جنس أدبيّ جديد

الأحد 2020/11/01
لوحة: حازم الملاح

 

لا ينجو موسم من مواسم نوبل للآداب من الجدل البيزنطي العقيم والكوميدي والتقليدي والاعتباطي والسقيم، إن لم يكن على القيمة الأدبية للفائز (مغمور، مكرّس، يستحق)، يكون على هويته (بلاده، دينه لون بشرته) أو مواقفه السياسية والأيديولوجية (نموذج بيتر هاندكة العنصري، ونايبول الكاره للإسلام) أو على جنسه الأدبي (شاعر أم روائي وحتى موسيقي، أو أديب أقرب إلى الصحافي، دون أن ننسى موضة الجندرية).

 في كل موسم من مواسم نوبل، مئات الأشخاص (العرب تحديدا)، يدلون بدولهم ومواعظم عن “مؤامرة نوبل”، وانحيازها إلى ثقافة الرجل الأبيض (الأوروبي والأميركي) وكرهها للثقافة العربية، بل يعطون رأيهم المبرم لمن يجب أن تعطى الجائزة، وتظهر معظم ترشيحاتهم قائمة على تكريم المكرم والمكرّس، فكلهم يريدون ميلان كونديرا أو إسماعيل قادريه أو هاروكي موراكامي.

 في الأوساط الشعرية تحديداً، كان الهمس كيف أن نوبل “تهمّش” الشعراء وتنحاز إلى الروائيين، وهذا غير دقيق، وهو آت من كثرة الجوائز العربية التي تعطى إلى الروائيين وندرة التي تمنح إلى الشعراء. فمن الخطأ، الاعتباطية في التصنيف، واختصار الأمور بعبارات أن الشعر “ديوان العرب” (وهي عبارة قديمة قيلت في زمن ما قبل الرواية)، أو أننا نعيش “زمن الرواية” (دون التركيز هل كل رواية سميت رواية يمكن اعتبارها رواية؟!)، ما رأي أصحاب هذه النظريات بثقافة الشذرة؟ (من سيوران ونيتشه إلى الفايسبوك) الأجدى التركيز على النص لا جنسه ولا جنسية صاحبه في زمن تمازج الفنون والأجناس الأدبية وتلاقح الصورة والكلمة والرواية والفلسفة والتشكيل بالشعر أو الصورة مع النص، فبيتر هاندكة (النوبلي) مثلاً يكتب الرواية والشعر والمسرح، وبوب ديلان الموسيقى من الجهل نكران أنه شاعر، بل إنه حين فاز بالجائزة، بدا بالنسبة إليّ أن لجنة نوبل انتبهت إلى التحولات التي بدأت تطرأ على النصوص الأدبية.

 الاعتراض على بوب ديلان كان نوعاً من الشعور بالهزيمة بالنسبة إلى بعض التقليديين، حين أعلن عن فوز الكاتبة والصحافية البيلاروسية سفيتلانا ألكسييفتش بنوبل، قالت السكرتيرة الدائمة الجديدة للأكاديميّة السويديّة سارة دانيوس عن نصها “إنه جنس أدبيّ جديد”. في كتابتها. لم تكن الأجناس الأدبية المتعارف عليها تكفيها. لذا حاولت ابتكار “جنس أدبي جديد” يجمع الفن والوثيقة ضمن قالب مختلف.

فوز لويز غلوك بنوبل للآداب، ليس بالضرورة إشارة إلى أن الشعر بخير أو أن الشعر عاد إلى بريقه، والأمر نفسه ينطبق على الروائيين.. ثمة من فاز بنوبل وبقي مغموراً، وثمة من فاز بها ولأسباب متعددة صار عابرا للقارات، مثل نيرودا في الشعر وماركيز في الرواية.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.