رسالة إلى أصدقائي البيض

 فرجيني ديبونت
الأربعاء 2020/07/01
ديبونت تنتفض ضد إنكار العنصرية

صاحبة هذه المقالة فرجيني ديبونت من أهم الأقلام الروائية الفرنسية في الوقت الراهن. وهي إلى ذلك تمارس الإخراج السينمائي. حصدت أعمالها العديد من الجوائز وانضمت إلى حكام أكاديمية الغونكور  منذ 2016 قبل أن تستقيل منها سنة 2020 لتتفرغ للكتابة. يشهد مسارها الإبداعي والشخصي بالتزامها ونضالها لفائدة قضايا المرأة وانحيازها إلى فئة المقهورين والأقليات في المجتمع الفرنسي. والنص المنشور هنا عبارة عن رسالة حررتها عقب المظاهرة الداعمة لأداما تراوري (1) وهو شاب فرنسي من أصول أفريقية توفي أثناء مطاردة رجال الشرطة له بإحدى ضواحي باريس بتاريخ 19 يوليو 2016. والرسالة موجهة إلى “أصدقائها البيض ممن لا يفهمون أين هو المشكل بالضبط”، تنتفض ضد إنكار العنصرية وتوضح كيف أن “بياض البشرة” يمثل امتيازا.                                                                             باريس، يوم 03 يونيو 2020

نحن في فرنسا لسنا عنصريين ولكنني لم أر في ما أذكر رجلا أسود يشغل لدينا منصب وزير. مع أني أبلغ خمسين سنة من العمر وتوالت عليّ حكومات عديدة. نحن في فرنسا لسنا عنصريين ولكن السود والعرب يشكلون الأغلبية الساحقة من نزلاء السجون. نحن في فرنسا لسنا عنصريين ولكنني أنشر كتبي منذ 25 سنة ومع ذلك فلم يستجوبني خلال هذه الفترة كلها سوى صحافي أسود وحيد. وصوّرتني امرأة وحيدة أصولها جزائرية. نحن في فرنسا لسنا عنصريين ولكن آخر مرة رفض نادل أن يقدم لي المشروب في الفضاء الخارجي من المقهى كنت برفقة عربي. وآخر مرة طلب رجال السلطة هويتي كنت برفقة عربي. وآخر مرة كاد الشخص الذي كنت أنتظره أن يصل بعد مرور القطار لأنه كان يخضع لفحص هوية داخل المحطة، كان هذا الشخص أسود.

 لسنا عنصريين في فرنسا ولكنّ الأمهات اللواتي شاهدناهن خلال الحجر يتعرضن لضربات الصاعق الكهربائي بذريعة عدم توفرهن على ورقة الخروج التي يستصدرها الناس ذاتيا، لم تكن من ذوات البشرة البيضاء، وكنّ من سكان الأحياء الشعبية. بينما شوهدنا نحن ذوات البشرة البيضاء خلال هذا الحجر ونحن نمارس الركض أو نتسوق في المقاطعة السابعة (2). لسنا عنصريين في فرنسا ولكن عندما أُعلِن بأن معدل الوفيات في حي سين سان دوني(3) هو أعلى بستين مرة من المعدل الوطني، لم نقابل ذلك بشيء من عدم الاكتراث فقط وإنما سمحنا لأنفسنا أن يهمس بعضنا للآخر “ذلك لأنهم لا يلتزمون جيدا بقواعد الحجر”.

أكاد أسمع دوي التغريدات المأجورة تعبر ساخطة عن إحساسها بالإهانة كما تفعل ذلك في كل مرة ينبري فيها أحد الأصوات ليقول كلاما يخرج عن خانة البروباغندا الرسمية “يا للفظاعة، ولكن لماذا كل هذا العنف؟”.

وكأن العنف ليس هو ما جرى يوم 19 يوليو 2016. وكأن العنف لم يكن احتجاز إخوان آسا تراوري (4) في ذلك اليوم (كان يوم ثلاثاء)، شاركت لأول مرة في حياتي بتجمع سياسي ضم أكثر من 80000 شخص ونظمه فريق من غير البيض. ولم تكن تلك الجماهير عنيفة. وفي يوم الثاني من يونيو 2020 تحولت آسا تراوري بالنسبة إليّ إلى أنتيجون جديدة. ولكن هذه الأنتيجون ترفض أن تدفن حية بعد أن قالت “لا”. أنتيجون لم تعد وحدها. لقد تشكلت جيوش لتناصرها.

إن الجماهير تهتف “العدالة لأداما”. وحين يقول هؤلاء الشباب بأن مجرد رؤيتك للشرطة يرعبك إذا كنت عربيا أو أسود فهم يعرفون حق المعرفة ماهية ما يقولونه: إنهم يقولون الحقيقة. يقولون الحقيقة ويطالبون بالعدالة. أمسكت آسا تراوري مكبر الصوت وتوجهت إلى من حضروا قائلة “إن اسمكم قد دخل التاريخ”. ولم تهتف لها الجماهير لما تتمتع به من كاريزما ولا لكونها تبدو جذابة في الصور. الجماهير تهتف لها لأن القضية عادلة. العدالة لأداما وأيضا لكل من لا يحمل البشرة البيضاء. ونحن البيض نهتف مرددين الشعار نفسه ونعرف بأن من العار أن لا يشعر المرء بالخزي لأن الأوضاع في سنة 2020 ما زالت تستدعي منا أن نردد مثل هذه الشعارات. العار هو أقل ما يمكن.

أنا بيضاء. وأغادر بيتي كل يوم دون أن أحمل معي الأوراق الرسمية. أمثالي لا يرجعون للمنزل إلا إذا نسوا بطاقتهم البنكية. المدينة تقول لي بأنني هنا في بلدي. إن بيضاء مثلي يمكن لها -خارج فترة الجائحة – أن تتنقل كما يحلو لها في المدينة دون حتى أن تلحظ أماكن تواجد الشرطة. وأنا على يقين بأن الدنيا ستقوم ولن تقعد إذا ما جلس على ظهري ثلاثة من أفراد الشرطة وخنقوني حتى الموت. إن الامتياز هو أن تكون لديك القدرة على الاختيار بين التفكير في وضعيتك أو نسيانها. لقد ولدت بيضاء مثلما ولد البعض رجالا. لا يمكنني أن أنسى كوني امرأة. ولكن يمكنني أن أنسى بأني بيضاء. هذا ما يمنحك إياه بياض البشرة. أن تفكر فيه أو لا تفكر، حسب المزاج. في فرنسا لسنا بعنصريين، ولكنني لا أعرف شخصا واحد، أسود أو عربيا، لديه هذا الخيار.

ترجمة عزيز الصاميدي

kkkk

(1) أداما تراوري، وهو شاب فرنسي من أصول أفريقية توفي أثناء مطاردة رجال الشرطة له بإحدى ضواحي باريس بتاريخ 19 يوليو 2016.

(2)  واحد من الأحياء الراقية في باريس.

 (3) حي شعبي في ضواحي باريس تقطنه أغلبية كبيرة من المهاجرين.

(4) شقيقة أداما تراوري وناشطة فرنسية مناهضة للعنصرية.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.