صورة العالم بعد سوريا

الجمعة 2016/04/01
لوحة: عمرو وهيبة

أتكوّم أمام شاشة التلفزيون مذهولاً، أبحث عن بصيص أمل في تلك الأخبار المتواصلة حول ما يدور في سوريا، وقد فاض ألم شعب بأكمله وقد فض مخلفًا دمه يسيل أنهارًا. أجد الحموضة تكتبني تتصاعد لتحتل صدري، حتى صادقتني الحبوب المضادة للحموضة. تطاردني تلك الصور المتجددة على شاشات الفضائيات وقد تحوّلت شوارع وميادين مدن سوريا إلى أنقاض يتصاعد من بينها أنين متواصل، ركام قبيح، تلك الشوارع والساحات التي عرفتها في زياراتي خلت من الحياة إلّا من الكتل الخرسانية وقضبان الحديد الحلزوني. وقد انتشرت أسراب الموت والهدم والتدمير.

أبحث عن أمل متنقلًا بين أفواه المحللين، ليأخذ طفح غريب ينتشر على جلدي. يقول الطبيب الكيّ أفضل علاج. أهرب بطفحي لأجد ذلك الطفح يكتب سيرته فوق جلدي. يعاود صوت الطبيب: ابتعد عن نشرات الأخبار، ابتعد عن القلق حتى لا يزيد جلدك تشوها. لكنني أتركه ونصائحه، أبحث عن أمل، لأجد أن ما يدور في سوريا أكثر من استبداد وأكثر من طغيان، وأن ذلك سقوط أخلاق الإنسانيّة. لعبة القبح، لعبة الشياطين التي أنكرنا وجودها، لقد تجمّعت لتثبت وجودها، تقيم حفل عري في سوريا. لم تعد شياطين سوريا إلا كومبارس أو خدمًا يعدون أسرّة لشياطين قارات العالم. لم تعد من أخلاق على وجه هذا الكوكب. يكتبون ونحن نقرأ قبحهم البغيض. يذبحون ما توهمنا من قيم إنسانيّة.

يمتطون الله مستخدمين الأديان أدوات سحل وسبي وتشريد. ويتحول ساسة العالم إلى طواغيت يمارسون حيلهم المكشوفة باسم مصالح شعوبهم. سقطت أخلاق العالم في سوريا، ولم يعد من إنسانيّة على وجه هذا الكوكب.

أكتب صلواتي أملًا بالسلام والمحبة كل ليلة لأرض سوريا. لأن ما يعتمل على أرضها باسم الدين والمصالح الأميركية الروسية الأوروبية التركية. أحاول أن أغمض عيني وأن أتخيل حين أفتحها علّي أجد صوتًا يقول لي ما ظننته يدور مجرد كوابيس. مجرد تهيؤات لنفسك المريضة، وأن الإنسان لايزال يمتلك أخلاقًا، ولا يمكن أن يتخلّى عنها.

لأرى الواقع بقبح يتجاوز الخيال. وما يدور في سوريا لا يخص سوريا. ومن يظن أن المجتمع الإنساني بعيد واهم. المسألة تجاوزت ذلك التقتيل والتشريد إلى سقوط أقنعة الزيف الأخلاقي العالمي، سقوط ضمير مجتمعات كنا نظن واهمين بأنها شعوب متحضرة، لنرى بأن التحضر الزائف فقط شعارات وأنانية محضة.

سقطت أخلاقيات الأخوة، وقيم الإنسانيّة. ولذلك ما يدور في سوريا سيكون له أثر خطير على الإنسانيّة جمعاء، بعد أن سقطت أخلاقيات العالم. فلا دولة إلا وشاركت في ذبح سوريا. ولا مجتمع إلا وساهم في قتل وتشرد إنسان سوريا، بالتنظيم والتمويل لتلك الجماعات الدّينية والفرق المقاتلة. ولا مجتمع إلا وساهم في دعمها وإن أنكروا ذلك. ليحوّلوا سوريا إلى أرض لتجارب قبحهم.

بعد سوريا العالم لم يعد العالم. والإنسان لم يعد الإنسان. لقد مرّت حروب كبرى على كوكبنا، ودمّرت مدنا وشردت مئات الملايين وقتلت الملايين. لكنه الإنسان اليوم غيره فيما يدعي من قيم. الإنسان لم يصل في ذلك الوقت إلى درجة الخداع والمكر والإدعاء برقيّ مثلما هو اليوم.. أبواب جهنم فتحت، ولا مجتمع إلا وسيعنى مما يدور لشعب سوريا.

ولذلك ننتظر أن لا يكتفي العالم بإنهاء قبحه إلا بإقامة محاكمة لمن كان سبباً في سقوط أخلاق العالم في داخل سوريا وخارجها، من نظام وجماعات متأسلمة ودول ممولة وأخرى متورطة لحفل الإبادة والتدمير. فماذا يكتب الرّوائيّ نحو كل ما يجري. بل ذلك ما يكتب الرّوائيّ ويدمره.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.