر جبال الجليد القائمة بين الثقافة العربية وثقافات العالم”. ووجه كلمة السويدي تحية إلى المغرب، التي أسماها “أرض الرحلات وفضاء التواصل مع العالم، الذي نشكره على استضافة هذه الجائزة، كما استضاف، على مر التاريخ، كبار الرحالة عربا وأجانب، مثلما كان منطلقا لأعلام الرحلة المغربية، وفي طليعتهم شمس الدين الطنجي، الذي تحمل هذه الجائزة اسمه وحلمه”.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.