زمن روائي محيّر

الجمعة 2016/04/01
لوحة: خالد خدور

لم تبدأ لحظة الدم منذ خمس أو ست سنوات في الوطن العربي، فهذه اللحظة مستمرة منذ أن بدأ الصراع الفلسطيني الصهيوني، لكن تقلبات الأحداث واتفاقيات السلام الهزيلة والمشبوهة والمواقف الصادمة جعلت الدم الفلسطيني أمرا عاديًا، فلولا بعض الأصوات هنا وهناك لاندثر الأدب المقاوم. والخشية الكبرى، لو طال أمد القتل والاقتتال في سوريا والحالات الشبيهة أكثر، أن يتحول الدم إلى خبر هامشي في حياتنا، أو إلى حالة غير صادمة لعقولنا ووجداننا، وبالتالي، تصبح الكتابة في الدم أمرًا غير ذي شأن، كما هو الحال الآن، في شأن الكتابة عن فلسطين والقضية الفلسطينية. في ظل هذا المشهد الدموي الذي قد يطال الحرف، نخشى أن يلعق الحرف دمه الذي ينزّ منه ويتجاوز جرحه ويكتب صاحبه عن اجتراره لتفاصيل المشهد، فيقع في الفجاجة الأدبية الفنية والموضوعية، أو يحلّق بعيدًا عن المشهد الدموي فيكتب في موضوعات أخرى، متذرّعًا بضبابية المشهد، وغضبه من كل اللاعبين.

أكاد أجزم أنه لم يمرّ على الأديب العربي زمن أكثر حيرةً من هذا الزمن، وهنا ندخل في صلب الموضوع، على الروائي العربي التخلص من حيرته الإبداعية الناتجة عن التردد في الاصطفاف، وينحاز نحو محاربة الفكر الذي ولّد هذا المشهد الفوضوي المليء بالمكر والاستبداد والمتاجرة بالدم والدين والبشر ومصائر المجتمعات وتاريخها وحضارتها، وأن يقفز فوق المشهد المباشر لينشغل بالقيم والمبادئ الإنسانية، ويروّج للمجتمع الناضج الذي تسوده قيم التسامح الفكري والمذهبي والديني، وأن يطرح رؤاه بشأن المستقبل إنقاذًا للحاضر من دمويّته واستدامةً للسلم الأهلي، وأن يستمر في مناوشة الاستبداد وصوره وشخوصه، وأن يحارب ويفضح الاستبداد في كل صوره، المجتمعية والسياسية والأمنية والدينية والمذهبية والفكرية والتربوية والاقتصادية والعاطفية وغيرها، وأن يواصل مقارعة الصهيونية كفكر وممارسة ومنهج وثقافة بصفتها جذر الاستبداد السياسي والديني.

فالدم الذي يسيل الآن في أيّ قرية سورية أو عراقية أو ليبية أو يمنية أو تونسية أو لبنانية، هو استمرار لسيلان الدم الفلسطيني في فلسطين على أيدي العصابات الصهيونية، التي شكلت دولة (إسرائيل) بمساعدة الدول الكبرى التي لم تتخلص حتى اليوم من ثقافتها الاستعمارية، ضاربة بعرض الحائط ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي. ومن يسأل عن الرابط، عليه أن يعود إلى الرموز الصهيونية التي دست نفسها في صفوف المعارضة قبل ست سنوات أو أكثر، وأوّلهم الفرنسي الصهيوني برنارد ليفي.

الروائي لديه أدوات تختلف عن أدوات السياسي، ولهذا فإن مهمته شاقة وصعبة، ولهذا عليه أن يكون عميقًا في معالجته، دقيقًا في قيادة فكرة الرواية، وصادقًا في توصيف المشهد، وأن يلجأ إلى البحث وأن لا يكتفي بالوجدانيات.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.