عزلتي القسرية ولذة الانتقام
حقيقة شعوري في خلال العزلة التي فرضها علي فايروس كورونا عبارة عن لوحة سريالية تجتمع فيها عناصر واضحة المعنى، لكنها تتحول إلى طلاسم يصعب فهمها بعد جمعها ضمن إطار واحد.
الخوف بل الرعب من بطش هذا المارد الذي لا يُرى، الانتظار في قلب معركة من دون سلاح، العجز عن الحلم، عن الأمل، عن التفاؤل، كلها مشاعر رافقتني في عزلتي، ولكن، رافقني أيضاً شعور لمَ ولا أستطيع تفسيره، شعور يناقض المشاعر البديهية لرجل خائف من المجهول.
منذ اليوم الأول شعرت بلذة لا أملك توصيفها، رافقتني طوال فترة عزلتي، كنت سعيداً بانقطاعي جسدياً عن العالم الخارجي، هذا العالم الذي أرهقني بتفاهاته وسخافاته التي اغتصبت حياتي وأصبحت جزءاً منها رغماً عني، عزلتي هذه حرّرتني من أقنعتي المتعددة التي كنت أبدلها مرغماً بين لقاء وآخر وبين ظرف وآخر، واللذة الأهم التي منحتني إياها هذه العزلة هي لذة الانتقام.
نظرياً أنا ضد فكرة الانتقام، وضد العنف، وأمارس ذلك في حياتي العائلية والاجتماعية والتربوية وأعلّم طلابي وأحفزهم على ثقافة السلام والتسامح وتقبل الآخر ومحاربة الشر بالخير.. الخ، لكني مع كل هذه القناعات الإنسانية وجدتني أتلذذ بالانتقام الذي حققه هذا الفايروس من كل جبابرة الأرض وطواغيتها وآلهتها وممثليهم المغرورين وقادة دولها وجنرالاتها وتجار حروبها واقتصاداتها وأصحاب رؤوس أموالها وبنوكها ومهندسي عولمتها وناهبي ثروات شعوبها وفقرائها، تلذذت بما فعله هذا الفايروس بهؤلاء، كيف أوقف مشاريعهم، كيف أرعبهم، كيف أوقف حروبهم، كيف أنزلهم من جبروتهم الوهمي وحاصرهم في غرفهم الضيقة، كيف ساواهم بكل بني البشر، كيف حوّل منجزاتهم إلى سراب، لقد انتقم هذا الفايروس لي ولكل الرافضين في هذه الأرض، لكل مريدي التغيير نحو عالم أكثر انسانية وأكثر عدالة، لكل الصامتين المغلوب على أمرهم.
في عزلتي القسرية امتزج الخوف باللذة، لا داعي لتفسير ذلك، ولا داعي لتفسير كل ما يحصل معنا وحولنا، هي الحياة هكذا، لوحة سريالية يصعب تفسيرها.