كشوفات‭ ‬جديدة

الاثنين 2016/02/01
لوحة: ربيع كيوان

أتصور أن القصة القصيرة فنّ صعب، يرتكز على نوع من السرد، مكثّف ودال، تسبقه رؤية ما للكاتب‭.‬ كل كلمة لها دور في النسيج الحكائي من العنوان، مرورًا بلحظة التنوير، وانتهاءَ بالخطاب الذي يرسله النص‭.‬ لذا يمكن القول إن هذا الجنس الأدبي هو الأصعب، كما أنه كاشف عن موهبة الكاتب وحجم تأثيره في واقعه‭.‬

وتحاول القصة القصيرة أن تقدم كشوفات جديدة في الرؤى واللغة والمادة السردية ذاتها‭.‬ قد تتخلص من المقدمات الوصفية وتتجه لاختراق المسكوت عنه، وهي تقدم نصوصًا جارحة ما دام الكاتب متسلحا بالوعي وبحساسية اللغة وعنفوان الحدث‭.‬

في يقيني، من مهام القاص الأصيل أن يجرّب في الأشكال وطرائق الأداء، فهو يجمع بين إيقاع الشعر واتساع أفق المخيلة في الرواية‭.‬ كل التجارب الحقيقية مدّت فن القصة القصيرة بشيء من الجدة والعنفوان والبهاء، وتوجد تجارب قصصية تميل للشعر، لكنني لا أفرح بها، وأعتبرها نصوصا مارقة، لا تبحث عن أفق حقيقي لتأصيل فن القصة القصيرة‭.‬

وفيما يتعلّق بتأثر القصة القصيرة بفن الشعر، فقد بدأت شاعرًا، ومررت بفن الرواية عبر ثلاث تجارب، ثم توقفت طويلًا أمام شواطئ القصة القصيرة المترعة بالجدل الخلاق، وأعتبرها المنطقة الأكثر أمنا بالنسبة إليّ، وهي في ذات الوقت تمنحني مساحة واسعة للاجتهاد وتجريب أدواتي والاستناد إلى خبرة الحياة؛ فأنا كائن لا أكتب إلا ما أعرف‭.‬

وأرى أنه لا مجال للمقارنة بين الرواية والقصة القصيرة، فكلاهما مستقل عن الآخر‭.‬ تبهرني كتابة القصة القصيرة أكثر، وتمنحني الفرصة للبحث عن حقائق الوجود بلمحات كاشفة كما أنها مشحونة بصدق إنساني، وذوق رفيع، طالما كان الكاتب ممتلكًا أدواته‭.‬

وأرى أن القصة القصيرة تستطيع التعبير بشكل قويّ عن الراهن العربي والإنساني؛ ففي مجموعاتي الأخيرة “جبل النرجس″ و”حمام يطير” و”الأبواب” عبّرت عن الحياة بكل جموحها وتقلباتها، كما اشتبكت مع المعطى السياسي والاجتماعي بعمق وحسن بصيرة كما يرى النقاد‭.‬

وعن هجران المبدعين القصة القصيرة إلى الرواية، أقول إنني كنت واحدًا ممن بدأوا كتابة الشعر منذ حرب الاستنزاف مع الكيان الصهيوني سنة 1969، ثم بعد خمسة دواوين اتجهت للقصة القصيرة كليًا، لم أتوقف أمام أسباب التحول، ربما كان نشر الدكتور عبدالقادر القط أعمالي الأولى في مجلة “إبداع″ هو مدخلي للقصة‭.‬ أتصور أيضا أن خبرتي الحياتية قد أمدّتني بمادة غزيرة من المعرفة كما في “مكابدات الطفولة والصبا” و”صندل أحمر”، و”شمال‭..‬ يمين”؛ ففيها اغترفت من تجاربي حين عملت بورش الأثاث في مدينتي دمياط، وفي بيع الأحذية بنفس المدينة الحرفية، كذلك في خنادق جنود المشاة فترة تجنيدي‭.‬

ووفقًا لخبرتي، وتطلّعاتي السردية، وكشوفاتي الجمالية في مجموعتي القصصية رقم 13، والتي تحمل عنوان”اللّمسات” أرى أن هذا الفن يتميز بالحيوية، وإمكانية التجديد، ومنح المتعة للقارئ، بشرط أن يقبض القاص على رؤية ناصعة، وألا يسير في ظل الرواية بصخبها وغطرستها.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.