حضرة السيد ظِلّي

الأربعاء 2018/08/01
تخطيط: حسين جمعان

- أنت يا من يدخل القشّ ولا “يُـخربش”، من كذب عليك وأخبرك بأنك ضوء أسود؟ أنت لست أكثر من ظلام. كربون عديم الملامح لصورتي يقلدني ويحاكي مشيتي.

تفاقم الموقف. ارتفع صوتي وارتفع صمته حتى وصفني بالبدين الغبي فضربته. أمسكته من شَعره ولكمت بوجهه الأرض. ثم أخبرته بأنه كومة ظلام لا فائدة لها مثل عظام حوض الحوت والزائدة الدودية، لا وظيفة لها غير تنغيص صاحبها مرَّة في العمر.

 تضخمت الأزمة حتى رغبت في تعذيبه: عرّضته لنوبات تسليط الضوء المباشر. صار يتخبّط كل مرة، يتصبب عرقا ويصرخ بأعلى صمته.

 ارتديت ملابسي الرياضية وأرغمته على ارتداء ظلّ ملابسي الرياضية وأنا أقول:

- ليست الأمور على هواك فأنت ظلي ويجب أن تتبعني ورِجلك فوق رقبتك. ستلعب معي المباراة مثل ظل رَجل طيب، شئت أم أبيت.

 خرجتُ من باب البيت فيما تشبّثَ هو بظلّ الباب. فسحبته بقوّة وجررته من قدميه. كانت أصابعه تحرث الأرض مثل أصابع محمود المليجي في فيلم “الأرض”.

 بدا الأمر أكثر تعقيدا في الملعب. انقلبت موازين السيطرة لمصلحة ظلّي حين اغتنم فرصة وقوفي في الوسط، وأخذ يرقص ويهزّ وسطه بمرونة مضحكة محركا يديه وأصابعه.

اضطررت لمحاكاة الرقصة خشية أن يكتشف زملائي توتر العَلاقة بيننا. ولكم أن تتخيلوا حرج موقفي وأنا أرقص أمام زملاء العمل بمن فيهم مديري الذي استهجن وقاحتي.

 ليس هذا كل شيء فقد تفنّن في ترقيص ظل الكرة لـمّا كان ينبغي تثبيتها وتمريرها إلى أحد الأعضاء، فاضطررت مرةً أخرى لمحاكاة حركاته. ولن أعترف بأنه كان الأكثر براعة!

افتكّ أحدهم الكرة منّي ومررها بين قدميّ بحركة مخزية. وعند انفرادي بحارس المرمى- في فرصة لاحقة- تعمّد ظلّي ركل ظل الكرة خارج ظل المرمى، فاضطررت إلى تضييع فرصة الهدف وسخط عليّ زملائي في الفريق!

 وشوشتُه وقد انتابته هستيريا الضحك:

- أتعتقد أن هذا ما يسمونه خفّة الظلّ؟ ما تفعله الآن عرض رديء لا يدعو إلى الضحك!

 وقبل نهاية المباراة بثوان أُوكلت إليّ مُهمَة تنفيذ ركلة جزاء. سبقت ظلّي راكلا الكرة مباغتا حارس المرمى، فركل ظلّ الكرة في الجانب المعاكس.

 والنتيجة…

أخفقَ حارسُ المرمى في صدّ كُرتي فيما نجح ظلّه في إبعاد ظلّ كُرتي خارج ظلّ المرمى.

 دُهِش الجميع لما حدث بمن فيهم ظِلّ حارس المرمى، وبدت الحَيرة على مُحَيّاهم: أيحتسبون الهدف لوجود الكرة في الشباك أم يعتمدون على وجود ظلّ الكرة خارج ظِلّ الشِباك؟

 تلك اللحظة، وقفتُ مشدوها. ولولا بدانتي لقلت إنني مثل مسمار دُقّ رأسُه على سطح منضدة. فيما استلقى ظلّي على ظهره متشفيا من شدّة الضحك.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.