فاطمة المرنيسي أيقونة علم الاجتماع في المغرب

فاطمة المرنيسي كاتبة وعالمة اجتماع مغربية تعتبر أيقونة علم الاجتماع في المغرب وتمثل نموذجا للكتابة بأيد نسائية، من مواليد 1940 بمدينة فاس، من عائلة بورجوازية، درست بجامعتي محمد الخامس بالرباط والسوربون بفرنسا وبالولايات المتحدة الأميركية.

تعد من الكاتبات الجريئات، حيث اخترقت الطابوهات الاجتماعية التي تكتنف المجتمع المغربي، مما جعلها مزعجة للسلطات، فصودرت العديد من كتبها، تميزت تجربتها الفكرية بالتنوع ما بين الفكر الديني والفكر السياسي والفكر الاجتماعي وفكر اللقاء الحضاري، ما جعلها تغني مكتباتنا بالعديد من الإصدارات منها: الحريم السياسي – سلطانات منسيات – هل أنتم محصنون ضد النساء؟ – شهرزاد ليست مغربية…

اهتمّت فاطمة المرنيسي في دراساتها بقضايا متعددة أهمها: المرأة – الأسرة – الطفل، مع تركيزها على قضية المرأة بصفة خاصة، وما تتعرّض له من أشكال القهر والظلم والاستغلال والعنف والتمييز الجنسي والقانوني، لكونها تراها مفتاح دمقرطة المجتمع وتقدمه، وما عبرت عنه مقدمة كتابها “الحريم السياسي”، “أرى قضية المرأة في المجتمع العربي، من أبرز المسائل المطروحة على ساحة الفكر في هذا المجتمع.. وأن علاجها من مختلف الزوايا مفتاح الحل لكثير من العقد الأخرى”. (المرنيسي فاطمة، الحريم السياسي، ترجمة: عبدالهادي عباس وجميل معلي، دار الهادي للنشر والتوزيع، دمشق، 1994، ص 5).

تستحضر المرنيسي، في كتاباتها التراث الإسلامي وتاريخ المجتمعات الإسلامية، لإعادة قراءته قراءة حداثية تبحث في الجوانب المضيئة في تاريخ المرأة العربية ومساهمتها في القرار السياسي، كمساهمة عائشة رضي الله عنها أثناء وقوفها ضد خلافة علي بن أبي طالب. واعتمدت المرنيسي في قراءتها هذه على المنهجيات الأوربية مستحضرة الماضي، لإضاءة الحاضر وفهمه اعتمادا على تعامل محدد مع التراث، تقود فيه المقدمات إلى نتائج وخلاصات وترى أن “قراءة التاريخ ينبغي بالضرورة أن تدفع كل المفكرين للمشاركة في الأمر، ولا يضير اختلافهم بحثا عن جوانبه المتعددة، أين أصاب الأجداد وأين أخطؤوا، وكيف عالجوا حياتهم وكيف تصارعوا مع النفس ومع الآخرين” (المرنيسي فاطمة، سلطانات منسيات، ترجمة: فاطمة الزهراء أزرويل، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء،2000، ص 8).

قام مشروعها الفكري على مقاربتين: مقاربة نظرية تعتمد الحفر في التراث الإسلامي ودراسة المجتمعات الإسلامية من أجل إعادة قراءته قراءة حداثية، تبحث فيه عن الجوانب المضيئة في تاريخ المرأة العربية مستفيدة من المنهجيات الغربية، خصوصا النزعات والمناهج التي نظرت في الفكر النسوي ومقاربة ميدانية، من خلال الاقتراب من وضعية المرأة وتشخيص وضعيتها الدونية في مجتمع ذكوري، من خلال الخروج إلى الواقع والميدان (استمارات واستبيانات..) لمعرفة أوضاع المرأة عن قرب. فالمرنيسي كانت تبحث في علل انحطاط القطاعات النسائية في المجتمعات العربية قبل أن تبحث في علل التقدم.

اعتمدت المرنيسي في اجتراحها لواقع المرأة العربية والمغربية، على ثنائية ثابتة: الرجل/المرأة، الرجل كعدو وخصم ومستبد وقوي، والمرأة ككائن ضعيف يعاني من الدونية والإقصاء والاضطهاد، وما صاحب هذه الثنائية من صراع بين الجنسين.

واعتمدت كذلك على ثنائية الداخل/الخارج، ففضاء الداخل يمثله فضاء الأسرة حيث الحرم والحريم وما يكتنف هذا الفضاء من امتثال وإقصاء ومعاناة للمرأة في صمت رهيب، أما فضاء الخارج فهو فضاء الرجال حيث العمل خارج البيت، والسعي الدائم لتكريس وضعية المرأة الدونية.

فمجمل كتابات المرنيسي هدفها كسر وضعية الثبات الذي كانت تعيشه المرأة رغبة منها في كسر الحدود التي نمت وترعرعت داخلها، وعن ذلك تقول في إدانتها للمجتمع الأبوي في “سلطانات منسيات”، “كان أبي يقول: عندما خلق الله الأرض كانت لديه أسباب حكيمة لفصل الرجال عن النساء وبسط بحر بأكمله بين المسيحيين والمسلمين.. بيد أن النساء لم يفكرن سوى بخرق هذه الحدود حيث كن أسيرات لهواجسهن بالعالم الخارجي”. وكان سبيل المرنيسي لتحقيق المرأة لحقوقها يمر عبر التربية والتعليم، ورصدت في دراساتها ما عانته المرأة المغربية في سبيل انتزاع هذا الحق في التعليم، وبالتالي خروجها من فضاء الحريم إلى الفضاء الخارجي، رغم الحساسية التي أبدتها بعض شرائح المجتمع من ذلك، ومن أمثلة ذلك ما أوردته المرنيسي في “النساء الحريم” عن ذلك الشيخ الذي قال للملك محمد الخامس “إن تعليم بنت هو كإسقاء السم لأفعى.. أفعى تسقى سما، فرد عليه: البنت ليست أفعى، وليس من المعقول أن نكون – أنا وأنت- ولدين لأفعيين” (المرنيسي فاطمة، النساء الحريم، ترجمة :ميساء سري، دار ورد للطباعة والنشر، دمشق، 1994، ص 267). فالتعليم سمح للمرأة المغربية بالمساهمة الاقتصادية داخل الأسرة، ودخولها سوق الشغل، وخضوعها لقوانينه كالسكن بعيدا عن الأسرة وربط علاقات مختلفة عن العلاقات التقليدية، لتختفي التبعية الاقتصادية وتتقوض الأيديولوجيا العائلية القائمة على مراقبة المرأة مقابل حرية لا محدودة للرجل، فحدث تحوّل مهم في بنية تفكير الإنسان المغربي في نظرته للمرأة، ولعديد القضايا التي كانت تدخل في إطار الطابوهات كالجنس وغيره من الطابوهات.. إلا أنه لا بد من الإشارة، أنه رغم ما حصلت عليه المرأة المغربية من مكتسبات بفضل نضالاتها خصوصا مدوّنة الأسرة سنة 2004، ووصولها إلى المناصب العليا فإن ذلك لا ينفي وجود بعض الحواجز الخفية، التي تعاني منها المرأة في مجتمعنا المتمثلة في أحكام القيمة في بعدها السلوكي والتنظيمي، والتي تحول دون وصولها إلى مناصب القرار أو ما يصطلح عليه في الولايات المتحدة الأميركية بالسقف الزجاجي.

نافلة القول رحلت المرنيسي، وقلبها متحسّر على وطن استعصت جروحه على الاندمال.. رحلت بصمت، كبيرة، عظيمة، شامخة.. رحلت، واعتذارنا اليوم لها لن يصلها.. عاشت بيننا وحملت هموم وطننا وقضاياه، وكتبت حول المرأة وقضاياها ونفضت الغبار عن تراثنا، ولم نوفيها حقها. استفادت منك أمم متقدمة، وتنكر لك أبناء الوطن.. لكن هيهات، فرغم رحيلك، فأنت خالدة.. باقية في التاريخ بأفكارك ومواقفك.. فأنت أيقونة علم الاجتماع المغربي وأنت من الراحلون الخالدون.

باحث وأكاديمي من المغرب

مراجع

            •          شراك أحمد، الخطاب النسائي في المغرب (نموذج فاطمة المرنيسي)، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 1990.

            •          المرنيسي فاطمة، الحريم السياسي، ترجمة: عبدالهادي عباس وجميل معلي، دار الهادي للنشر والتوزيع، دمشق، 1994.

            •          المرنيسي فاطمة، سلطانات منسيات، ترجمة: فاطمة الزهراء أزرويل، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2000.

            •          المرنيسي فاطمة، النساء الحريم، ترجمة: ميساء سري، دار ورد للطباعة والنشر، دمشق، 1994.

            •          شراك أحمد، الخطاب النسائي في المغرب (نموذج فاطمة المرنيسي)، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 1990.