كتابة الشعر وحرفته
1
أكتب الشعر من أجل أن أكتشف معنى وجودي، من أجل أن أرصد صورتي، بل صورة ذاتي المتحوّلة عبر المحطات الزمنية. أكتب الشعر لأجل أن أكتشف الداعي العميق لكتابة الشعر. باختصار، أذكر أن القصد الواعي والوحيد الذي أعلنته لنفسي، لحظة خروجي من الدير عام 1972، هو “أن أكتب”. أما كتابة الشعر، أو القصّة، أو غيرهما، فيتدبّرها الخزين الشعوري والفكري في حينه.
ولكني لا أطمح إلى تكوين مشروع شعري، أو الانخراط في تيار شعري جارف، حسبي أن أنمّي عالمي الشعري، وأجدد أسلوبي وأنقّيه من الشوائب حتّى يصحّ له أن يضاف إلى تراث قصيدة النثر، بل إلى التراث الشعري بعامة. ولربما كان ذلك ادّعاءً مبالغا فيه. على أي حال، الكلمة الفصل في ذلك تعود الى النقد الجادّ والمنفتح.
2
قبل الإجابة عن سؤالك، لا بدّ من تكرار الرجاء في أن يولد لنا نقدٌ أدبي بعامة، وشعري بخاصة يكون قادرا على تقييم الأعمال الشعرية بميزان دقيق ومعايير حديثة. أما ما أظنّه محققا في الكتابة الشعرية لديّ فهو تكوين تصوّر شخصي في بناء العالم وتشكيل القصيدة، وبالطبع لم يتمّ التركيز من قبل النقّاد سوى على الجانب الموضوعاتي.
3
سؤالك المركّب يحيل على قراءات الشاعر ومراجعه وتأثّره بشعراء آخرين، كما يحيل على آلية الكتابة اشعرية ومدى انعكاس القراءات في شعره؛ للإجابة نقول إنّه لمن البداهة اطّلاع الشاعر على تجارب شعرية محلّية وعالمية وتراثية، وهذا ما أعتبره أساسا أوّليا في تغذية الكتابة الشعرية وديمومة نسغها وسعي الشاعر إلى تطوير شعره. ومع تقديري للشعراء العرب، المعاصرين منهم والحديثين، فإنّ قراءاتي لأعمالهم غالبا ما تكون بمنظور نقدي، انتقائي، في حين أنّ لحظة الكتابة الشعريّة لديّ، وإن حفّزتها القراءات، فإنّها تنحو إلى نسيانها وعدم الالتفات إليها في حينه.
4
قد يكون بعض هذا الواقع صحيحا، لمجرّد النظر إلى مواقع النشر الإلكترونية، وكانت بعض الجرائد، قبل انحسارها وأزمتها، قد اقترفت تيسير النشر لعدد غير قليل ممن يكتبون أو يكتبن الشعر، أو المسمّى كذلك. ولكنّ الواقع برمّته يدلّ على أنّ سوق النشر الورقية – المتقلّصة اليوم – والسوق الإلكترونية، على الصعيد العربي، لا المحلّي، كشفتا عن أسماء ومواهب شعرية واعدة، وأخرى تحاول أن ترسّخ إبداعها وأسلوبا خاصا في الكتابة.
5
من قال إنّ الواقع أقلّ غرابة من الخيال؟ ثمّ ألم يكن من حروب وأوبئة وتهجير وملوك مستبدّين وآخرين عادلين؟ ولكن قد يكون تزامن الكوارث السياسية، ومظاهر الاستبداد لدى شعوبنا العربية، مع الكوارث الاقتصادية والظلم الاجتماعي والبيئي والصحّي والثقافي، دالاّ على أننا، أي العرب، نحيا في موجة جهل وتخلّف ارتدادية. وما على الشاعر والأديب إلاّ فهمها واستيعابها واستثمار موضوعاتها ومعاناته في سبيل إبداع الجديد دوما، شعرا وقصصا ومسرحا وغير ذلك. أما الصّامت من الشعراء فإمّا عجزا عن فهم مجريات الواقع، أو عجزا عن التعبير عن واقع لم يجد ما يترجمه إلى عبارات، أو يؤثّث عنه عالما من لغة وصوَر شعرية ورموز وتراكيب من لغة العصر، بل أعلى منها، أو إيثارا منه لعالم شعري سابق ومثالي برأيه.