دمشق وفن الرؤى
لكن عام 2001 حمَلَ تحوُّلاً حاسِماً في حياتي من جانبٍ عامّ، وفي علاقتي بدمشق من جانبٍ خاصّ، حيثُ انتقلْتُ إليها مُلتحِقاً بدبلوم الدِّراسات العُليا في جامعتِها، على الرغم من إمكانيّة مُتابَعة هذه الدِّراسة في جامعة اللّاذقيّة التي كانَتْ بجوار بيتنا تماماً، غيرَ أنَّني اتَّخذْتُ قراراً جذريّاً يتعلَّقُ بضرورة أنْ أكونَ في العاصِمة ما دمتُ أتطلَّعُ إلى بناءِ مشروعٍ شعريٍّ ونقديٍّ طَموح، وهوَ الأمرُ الذي تُتيحُهُ دمشق أكثر من أيِّ مكان آخَر في البلد.
لم تخلُ تلكَ المرحلة من القسوة والمُواجَهات الصَّعبة والحادّة لطالبٍ وحيد بمَصروفٍ مَحدود وأحلامٍ جامِحة في مدينةٍ كبيرة وصاخِبة اعتادَتْ ألّا تلتفِتَ للضُّعفاء أو للغرباء بسُهولة، وأنْ تصفَعَهُم مراراً وتكراراً قبلَ أنْ تمنَحَهُم بعضَ عسَلِها السِّرِّيّ أو العلَنيّ إنْ كانوا من المَحظوظينَ، أو كانوا من القادرينَ على حِيازة الأدوات النَّفسيّة والمَنهجيّة والمَعرفيّة التي تستطيعُ في أقلّ الحالات أنْ تُمارِسَ ذواتُهُم بواسطتِها أفعالَ المُقارَبة والتّأويل بما فيها مبدئيّاً الحركيّة الدَّوريّة للفَهْمِ، وأن تنطويَ تلكَ المُمارَسة على مُواكبةً ذكيّة للّعِب الحُرّ للعلامات، ولإرجاء المَعاني أو الوضع بين أقواس في كثير من الحالات، ثُمَّ الالتحاق بالأفعال التحليلية على السَّطحين البصَريين الظاهريّ والعميق، بما هوَ التحاقٌ حُرٌّ يقومُ على آليّات تجريبيّة وتفسيريّة نسبيّة ومَفتوحة على المُمكِن والمُحتمَل والمَجهول والمُختلِف، ولا سيما في مدينة مُوارِبة ومُتراكِبة ومُعقَّدة كدمشق التي قالَ عنها الماغوط يوماً ما إنَّهُ على الرغم من كونِهِ قد صارَ جزءاً منها، وصارَتْ جزءاً منه، فهوَ يخشى أنْ يُعطِيها ظَهرَهُ لمرّةٍ واحِدة كي لا تطعنَهُ من الخلف!
وهكذا، عشْتُ في البدايات تجرِبة الغُربةِ بمَعنىً ما في دمشق، وكثيراً ما انتابَني الشُّعور بأنَّني أحفرُ في الصَّخر بلا جدوى، والمُفارَقة الرؤيويّةُ الأُولى في هذا المِضمار تكمنُ في أنَّني لم آت إلى دمشق بإحساس الغريب؛ إنَّما بإحساس المُنتمي هُوِيّاتيّاً إليها والمُنتمية إليه بكُلّ مَعنى الكلمة، ولا سيما بما تحملُهُ ذاكرتي الشَّخصيّة من زيارات دائِمة لها كما ذكرْتُ سابقاً، أو بما تحملُهُ من قصص أبي وأمي اللذين درسا في جامعتِها في ستينات القرن المُنصرِم.
لكنَّ المُفارَقة الرُّؤيويّة الثانية الأعمَق والأشدّ إحكاماً وإطباقاً عليَّ تكمنُ في أنَّني جئتُ إليها حامِلاً معي ذلكَ المَخزونَ الهائِلَ من المُتخيَّل اليوتوبيّ، ومن النوستالجيا العارِمة التي أحاطَتْ بصورة مدينة هيَ بوّابة التاريخ بتعبير سعيد عقل، وهيَ أوَّلُ عزِّ الشرق بتعبير أحمَد شوقي، وهيَ أغاني فيروز التي لطالَما صدَحَتْ بأصالتِها الهادِرة، مُحتفيةً بها بوصفِها بوجهٍ خاصّ عاصمة الأمويِّين الذين امتدَّتْ أمجادُ دولتِهم العظيمة من الصين إلى الأندلس.
جئتُ إلى دمشقَ برؤىً مُضمَّخة بالمَعاني العاطفيّة والرَّمزيّة المُسَبَّقة: جئتُ إليها بنهر القنوات أقدم قناة شقَّها الإنسان في العالم، وجئتُ إليها بجذورها العمّوريّة والآراميّة الضّارِبة في التاريخ، وجئتُ إليها برؤيا بولس الرسول في باب شرقي، وجئتُ إليها بمهندس روما الأعظَم أبولودوروس الدِّمشقيّ، وجئتُ إليها بكنيسة حنانيا والجامع الأمويّ، وبدلالات وجود قبور صلاح الدين الأيوبي والظاهر بيبرس وابن عربي فيها، وجئتُ إليها بوصفها أيضاً عاصمة أوّل دولة عربيّة حديثة تمَّ إعلانُها عام 1918 بزعامة الملك فيصل، وجئتُ إليها بميسلون يوسُف العظمة، وبأعلام الاستقلال الكبار من الدُّكتور عبدالرحمن الشهبندر إلى فخري بك البارودي إلى نجيب الرَّيِّس إلى فارس بك الخوري إلى سلطان باشا الأطرش إلى حُلم بناء الدَّولة العصريّة الجديدة.
وجئتُ إلى دمشقَ بالحقبة اللّيبراليّة المَوؤودة، وبأوّل تداوُلٍ ديمقراطيٍّ حزبيٍّ للسُّلطة عربيّاً -بعيداً عن المُحاصَصات الطّائفيّة كما في لبنان- وهوَ الأمر الذي تمَّ عبرَ انتخابات برلمانيّة حُرَّة عام 1954، انتقلَتْ بموجبِها رئاسة الجمهوريّة سِلميّاً من (أبو الجمهوريّة) هاشم الأتاسي إلى (المُواطِن العربيّ الأوّل) شكري القوتلي، وهوَ الرَّئيس العربيّ الوحيد الذي تخلّى عن السُّلطة بعدَ ذلكَ في سبيل تحقيق أوّل وحدة عربيّة مع مصر عام 1958.
يا لبردى الفقير المسكين المُلوَّث بالدَّبّاغات والمَعامِل وبسرقة مياهِهِ من أصحاب المَزارِع من (عُلْيَةِ القوم)! يا للغوطةِ التي وُئِدَتْ في الثمانينات
نعم.. جئتُ إليها بكُلّ هذا، وبما فوق ذلكَ: دمشقُ بآثارِها العظيمة وبقلعتها الجميلة ذات الخُصوصيّة بعدم وجودها على مُرتفَع، وبسوق الحميدية والشارع المُستقيم وسوق مدحت باشا وقصر العظم ومكتب عنبر والمكتبة الظاهرية و..و..و.. ودمشقُ بعمارتِها الفريدة في الأربعينات والخمسينات. ودمشقُ بصناعاتها المُعتَّقة ذات الأسبقيّة في التاريخ: المُوزاييك الدِّمشقي والدّامسكو والبروكار والزُّجاج المُعشَّق وعُطور الوردة الدِّمشقية والسيف الدِّمشقيّ العريق و..و..و..
ليسَ هذا فحسب، بل بلُغة أهل الفيسبوك وهُم يرثونَ حال دمشقَ في هذه الأيام: جئتُ إليها أحفَظُ غيْباً أنَّها أوّل مدينة عربية افتُتِحَتْ فيها بنوك وشركات وفنادق عالمية، وأوّل مدينة عربية سارَتْ في شوارعها سيّارة عام 1905، وأوّل مدينة عربية تأسَّسَتْ فيها جامعة عام 1919، وأوّل مدينة عربية تأسَّسَ فيها برلمان عام 1928، وأوّل مدينة عربية دخَلَها التيار الكهربائي عام 1920، ومن أوائل مدُن العالم التي مُنِحَ فيها حقّ التَّصويت للمرأة، حيثُ اقتُرِحَ أوّل مشروع برلمانيّ في هذا الخُصوص عام 1949، وهيَ التي كانَتِ الحاضِنة الاجتماعيّة لطبقة مُتوسِّطة مُتنوِّرة وناهِضة ومُتطلِّعة إلى الحداثة والتَّقدُّم والتَّغيير ليسَ فقط على المُستوى العربيّ، بل على مُستوى العالم منذ أربعينات القرن المُنصرِم.
وماذا بعد؟ دمشقُ أيضاً كانَتْ في مُخيِّلتي مدينةَ المُبدعينَ والشعراء، وفضاء رائحةِ أرواحهِم الطَّليقة في شوارعها وأزقَّتِها وساحاتِها وصالاتِها ومقاهِيها ومطاعمِها وحاناتِها، حيثُ تتراقَصُ أخْيِلةُ الرّاحلينَ منهُم، والذين كانوا ما يزالونَ على قيْد الحياة فيها، بدءاً من أبي خليل القبّاني إلى شفيق جبري وخير الدِّين الزركلي ومحمّد كرد علي ونزار قباني وبدوي الجبل ومحمّد الماغوط وأحمَد الجندي وعلي الجندي وممدوح عدوان ومحمود السيِّد، وحيثُ عليكَ كي تستحقَّ أنْ تحيا في هذه البُقعة أنْ تكتشِفَ أمكنةَ وجود مرسم فاتح المُدرِّس ومرسم لؤي كيالي وغرفة رياض الصالح الحسين وحدائق دعد حداد ومُناخات عزمي موره لي ومسرحيات سعدالله ونوس وروايات حنّا مينة وعبدالرحمن منيف وقصص زكريّا تامر وجميل حتمل وتنظيرات قسطنطين زريق وياسين الحافظ وعبدالله عبدالدايم وأمكنة مرور وإقامة السّيّاب والبيّاتي ومُظفَّر النّوّاب وأحمَد فؤاد نجم والسَّيِّد إمام، وكُلّ القافلة الطويلة من المُثقَّفينَ السوريّين والعرب الذينَ وجدوا فيها مَلاذاً وحِضناً دافئاً في مَراحِلَ مُختلِفة من تاريخِها الحديث.
بالتأكيد: لا يُمكِنُ أنْ أُكمِلَ مقالتي هذهِ بالطريقة نفسها؟! وإلّا لنْ أنتهيَ من ذكر مَناقِب دمشق، وعندَها يكونُ من الأفضَل أنْ أتخلّى عن كتابة هذا العَمَل الذي وُلِدَ لغايةٍ أُخرى أبعَد من ثنائيّة (المَديح والذّمّ)؛ إذ أنَّ هذا الحِمْل الثقيل من الرَّأسمال الرَّمزيّ التّاريخيّ كادَ يتحوَّلُ في تلكَ الأيام -وربَّما في السُّطور السّابقة من هذه المقالة أيضاً- إلى لعنةٍ يوتوبيّة كُبرى، فكدْتُ أسقُطَ في فخّ التَّصدُّع الوجوديّ، أو الفُصام الغرائبيّ، وأنا أنقِّبُ في جسَد دمشق وروحِها عن كُلّ هذا المَحمول الهائِل، فأصطدِمُ بأكثَر من جدارٍ صلدٍ لئيم، وبأكثَر من مَنظومة مُخاتِلة لا تعرفُ الرَّحمةَ أو المُهادَنةَ أو الرُّكون إلى ما يبدو تعايُشاً سِلميّاً تداوُليّاً بين أناسٍ من بيئاتٍ مُتنوِّعة إلى حدٍّ فريد.
لم تكُنْ المَسألةُ سهلةً قط، ولم يقتصِرِ الأمرُ على مدى الاندماج أو الانسجام في مُناخات دمشق الاجتماعيّة أو الثقافيّة التي تُشعِرُكَ بالغُربة للوَهلةِ الأُولى، قبلَ أنْ تذيقَكَ طَعْمَ دفءٍ لا مثيلَ لهُ مُطلَقاً. لا.. لم تقتصِرِ المَسألةُ على تبادُلِ المَواقِعِ بينَ القَبول والرَّفض، أو بينَ الائتلاف والاختلاف؛ إنَّما تعدَّى ذلكَ إلى لُهاثٍ مَسعورٍ في فَجوات الوجود الدِّمشقيّ خلفَ وَهْمِ المَعنى أو سرابِ اليقين أو طُمأنينةِ العارِف المُستحيلة، إذ تحلُّ عليكَ من حيث المبدأ كُلُّ فَجائِعِ المُطابَقاتِ الخائِبة القَبْليّة في بِنيةٍ سرديّة لا تتوقَّفُ عن نزع الأُلفة عبرَ طبقات التَّشظّي والتَّبعثُر والتَّباعُد المُستمرّ على العكس ممّا يتوهَّم الكثيرون.
إنَّها دمشقُ التي تُنْهِكُكَ وأنتَ تُلاحِقُ سُؤال الهُوِيّة والانتماء بين الذّاتيّ والموضوعيّ من ناحيةٍ أُولى، وبين المُتحجِّبِ والمُنكشِفِ من ناحيةٍ ثانية، مُتذكِّراً في كُلِّ زاوية منها مَعنى الكينونة الهيدغريّة التي إنْ طُبَّقْتَ مَفاهيمَها عليها ستقولُ عندَها إنَّهُ مهما ظهرَتْ وتجلَّتْ الرّوحُ الدِّمشقيّةُ أمامَ مرأى المُتفحِّص لها، إنْ في شوارعِها المُزدحِمة وأرصفتِها المُغبَرّة، أو في أزقَّتِها القديمة ونوافير بيوتِها العربيّة، أو في الأشجار والطيور وأزهار الياسمين التي تحوَّلَتْ إلى فلكلور بصَريّ شبه نادِر قد لا نجدْهُ إلّا في قصائِدَ الشعراء وأغاني المُطربين، أو في العادات والتقاليد واللَّهجة الخاصّة والأمثال الشَّهيرة والمَأكل والمَلبس وطرائِق المَعيشة، ستبقى كينونتُها مُحتفِظةً بقدرٍ أكبَرَ من الانسِحابِ والتَّخفِّي والتَّكوُّرِ على أسرارٍ جمَّةٍ قصِيَّة وصعبة التَّرويض وحسم المَفاهيم والرُّؤى!
هيَ دمشقُ إذن: الراقصةُ كبهلوانيٍّ على حَبْلٍ بينَ تُخوم الحُضور والغِياب. هيَ دمشقُ التي تهدرُ كرامةَ توازُنِكَ بكُلِّ صلَفٍ وجَبروتٍ وأنتَ تُحاوِلُ فَهْمَ ما يطفو على السَّطح البصَريّ الخارجيّ، وما يتموَّهُ ويلتبِسُ ويزيغُ في السَّطح البصَريّ العَميق. هيَ دمشقُ إذن التي تجعلُكَ لا تكفُّ عن التَّساؤلِ كالمَمسوسِ: أينَ دمشق؟!
لوحة: كيفورك مراد
ويزدادُ الأمرُ تعقيداً وتراكُباً إذا كُنتَ تسعى إلى مُجاوَزة المَوروث الإنسانيّ الميتافيزيقيّ الذي لطالما سعى إلى فَهم الوجود انطلاقاً من الموجود، وليسَ انطلاقاً من فَهم أساليب وجود الموجود المُنفتِحة في فَجوة حركيّة ديناميّة مُتحوِّلة ومُتغيِّرة وهارِبة باستمرار من إمكانيّات الإخضاع القَبْليّ لمُطابَقات رُؤيويّة إمّا مُؤدلَجة، أو ناجِمة عن الثقافة النَّمطيّة الرّائِجة والشائِعة بوصفِها ثقافة انتقائيّة تلفيقيّة ذات أدوات قاصِرة، تعجَزُ عن تفسير كيفيّات الوجود الآنيّ من حيث المبدأ بالنَّظَر إليه على أنَّهُ انبثاقٌ كُلِّيٌّ ناهِضٌ على تشظِّيات تراكُبيّة تتداخَلُ في فَجوتِها التَّخارُجيّة أفعال التاريخ الماكِر من جانبٍ أوّل، وجدَليّات الصِّراع المُعقَّد بين إرادات القوى الدّاخليّة والخارجيّة من جانبٍ ثانٍ، بما لا ينفي بطبيعة الحال دور الذَّوات والجَماعات البشريّة الفاعِل على نحوٍ نسبيٍّ في بسطِ كُلِّ مُمكِنٍ أو مُحتمَلٍ أو مَجهولٍ أو مُختلِفٍ.
وهُنا تماماً تجِدُ أنَّكَ مُضطَّرٌ للمضيِّ قُدُماً في تخليقِ حلٍّ مَعرفيٍّ ما لحيازة روح دمشق!
ماذا لو حاوَلْتُ بناءً على هذا أنْ أقلبَ الصورة، فأتناسى الرَّأسمالَ الرَّمزيَّ المُسَبَّقَ مُنطلِقاً في بَحثي الدِّمشقيّ الدَّؤوب هُنا من أساليب الوجود العيانيّة اليوميّة؟ هل يُمكنُ حينَها أنْ أقبضَ على الرُّؤى الكُلِّيّة التي تُهدِّئُ روعَ النَّفس المُتلهِّفة والوثّابة نحوَ هُوِيَّتِها الدِّمشقيّة؟ فلأحاوِل ذلكَ الآنَ، ولتُساعُدوني بصَبرِكُم عليَّ وعلى تقليباتي التَّأويليّة لو سمحتُم..
ثمَّة وجهٌ آخَر لدمشق (موجود تحتَ اليد) بالمَفهوم الفلسفيّ؛ أي قابِل للإخضاع والتَّحكُّم به من قِبَل سُلطة الذّات الواعية عبرَ مُطابَقة دلالة المرئيّ الذي نتَّجِهُ إليه مُباشَرةً بالمَعنى الظّاهراتيّ مع مَعنى (الخراب).. وهذا ما لمستُهُ منذ أيامي الأُولى بعدَ انتقالي للإقامة فيها عام 2001، حيثُ عرَفْتُ ذاكَ الألمَ المُضنِيَ الذي تختزنُهُ في قلبِها وعلى سطحِ جسدِها الشاحِب والمُنتهَك والمَغدور، وهي المَسألة التي تجعلُ أقدَم عاصِمةٍ في التاريخ مُغترِبةً في الفَهمِ التَّأويليِّ الأوَّليّ عن ذاتِها، وتؤدِّي في حركيّة تلقائيّة إلى انتقال عدوى هذا الاغتراب المَديد إلى ساكنيها وزوّارِها على حدٍّ سواء.
يا لبردى الفقير المسكين المُلوَّث بالدَّبّاغات والمَعامِل وبسرقة مياهِهِ من أصحاب المَزارِع من (عُلْيَةِ القوم)! يا للغوطةِ التي وُئِدَتْ في الثمانينات، مع أنَّ المُفارَقةَ تتحدَّثُ عن وجود مُخطَّطٍ تنظيميٍّ وُضِعَ أيّامَ الانتداب الفرنسيّ يُحافِظُ عليها ويَحميها! يا لمَناطِقَ كانَتْ موجودةً خارِجَ أسوار المدينة القديمة، وتعادِلُ مساحةً ثلثِ تلكَ المدينة، حيثُ تمَّ هَدْمُ مَبانيها بدَعوى شقِّ الشوارع الحديثة، وقُضِيَ تماماً على منطقةٍ معماريّة غنيّة بأنماط الأبنية ومَرجعياتِها التاريخيّة التي دفعَتْ المؤرِّخين كي يُلقِّبوا دمشق في تلكَ الحقبة بـِ «إسطنبول العرب»، ولم يبقَ في كُلّ دمشق الحديثة إلّا بعض الأبنية النّاجية من مَجازر التَّخريب والتَّدمير كأبنية وزارة السِّياحة والدّاخليّة ورئاسة جامعة دمشق والمصرف المركزيّ ومدرسة جودت الهاشميّ ومحطّة الحجاز، فضلاً عن التكية السُّليمانيّة والمتحفين الوطنيّ والحربيّ، وهيَ المَعالِم ذات الطُّرُز المعماريّة التي تشهَدُ على فداحة ما تمَّتْ خسارتُهُ، وما تتمُّ خسارتُهُ كُلّ يوم في عُمْق دمشق القديمة نفسها!
دمشقُ التي زارَها مهاتير محمّد ذاتَ يوم وقالَ عنها بما معناه إنَّهُ سيجعَلُ ماليزيا جميلةً مثلَها -وهيَ التي نالَتْ عام 1950 لقب عاصمة الأناقة- غزَتْها العشوائيّاتُ القبيحة، والإسمنتُ المَسعورُ، والتَّشوُّهاتُ المُرعِبة، حيثُ اعترَفَ أحد كبار مسؤولي مُحافظتِها على شاشة التلفزيون الوطنيّ عام 2000 أنَّ نسبة العشوائيّات فيها حوالي 72 بالمئة من مساحتِها..! وهذا السُّوء والفلَتان التنظيميّ يَظْهَرُ بجلاء في اختناقاتِها المروريّة وازدحامِاتها المَجنونة الذي عجِزَ المُستشارونَ اليابانيّون في مطلع هذا القرن عن إيجاد حلول تخطيطيّة لحلِّ أزماتِها إلّا باقتراحِ هدم نسبة كبيرة من أبنيتها وأحيائها، في الوقت الذي كانَ سُكّانُها ما يزالونَ ينتظرونَ الوعود السَّخيّة بإنشاء مترو أنفاق فيها بمُساعدةٍ من الاتّحاد الأوروبي، وهوَ الوعد الذي عاشوا على أملِهِ لعقودٍ طويلة.
والآن: كيفَ أوازِنُ بينَ قُطبَي الرُّؤى الدِّمشقيّة السَّابقيْن؟ هل أستسلِمُ لثنائيّة (التَّفاؤل والتَّشاؤم) في الانطلاق منهُما في بناء الأحكام، أم ثمَّةَ آليّة مَنهجيّة ما لاستنطاق هذه الرُّؤى وتحريرِها من سجن المُطابَقات نحو الانفتاح والتَّحوُّل والتَّغيير؟
خبرتي العمَلانيّة فكراً وحَدْساً تقول: إنَّ دمشق علَّمتني فنَّ المُكابَدة وألاعيبَ التَّجريب وتحدِّيات الجَماليّ، وصرْتُ بعدَ كُلّ هذهِ السنوات شديدَ الثِّقة لا بقيمومتِها فحسب، فهذا أمرٌ مَفروغٌ منه ما دامَتْ هُناك صيرورة وتوالُد وصراع إرادات قوى؛ لكنَّ المَسألة تتعدَّى ذلكَ للحديث عن كيفيّة كشف خُلاصة دمشق الحضاريّة، أو (موناداها) الأصليّ، وهوَ أمرٌ شديدُ العُمْق والجدَل والتَّراكُب، إذ لا يُمكِنْ أنْ تكونَ مدينة كدمشق مدينة نهايات على حدِّ تعبير أدونيس، ولا يُمكِن أنْ ينتهي التاريخ فيها إذا أسقطنا عليها مقولة فوكوياما الشهيرة، والقضيّة كما قلتُ لا ترتبِطُ بنسفِ الصَّيرورة للسُّكونيّة المُطلَقة المَزعومة وحدها، بقدر ما ترتبِطُ بتلكَ الدِّربة المُحنَّكة، والتي لا تخلو من مسحةٍ صوفيّة نسبيّة تُمكِّنُنا أنْ نرى بالمَعنى البصَريّ والعيانيّ بقدر ما تُمكِّنُنا أنْ نرى بمَعنى البصيرة والرُّؤى، لنفْهَمَ وفقَ ذلكَ حركيَّةَ الآنيِّ العابِرِ عبر اللَّعِب الحُرّ للعلامات بينَ الحُضور والغِياب، ونُؤوِّلَ فكرةَ الوَحدة الجوهرانيّة المُتعالية لدمشق، بنَخرِها وتفتيتِها من الدّاخِل لبلوغ التَّعدُّديّة العمَليّة الجَميلة.
لعلَّ هذا ما يُمكِن أنْ نتلمَّسَهُ مثلاً بقُدرة دمشق على التَّكيُّف مع جميع الظُّروف والتَّحوُّلات التي مرَّتْ بها، وقُدرتِها مهما كانَ العُدوانُ على رُوحِها سافِراً على امتصاصِهِ وهَضْمِهِ وإعادة إنتاجِهِ بحُلّة حيويّة جديدة. فكينونة دمشق تنبسِطُ في تلكَ الحركيّة المُتغيِّرة عبرَ تشويش ومُجاوَزة ثنائيّة (الثابت والمُتحوِّل)، إذ قلَّما استطاعَ أحَدٌ أنْ يرصدَ هذه الحركيّة التي تبدو للوهلةِ الأُولى سُكونيّة مُحافِظة إذا قُرِئ التاريخ بتعداد السنوات المَحدودة أو بدلالة النِّهائيّ بوصفِهِ تعالياً مُطلَقاً ومُسْبق الماهيّة، لكنَّها (أي هذهِ الحركيّة) ليسَتْ سوى آليّة مَلعونة تحتفي بالانزياحات والتَّغيُّرات والاختلافات بأقنعة تدَّعي الوفاء لليقينيّة السياسيّة أو الدّينيّة أو التِّجاريّة المُغلَقة، وعبرَ هذا التَّخارُج الدِّمشقيّ البطيء والمُحتفي ظاهريّاً كما يبدو على سطحِهِ البصَريّ الخارجيّ بالموت السَّريريّ، يفعلُ العَميقُ فعلَهُ، حيثُ يَعلو في هذا المَجال الحيويّ للرُّؤى ائتلافُ دمشق مع رأسمالِها التّاريخيّ الغائِب، واختلافِها مع نفسِها المُغترِبة. لتبتلِعَ دمشقُ دائماً -وفي جميعِ عُصورِها- كُلَّ طارئٍ وراهِنٍ وعابِرٍ، ولتُطلِقَ كُلَّ مُغايِرٍ ومُجاوِزٍ وكُلِّيّ، وفي هذه البُؤرة الدَّلاليّة تحديداً تكمنُ كونيّة دمشق الكوسموبوليتيّة المُخاتِلة والمُخادِعة والمَلعونة، والقادِرة باستمرار على تخليق المُفاجآت الحضاريّة المُباغِتة، من صلب ما يبدو مُتماسِكاً ومُستقرّاً ومُغلَقاً.
إنَّ انطلاق أوَّل مظاهَرة في الثورة السوريّة في 15 آذار عام 2011 من الجامع الأموي، مُروراً بسوقَي الحميديّة والحريقة، قد افتتَحَ عصراً دمشقيّاً وسوريّاً جديداً، وهوَ عصرٌ وشيجُ الصِّلات مع عصر الرَّبيع العربيّ بطبيعة الحال، وشديد الصِّدام والتَّضادّ والتَّناقُض مع النِّظام العالَميّ المُسيطِر على الأرض. وهذا أمرٌ يُؤكِّدُ بالاتِّكاء على مَحمولٍ تراجيديٍّ غير قليل، أنَّ المدن العظيمة كدمشق هيَ المدن التي تعرفُ كيفَ تستدرِجُ مَكْرَ التّاريخ من بوّابة البُؤس والخراب الذي تُسبِّبُهُ لها الجغرافيا، لا كي تُوجِّهَهُ كما تشاء، فهذا أمرٌ غير وقائعيّ، لكنَّها على أقلّ تقدير، تُوظِّفُ سَطْوَتَهُ الغادِرة لصالحِها بشكلٍ من أشكال البراغماتيّة التي تمنَحُ دمشقَ خُصوصيَّتَها المُوجِعة غالباً والأخّاذة في آنٍ واحد، فمَوضِعُ الهَشاشة الذي لطالَما كانَ بمنزلة كعب أخيل لانتقاد دمشق (السُّلطة والدِّين والتِّجارة بوصفِها الدَّوائِر المُغلَقة على نفسِها)، هوَ ذاتُهُ المَنجَم الذّهبيّ الذي تُؤدِّي كُلّ هزّة داخليّة أو خارجيّة إلى خلخلة بِنيتِهِ، ثُمَّ إعادة التَّوضُّع الضَّروريّ لاقترافِ عصرٍ جديد على أنقاض باهِظة الثَّمن، بعكس ما يظنُّ كثيرون بأنَّ هذه المسألة هيَ تكرارٌ فوتوكوبّيٌّ للبِنيةِ نفسِها، ذلكَ أنَّ هذه الخَلخلة مهما كانَتْ سطحيّة ستُغيِّر مع الوقت ماهيّةَ البِنية كامِلةً.
وانطلاقاً من هذه التَّقليب التَّأويليّ أفهَمُ من جهتي الثورات الشاميّة (وهُنا أستخدِم مُفردة الشام للدَّلالة على بلاد الشام كُلّها) التي اندلَعَتْ على الأقلّ في القرن الماضي في أكثر من مُناسَبة وحدَث سياسيّ، وهذا ما يُمكِنُ أنْ يُهيِّجَ في مِخيالي الرَّمزيّ المُنقِّب عن دمشق دلالاتٍ تخصُّ روحَها الكُلِّيّة، وأنْ يجِدَ لهُ مُرتسَماً شاسِعاً في صوَرٍ كثيرة من الثَّورة السورية، كالفيديو الشَّهير الذي أصبحَ جزءاً من كلاسيكيّات ذاكرة الحدَث السوري الحالي، والذي يُحرِّضُ فيهِ (أبو صبحي إبراهيم الدُّرّة) بائِع البقدونس المُسِنّ في دوما الناسَ على الثَّورة، ويدعو الشبابَ إلى مُتابَعة التَّظاهُر، وعدم خشية الرَّصاص الذي يُطلَق عليهِم، وهوَ الذي أعدَمَهُ النِّظام ميدانيّاً بعدَ فترة، وكانَ يُردِّدُ في هذا الفيديو البيتين الآتيين للشاعر الدِّمشقيّ شفيق جبري «يا فتيةَ الشامِ للعلياءِ ثورتُكُم/وما يَضيعُ معَ العلياءِ مَجهودُ/ جُدْتُمْ فسالَتْ على الثَّورات أنفسُكُم/علَّمتُم الناسَ في الثَّوراتِ ما الجودُ».
لا أُخفي سِرَّاً أنَّني أخشى على دمشق من مَصير الدَّمار في هذهِ الحقبة الخطيرة من تاريخِها، ليسَ لأنَّها أغلى مكانةً من حلب أو حمص أو درعا أو دير الزور أو.. إلخ، معاذ الله! إنَّما على الأقل هُوَ أمَل شخصيّ ووطنيّ بتقليل الخسائِر قدر المُستطاع، وقد عشْتُ سنواتي الإحدى عشرة الأخيرة فيها، وشهدْتُ ما شهِدْتُ من أحداثٍ جِسَامٍ في بلَدٍ مزَّقَتْهُ الحرب، وبكُلّ الأحوال علينا أنْ نكون جاهزين لدفع أيّ ثمَن إذا آمنّا بقيمومة دمشق الكيانيّة بوصفها قيمومةَ رُؤىً تتحرَّكُ في الكُلِّيِّ المَفتوح نحوَ المَجهول بما هوَ أسُّ جَماليّات التَّعدُّديّة والمُجاوَزة والاختلاف الحضاريّ.
انطلاق أوَّل مظاهَرة في الثورة السوريّة في 15 آذار عام 2011 من الجامع الأموي، مُروراً بسوقَي الحميديّة والحريقة، قد افتتَحَ عصراً دمشقيّاً وسوريّاً جديداً
وفي هذا المَنحى الذي تتداخَلُ فيهِ جدَليّاً المَشاعرُ الوجدانيّة الذّاتيّة، بالهَواجس المَوضوعيّة العامّة، أختَتِمَ مَقالتي هذه ببعض المَشاهِد التي عايشتُها شخصيّاً ووثَّقتُها لتعكسَ على نَحْوٍ وقائعيّ عُمْقَ المَخاض الدِّمشقيّ الرّاهِن بما ينطوي عليه من قسوةٍ وأصالةٍ في آنٍ معاً، حيثُ كتبْتُ على صفحتي في الفيسبوك واصِفاً أحَدَ أيّام دمشق المُلتهِبة بنار الحرب في شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) عام 2014 قائِلاً: «اليوم كانَ الازدحامُ تقليديّاً في قلب دمشق من ناحيةٍ أُولى، وغرائبيّاً من ناحيةٍ ثانية إلى حدٍّ يصعبُ عليَّ الوصف أو حتَّى التَّخيُّل على أقلِّ تقدير..! سيّاراتٌ كثيرة تهربُ من ازدحامٍ بالغٍ يُوقِفُ السَّيْرَ (مثلاً يتوقَّفُ السَّيرُ نهائيّاً في نفقِ باب شرقي، فيُغادِرُ الناسُ وسائِطَ النَّقل العامّة، ويُكمِلونَ طريقَهُم سيراً على الأقدام)، فتصعَدُ بعضُ السَّيّاراتُ إلى الأرصِفة لتهربَ من هذه الاختناقات المُروريّة، وتتشارَكَ فيها معَ مَواكِبِ المارّة إلى جانبِ درّاجات الفقراء الهوائيّة ودرّاجات رجال (الدِّفاع الوطنيّ) النّاريّة، حيثُ يتقاسَمونَ جميعاً ما تبقَّى من تلكَ الأرصِفة المُحتلّة أصلاً ببسطات المُخبرين العشوائيّة التي تُخفي جميعَ واجِهاتِ الأبنية والمحال التِّجاريّة. وما يزيدُ من اختناقِ المَشهد هيَ الطّريقة التي قُسِّمَتْ بها الشوارع الضَّيِّقة بالأصل بينَ خُطوط لمُرور السيّارات العسكريّة، وخُطوط لمُرور السيّارات المدَنيّة، حيثُ التَّفتيشُ على عشراتِ الحواجِز بينَ مُدقِّقٍ مُتفحِّصٍ للسيّارات وراكبيها فرداً فرداً، ومُتساهِلٍ مَشغولٍ باحتساء المتّة..! وما يزيدُ من غرابة هذه اللّوحة السِّرياليّة مُرورُ الشّاحِناتِ المُتواتِر وهيَ تنقلُ عشرات الجُنود ببنادقهِم المُشرعة إلى جبهات القتال في وادي عين ترما وحي جوبر، والتي تفصلُنا عنها مئات الأمتار ونحنُ نعبرُ باب شرقي وباب توما والقصّاع وشارع بغداد، لتمُرَّ خلال هذا العُبور ولمرّاتٍ عديدة سيّاراتُ الإسعاف بأبواقِها المُخيفة عائِدةً من الجبهات بالمُصابينَ المَنقولينَ إلى مُستشفياتِ دمشق. لن أنسى أيضاً في حَمْأَةِ هذا الرُّعب دوريّات الشُّرطة العسكريّة الباحِثة عَنِ الفارّينَ من التَّجنيد، ولن أنسى الشَّحّاذينَ ذوي الأطراف المَبتورة في كُلِّ زاوية، وإلى جانبهِم بائِعاتُ الخُبز بأسعارٍ تشجيعيّة. كذلكَ ترى العاطلينَ عَنِ العمَل ليختلِطَ عليكَ مَظهرُهُم معَ مَظْهَرِ البهاليل والدَّراويش الذينَ اعتادَ الناسُ أنْ يستمدّوا البركَةَ منهُم، وبوجهٍ خاصّ حينما يمدُّ أحدَهُم رأسَهُ إلى داخِل السرفيس الذي يُقلُّنا طالِباً سيجارةً واحِدةً لكنْ بشرط إشعالِها..! ولا بُدَّ أيضاً توخِّي المَزيد مِنَ الحذر في هذا المُناخ المُشوَّش، فالنَّشّالونَ أيضاً يتربَّصونَ بفرائسِهِم ويُراقِبونَ الجميعَ عن كثب، وبائِعاتُ الهوى يستدرجْنَ العابرينَ بادِّعاءاتٍ ومُسوِّغاتٍ كثيرة، والسيّاراتُ (المُفيَّمةُ) تكادُ تجرفُ بجُنونِها جميعَ العابرين، وقد زادَتْ بصوتِ (بفلاتِها) المُرتفِع جدّاً من الضَّجيجِ ضجيجاً، وهيَ تبثُّ أغانيها الوطنيّة لعلي الدِّيك وفراس حمزاوي وغيرَهما، وهوَ الأمرُ المُنسجِمُ مع امتلاء الشَّوارِع بالمُسلَّحينَ ببذّاتِهِم المُموَّهة، وذقونِهِم الكثّة الطّويلة، وأسلحتِهِم النّاريّة.. غيرَ أنَّ كُلَّ ما سبَقَ لا يُمثِّلُ شيئاً أمامَ ارتجافاتِنا غير الإراديّة المُتكرِّرة عندَ كُلِّ قصفٍ بالمَدافِع أو براجمات الصَّواريخ أو بمُضادّات الطَّيران أو بالدَّبّابات، لتكونَ ذُروةُ الرُّعب عندما تصُبُّ الطّائِرَةُ المُغيرَةُ حمَمَها في وادي عين ترما، على مسافةٍ لا تبعدُ عن مكانِنا الذي نعبرُهُ في الدّويلعة أكثَر من 500 متر، فتتصاعَدُ سُحُبُ الدُّخانِ، وتتكاثَرُ كغِطاءٍ داكِنٍ تراهُ من أيِّ مكانٍ في دمشق وهوَ يُحيطُ بها من الشّمال والشّرق، ويُضافُ إلى كُلِّ ما سبَقَ الاحتمالُ الدّائِمُ في أيَّ لحظةٍ بسُقوطِ القذائِف العشوائِيّة -أو المَقصودة- التي لطالَما حصَدَتْ أرواحَ الكثيرين في شوارع دمشق».