مسارات‭ ‬تبادلية

الثلاثاء 2016/03/01
تخطيط: فيصل لعيبي

إن تفكيك‭ ‬مفرداته‭ ‬فقط‭ ‬قد‭ ‬يستغرق‭ ‬جهدًا‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬به،‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نحدد‭ ‬بداية–‭ ‬لا‭ ‬أقول‭ ‬نتفق-‭ ‬معنى‭ ‬‮«‬الشارع‮»‬‭ ‬و”الثقافة”،‭ ‬ثم‭ ‬معنى‭ ‬‮«‬ثقافة‭ ‬الشارع‮»‬،‭ ‬ونحوم‭ ‬حول‭ ‬معنى‭ ‬“العربي”‭ ‬لنقف‭ ‬على‭ ‬دلالة‭ ‬“الشارع‭ ‬العربي”،‭ ‬ثم‭ ‬ننظر‭ ‬إلى‭ ‬الشق‭ ‬الآخر‭ ‬لنعرف‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬تعنيه‭ ‬“الثقافة‭ ‬العربية”‭ ‬ثم‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬“قلاعها‭ ‬التقليدية‭ ‬والحديثة”‭!‬

هل‭ ‬ينبغي‭ ‬-من‭ ‬الأصل-‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬للأمة‭ ‬الواحدة‭ ‬ثقافتين‭ ‬منفصلتين‭ ‬تمام‭ ‬الانفصال‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬الذي‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬مناقشة‭ ‬أثر‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬الأخرى؟

إذا‭ ‬كانت‭ ‬الثقافة‭ ‬هي‭ ‬مجمل‭ ‬الأفكار‭ ‬والمعتقدات‭ ‬متجلية‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬تسفر‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬ممارسات‭ ‬ونظم‭ ‬لشعب‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬تاريخية‭ ‬ما،‭ ‬فلم‭ ‬وكيف‭ ‬تستقل‭ ‬ثقافة‭ ‬داخل‭ ‬هذا‭ ‬المجمل؟

تستقل‭ ‬باختلاف‭ ‬موارد‭ ‬الفكر‭ ‬ومصادره،‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬إذن‭ ‬إن‭ ‬قلنا‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬تختلف‭ ‬مصادر‭ ‬أفكارهم‭ ‬وموارد‭ ‬رؤاهم‭ ‬وتتاح‭ ‬لهم‭ ‬فرصة‭ ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تطلع‭ ‬عليه‭ ‬الأغلبية‭ ‬فتصبح‭ ‬ثقافتهم‭ ‬مختلفة‭ ‬عن‭ ‬ثقافة‭ ‬المجموع‭.‬

ولكن‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬حد‭ ‬تظل‭ ‬هذا‭ ‬الثقافة‭ ‬المختلفة‭ ‬جزءًا‭ ‬“تطوَّرَ”‭ ‬من‭ ‬ثقافة‭ ‬الشعب؟‭ ‬ومتى‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نسميهاثقافة‭ ‬أخرى؟‭ ‬وهل‭ ‬يجوز‭ ‬أن‭ ‬نسميها‭ ‬ثقافة‭ ‬أخرى‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬أصحابها‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الشعب؟

هل‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬نتحرىكذلك‭ ‬المبدأ‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نحتكم‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬فكرة‭ ‬الشعب‭ ‬أصلًا؛‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬مبدأ‭ ‬سياسي،‭ ‬أم‭ ‬جغرافي،‭ ‬أم‭ ‬إداري،‭ ‬أم‭ ‬فكري‭ ‬عقائدي،‭ ‬أم‭ ‬خليط‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذا،‭ ‬ومتى‭ ‬تضيق‭ ‬فكرة‭ ‬الشعب‭ ‬فيمكن‭ ‬أن‭ ‬نستخدم‭ ‬مصطلح‭ ‬الأمة؟

قبل‭ ‬أن‭ ‬نَعلق‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفخ،‭ ‬دعوني‭ ‬أقول‭ ‬إنني‭ ‬سوف‭ ‬أتحدث‭ ‬عن‭ ‬“الشعب‭ ‬المصري”‭ ‬وهو‭ ‬“مجموع‭ ‬البشر‭ ‬الحاملين‭ ‬للجنسية‭ ‬المصرية‭ ‬المرتبطة‭ ‬مصالحهم‭ ‬بهذا‭ ‬الكيان‭ ‬السياسي‭ ‬الجغرافي‭ ‬المسمى‭ ‬مصر”‭.‬

هذا‭ ‬الشعب‭ ‬المصري-‭ ‬مثله‭ ‬مثل‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬البشر-‭ ‬لديه‭ ‬ثقافة،‭ ‬والمقصود‭ ‬بها‭ ‬هنا‭ ‬“القواسم‭ ‬المشتركة‭ ‬في‭ ‬الرؤى‭ ‬والأفكار‭ ‬والمعتقدات‭ ‬الحاكمة؛‭ ‬أي‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬سلوكياته‭ ‬وممارساته‭ ‬اليومية‭ ‬ونظمه‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والإدارية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬الحياة‭ ‬فتطبعها‭ ‬بطابع‭ ‬خاص‭ ‬يميزها”‭.‬

هذه‭ ‬الثقافة‭ ‬ليست‭ ‬ثابتة‭ ‬مستقرة،‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬متغيرة‭ ‬ومتنامية‭ ‬بتعدد‭ ‬مشاربها‭ ‬العامة‭ ‬وزيادة‭ ‬روافدها‭ ‬التي‭ ‬يتسع‭ ‬أفقها‭ ‬يومًا‭ ‬بعد‭ ‬يوم،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬انفتاح‭ ‬الفضاء‭ ‬الإعلامي‭ ‬وانكسار‭ ‬احتكار‭ ‬الحكومات‭ ‬له،‭ ‬وتعدد‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ . . . ‬إلخ‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الثقافة‭ ‬ليس‭ ‬كتلة‭ ‬صماء‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬تعشيقات‭ ‬من‭ ‬ثقافات‭ ‬فرعية‭ ‬متعددة‭ ‬بينها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القواسم‭ ‬المشتركة‭ ‬بنسب‭ ‬مختلفة‭ ‬داخل‭ ‬الثقافة‭ ‬الكلية،‭ ‬و”ثقافة‭ ‬الشعب”‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬المساحة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬خلالها‭ ‬احترام‭ ‬هذا‭ ‬التعدد‭ ‬وتتجلى‭ ‬فيها‭ ‬قدرة‭ ‬الجموع‭ ‬على‭ ‬احترامه‭ ‬فيتحقق‭ ‬الغنى‭ ‬والتنوع‭.‬

إلى‭ ‬جوار‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬بعض‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬–‭ ‬لاختلاف‭ ‬الروافد‭ ‬أو‭ ‬تعارض‭ ‬المصالح–‭ ‬تتكون‭ ‬لديه‭ ‬أفكار‭ ‬أخرى‭ ‬حاكمة‭ ‬‮«‬أي‭ ‬تحكم‭ ‬منظومة‭ ‬سلوكياته‭ ‬فتطبعها‭ ‬بطابع‭ ‬مختلف‭ ‬عن‭ ‬النسق‭ ‬العام،‭ ‬وهو‭ ‬ليس‭ ‬اختلاف‭ ‬التنوع‭ ‬والتعدد،‭ ‬ولكنه‭ ‬اختلاف‭ ‬يستدعي‭ ‬إلغاء‭ ‬بعض‭ ‬مكونات‭ ‬الأول‭ ‬ليحل‭ ‬محله‭ ‬الآخر،‭ ‬وإلى‭ ‬أن‭ ‬يتحقق‭ ‬ذلك‭ ‬يحدث‭ ‬النزاع‮»‬‭.‬

لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬أهم‭ ‬ملمح‭ ‬من‭ ‬ملامح‭ ‬ثقافة‭ ‬السلطة‭ ‬-وفقًا‭ ‬للمفهوم‭ ‬الذي‭ ‬اجتهدت‭ ‬في‭ ‬صياغته-‭ ‬هو‭ ‬أنها‭ ‬ثقافة‭ ‬ذات‭ ‬اتجاه‭ ‬واحد،‭ ‬يحكمها‭ ‬يقين‭ ‬مغلق،‭ ‬ومرونته‭ ‬الوحيدة‭ ‬هي‭ ‬التابعة‭ ‬لتغير‭ ‬تصوره‭ ‬لمصالحه

هنا‭ ‬نقف‭ ‬أمام‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬النزاع‮»‬‭ ‬لنفصل‭ ‬في‭ ‬طبيعته،‭ ‬ولكن‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نعود‭ ‬للتذكير‭ ‬بالأسباب‭ ‬التي‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬“بعض‭ ‬الشعب”‭ ‬تختلف‭ ‬ثقافته،‭ ‬والتي‭ ‬حصرتُها‭ ‬–‭ ‬بشكل‭ ‬مخلّ-‭ ‬في‭ ‬سببين‭: ‬إما‭ ‬إختلاف‭ ‬الروافد،‭ ‬أو‭ ‬تعارض‭ ‬المصالح‭.‬

أبرز‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬الروافد‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬طبيعيًا‭ ‬بسبب‭ ‬التعليم‭ ‬بأنواعه‭ ‬وزيادة‭ ‬المعارف‭ ‬باختلاف‭ ‬طرق‭ ‬ذلك،‭ ‬وهو‭ ‬يحدث‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬ولكن‭ ‬بأثر‭ ‬ضعيف‭ ‬يشبه‭ ‬التطور‭ ‬ولذلك‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬نزاع‭ ‬واضح‭.‬

مثال‭ ‬آخر‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬الروافد‭ ‬يحدث‭ ‬مع‭ ‬الفئات‭ ‬المصطلح‭ ‬على‭ ‬تسميتها‭ ‬بالنخبة‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬والكتاب‭ ‬والمفكرين‭ ‬الذين‭ ‬بسبب‭ ‬تنوع‭ ‬مصادر‭ ‬معارفهم‭ ‬وزيادة‭ ‬اهتمامهم‭ ‬بالبحث‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المعارف‭ ‬وتشكيل‭ ‬رؤى‭ ‬ووجهات‭ ‬نظر،‭ ‬تختلف‭ ‬ثقافتهم‭ ‬عن‭ ‬الثقافة‭ ‬العامة‭ ‬للشعب‭ ‬بشكل‭ ‬واضح،‭ ‬ومع‭ ‬إيمانهم‭ ‬الكبير‭ ‬بما‭ ‬يحملون‭ ‬من‭ ‬رؤى‭ ‬وأفكار‭ ‬تبدأ‭ ‬رغبتهم‭ ‬في‭ ‬ترك‭ ‬أثر‭ ‬على‭ ‬ثقافة‭ ‬الشارع،‭ ‬وهي‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬النزاع‭ ‬“الإيجابي”‭ ‬كانت‭ ‬وراء‭ ‬جُل‭ ‬دعوات‭ ‬التنوير‭ ‬والإصلاح،‭ ‬وكانت‭ ‬سببًا‭ ‬في‭ ‬انطلاق‭ ‬شرارات‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الثورات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والفكرية‭ ‬الكبرى‭.‬

ووصف‭ ‬النزاع‭ ‬هنا‭ ‬بالإيجابي‭ ‬راجع‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬وصاية‭ ‬أو‭ ‬سطوة‭ ‬أو‭ ‬قمع‭ ‬من‭ ‬الفئة‭ ‬صاحبة‭ ‬الثقافة‭ ‬المختلفة‭ ‬–إذا‭ ‬جاز‭ ‬التعبير-‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬جهد‭ ‬يشبه‭ ‬بذر‭ ‬البذور‭ ‬ورعايتها‭ ‬مع‭ ‬إيمان‭ ‬بأنها‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬سوف‭ ‬تثمر‭.‬

على‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬“اختلاف‭ ‬الروافد”،‭ ‬يقف‭ ‬“تعارض‭ ‬المصالح”‭ ‬كسبب‭ ‬من‭ ‬أسباب‭ ‬اختلاف‭ ‬ثقافة‭ ‬طبقة‭ ‬أو‭ ‬فئة‭ ‬من‭ ‬فئات‭ ‬الشعب‭ ‬عن‭ ‬الثقافة‭ ‬العامة‭ ‬بشكل‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬النزاع،‭ ‬وهنا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬وصف‭ ‬نتائج‭ ‬النزاع‭ ‬بالإيجابية‭ ‬بأريحية‭ ‬كما‭ ‬فعلنا‭ ‬مع‭ ‬السبب‭ ‬السابق،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬بعض‭ ‬أشكاله‭ ‬يمكن‭ ‬وصفها‭ ‬بالإيجابي،‭ ‬مثال‭ ‬ذلك‭ ‬الإجراءات‭ ‬التنظيمية‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬سلطة‭ ‬نافذة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬مصلحة‭ ‬ما‭ ‬اجتماعية‭ ‬أو‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬غيرهما،‭ ‬فتصبح‭ ‬بعد‭ ‬فرضها‭ ‬بقوة‭ ‬السلطة‭ ‬ومع‭ ‬الوقت‭ ‬والممارسة‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬النسيج‭ ‬الثقافي‭ ‬للشارع‭.‬

ولكن‭ ‬هذه‭ ‬الآلية‭ ‬تحمل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬السلبيات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬تلخيصها‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬طرف‭ ‬–‭ ‬أيًا‭ ‬كانت‭ ‬مرجعياته‭ ‬–‭ ‬سلطته‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬منظومة‭ ‬القيم‭ ‬والأفكار‭ ‬التي‭ ‬تحقق‭ ‬رؤيته-‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭ ‬عبر‭ ‬القوة‭ ‬ومراقبة‭ ‬ذلك‭ ‬وتحريه‭ ‬بالبطش‭ ‬والقمع‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬ثقافة‭ ‬الآخر‭.‬

وهو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬فقط‭ ‬الحكام‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬التكريس‭ ‬لاستمرار‭ ‬حكمهم،‭ ‬بل‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬كذلك‭ ‬جماعات‭ ‬التطرف‭ ‬الديني‭ ‬والفكري‭ ‬انطلاقًا‭ ‬من‭ ‬يقين‭ ‬فاسد‭ ‬لا‭ ‬يسمح‭ ‬لهم‭ ‬بقبول‭ ‬التعدد‭ ‬والتنوع‭.‬

كما‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬كل‭ ‬ثقافة‭ ‬يحركها‭ ‬اليقين‭ ‬بتفردها‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬رفض‭ ‬أي‭ ‬تنوع،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬ثقافة‭ ‬النخبة‭ ‬التي‭ ‬تحدثنا‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬قبل؛‭ ‬فكل‭ ‬ثقافة‭ ‬تخلت‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬النزاع‭ ‬الإيجابي‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬ثقافة‭ ‬سلطة‭ ‬هدفها‭ ‬ترسيخ‭ ‬سلطتها‭ ‬عبر‭ ‬تكريس‭ ‬ثقافتها‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬لا‭ ‬تطوير‭ ‬ثقافة‭ ‬الشارع‭ ‬عبر‭ ‬تمرير‭ ‬ثقافتها‭ ‬إلى‭ ‬نموذجه‭.‬

الآن،‭ ‬هل‭ ‬يمكنني‭ ‬أن‭ ‬أحدد‭ ‬السؤال‭ ‬–داخل‭ ‬تساؤل‭ ‬الصديق‭ ‬نوري‭ ‬الجراح-‭ ‬في‭ ‬التالي‭: ‬هل‭ ‬ثمة‭ ‬مسارات‭ ‬تبادلية‭ ‬يمكن‭ ‬الحديث‭ ‬عنها‭ ‬بين‭ ‬‮«‬ثقافة‭ ‬الشارع‮»‬‭ ‬و”ثقافة‭ ‬السلطة”؟

لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬أهم‭ ‬ملمح‭ ‬من‭ ‬ملامح‭ ‬ثقافة‭ ‬السلطة‭ ‬-وفقًا‭ ‬للمفهوم‭ ‬الذي‭ ‬اجتهدت‭ ‬في‭ ‬صياغته-‭ ‬هو‭ ‬أنها‭ ‬ثقافة‭ ‬ذات‭ ‬اتجاه‭ ‬واحد،‭ ‬يحكمها‭ ‬يقين‭ ‬مغلق،‭ ‬ومرونته‭ ‬الوحيدة‭ ‬هي‭ ‬التابعة‭ ‬لتغير‭ ‬تصوره‭ ‬لمصالحه،‭ ‬أو‭ ‬نزوله‭ ‬على‭ ‬ضغط‭ ‬أشد‭ ‬من‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬التحمل‭ ‬بشكل‭ ‬يهدد‭ ‬بقاءه‭ ‬من‭ ‬الأساس،‭ ‬وهنا‭ ‬يتحور‭ ‬أو‭ ‬يكمن،‭ ‬وهو‭ ‬ملمح‭ ‬سجلته‭ ‬وقائع‭ ‬التاريخ‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الحركات‭ ‬الأصولية‭ ‬الدينية‭ ‬أو‭ ‬الفكرية،‭ ‬وفي‭ ‬ممارسات‭ ‬الحكام‭ ‬وحكوماتهم‭. ‬ولكنه‭ ‬تجلى‭ ‬كثيرًا‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الخمس‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬حراكًا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬للشارع‭ ‬المصري‭ ‬أوضحَ‭ ‬كتلته‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬تتضح‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬–‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث-‭ ‬وجعلها‭ ‬جزءًا‭ ‬معتبرًا‭ ‬في‭ ‬معادلة‭ ‬ظل‭ ‬طويلًا‭ ‬خارجها‭ ‬بمعنى‭ ‬أو‭ ‬بآخر‭.‬


لوحة: بهرام حاجو

نشرتُ‭ ‬سنة‭ ‬2006‭ ‬مبحثًا‭ ‬بعنوان‭ ‬“تحولات‭ ‬الشخصية‭ ‬المصرية-‭ ‬صدمة‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬زيف‭ ‬الصورة‭ ‬الذهنية”‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬“أدب‭ ‬ونقد”‭ ‬القاهرية،‭ ‬رصدت‭ ‬فيه‭ ‬أنماط‭ ‬الشخصية‭ ‬المصرية‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬تعرضها‭ ‬لصدمة‭ ‬انكشاف‭ ‬وهم‭ ‬الصورة‭ ‬الذهنية‭ ‬التي‭ ‬عاشت‭ ‬عليها‭ ‬عقودًا‭ ‬طويلة،‭ ‬(عندما‭ ‬تنتقل‭ ‬هذه‭ ‬الشخصية‭ ‬من‭ ‬بيئتها‭ ‬الآمنة؛‭ ‬مصر-‭ ‬بيئة‭ ‬الند‭ ‬بين‭ ‬أكفاء-‭ ‬التي‭ ‬عاشت‭ ‬فيها‭ ‬معتقدة‭ ‬في‭ ‬تميزها‭ ‬الفارق‭ ‬عن‭ ‬الآخرين‭ ‬لمجرد‭ ‬أنها‭ ‬مصرية)‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬بيئة‭ ‬أخرى‭ ‬فيتبين‭ ‬لها-‭ ‬أي‭ ‬الشخصية‭ ‬المصرية‭ ‬حاملة‭ ‬التصور‭ ‬الوهمي-أن‭ ‬ثمة‭ ‬آخرين‭ ‬كثر‭ ‬خارج‭ ‬مصر‭ ‬لهم‭ ‬قدرات‭ ‬تفوق‭ ‬-أو‭ ‬تقل‭ ‬أو‭ ‬تساوي‭ ‬–‭ ‬ما‭ ‬لديها‭ ‬من‭ ‬قدرات‭.‬

من‭ ‬هذا‭ ‬المبحث‭ ‬أقتبس‭ ‬هنا‭ ‬فقرة‭ ‬اختتمته‭ ‬بها‭ ‬(أدب‭ ‬ونقد،‭ ‬عدد‭ ‬مايو‭ ‬2006)‭: ‬“…إنني‭ ‬حريص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬أثرته‭ ‬من‭ ‬نقاش‭ ‬حول‭ ‬الشخصية‭ ‬المصرية‭ ‬وتحولاتها‭ ‬عند‭ ‬وقوع‭ ‬صدمة‭ ‬الاحتكاك‭ ‬مع‭ ‬الآخر،‭ ‬يتسع‭ ‬ليشمل‭ ‬المجتمع‭ ‬المصري‭ ‬كله؛‭ ‬نظراً‭ ‬لانهيار‭ ‬السدود‭ ‬المنيعة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تفرضها‭ ‬مصر‭ ‬حول‭ ‬أنموذجها‭ ‬المغلق‭ ‬الذي‭ ‬تُردد‭ ‬في‭ ‬داخله‭ ‬بحرية‭ ‬مطلقة‭ ‬أفكارها‭ ‬حول‭ ‬العبقرية‭ ‬والريادة‭ ‬والتفرد‭ ‬والتميز،‭ ‬فلم‭ ‬يعد‭ ‬الخطاب‭ ‬المعد‭ ‬داخليًا‭ ‬هو‭ ‬الخطاب‭ ‬الوحيد‭ ‬المتاح‭ ‬أمام‭ ‬المصري‭ ‬بعد‭ ‬الانفتاح‭ ‬المذهل‭ ‬الذي‭ ‬أحدثته‭ ‬ثورة‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬والفضائيات‭ ‬وأقنية‭ ‬الاتصال،‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬الصدمة‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬الاحتكاك‭ ‬والمقارنة‭ ‬-وبالتالي‭ ‬اكتشاف‭ ‬زيف‭ ‬الأوهام‭ ‬الذاتية‭ ‬وخداع‭ ‬الصورة‭ ‬الذهنية-‭ ‬مقصورة‭ ‬على‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬ينتقلون‭ ‬إلى‭ ‬الآخر‭ ‬في‭ ‬محيطه،‭ ‬بل‭ ‬أصبحت‭ ‬صدمة‭ ‬عابرة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬صار‭ ‬الفضاء‭ ‬مكشوفًا‭ ‬على‭ ‬آخرين‭ ‬كثيرين‭ ‬يمتلكون‭ ‬خطابات‭ ‬مختلفة‭ ‬متباينة‭ ‬ومتفاوتة‭ ‬في‭ ‬القوة‭ ‬والضعف‭.‬

وفي‭ ‬اعتقادي‭ ‬أن‭ ‬الأزمة‭ ‬الحقيقية‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الحالية‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬الانتباه‭ ‬إليها‭ ‬وهي‭ ‬مرحلة‭ ‬تَلَقي‭ ‬الصدمة‭ ‬التي‭ ‬بدأ‭ ‬المجتمع‭ ‬المصري‭ ‬يتعرض‭ ‬لها‭ ‬بالفعل،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬محاولات‭ ‬لتوقع‭ ‬وقياس‭ ‬ردود‭ ‬الأفعال‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الصدمة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬غياب‭ ‬سيناريوهات‭ ‬متماسكة‭ ‬للتعامل‭ ‬معها،‭ ‬والتجهيز‭ ‬للتحولات‭ ‬المذهلة‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬هذا‭ ‬الانفتاح‭ ‬الصادم‭ ‬أن‭ ‬يُحدثها‭ ‬في‭ ‬طبيعة‭ ‬وتركيبة‭ ‬الشخصية‭ ‬المصرية‭ ‬واضعين‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬ما‭ ‬عاشت‭ ‬عليه‭ ‬تلك‭ ‬الشخصية‭ ‬طوال‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬أوهام‭ ‬التفرد‭ ‬والسبق‭ ‬والريادة‭.‬

لذلك‭ ‬فإن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬شخصيات‭ ‬كالمحتال،‭ ‬والكامن‭ ‬والمنسحب‭ ‬وأطيافها،‭ ‬وكذلك‭ ‬شخصية‭ ‬الناجي،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬شخصيات‭ ‬تناولتُها‭ ‬بالبحث‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬انتقال‭ ‬المصري‭ ‬للعيش‭ ‬في‭ ‬محيط‭ ‬الآخرين،‭ ‬ينطبق‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬المصريين‭ ‬داخل‭ ‬محيطهم‭ ‬الخاص‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يصبح‭ ‬خاصًا‭ ‬بمعنى‭ ‬(منعزل‭ ‬ومغلق)‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬قبل‭.‬

‭ ‬بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬(تحت‭ ‬السيطرة)‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬قبل‭ ‬ثورة‭ ‬الفضائيات‭ ‬المذهلة‭. ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نعزو‭ ‬إليه‭ ‬ببساطة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬التحول‭ ‬والظواهر‭ ‬الجديدة‭ ‬الوافدة‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬المصري،‭ ‬والتغير‭ ‬الحادث‭ ‬في‭ ‬أنماط‭ ‬السلوك‭ ‬لدى‭ ‬الجميع‭ ‬تقريبًا،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬لدى‭ ‬الفئات‭ ‬الأكثر‭ ‬استعدادًا‭ ‬للتغير‭ ‬واكتساب‭ ‬قيم‭ ‬وعادات‭ ‬جديدة‭ ‬كالشباب‭ ‬والمراهقين‭ ‬والبسطاء‭ ‬من‭ ‬عامة‭ ‬الشعب”‭. ‬انتهى‭ ‬الاقتباس‭.‬

كانت‭ ‬هذه‭ ‬الفقرة‭ ‬قبل‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬تقريبًا‭ ‬من‭ ‬إندلاع‭ ‬ثورة‭ ‬الخامس‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬يناير‭ ‬2011م،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬أشك‭ ‬للحظة‭ ‬واحدة‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬التجلي‭ ‬الأهم‭ ‬لهذه‭ ‬المفارقة‭ ‬بين‭ ‬‮«‬ثقافة‭ ‬الشارع‮»‬‭ ‬–‭ ‬خاصة‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة-‭ ‬بعد‭ ‬تغير‭ ‬روافد‭ ‬ثقافتهم‭ ‬وتطور‭ ‬وعيهم،‭ ‬وبين‭ ‬“ثقافة‭ ‬السلطة”‭ ‬بتصوراتها‭ ‬المحنطة‭ ‬عن‭ ‬الشعب‭.‬

بعد‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة،‭ ‬أستطيع‭ ‬القول‭ ‬-بعمومية‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬البحث‭ ‬والمراجعة-‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬الحراك‭ ‬الثوري‭ ‬العريض‭ ‬–‭ ‬اختلفنا‭ ‬أو‭ ‬اتفقنا‭ ‬في‭ ‬منحه‭ ‬اسمًا‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬نوايا‭ ‬فتيلته‭ ‬الأولى‭!‬-‭ ‬هو‭ ‬أعلى‭ ‬تجليات‭ ‬‮«‬النزاع‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬أردنا‭ ‬وصفه‭ ‬بين‭ ‬الثقافتين‭ ‬الذين‭ ‬أشرنا‭ ‬إليهما‭: ‬ثقافة‭ ‬الشارع‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬وثقافة‭ ‬السلطة‭ ‬من‭ ‬الجهة‭ ‬الأخرى‭.‬

هذا‭ ‬الحراك‭ ‬الثوري‭ ‬–‭ ‬مهما‭ ‬اختلفنا‭ ‬حول‭ ‬نجاحه‭ ‬من‭ ‬فشله‭ ‬وفقًا‭ ‬لتصور‭ ‬كل‭ ‬منا‭ ‬عن‭ ‬النجاح‭ ‬والفشل-‭ ‬قد‭ ‬حقق‭ ‬عدة‭ ‬إنجازات،‭ ‬أصبحت‭ ‬واقعًا‭ ‬بمعنى‭ ‬أنها‭ ‬أضيفت‭ ‬إلى‭ ‬ثقافة‭ ‬الشارع‭ ‬بالفعل‭.‬

أول‭ ‬هذه‭ ‬المنجزات‭: ‬هذا‭ ‬الانكشاف‭ ‬الواسع‭ ‬والجلي‭ ‬لوجود‭ ‬أشكال‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬علاقة‭ ‬الحاكم‭ ‬بالمحكوم‭ ‬غير‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬التكريس‭ ‬لها‭ ‬منذ‭ ‬قيام‭ ‬ثورة‭ ‬1952م‭.‬

ثانيًا،‭ ‬ذلك‭ ‬الاختبار‭ ‬العملي‭ ‬التطبيقي‭ ‬المذهل‭ ‬الذي‭ ‬أعاد‭ ‬تعبئة‭ ‬مصطلحات‭ ‬كادت‭ ‬تصبح‭ ‬–‭ ‬بالنسبة‭ ‬للغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬المصريين-‭ ‬عبارات‭ ‬تراثية‭ ‬ومتحفية‭ ‬كتبها‭ ‬بشر‭ ‬عاشوا‭ ‬في‭ ‬أزمنة‭ ‬غير‭ ‬أزمنتنا‭. ‬لقد‭ ‬اختبروها‭ ‬بأعينهم‭ ‬في‭ ‬تجربة‭ ‬حية‭ ‬دفعوا‭ ‬ثمنًا‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬دماء‭ ‬أبنائهم‭ ‬وأشقائهم‭ ‬وأحبابهم‭ ‬وجيرانهم‭ ‬(الكلام‭ ‬هنا‭ ‬ينسحب‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬أطياف‭ ‬الشعب‭ ‬بلا‭ ‬استثناء،‭ ‬الممثلين‭ ‬لثقافة‭ ‬الشارع،‭ ‬والممثلين‭ ‬لثقافة‭ ‬السلطة‭: ‬“حكام،‭ ‬أحزاب،‭ ‬جماعات‭ ‬دينية،‭ ‬أو‭ ‬فكرية‭ ‬يقينية‭ . . . ‬إلخ”)؛‭ ‬فالكل‭ ‬اشترك‭ ‬–‭ ‬سلبًا‭ ‬أو‭ ‬إيجابًا‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬تجربة‭ ‬عملية‭ ‬ضخمة‭ ‬أعادت‭ ‬تعبئة‭ ‬تلك‭ ‬المصطلحات‭ ‬بمعانيها،‭ ‬ودفعت‭ ‬الجميع‭ ‬للتفكير‭ ‬في‭ ‬مصطلحات‭ ‬تجسدت‭ ‬حية‭ ‬أمامهم‭ ‬كالشعب،‭ ‬والحرية،‭ ‬والإرادة،‭ ‬والكرامة،‭ ‬والاتحاد‭ ‬قوة‭ ‬والتفرق‭ ‬ضعف‭ . . . ‬وإعادة‭ ‬ترتيب‭ ‬منظوماتهم‭ ‬وفقًا‭ ‬لهذه‭ ‬المعاني‭ ‬الجديدة،هذا‭ ‬مكسب‭ ‬ثقافي‭ ‬بامتياز‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬محوه،‭ ‬وهو‭ ‬عنصر‭ ‬اقتحم‭ ‬بلا‭ ‬هوادة‭ ‬منظومة‭ ‬ثقافة‭ ‬السلطة‭ ‬وأجبرها‭ ‬على‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬ملامحها‭ ‬“الاتجاه‭ ‬الواحد”وحَفَرَ‭ ‬مسارات‭ ‬تبادلية‭ ‬ينبغي‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬عليها‭ ‬والحديث‭ ‬عنها‭ ‬ومحاولة‭ ‬التكريس‭ ‬لها‭ ‬بين‭ ‬‮«‬ثقافة‭ ‬الشارع‮»‬‭ ‬و‭ ‬‮«‬ثقافة‭ ‬السلطة‮»‬،‭ ‬للانتقال‭ ‬بالنزاع‭ ‬بينهما‭ ‬إلى‭ ‬مساحة‭ ‬أكثر‭ ‬تطورًا‭ ‬فهما‭ ‬غريمان–‭ ‬في‭ ‬ظني-‭ ‬سيظلان‭ ‬في‭ ‬نزاع‭ ‬دائم‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يرث‭ ‬الله‭ ‬الأرض‭ ‬وما‭ ‬عليها‭.‬

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.