حوريات يتسترن بأوراق الخشخاش

سبع قصائد مختارة للورنس فرلنغيتي
الاثنين 2021/02/01

ترجمة وتقديم: خلدون الشمعة

يقول الناقد جيوفري مور إن الشعر الأميركي هو في مجمله “شعر حديث بالمعنى التاريخي”. إلا أن الشعر الأميركي في مجمله، أيضاً، شعر معاصر بالمعنى السياسي بقدر ما هو معاصر بالمعنى الجمالي.

ولعل الحركة الأدبية المسماة بـ”الجيل الناشز” Beat) (Generation، والتي بدأت على أيدي لورنس فرلنغيتي (Lawrence Ferlighetti) وألن غنسبيرغ (Allan Ginsberg) وكينيث ركسروث (Kenneth Rexroth) وجاك كيرواك (Jack Kerouac) في بداية الخمسينات، وسمع صوتها بشكل مميز مع نشر ملحمة “عواء” (Howi)، هي من أهم حركات الحداثة في الأدب الأميركي المعاصر. يقول ركسروث الناقد والشاعر الذي كان له فضل التعريف بشعر حركة “الجيل الناشز”، إن “من أهداف الحركة كتابة شعر مختلف كل الاختلاف عن الشعر الذي يدور حول الشعر، عن شعر الصنعة، عن الشعر الذي يكتب ليقرأه الشعراء الآخرون والأساتذة في الجامعات فحسب: الشعر الذي نكتبه هو شعر الشارع. شعر النطق، لا شعر الحرف المطبوع، الشعر المحبول به كرسائل شفوية، الشعر المقروء بصوت عال، وأحيانا على موسيقى. هذا الشعر ذا علاقة بالمجتمع”.

***

وفي النماذج التي أقدمها في هذه المختارات من شعر لورنس فرلنغيتي، والتي اعتمدت فيها أعماله كلها تقريباً، تتجلى هذه الخصائص على نحو بالغ الوضوح.

وقد سبق أن التقيت بالشاعر في لندن عام 1965 بمناسبة مهرجان للشعر الأميركي أقيم هناك، ونشرت مقابلة معه في مجلة “المعرفة” الدمشقية ألحقتها بمقتطفات من بعض أعماله، أستكملها الآن في هذه المختارات التي تغطي جوانب مختلفة من تقنياته الشعرية التي سيطرت على الشعر الأميركي المعاصر، والتي تتميز بسيادة طابع المشافهة، والمعاصرة التي تستمد نسغها من الاحتجاج السياسي، والإيمان باشتراكية فوضوية، وغلبة نبرة البذاءة الاجتماعية الجسورة، والانطلاق في التجربة الشعرية من قيم الصعلكة، والتأفف، والنزعة التدميرية، والسخرية الحادة، والفكاهة السوداء، والتجديف على المعتقدات.

يقول فرلنغيتي في صياغة جديدة للصلاة المسيحية المعروفة:

“أبانا الذي في السموات

أعطنا خبزنا كفاف يومنا

ثلاث مرات في اليوم الواحد على الأقل

واغفر لنا خطايانا

كما نغفر نحن خطايا جميلاتنا

اللواتي نتمنّى أن يمارسن معنا الخطيئة،

ولا تدخلنا في إغراء التجربة مراراً

خلال أيام الأسبوع

ونجنا من الشرّ

الذي يبقى وجوده بلا تفسير

في ملكوتك

ملكوت القوة والمجد

آمين.”

باصرة الشاعر وبصيرته

ععع

 

1

في أعظم مشاهد غويا

يبدو بشر العالم

يراوحون عند اللحظة الأولى

لحظة فازوا بلقب “الإنسانية المعذبة”

يتضورون غضباً حقيقياً

على صفحة “اللوحة”

أكداساً مكدسة تتأوه،

وأطفالاً وحراباً،

تحت سماوات إسمنتية

في منظر تجريدي مصعوق الأشجار:

تماثيل ملوية الأعناق،

وأجنحة وطاويط، ومناقير

مشانق زلقة

جثثاً وديكة كاسرة

رسمها خيال النكبة

حقيقة هي

كأنها موجودة ما تزال

وإنها لموجودة

المنظر وحده يتغير

البشر ما زالوا متأفقين على الطرق

موبوئين بجيوش جرارة،

بطواحين هواء وهمية وديكة مدجّنة

ما يزال البشر أنفسهم

بيد أنهم أنأى عن الوطن

على درب ذات خمسين منحنى

على سطح قارّة من الإسمنت المسلح

مبقعة بقوائم الحساب

مفعمة بأوهام السعادة البلهاء.

***

المشهد يبدي نقالات للجرحى أقل عدداً

ولكن عدد المشوهين أعظم

في سيارات مطلية

ذات أرقام غريبة،

ومحركات سريعة

تنهب أميركا نهباً.

2

ت

مبحرين عبر مضائق ديموس

رأينا طيوراً رمزية

تزعق فوق رؤوسنا

فيما حوّمت نسور

وطافت فيلةٌ على سطح البحر

تعزف على أوتار ماندولينات ملتوية

عزفاً بلا إيقاع

فيما ترتدي الحوريات أوراق الخشخاش

ويأكلن (أنبونبون)

ويركضن عبر الشاطئ

صائحات معولات خلفنا

وفيما ربطنا أنفسنا إلى الصواري

وسددنا آذاننا باللبان

الحمير تحتضر فوق الآكام العالية

والأبقار تحلق بعيداً

منشدة أناشيد أثينية

فيما انقلبت قرونها إلى أزهار توليب

وفوق رؤوسنا حلقت حوامات من “هليوس”

ملقية ببطاقات سفر مجانية بالقطار

من لوس أنجلوس إلى السماء

واعدة بانتخابات حرة

كيما

ننفخ الأشرعة ونبحر ثانية

على متن تلك السفينة الداكنة

وبعد أن نصل إلى الشواطئ الغريبة

لنصف الديمقراطية الأميركية العظيمة!

ينظر كلّ منا إلى الآخر بشيء من الدهشة

صامتين على رأس بحري

في دارين (1).

3

باصرةُ الشاعر تبصر إبصاراً بذيئاً

السفح المحدّب للعالم

بسقوفه الثملة

وعصافيره الخشبية المتدلية من حبال الغسيل

بذكوره

وإناثه الصلصاليات

الملتهبة سيقانهن والمبرعمة نهودهن

في أسرة ذات عجلات

وأشجاره الملأى بالغوامض

وأيكات آحاده وتماثيله البكماء

وأمريكاه

بمدنها الشبحية ومنظرها السوريالي

ذي البراري المجنونة

وسوبرماركت الضواحي

والمقابر المدفأة بالبخار

والكاتدرائيات المحتجة

عالم ضد التقبيل

مصنوع من مقاعد المراحيض البلاستيكية

وسيارات التاكسي

رعاة البقر وعذارى لاس فيغاس

الهنود المنبوذين وربات البيوت

أعضاء مجلس الشيوخ غير الرومان

وشظايا أحلام المهاجرين

الضائعين والمضللين.

4

تتت

في عام سوريالي

من حاملي الإعلانات على ظهورهم

والمستحمين بالشمس

وأزهار عباد الشمس والتلفونات الحية

والسياسيين وزعماء الأحزاب

المصطفين كعادتهم

في حلبات سيركاتهم المصنوعة من نشارة الخشب

حيث البهاليل والقنابل المصنوعة من البشر

أفعم الفضاء بما يشبه الصراخ

حين ضغط مهرج بارد الاعصاب

زراً مصنوعا من فطور لا تؤكل

وسقطت قنبلة غير مسموعة يوم الأحد

قطعت على الرئيس صلواته

صلوات الربيع التاسع عشر

أوه لقد كان الوقت ربيعاً

بأوراق فرائية وأزهار كوباليتية

عندما انهمرت سيارات الكاديلاك

كالمطر من خلل الأشجار

فأغرقت السهول بالجنون

وهبط من كل سحابة صناعية

عشرات آلاف المعتوهين من بقايا ناغازاكي

بلا أجنحة.

5

 

ماذا ستقول

وماذا ستقول لأخيها

وماذا ستقول

للقط الذي ستضعه

وماذا ستقول لأمها

بعد أن اضطجعت ثملة

بين أزهار الأقحوان

على ضفة النهر الحامية

حيث تتدلى نباتات السرخس

عبر أنفاس حبيبها المتقطعة

وجن جنون العصافير

فألقت بنفسها من الأشجار

تحسو السائل المنوي المسفوح على الأرض

والذي مازال ساخناً.

6

اااا

يومذاك في حديقة الغولدن بارك غيت

كان ثمة رجل وامرأة قادمين

عبر المرج الشاسع

الذي كان مرج العالم

كان يضع حمالتي بنطال خضراوين

ويحمل مزماراً بإحدى يديه

وامرأته تحمل باقة من عناقيد العنب

ظلت تقدمها للسناجب

ثم جاء كلاهما عبر المرج الشاسع

الذي كان مرج العالم

ثم

في بقعة ساكنة حيث تحلم الأشجار

وتبدو دائبة الانتظار

جلسا فوق العشب معاً

دون أن ينظر أحدهما إلى الآخر

والتهما البرتقال

دون أن ينظر أحدهما إلى الآخر

ووضعا القشور

في سلة بدا أنهما جلباها لهذا الغرض

دون أن ينظر أحدهما إلى الآخر

ثم

خلع الرجل قميصه الخارجي وقميصه الداخلي

ولكنه أبقى على قبعته

منكسة

ودون أن ينبس بكلمة

غط في سبات تحت القبعة

وجلست امرأته تكتفي برمق

العصافير الطائرة تتنادى

وأخيراً

استلقت المرأة بدورها تنظر إلى لاشيء

وتعبث بالمزمار

الذي لم يعزف عليه أحد.

7

 

يباب موريس غريفز الدامي

ليس يباب الغرب نفسه

الذي أوجده الرجل الأبيض

إنه يباب مرّ به بوذا

قادماً من اتجاه آخر

من الشمال الحقيقي المعتوه

شمال الاستبطان

حيث صقور الباصرة الباطنية

تغوص وتموت

قابسة في سقطة احتضارها

كل ذاكرة الحياة

الواعية للوجود

وبجناح جصّي

تمضي عبر السماء المرصَّصة

ألف صورة للفرار

إنه الليل موطن

تلك الطيور الروحية بأجنحة

بيضاء مدماة

تلك الرفوف من عصافير الزقزاق

النسور الملتحية

العصافير الضريرة تغني

في حقول زجاجية

تلك البجعات المجنونة والإوزات

الغارقة غيبوبة

عصافير حبّوت محاصرة

بوم فاحم

رموز سلاحف تخب

تلك الاسماء الوردية بين الجبال

“عصافير جزار” تسعى إلى العش

يعاسب بيضاء

تتناسل في الهواء

بين أقمار مهلوسة

وطائر مقنَّع يصطاد

في ساقية ذهبية

وكركي يتغذى بصدره

ااا

ثم تلك الطيور البنية البكماء

تحمل الأسماك والبرقيات

بين ساقيتين

هما الساقيتان التوأم

للنسيان

بينما الخيال ينكفئ على نفسه

برؤيا كهربية بيضاء

يكتشف جنونه مجدداً،

جائعاً،

في جزر الهيبريد.

8

لا كدانتي

مكتشفاً كوميدياً

على منحدرات السماء

سأرسم نوعاً آخر

من الفردوس

يكون الناس فيه عراة

كما هم عليه دائماً

في مشاهد كهذه

لأن من المفروض أن يكون الرسم لأرواحهم

ولكن لن يكون ثمة ملائكة قلقون يخبرونهم

كيف تكون السماء

الصورة المثلى لمملكة

ولن تكون ثمة نيران تشتعل

في الثقوب الجحيمية السفلية

حيث يحتمل أنني وضعت قدماً

ولن تكون هناك مذابح (2) في السماء

بل ينابيع للمخيلة

9

 

لا تدع ذاك الجواد

يلتهم تلك الكمنجة

هكذا صاحت أم شاغال الرسام

ولكنه استمر في الرسم،

وغدا شهيراً

واستمر في رسم الجواد

وفي فمه الكمنجة

وعندما انتهى من اللوحة أخيراً،

امتطى الجواد

ومضى بعيداً

ملوحاً بالكمنجة

وبانحناءة خفيفة قدمها

لأوّل عارية مرّ بها.

***

لم تكن ثمة أوتار

مشدودة إلى الكمنجة.

10

اا

جوني نولان لديه رقعة على مؤخرة بنطاله

الصبية يتعقبونه

عبر الشوارع الخلفية

لذكرياتي بأكملها

ثمة رجل ينتحب في مكان ما

على الكمان

وطفل يبكي على عتبة الباب

ويبكي ثانية

مثل

طابة

تقفز

على

الدرج

جوني نولان لديه رقعة على مؤخرة بنطاله

الصبية يتعقبونه.

——————————

بائع الأشياء القديمة (3)

فلنذهبنّ

تعال

فلنذهبنّ

نفرغ جيوبنا

ونختفي

ضاربين عرض الحائط بمواعيدنا

وعائدين بذقون غير حليقة

بعد أعوام

أوراق سجائر قديمة ملتصقة بسراويلنا

وأوراق أشجار تتخلل شعورنا

فلنكفنَّ عن القلق

بشأن دفع الأقساط

وليأخذوا كل ما كنا ندفع لأجل الحصول عليه

وليأخذونا مع كل ما كنا ندفع لأجل الحصول عليه

فلننهضنّ ولنذهبنّ

إلى حيث تبول الكلاب وتتغوط

على الرابية

حيث يحتفظون بالزلازل

خلف مزابل المدينة

فلنختف

في مقبرة من مقابر السيارات

ولنظهر بعد أعوام

نلتقط الملابس الرثة والصحف

ونجفف سراويلنا الداخلية

على نيران القمامة

وعلى مؤخراتنا

ملابس مرقعة

لا تأبهن بتحية الوداع

زوجتك لن تفتقدنا

فلنذهبنّ

بعيون دامعة

نتأمل تأملات زجاجات الخمر الفارغة

ولنتعقبنّ الكلاب في الميناء

ونغن أغاني خشنة

ونقذف بالحجارة

نرف بعيوننا إزاء الشمس ونحك جلودنا

ونتعثر ونسقط في لجة الصمت

ونتعرف إلى العاهرات من الدرجة الثالثة

ونهجع في أكشاك الهاتف

ونتقيأ في محلات الرهان

ونعول من أجل معطف شتائي.

***

بب

فلننهضنّ ولنذهبنّ

إلى المدينة حيث علب القمامة

ونظهر بملابس رثة

كملكين غير متوجين للعالم السفلي

فلنطعمنّ الحمائم

عند دار البلدية

ولنحثنّ الحمائم على أداء واجباتها

في مكتب المحافظ

فلتسرعن رجاء، الوقت حان

أزفت نهاية العالم

سيول مسرعة

كوارث في الشمس

كلاب غير مكبوح جماحها

أخت في الشارع

تضع حمالة الثديين بالمقلوب

فلننهضنّ ولنذهبنّ الآن

إلى الليل الديجوري الباطني

لأيكة الروح الساكنة

ونعثر على أنفسنا من جديد

واشنطن لمّا يسقط عن حصانه بعد

ما زال ثمة وقت لمشاكسته والمضي

تاركين قسائم دفع الضرائب

وساعاتنا المضادة للماء

نترنح ترنح العميان وراء قطط الأزقة

تحت جسر بروكلين

تمثالين محطمين بسروالين فضفاضين

صرخاتنا المعلبة وأصواتنا القمامية تتلاشى

فلنكفنَّ .. ولنذهبنّ

إلى دواخل البلد

حيث اليد العليا لمحلات الرهونات،

ولتكتنفنا فوضوية غير ضريرة

النهاية ها هنا

ولكن لعبة الغولف تمضي في بيرننغ تري.

إنها تمطر مدراراً

العجوز يشخر والطوفان آت

وإن لم يكن طوفان أحلامك

ثمة وقت لك لتغرق

ولتفكر.

أود أن أهبط إلى المجتمع

أن أصبح شبه حر

فلتتأرجحي إلى الأسفل يا عربة الأرجوحة العذبة

فلنكف عن انتظار سيارات الكاديلاك

لتحملنا كمنتصرين إلى الدواخل

ملوّحين للجماهير

كشيوخ رومان في المقاطعات

نضع أكاليل غار الشعراء على جباه مضواة

ولنكف عن انتظار الكتابة

على الصفحة الأولى من مراجعات الكتب في النيويورك تايمز

صور نجاحات مجنونة.

ما أن تنشر صورتك في مجلة لايف

ببب

حتى تكون قد أمسيت نكرة على أيّ حال

صورة عكسية

مطبوعة على ورق صقيل

ويكونون قد استحوذوا عليك استحواذاً

أصبحت شهيراً ولم تزل غير حرّ

وداعاً أنا ذاهب الآن

اشتم كل شيء

وامنح الراحة للصناعات ذات الإرادة الطيبة

ستغمر الحلكة المكان هناك

حيث تعزف فرقة السالفشن آرمي (4)

ويعزف العقل إشراقاته

وداعاً أنا هارب من المشهد كله

أغلقوا المكان

لقد خسّ النظام برمته

ولم تكن روما كما هي عليه الآن

سامان أنا في انتظار غودو (5)

ذاهب إلى حيث تحرز السلاحف قصب السبق

ذاهب

إلى حيث يتقيأ المخادعون ويحتضرون

في منحدرات العالم الرسمي

أشياء قديمة للبيع

وطني ينتحب منك

فلنذهبن إذن أنا وأنت

تاركين سراويلنا الداخلية معلقة على مصابيح الشارع

ولنبدونّ ملتحين لحية الفوضوي

لنبدونّ مثل والت ويتمان

بقنبلة يدوية الصنع في جيوبنا

أود أن أهبط درجات السلم الاجتماعي

المجتمع العالي مجتمع واطئ

أنا متسلق اجتماعي

يتسلق على الأسفل

والهبوط صعب

المثل الأعلى للطبقة الوسطى العليا يصلح للعصافير

ولكن العصافير لا تصلح له

للعصافير نظامها في التقاط الحَب

القائم على الأغنية البلبلية

أما الحمائم فعلى العشب وا أسفاه

فلننهضنّ ولنذهبنّ الآن

إلى جزيرة مانيسفري

ولنطلقنَّ خنازير السلام

فلنسرعنّ رجاء، الحين حان.

فلننهضنَّ ولنذهبنَّ الآن

إلى دواخل مقهى فوستر

لل

إلى اللقاء يا إميلي بوست

إلى اللقاء يا لويل توماس

وداعا يا برودواي

وداعاً يا هيرالد سكوير

أغلقوا الصنبور

أربكوا النظام

اخسروا الحرب دون قتل أحد

فلتصهل الجياد ولتركض النساء

لقد بدأت للتو النهاية

أريد أن أعلنها

أركضْ ركضاً .. لا تسرْ سيراً

إلى أقرب باب للخروج

الزلزال الحقيقي آت

أكاد أحس بالبناء يتهزهز

لست أطيق ولست أحتمل

أنا ذاهب إلى حيث الحمير تضجع

ومحصلو الضرائب الذين يسمون أنفسهم نقاداً أدبيين

أداتي مغْبَرّةٌ

وجسدي عالق في الفضاء طويلا بحمالات غريبة.

***

تحلل ولننطلقنّ إلى حيث تنهار سيارات السباق

ويبدأ العالم بدايته ثانية

فلتسرعن رجاء آن الأوان

ولنمضينّ على أبدية تائهة

الحقول ملأى بالقبرات في مكان ما

والأرض تضج بهجة في مكان ما

أنت الذي أغنيك يا وطني

فلننهضنّ ولنمضينّ الآن

إلى آيل أوف مانيسفري

ونعيش الحياة البسيطة والحزينة

حياة الحكمة وحياة الدهشة وحياة الانذهال

حيثما تنمو الاشياء كلها صعداً

وتنمو مائلة تغني

في الشمس الصفراء

الخشخاش ينمو من القرون الخضراء

والملائكة من الشوك

فلأنهضنَّ ولأذهبنَّ الآن

إلى آيل أوف مانيسفري

ولأصعدنّ خلف الكلمات المحطمة

وخلف أدغال آركاديا.

*

كلب

الكلب يخبّ في الشارع جهاراً

يبصر بالحقيقة

والأشياء التي يبصرها

أكبر حجما من حجمه

والأشياء التي يبصرها

هي حقيقته ذاتها:

سكارى على الأبواب

أقمار من خلل الأشجار

الكلب يخبّ جهاراً عبر الشارع

والأشياء التي يبصرها

أكبر حجما من حجمه

أسماك مرسومة في جريدة

تمثال في الثقوب

دجاجات معلقة في واجهات محلات تشاينا تاون

ورؤوسها تباع في شارع قريب

الكلب يخبّ في الشارع جهاراً

والأشياء التي يشتمّ رائحتها

راحتها تشبه رائحته

الكلب يخبّ في الشارع جهاراً

يمرّ بالجراء والأطفال

القطط والسيغارات (6)

محلات المضاربات ورجال الشرطة

لا يكره رجال الشرطة

ولكنه – ببساطة – لا يفيدهم بشيء

إنه يمرّ بهم

مخلفاً وراءه الابقار الذبيحة معلقة

في سوق لحوم سان فرانسيسكو

يفضل لحم بقرة طرية

على لحم شرطي قاس

على الرغم من أن كلاً منهما يصلح على أيّ حال

ويمضي مخلفاً مصنع روميو رافيولي

وبرج كويت وعضو الكونغرس دويل

إنه يخاف برج كويت

لا يخاف عضو الكونغرس دويل

وعلى الرغم من أن ما يسمعه مثبط للعزيمة كثيراً

مزعج كثيراً، وخال من المعنى كثيراً

بالنسبة إلى كلب جاد على غراره

فإن لديه عالمه الحرّ والخاص يعيش فيه

ععع

ولديه قملاته التي يلتهمها

لن يكمّ فمه أحد

وعضو الكونغرس دويل مجرد صنبور نار

بالنسبة إليه

الكلب يخبّ في الشارع جهاراً

ولديه حياة الكلب الخاصة به يحياها

ويفكر بها

ويتأملها

لامساً ومتذوقاً ومجرباً كل شيء

مستقصياً كل شيء

إنه واقعي وحقيقي

ولديه حكايته الحقيقية يحكيها

لديه نباحه الحقيقي

كلب ديمقراطي

منهمك في فعالية اقتصادية حرّة

ولديه ما يقوله

عن الواقع

وكيف يراه

وكيف يسمعه

ورأسه مشرعة في الفضاء

عند زاوية الشارع

وكأنه يوشك

أن تؤخذ له صورة

لشركة فيكتور للأسطوانات

إنه يستمع

لشركة صوت سيده

وينظر

 (أشبه شيء بعلامة استفهام حية)

في الحاكي (7) العظيم

للوجود الملغز

ببوقه المجوف العظيم

الذي يبدو دائما

على وشك أن يبصق إلى أمام

بجواب منتصر

على كل شيء.

***

المسيح يهبط

المسيح قد هبط

من شجرته العارية

هذا العام

وهرول راكضاً إلى حيث لا توجد

أشجار كريسماس بلا جذور

مثقلة بالعلب الفارغة والنجوم القابلة للكسر.

***

المسيح قد هبط

من شجرته العارية

هذا العام

وركض هارباً إلى حيث لا توجد

أشجار كريسماس مذهبة

وأشجار كريسماس مبهرجة

وأشجار كريسماس مقصدرة

وأشجار كريسماس بلاستيكية ووردية

وأشجار كريسماس سوداء

تتدلى منها شموع كهربائية

وتطوقها قطارات كهربائية من تنك.

***

المسيح قد هبط

من شجرته العارية

هذا العام

وفرّ هارباً إلى حيث لا يوجد

بائعو أناجيل جسورون

يجتاحون المكان بسيارات كاديلاك ثقيلة الوزن

وإلى حيث لا يوجد حكماء على شاشة التلفزيون

يسبحون بحمد ويسكي لوردكالفرت.

***

المسيح قد هبط

من شجرته العارية

هذا العام

وفرّ هارباً إلى حيث لا يوجد

غريب بدين مرتجف اليدين

ببزة حمراء ولحية مستعارة بيضاء

يتجول كقديس من نورث بول

يقطع الصحراء على بيت لحم بنسلفانيا

حاملاً أكياساً من الهدايا

من ساكس فيفث آفينيو.

***

المسيح قد هبط

من شجرته العارية

هذا العام

وفرّ هارباً إلى حيث لا يوجد

منشدو بينغ كروسبي

يتأوهون عن كريسماس صعب

وحيث لا يوجد ملائكة من راديو سيتي

يتزلجون على الجليد بلا أجنحة

عبر بلاد عجائب شتائية

إلى سماء ذات أجراس مطنطنة.

***

المسيح قد هبط

من شجرته العارية

هذا العام

وانخطف بخفة

عائداً إلى رحم مريم مجهولة

حيث ينتظر ثانية

في أحلك الليالي الروحَ المجهولة

لكل إنسان

لا يمكن تخيله

أنه استحالة

إعادة لحبل بلا دنس

أشدُّ عودة ثانيةٍ

جنوناً.

تتتت

***

الشارع الطويل

الشارع الطويل

شارع العالم

يمر حول العالم

ممتلئاً ببشر العالم كلهم

وأصوات البشر كلهم

العشاق منهم والناشجون

العذارى والنائمون

بائعو السباغيتي وحملة الإعلان (8)

بائعو الحليب والخطباء

ربات البيوت الهشات

المغمدات كالنصال في أكياس النايلون

صحارى من المعلنين

قطعان من مهرات المدارس الثانوية

يتحدثن ويتحدثن أو يطللن من النوافذ

يستطلعن ما يحدث في العالم

حيث يحدث كل شيء

عاجلاً أو آجلا

إذا كان سيحدث على الإطلاق

والشارع الطويل

أطول شارع في العالم

والذي ليس طويلاً بالقدر الذي يبدو عليه طوله

يمرّ من خلال جميع المدن وجميع المشاهد

عبر كل زقاق وعبر كل مفترق طريق

عبر الأضواء الحمراء والأضواء الخضراء

مدن في ضوء الشمس

قارات تحت المطر

هونغ كونغات جائعة

توسكالوزات (9) غير قابلة للحرب

أوكلاندات (10) الروح

دبلنات (11) الخَيال

والشارع الطويل يتعرج ويتلوى

كقطار تـ شـ شـ شـ ووو تـ شـ شـ شـ ووو هائل

يشخر

حول العالم

حاملا مسافرين زاعقين

ورضّعاً وسلالاً للنزهات

وقططاً وكلاباً

يتساءلون عن الراكب في عربة القيادة

إذا كان ثمة راكب

القطار الراكض حول العالم

أشبه بعالم راكض دائرياً

الكل يتساءلون عما سيحدث

والبعض يطل ويرمق

ويحاول أن يظفر بسائق القطار

في مقصورته العوراء

يحاول أن يظفر بباصرته الدائرة كالدوامة

والشارع يمضي متأرجحاً

بنوافذه الصاعدة

نوافذ أبنية شوارع العالم كله

يُدَوّم

عبر نور العالم

عبر ديجوره

المصابيح عند مفارق الطرق

الأضواء المتلاشية تومض ومضاً

ثمة جماهير في الكرنفالات

سيركات مضاءة

ينابيع منسية

بوابات أقبية سرّيّة وغير سرّيّة

أشباح في الضوء

أصنام شاحبة ترقص

فيما يتهزهز العالم

ولكننا نصل الآن إلى الجزء المتوحّد من العالم

الجزء الملتوي على نفسه

الجزء المتوحّد

وليس هذا بالمكان الذي تغير فيه قطارك

ليس هذا بالمكان

الذي تفعل فيه شيئاً

هذا هو المكان من العالم

حيث لا يحدث شيء

وحيث لا يفعل أحد شيئاً

حيث لا أحد في أي مكان

إلاك

حتى المرأة لا تجعلك اثنين

لا أحد سواك

ربما

وحتى ربما ليست هناك

ربما

أو حتى ليس إلاك

ربما

لأنك ذاك المحتضر

لقد وصلت المحطة:

ا هـ ب ط

***

هي  Her (12)

( يبدو أنني مخفقٌ في اللحاق بها. ما أن سارت حتى علق ظلها بشجرة، سقط على الأرض وتمطى كأنه مصنوع من لفائف مطاطية ، ليس ثمة دمية خزفية توشك أن تنكسر، بل إنه ليتقولب في أيّ شكل تخيلته، وفي الفم عويل جرادة. عندما توقفت وتلفتت عند الزاوية قبل أن تختفي وراء الباب، عبرت أبدية صغيرة وتوهجت في آخر ضوء. وفي تلك اللحظة يحدث شيء غريب دائماً. بدأ خيالها بالتحول إلى صورة فتاة صغيرة تحمل طوق هيلاهوب في منظر من ألبوم للصور.. وتكررت الصورة. وأعاد المشهد نفسه في الزوايا الأخرى بينما تابعت المسير، وجسد المرأة ينعطف أو يتوقف لحظة، فيما تمضي حركة المرور. ثم خيال الفتاة الساكنة حاملة الطوق. تتلاشى وأتعقب جسداً آخر. كنت أشد بدانة من أن أتمكن من اللحاق. تعرقت كثيراً، بدني يتنامى متمطياً في الشارع. وعندما أكف عن النظر لا يتقدم الجسد البعيد. يؤسر السياق وتحتضر حركتها عندما أكف عن النظر. وعادت ثانية عندما وقع بصري عليها. ثم ثالثة ورابعة).

(إذا كانت الصحف تنشر أخبار الساديين يقذفون القردة بالمسامير في حدائق الحيوان، أو تنشر أخبار جنون “البيبلوكتو”. لقد اكتشف “البيبلوكتو” بين الأسكيمو لأول مرة، وانتشر في العالم الآن. إنه جنون الشتاءات الطويلة المظلمة.. وتشتمل أعراضه على: تمزيق الملابس، الفرار بملابس أو دون ملابس، عبر الجليد وعبر الثلوج، والضياع في قمم الجبال. وإذا كان المصابون في الداخل فإنهم يركضون على الأمام وإلى الخلف في حالة هيجان. وإذا كانوا على متن سفينة، فإنهم يذرعون سطحها عمداً أو يتسلقون حبالها. أو ربما تدحرجوا متمرغين في الثلج، قافزين في المياه المتجلدة، ملقين بأنفسهم على قطع الثلج العائمة. أو ربما هذوا، وصاحوا، وبعثروا كل ما وقع بصرهم عليه، حاملين الأشياء ومطوحين بها في الهواء، وهم يرفسون كل شيء وبخاصة الكلاب. (الكلاب تصاب بنوع من أنواع البيبلوكتو أيضا). أو ربما أمسك المصاب بكل ما تقع يده عليه أو تظاهر بتقديم عرض للقوة لم يكن بإمكانه أن يقدمه. أو ربما لجأ إلى أعمال فيها ما يدل على بدايات نشوب عنف حقيقي. وبعد الهجمة تكون قوى المصاب قد استنفدت فينام طيلة يومين. وسرعان ما يتبع ذلك سلوك عقلاني. ثم إذا بالرجال والنساء يصابون بالحساسية. فيفر المصابون: كل منهم يفرّ من الآخر كما يفرّ من الكل. ويرى الأسكيمو أن ذلك متوقع الحدوث لأي شخص. كانوا يفرون مني في الشوارع التي كنت أذرعها باستمرار. ربما كنت أنا مصابا بالبيبلوكتو. أحد آخر المصابين. لم أكن أتوقع أن يحدث ذلك لي. لم يكن يحدث. وعلى أية حال كان الرجال والنساء مصابين بالدرجة نفسها. يولي الأدبار بعضهم من بعضهم الآخر. كنت الراكض الهارب الوحيد إليهم فيما كان المشهد يكرر نفسه. الشارع في الليل. المرأة مسرعة بعيداً، تختفي. ثم الفتاة بطوق الهيلاهوب بلا حركة، خارجة من الماضي. وعلى الرغم من أنه كان يتكرر وكأنني كنت أعاود دخول الفيلم في اللحظة الساكنة نفسها، فإن السياق لم ينعكس مساره. الفتاة ذات الطوق لم تظهر أولا لتتبعها من ثمّ المرأة البالغة، المختفية، حسب ما كان يبدو من أمر التتابع المنطقي. كل شيء آخر كان يبدو وكأنه يحدث وفق تسلسل تاريخي مكتمل، على الرغم من المشاهد المتشابهة. الفتاة الصغيرة وحدها كانت خارج المكان. لا ريب أنها كانت خارج المكان في تلك المدينة . ذلك أنني كنت أراها دائماً في منظر ضائع شوهد في الحلم، أخضر وناء.

لا نزاع في أنها كانت خارج المكان في تلك الجزيرة في تلك المدينة، الجزيرة الطافية على سطح النهر الذي يعبر المدينة التي كنت أذرعها باستمرار).

 (.. كنت قد وصلت في رسم لوحتي إلى الذروة الجنسية. ولكن في حمأة الذروة بدأ شيء غريب يحدث. كان ثمة عصفور صغير من لامكان يحاول بمنقاره أن يطوق لوحتي بشريط صغير يطوق أداتي، يحاول أن يشدني إلى اسفل. وأخذ العصفور يجرب فاسه ليرى ما إذا كان قادراً على أن يسقطني ويخرس أغنيتي العنقائية الجنسية.

كان في سروالي الداخلي. كانت ملابسي ضيقة جداً بالنسبة إليّ. ولكن سروالي الداخلي كان كبيراً جداً بالنسبة إليه. وكان صغيراً جداً بالنسبة إليّ. كان صوت العصفور صوتاً ضيقاً، وقد شد وثائقي، وكان منقاره إبرة حاك تُشَحّط نغماً على أسطوانة قديمة مكسورة، نبرته كقاطن ضائع يصعد ويهبط درج منزلي، يغلق الأبواب ويفتحها. مقبلا ومدبراً على الدرج الخشبي الملولب صُعداً، والليل مصنوع من أبواب ضائعة توصد وتفتح ثم توصد على كل امرأة عرفتها، والأبواب تنغلق على كل غرفة غادرتها؛ وكل غرفة في حياتي لها باب انغلق وسقطت أكرته؛ وكل شخص باب انغلق بحيث رأيتهم جميعاً مقبلين، عابرين، مدبرين).

**

(.. كنت أتأبط بومة أو مادونا أو بجعة أو يمامة، أو أضعها في كيس وكان لتلك اليمامة أو البجعة أو الحمامة أجمل نهد أربت عليه ويظل ينقر ويقبل أسفل أذني وكان متخيلا كالعصفور النزق الحزين الذي أحمله في رأسي باعتباره امرأة، وهو ما يزال دائب الحركة والغناء وكان ببغاء الحُبّ الذي ظلّ يكرر كلمات الحب ويتململ على قاعدته التي كانت رأسي ويقبض على رأسي بمخالبه ويخلّف في وجهي غضوناً ويمضي في زقزقة أغنيته الجنسية الصغيرة ويستمر في النمو حتى ليعجز راسي عن احتوائه وكان عليّ أن أحمل الطائر في حقيبة ولكنه استمر في النمو وازداد جنوناً على جنون..).

(1)-  Darienبرزخ يقع في بنما.

(2)- جمع مذبح.

(3)  Junkman

(4) جيش الخلاص.

(5)  إشارة إلى مسرحية “في انتظار غودو” لصاموئيل بيكيت.

(6) جمع سيغار.

(7)  غرامافون.

Sandwichmen (8) رجال متجولون يحمل كل منهم إعلانا على ظهره وآخر على صدره.

(9) جمع توسكالوزا Tusca Loosa مدينة في ولاية ألاباما الأميركية.

(10) جمع أوكلاند Oakland مدينة في ولاية كاليفورنيا.

(11)  جمع دبلن عاصمة جمهورية أيرلندا.

(12)  مقطع من رواية شعرية بهذا الاسم.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.