شبه وصية
شبه وصيّة
خفيفًا تجيء إلى الأرضِ
تدخل حيّز هذا الوجودِ
سحابًا يغادر أفقًا عظيمًا
إلى هامشٍ ضيّقٍ
ثم تبكي
(سيأتيكَ يومٌ وتعرفُ سرَّ البكاءِ...
فلا تتعجل)
وَتصرخُ
(تجهلُ حتّى خروجَك من رحم الأزرق السرمديّ
لماذا الصراخُ)
فأنت جديدٌ هنا يا صغيرُ
على هذه الجلجلةْ
هنا يفرحون كثيراً:
«لقد جاءنا الآن من يحمل اسم القبيلةِ»
(إسمُ القبيلةِ فعلُ انتماءٍ كفيفٍ إلى آخرينَ
انتموا ذات «رمية نردٍ» إلى آخرينَ
انتموا هم كذاك إلى آخرينَ
إلى آخرينَ
إلى آخرينَ
إلى آخر السلسلةْ)
ستحملُ يا طفلَ هذا التّشظي
ملامحَ وجه أبيكَ
وَذلك يكفي لكي يعرف الأهلُ
والنَّاسُ ممن يجيدون فنَّ الفراسة من أنتَ
«إبنُ أبيكَ»
وَذلك يكفي لكي يتذكر جار الطفولة فظُّ الطباع
حكايتَه مع أبيك المراهقِ
(أمُّكَ كانت رفيقةَ أحلامه الشّارداتِ
وكانت حبيبتَه في الخيال لثانيتينِ
وجاء أبوك ليحملها تحت طرحة عرسٍ بهيٍّ
إلى واقعٍ مختلقْ)
ستحمل جيناتِ أمِّكَ
عاصفةً من رحيق الأنوثةِ
(يحتاجُ كلّ الرجال إلى قبسٍ من رحيق الأنوثةِ كي يستمروا رجالاً)
وعاطفةً كالنَّسيم الخفيفِ
يسامرُ ليلاً زهورُ البتونيا
وَيعبرُ فجراً سهولَ الألقْ
سيحملُ لاوعيك الغِرُّ أيضاً
مئاتِ السنين التي لم تعشها
مئاتِ الحوادثِ
والذكرياتْ
(على هذه الأرض حيث نموت لأنّ الحياة أدارت لنا ظهرها مرتين
نوَّرثُ أطفالَنا الذكرياتِ
وَنرضعُهم حفنةً من قلقْ)
صديقٌ قديمٌ لجدِّكَ
ممَّن تمرّس في الزئبقيِّ
وَجاب المتاريسَ والأيديولوجْياتِ طولاً وعرضاً
وَغيّر من جلده إثرَ كلِّ انقلابٍ
سيرقصُ من زهوة النصرِ:
«هذا حفيدٌ جديدٌ سيصدح باسم الزعيم المفدّى»
(بلاديَ «صندوقُ فرجةِ» هذا الزّمانِ
تفرّخ كلّ صباحٍ زعيماً مفدّى
وتأكلُ كلّ مساءٍ زعيماً مفدّى
تمدُّ إلى القعر أغصان جهلٍ
وَتتقن جداً فنون الغرقْ)
ستحملُ...
لا...
ستُحمَّل حال مجيئك ديناً
يقولُ لك الكلُّ حولَك أنه وجهُ السَّماءِ الوحيدُ
وكلُّ الذي ما عداه انحرافٌ عن الدربِ
واللهِ
والفطرةِ الصالحةْ
هناكَ، وفي جانبٍ آخرٍ من متاهة هذي التجاربِ،
طفلٌ صغيرٌ سيولدُ
سوف يقاسمُك اللحظة المنتقاةَ بحرصٍ شديدٍ
خروجاً إلى عالَمٍ مبهمٍ
سوف يحملُ...
لا...
سيُحمّل ديناً
يقولُ له الكلُّ أنه وجهُ السَّماء الوحيدُ
وكلُّ الذي ما عداه انحرافٌ عن الدربِ
واللهِ
والفطرةِ الصالحةْ
وَبين الجميع الذين هنا والجميع الذين هناكَ
تخونُ (الحقيقةُ) أصحابَها
(ما الحقيقةُ إلا احتمالٌ على سكّة العدم الدائريّ
وَما الدربُ إلا مخالبُه الجارحةْ)
تمرّد على (كلِّ هذا العجين)
وَكن أنت عطرَ انفجار السماءِ
على رقعةِ الأسئلةْ
وحارسَ أرواحِنا المهمَلةْ
وَكن مثلما
صدفةً، عاشقانِ على حافّة البحرِ