سلطة الموهبة
الإبداع حالة جمالية إنسانية لا يوجد فيها شروط حين لحظة تعبير بأي وسيلة ينتهجها المبدع، صورة، رسمة، حرف. لاشيء يتيح التعبير المتميز سوى الموهبة الحقيقية والخلفية الثقافية والذائقة الجمالية التي يعكسها العمل بحيث نجد بصمة المبدع تتسم بأسلوب لا يجب أن يشبه غيره. مسألة أن يكون المبدع أنثى أم رجل (أي مسألة الجندرة) لا يجب أن تكون الإطار الذي يحد المتلقي في تناول المنتج الإبداعي أياً كان. كيف يعبر الروائي على سبيل المثال على ألسنة شخوص نصه وأسلوبه السردي وعرض أفكاره لا يستوقفنا إلا النص، وكاتبه الحذق يجعلنا نرحل في عوالمه دون أن يذكرنا بمن هو أو هي وإن حدث فليكن بأسلوب تلقائي وجمالي مضاف وليس لمجرد التذكير وفرض أناه دون إضافة مجدية للنص. مفهوم أو مصطلح أدب نسوي وضع لسبب أكاديمي في التصنيف كان نقول: أدب أميركا الجنوبية، أدب الحروب،….الخ، كلها بغرض تسهيل الدراسة لهذه النوعية من الأدب. هناك تساؤل هل الأدب النسوي هو ما تكتبه المرأة أم الذي يُكتب عن المرأة؟ المهم هذه المسميات خاطئة جداً إن أطرت كصنف جازم ومحدود بمسماه. الإبداع هو الإبداع مجرداً من كل هذه المسميات الدارجة.
تكتب المرأة لأنها كائن إنساني؛ كما الرجل تماماً. هذا الكائن اكتسب خبراته وله ثقافة ووعي وطاقة إبداعية حركتها دوافع محفزة لوضع فكرة في نص عبر لغة هي وسيلة للتواصل. إجادة توظيف اللغة لا يحدها جنس المبدع أياً كان. لغتنا العربية على سبيل المثال أنثت وذكرت بأسس وقواعد، هل قدم أو أخر هذا في تقدمنا أو تأخرنا ثقافياً وحضارياً؟ ما السبب؟ أهو اللغة أم أسلوب التفكير والتعبير؟ فلنترك العنان للمبدع أياً كان في التعبير كما يشاء طالما أن نصه به إضافة في عالم السرد بجماليات وعطاءات هادفة ومثمرة للفرد والمجتمع. إن تأخر السرد في إقليمنا العربي عن تطوره ببساطة لا لشيء سوى نتاج التفكير الذي يجرف للتمييز: قبلي وجندري..الخ ووضع لاءآت عمياء تحدث ثقوب واهتراء في النسيج الثقافي وباله لن يطول الإبداع والمبدع فحسب بل المجتمع بمجمله.
نحن في عصر الثروة والثورة المعلوماتية والتقنية. طالتنا تغيّرات في التواصل والتلقي أثرت في أسلوب التفكير والفهم والاستيعاب والتعبير، واستجدت تغيرات جوهرية في مناحي حياتنا شئنا أم أبينا. إن عشنا بمعزل عن هذه الحقائق فلن نجدنا إلا أمام حلقة مفرغة تحملنا للخلف حضاريا وفكريا.
في كندا خلال عشرينات القرن الماضي صدر بيان مهم حينها: تعتبر المرأة كائن إنساني! في ثمانينات القرن الماضي أيضاً أصبحت المرأة تتحصل على حقوقها المدنية وتساوى بالرجل.
في وطننا العربي، فلننظر أين كنا وأين أصبحنا لنستوعب ما فعلناه بحضارتنا! لا طريق للخلاص إلا بنبذ أسباب التردي ومنها بشكل رئيسي أن يعامل الكائن الإنساني أياً كان ككائن إنساني دون حدود جغرافية أو عرقية أو جندرية أو أي تمييز لا ينتج إلا الفرقة وإهدار الطاقات في ما هو غير مجد. بالإبداع نصل لأرقى عوالم الإنسانية، بالإبداع تبنى حضارات وبمحاربته تفنى حضارات.