قصة أطفال الغوطة
أمير تاج السر
طبعًا كما هو معروف، فإن الرّواية مزيج من الواقع والخيال، بمعنى أن الكاتب يستقي من الحياة أفكارًا، تمثل أحداثًا كبيرةً أو صغيرةً، ويطوّرها أو يسدّ فجوات الحكي فيها بما يستطيع تخيّله. هذه هي ميكانيكية معظم الأعمال الرّوائيّة، ونجد من يعتمد على الواقع كليةً، في كتابته، ومن يعتمد على الخيال كليًا في كتابة أعمال فنتازية، لم تحدث ولن تحدث.
حقيقة منذ أن اندلعت ما سميت ثورات الربيع العربي، والمبدعون مشغولون باستنباط الدروس منها وصياغتها أدبيًا، وهذا أمر مشروع، فما دامت الثورة الفرنسية ألهمت كتاب فرنسا ومفكريها، وحرب فيتنام ألهمت الأميركيين، وحرب الخليج الأخيرة، خرجت من مخلفاتها عشرات الأعمال الإبداعية وغير الإبداعية، فما يحدث الآن من ترف في نزف الدّم والموت، والقتل بذرائع مختلفة، سيكتبه التاريخ بحبره الجاف ولكن سيكتبه الرّوائيّون بأحبارهم التي لن تكتفي بالأحداث وحدها، ولكن تخترع مسارات أخرى، ربما كانت ستنتهجها الأحداث.
ماذا يكتب الرّوائيّ اليوم؟
ليس هناك أصعب من كتابة المأساة، ولا أسهل منها أيضًا. المأساة تمنحك نفسها بكل تأكيد، تمنحك أبعادها وزواياها والعالقين بها، وفي نفس الوقت، تتغلغل إلى شعورك وتهزه، لا بد من الكتابة عن تلك الأمّ التي غرقت، ويداها ترفعان طفلًا بوهم إنقاذه، لا بد من تناول إيلان الوسيم، الطفل الذي غرق، وتناقلت الدنيا صورة موته المؤسف، إنه بطل لروايات أنا متأكد أنها تكتب الآن، الرّوائيّ يتأمل ويقرأ الأحداث ولن تفوته صورة المرأة البائسة التي حكم عليها أفراد لا يمثلون أيّ سلطة أخلاقية بالموت وجاؤوا بوالدها ليقول: لست ابنتي ولا أعرفك. ستكتب قصة أطفال الغوطة، بألعابهم التي ظلّت مبعثرة في بقايا عالمهم الصغير، بعد موتهم خنقًا، وستكتب قصة الخونة والضالعين في صناعة الموت والذين تأكد التاريخ من عدم صلاحيتهم لأيّ شيء، لكنّهم ما زالوا يمتلكون صفحات من التاريخ، يشخبطون عليها.
الاستبداد بكل أنواعه، ليس جديدًا، والحروب التي تمزّق الدول ليست جديدة، فقد عرفتها الشعوب، وستعرفها ما دامت هناك شعوب حتى الآن، فقط تبدو لي المحنة هذه المرة، شديدة البطش، والرّوائيّ مستعد ما دام حيًا ويتنفس، أن يمسك بالمحن، ربما يبكي، لكنّه لن يفلتها. بعد سنوات من الآن سنقرأ روايات أو ملاحم، تحكي كل ذلك البؤس، وشخصيًا سأكتب شيئًا، وأظنّني كتبت عن تلك اللاجئة الممزقة في شرق السودان، التي التقيتها ذات يوم تحتضر، ولم أستطع أن أفعل شيئًا.
