مطرقة الأنظمة وسندان التطرف
لكن الواقع يقول إن هذا الدمار رغم كارثيته وقسوته ورفضه قولا واحدا إلا أنه لم وربما لن يكون الوحيد في ظل ما يجري اليوم، فلم يأت يوم بعد الخبر حتى أعلن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام عن تجريف مدينة نمرود الأثرية بالآليات الثقيلة، وقبل العراق دمر التنظيم العديد من التماثيل والنصب في سوريا وأيضا عددا غير قليل من المواقع الأثرية ذات الطابع الديني.
لكن التنظيم في الواقع هو ربما يكون الأكثر شراسة وطرحا لأعماله التدميرية إلا أنه لم يكن السباق في الساحة السورية والعراقية، فالنظام السوري قصف ودمر مواقع أثرية وأحرق أسواق تاريخية في حلب وحمص وتدمر وجرف مواقع أثرية في درعا وقصف قلعة الحصن واستباح كثيرا من المواقع الأثرية التي أحالها مواقع عسكرية. وليكتمل المشهد لا بد من الوقف عند عمليات الاستباحة من الجانب الآخر ولأسباب مختلفة منها العسكرية ومنها الإغاثية أو الحياتية، ويضاف لكل ما سبق عمليات التهريب والحفر العشوائي والتجارة التي تلقى اليوم رواجاً متنامياً في مناطق سورية واسعة.
حوران دمار ما بين العمري وبصرى
المجازر بحق السوريين تبعتها مجازر بحق تاريخهم وتراثهم، فالجامع العمري أول منابر الثورة السورية والذي شيد في عهد الخليفة عمر بن الخطاب في القرن السابع الميلادي، قصفه النظام على مدى عامين وفي الختام هدم مئذنته في نيسان عام 2013، حيث وجهت دبابات قوات النظامي قذائفها إلى المئذنة حتى انهارت ووثقت الحادثة بالصوت والصورة.
وفي حوران خزان الآثار الرومانية شهدت مدينة بصرى الشام عددا من الانتهاكات، كان أبرزها تهدم أجزاء من المعبد الروماني وتدمير سرير بنت الملك الشهير، وذلك في شهر تشرين الأول عام 2012، نتيجة قصف القوات التابعة للنظام لتلك المواقع. “الكَليبَة” المعروف باسم “سرير بنت الملك” هو معبد وثني أقيم لحفظ نذور الضباط وأوسمتهم، ويعود تاريخه إلى القرن الثالث بعد الميلاد، ويتألف البناء من عناصر معمارية تعود إلى بناء أقدم. وثق تدميره بالصوت والصورة من قبل قوات النظام السوري أيضا.
وفي ذات المدينة قصفت مئذنة الجامع الفاطمي في شهر تشرين الثاني عام 2012، ويقع الجامع بين كاتدرائية المدينة ودير الراهب بحيرا، بني على طراز جامع كمشتكين زمن الحكم الفاطمي، وأدخلت عليه ترميمات كثيرة، بنيت مئذنته من قبل أيوب بن عيسى النجراني عام 705 هـ/1303 م، وذلك أيام السلطان المملوكي الناصر محمد، ويصل ارتفاع هذه المئذنة إلى 19 متراً وتعتبر هذه المئذنة من الأمثلة النادرة التي تشهد على أهمية بصرى في بداية العصر المملوكي بعد تعرضها للغزو المغولي المدمر عام 1260 ميلادي، كم يشبه الغزو المغولي لتلك المدينة ما فعلته فيها قوات النظام السوري.
وفي بصرى الشام أيضا دمرت قوات النظام أجزاء من كاتدرائية القديسين سرجيوس وباخوس وتيونتوس التي يعود تاريخها إلى عام 512-513 م، بناها الأسقف جوليانوس المشهور باستقامته وشجاعته، وهي أول كنيسة بنيت على شكل مربع تقريباً تعلوه قبة، ومقاييس جدرانها 49 متراً طولاً و27 متراً عرضاً، ومزينة من الداخل والخارج بمحاريب. ويتألف هيكلها من ثلاث حنيات، وعلى جدرانها صور ملونة تمثل رسوماً للعذراء وثلاثة قديسين يحيطون بها. وتتمتع هذه الكنيسة بطراز رفيع من الفن المعماري الأمر الذي حفز الإمبراطور جوستينيان إلى تشييد كاتدرائية آيا صوفيا في إسطنبول وكنيسة رافينا في إيطاليا وكذلك كنيسة الرصافة على غرار كاتدرائية بصرى.
أحالت قوات النظام القلعة الأثرية في المدينة مقراً عسكرياً ونقاط تمركز للقناصة ما عرّضها للقصف من قبل قوات الجيش السوري الحر، وقلعة المدينة تحيط بالمدرج الروماني الشهير ويعود أقدم أجزائها إلى القرن الحادي عشر الميلادي، وقد تطور بناؤها على امتداد العصور الإسلامية اللاحقة.
كما دمرت قوات النظام أجزاء من الجامع العمري في المدينة والذي يرجع تاريخه إلى بداية العهد الإسلامي، زمن الخليفة عمر بن الخطاب 23 هـ/644 م. أما المئذنة فقد بنيت بتكليف من الخليفة الأموي يزيد الثاني 105هـ.
ونبقى في سهل حوران حيث تعرض موقع تل الأشعري لعمليات تنقيب غير شرعية إذ استغلت عصابات الآثار الظروف الأمنية الراهنة وغياب الحماية لتلك المواقع ونشطت في عمليات تنقيب غير مشروعة ومنظمة ومحترفة، وتمنع هذه العصابات بقوة السلاح الحراس وموظفي دوائر الآثار وكل من يحاول التدخل للحدّ من أعمال التخريب والتنقيب والنهب، وتوزعت أعمال الحفر أعلى التل من الجهة الشرقية والجهة الجنوبية الغربية، ويتجاوز عدد الحفر العشر حفر ويصل عمقها إلى 3 أمتار وقطرها إلى 5 أمتار، مما قد يتسبب بأضرار يصعب تعويضها لاحقاً إن استمرت أعمال التنقيب بهذه الحدّة.
تدمر المسجلة على لائحة التراث العالمي مازالت اليوم تعاني مخاطر محدقة بها نتيجة العمليات العسكرية التي لم تنته بعد ومخاطر سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام
وفي نوى البلدة الحورانية الموغلة في القدم قامت قوات النظام في الشهر الأول من العام 2013، بهدم عدة مبان تعود للفترة الرومانية عن طريق البلدوز حيث تم جرف الأبنية بشكل كامل وذلك بحماية دبابة وجنود، وحجة الهدم هي اختباء عناصر من الجيش السوري الحر في هذه المباني، رغم أن المدينة في حينها كانت تخضع بشكل كامل لرقابة وقوات النظام وحواجزه المنتشرة.
حمص أم الزنار وابن الوليد
إلى حمص التي شهدت واحدة من أشرس الحملات العسكرية، ونبدأ بآخر الانتهاكات حيث دمرت قوات النظام جزءاً من جامع الدالاتي في شهر شباط عام 2015، الجامع الذي يعرف أيضا باسم جامع الحميدية أو جامع السلطان عبدالحميد والذي بني عام 1881 م بمساعي الحاج حسين الدالاتي، وبني على أرض تابعة لجامع النوري الكبير الملاصقة لمقبرة باب السوق التي أزيلت عام 1879 م، كما دمّرت أجزاء من جامع الفضائل الأثري، والحمّام العثماني، وأجزاء من قصر بسمار، وحمام السراج، وقصر الآغا، وجامع كعب الأحبار، وعدد من البيوت القديمة ولكن أبرز موقعين تعرضا للقصف والتدمير في حمص المدينة طبعا، هما جامع الصحابي خالد بن الوليد وكنيسة أم الزنار في حي الحميدية.
تسبب قصف قوات النظام السوري على مدينة حمص صيف عام 2013، بتدمير مرقد خالد بن الوليد، وتضرر المسجد الذي يضم المرقد وبحسب ما بث من مشاهد مسجلة وبحسب عمليات التوثيق التي قامت بها جمعية حماية الآثار السورية وغيرها من المؤسسات ذات الصلة فإن أجزاء من المسجد دمرت وأحرقت، ومن المعروف أن جامع خالد بن الوليد الذي يقع في الجهة الشرقية من المدينة تأسس في القرن السابع الهجري الثالث عشر الميلادي والبناء الحالي يعود إلى الفترة العثمانية في القرن التاسع عشر أيام السلطان عبدالحميد الثاني حيث أقيم المسجد الجامع على أنقاض المسجد القديم الذي كان قائمًا في نفس المكان ومبنيّ على الطراز المملوكي أيام السلطان الظاهر بيبرس.
وفي شباط عام 2012، قصفت قوات النظام السوري منطقة الحميدية في حمص ما تسبب بدمار أجزاء من كنسية أم الزنار، والتي تعرف رسمياً باسم كاتدرائية السيدة العذراء أم الزنار والتي شيد قسمها المدفون في الأرض عام 59 ميلادية وكانت أشبه بقبو تتم العبادة فيه سرًا خشية من الحكم الروماني الوثني آنذاك، والتأسيس كان على يد إيليا أحد تلامذة السيد المسيح البعيدين، ثم أصبحت الكنيسة كرسي الأبرشية الأسقفية في حمص وفي عام 313 عمل مسيحيو حمص على تشييد كنيسة كبيرة فوق الكنيسة القديمة المحفورة تحت الأرض، واستعملوا في بنائها الحجر الحمصي الأسود ونقل إليها الزنار المقدس الذي كان محفوظاً بوعاء معدني وضمن جرن بازلتي، ولم تثبت أيّ روايات عن سرقة الكنيسة أو نهبها أو تدمير محتوياتها وبالذات الزنار عقب عمليات القصف التي أصابتها.
ولا يمكن الحديث عن حمص دون ذكر تل عثمان وتمركز آليات ثقيلة وسواتر ترابية في حرم المنطقة الأثرية، وتعرض تل النبي مند قادش لقصف عنيف نتيجة المعارك في شهر أيار من العام 2013، وبحسب تقارير الجمعية السورية للمعلوماتية فإن قلعة الحصن الشهيرة تعرّضت إلى أضرار واضحة نتيجة العمليات العسكرية التي تسببت بقصفها في مرات مختلفة وأظهرت الصور التي نشرتها الجمعية والنشطاء الإعلاميون في تلك المنطقة آثار القصف على القلعة.
تدمر أرض المعارك
منحوتة آشورية من محفوظات المتحف العراقي في بغداد
أشهر المواقع الأثرية السورية تعرّضت هي أيضا لمجموعة واسعة من الانتهاكات على رأسها تمركز قوات النظام السوري داخل الحرم الأثري للمدينة وتحويلها لمقر عمليات ونشر الدبابات والمدفعية الثقيلة بين الآثار وبالقرب من المدافن الهرمية الهشة التي من الممكن أن تستحيل تراباً نتيجة هذه الأعمال، كما سجل في المدينة بحسب تقارير مديرية حماية الآثار عمليات حفر في منطقة المدافن الجنوبية الشرقية المنقبة سابقاً، كما أوضحت المعلومات وجود بعض الأضرار التي طالت معبد بل الأثري نتيجة العمليات العسكرية كما أصيبت عدة أعمدة من الرواق الجنوبي لبناء المعبد، وسجل انهيار عمودين منها، كما وثّقت إصابات ناتجة عن طلقات رصاص أو شظايا بسبب الاشتباكات في عدة أماكن من الجدار الجنوبي لبناء المعبد، وبدرجة أقل في الجدار الغربي من الداخل والخارج، وإصابتان محدودتان في الجدار الشمالي، إضافة إلى فتحتين في الجدار الشرقي لبناء المعبد، كما وثقت عمليات سرقة لبعض اللقى الأثرية في المدينة وكسر بعضها.
تدمر المسجلة على لائحة التراث العالمي مازالت اليوم تعاني مخاطر محدقة بها نتيجة العمليات العسكرية التي لم تنته بعد ومخاطر سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام على المدينة التي يحاصرها التنظيم منذ فترة بحسب مصادر من أهالي المدينة، الذين أكدوا لـ”الجديد” حالات التنقيب في مناطق مختلفة وانتشار تجارة الآثار هناك ولدى المجلس المحلي الحر في المدينة محاولات لتوثيق الانتهاكات أو الحد منها ولكنه يعاني نقصا بالتمويل والاهتمام من قبل المنظمات الدولية.
حلب كارثة أثرية
لا تعرف من أين تبدأ في هذه المدينة المسجلة على لائحة التراث العالمي وبذات الوقت مسجلة على لائحة المواقع المهددة بالخطر كباقي المواقع السورية السبعة المسجلة على ذات اللائحة والتي لم تنل أيّ نوع من الحماية إلا التنديد والشجب والاستنكار والحزن على ما يحل بهذه المدن والمواقع من دمار، في حلب أحرقت قوات النظام السوري السوق القديم، وأحالت تلك القوات القلعة التاريخية إلى مركز عسكري ومقر عمليات، ومن قبلها أحالت جامع بني أمية الكبير لمركز عسكري واعتلى قناصة النظام المئذنة التي دمرت في 24 نيسان 2013، وتبادلت قوات المعارضة والنظام الاتهامات بالمسؤولية عن هذا العمل الذي سبقه في شهر تشرين الأول من عام 2012 تدمير وحرق أجزاء من الجامع جراء الاشتباكات العنيفة التي دارت بالقرب منه بين الجيش السوري الحر وقوات النظام، وبعد انهيار المئذنة بذل المجلس المحلي الحر جهودا لحماية ما تبقى من الجامع بفك ونقل المنبر الخشبي إلى مكان آمن والعمل على حماية مقام النبي زكريا داخل الجامع الذي كان ذات مرة أغورا “ساحة للحياة الرياضية والسياسية والروحية في المدينة” في العهد الهلنستي، وأصبحت تلك الساحة فيما بعد حديقة لكاتدرائية سانت هيلينا خلال الحكم الروماني لسوريا، وعلى هذه الحديقة بني المسجد في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك عام 715 ميلادي وتم الانتهاء من بنائه عام 717 ميلادي في عهد الخليفة سليمان بن عبدالملك.
وفي أجزاء المدينة وبالذات في قلعة حلب وثقت إصابة القلعة بأضرار مختلفة وتحويلها من قبل النظام إلى مقر عسكري ودشم لتمركز القناصة، وفي منطقة قاضي عسكر دمرت أجزاء من جامع هارون داده، وتعرض خان الباشا للدمار كما تضررت أجزاء من جامع قاضي عسكر، ودمرت أجزاء من المطبخ العجمي وهو بقايا قصر يعود بتاريخه إلى النصف الأول من القرن الثاني عشر الميلادي أي إلى الفترة الزنكية وربما هو لأحد أمراء “نورالدين زنكي” واسمه “مجدالدين بن الداية” الذي تقول بعض المصادر التاريخية بأنه أخو “نور الدين” بالرضاعة، وفي منطقة البياضة سجل تدمير أجزاء من جامع الصروي الذي يعود للعهد المملوكي، ودمار أصاب جامع بردبك الذي يعود لذات الفترة، وفي منطقة قسطل حرامي تضرر مخفر الشرطة الذي يعود بناؤه إلى الفترة العثمانية، وفي منطقة أقيول سجل تدمير أجزاء من جامع المحتسب الذي يعود لذات الفترة، كما دمرت أجزاء من حمام يلبغا الناصري الذي يعود للعام 1491 م، وجميع ما سبق من عمليات دمار سجلت في بدايات هذا العام، وفي منطقة باب النصر دمرت أجزاء من جامع ومدرسة العثمانية، أما في باب الحديد فقد هدمت جبهة أنصار الدين قبر الشيخ محمد النبهان وعائلته في جامع الكلتاوية، وفي حي التلل تضررت كنيسة الأرمن الكاثوليك المعروفة بكنيسة أمّ المعونات التي تعود للعام 1831، كما تضرر كل من جامع ومدرسة الفردوس الذين يعودا إلى العام 633 هـ-1235م، وفي باب قنسرين تضرر خان المصري العائد للعام 1450م، ونبقى في حلب القديمة حيث تعرض جامع السلطانية لتهدم جزئي، وفي باب النصر تضرر جامع الميداني في ساحة الألمجي العائد للفترة المملوكية في ذات الفترة أي تشرين الثاني من العام الماضي وفي باب الحديد تعرض سوق الزهر لتدمير جزئي، وتضرر خان الشونة المشيد عام 1546م، في حين سجل انهيار مدرسة وجامع الخسروية بذات المنطقة. بالواقع لم تنته سلسلة الانتهاكات في حلب فهي تكاد لا تحصر وهذا أمر طبيعي إذا ما علمنا أن المدينة القديمة برمتها اليوم هي ساحة حرب وأيّ جزء من هذه المدينة له تاريخ ومسجل على أنه بقعة أثرية.
إدلب مدن ميتة وآثار تنتهك
هنا المفارقات كبيرة وكثيرة، مبان قديمة تحمي أهالي البلدات والقرى التي دمرتها طائرات النظام السوري، في سرجيلا والبارة التي استخدم أهلها الآثار كبيوت تحميهم مخاطر القصف الذي لم يوفر حتى مخيمات اللجوء، ومع الوقت يبدو أنهم استوطنوا تلك البيوت والأبنية القديمة، فبحديث مع أحد الناشطين الإعلاميين في المنقطة أكد لـ”الجديد” أن تلك البقعة من القبور والقصور الرومانية باتت اليوم بيوتا لها أبوابها ويتم قطع بعض أحجارها لاستكمال بناء حمام هنا أو غرفة هناك، ومن الواضح أن الناس الذي سكنوها لا يرغبون بمغادرتها بوقت قريب والمبرر هو أن بيوتهم دمرت بالكامل ولا يمكنهم إعادة بنائها وهم بالكاد يجدون فرصة للحياة من خلال المساعدات التي تصلهم كسلل غذائية وغيرها، وأكد الناشط الذي فضل عدم ذكر اسمه أن المنطقة تشهد حالة من إعادة الإحياء حيث تجد بعض المساحات التي تمت زراعتها مثلا في فصل الصيف الماضي لتكون مصدر لبعض الطعام وتم استثمار كل شي في تلك البقعة لأجل البقاء على قيد الحياة وربما بحثا عن أمل بالعودة إلى بيوتهم التي لم يبق منها إلا التراب.
السكن في تلك القبور أو القصور لا غبار عليه ولكن عمليات القطع للحجارة الأثرية واستخدامها بالبناء يبدو أمرا خطيراً، ولكن الأخطر هو تعرض تلك المناطق للقصف من قبل قوات النظام كما حدث في منطقة المدن الميتة حيث قصف طائرات النظام موقع شنشراح، الذي يعود للفترة الرومانية – البيزنطية، بالبراميل المتفجرة، ما تسبب ببعض الأضرار.
حسب تقارير جمعية حماية الآثار السورية فقد تبين أن التل الذي يقع بالقرب من مدينة كفرنبل في ريف إدلب، تعرض لحفريات غير شرعية وأكد فريق الجمعية الميداني وجود لصوص آثار يستخدمون أجهزة إلكترونية
يضاف للقصف عمليات التنقيب والحفر غير المشروع والتخريب بقصد أو دون قصد بهدف الحصول على لقى أثرية والاتجار بها، حيث سجل في تلك المنطقة الغنية بالآثار، أعمال تنقيب سرية في موقع خربة الكسيبجة وذلك في نيسان عام 2013، ولا توجد أيّ معلومات عن توقف تلك العمليات حتى تاريخ اليوم، كما سجل تدمير للتوابيت الحجرية البيزنطية في موقع البارة ويعتقد أن العملية تمت بهدف البحث عن شيء في داخل تلك التوابيت أو تحتها، كما تعرضت مبان بيزنطية في منطقة باسقبا للتخريب ولم تعرف الأسباب، والحال ذاته في موقع دير قيتا، كما تعرض موقع خربة الكسيبجة لبعض التخريب أو الحفر العشوائي، أما الحفريات السرية المدروسة فسجلت في موقع تل حزارين الأثري وبحسب تقارير جمعية حماية الآثار السورية فقد تبين أن التل الذي يقع بالقرب من مدينة كفرنبل في ريف إدلب، تعرض لحفريات غير شرعية وأكد فريق الجمعية الميداني وجود لصوص آثار يستخدمون أجهزة إلكترونية في مسح التل من أجل كشف المعادن، ووجود أكثر من 50 حفرة في الموقع ووجدت بعض القطع الفخارية التي أظهرت بأن الموقع يتضمن سويات تعود إلى فترات زمنية مختلفة، منها عصر البرونز القديم وبرونز وسيط وبرونز حديث وربما عصر الحديد، وبين الفريق أن اللصوص عثروا خلال حفرهم في الموقع على عدة دمى طينية وجرة صغيرة.
عمليات الحفر لم تنته إلى اليوم وهي كثيرة وواسعة على امتداد تلك المدن الميتة وغيرها من المواقع وكذلك فإن الانتهاكات الأخرى من عمليات قصف لم تتوقف ومنها لا كلها، قصف ضريح الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز في دير سمعان، وتدمير أجزاء من الجامع الأموي في مدينة معرة النعمان وهو ثالث أقدم مسجد في سوريا بعد الأموي في دمشق وحلب، وفي معرة النعمان أيضا قصفت قلعة البلدة الأثرية والتي بنيت بشكلها الحالي عام 631 هـ/1235 م، بأمر من المظفر الثاني صاحب حماة في العصر الأيوبي.
حماة والمأساة المكررة
تجربة حماة مع الدمار قديمة، ولكن خلال السنوات الأربع الماضية شهدت أيضا انتهاكات في الجانب الأثري كما في الجانب الإنساني، حيث تعرضت العديد من المدافن البيزنطية في بلدة الناصرية وغيرها من القرى للحفر غير الشرعي، أما المصاب الكبير فكان في قلعة المضيق التي تعرضت في عام 2012 وعلى مدى عدة أيام لقصف من قبل دبابات كانت متمركزة ضمن الحرم الأثري في موقع أفاميا المجاور. بعد سيطرة قوات الجيش النظامي على القلعة تم شق طريق ترابي بالجرافات في التلة الأثرية التي تقبع عليها القلعة. وأظهرت يومها الصور الجوية هذه الطريق التي تحيط بالقلعة.
أما أفاميا والتي تعرضت لتنقيبات سرية حيث تمكن مشاهدة تلك الحفر لكثرتها عبر صور الأقمار الاصطناعية، وكان آخر تسجيل لعمليات حفر في ذلك الموقع خلال شهر تشرين الثاني من العام الماضي، كما حوّل جيش النظام الموقع إلى ثكنة عسكرية حيث نصب حاجراً داخل الحرم الأثري وتمركزت آليات عسكرية ثقيلة في المنطقة، في حين أظهرت الصور الفضائية تعرض الموقع الأثري للحفر بشكل كامل من قبل لصوص الآثار، كما تبيين صور أخرى التقطها ناشطون ونشرتها الجمعية السورية لحماية الآثار حالة أحد الأبراج التي حفرها لصوص الآثار، بالإضافة إلى صور الدمار التي أصابت جزءا من الشارع المستقيم في أفاميا نتيجة القصف، وبحسب المعلومات التي نشرتها الجمعية فقد تم تهريب حوالي 30 لوحة فسيفساء من الموقع الأثري، كما ظهرت بالصور لوحات الموزاييك التي سرقت من الموقع، ومن المعلوم أن أفاميا بُنيت سنة 301 قبل الميلاد، في عهد سلوقس الأول نيكاتور، الذي حكم الشرق بعد وفاة الإسكندر المقدوني، لتكون ثاني أهم مدينة في الإمبراطورية السلوقية بعد مدينة أنطاكية.
ومن الواضع مما سبق أن هناك اتفاقا غير معلن بين لصوص الآثار وبين جيش النظام الذي يسيطر على المنطقة، وهذه الحالة تقريبا تنطبق على لوحة الفسيفساء المكتشفة في تلة السمان بطيبة الإمام، حيث أعلن المكتب الإعلامي في المدينة أن مسلحي المعارضة عثروا مصادفة على لوحة فسيفساء وذلك عندما سيطروا على حاجز تلة السمان الذي يقع نحو 1 كم إلى الشمال من مدينة طيبة الإمام، وبحسب المعلومات فإن اللوحة تبلغ أبعادها تقريبا 5 أمتار طولا و5 أمتار عرضا وبقيت في مكانها حينما استعادت قوات النظام السيطرة على الحاجز، ومنذ ذلك التاريخ بقي مصير هذه اللوحة مجهول، ولم تذكرها مديرية المتاحف والآثار في تقاريرها أبداً.
ربما لا تقاس الأضرار التي أصابت العاصمة بما أصاب غيرها من المدن، ولكن المخاوف التي تحدق بالعاصمة تبدو غير واضحة المعالم فالجميع يعلم أن الحرب النهائية ضد النظام السوري ستكون في هذه المدينة
الجزيرة السورية التطرف والسرقة
بالوصول إلى مناطق الجزيرة السورية يمكن القول بأن أعظم المصائب التي تقع على الآثار بعد القصف والتخريب نتيجة العمليات العسكرية هي عمليات التنقيب غير الشرعية، ففي منطقة الميادين في محافظة دير الزور حفر لصوص الآثار موقع عين علي الأثري وسجلت حفريات أيضا في موقع تل السن وبحسب تقرير للمديرية العامة للآثار والمتاحف فإن أكثر من 200 حفرة وخندق عميق تنتشر ضمن منطقة المدافن البيزنطية الواقعة إلى شمال سور التل، ما أدّى إلى كشف العديد من المدافن وسرقة محتواها، بالإضافة إلى تحوّل مساحات من الموقع إلى مكب للنفايات والبقايا الناتجة عن هدم المنازل، واستخدام تجار النفط الجزء الجنوبي من التل كسوق لهم، وبحسب تقارير الجمعية السورية لحماية الآثار فإن لصوص الآثار عاودوا الحفر في التل الذي يقع على بعد 10 كم جنوب شرق مدينة دير الزور، بالقرب من قريتي مراط ومظلوم، وقد ذكره ياقوت الحموي في معجم البلدان على أنه تل أثري قديم.
وطالت الحفريات غير المشروعة قلعة الرحبة، وتل الشيخ حمد حيث أعلنت المديرية العامة للآثار والمتاحف أن مجموعة من الملثمين قاموا بأعمال تنقيب وحفر جائر وسرق بيت البعث الأثرية العاملة في الموقع، وذات العمليات أي التنقيب السري طالت موقع دورا أوربوس كما نهب موقع صالحية الفرات وطالت الحفريات السرية تل باغوز الأثري، وهذا الحال ذاته عصف بموقع تل الحريري المعروف باسم مملكة ماري حيث دمر السقف المستعار الذي يغطي جدران الموقع بسبب غياب الصيانة منذ العام 2011 فأصبحت الجدران الأثرية لقصر المدينة عرضة للحت نتيجة عوامل الطبيعة كما تعرض القصر الملكي الكبير لبعض الأضرار نتيجة الأحوال الجوية وكذلك نتيجة الحفريات غير الشرعية التي لوحظت تحت المصطبة المخصصة لعرش الملك في صالة العرش وفي الصالة رقم 66، كما تعرض بيت البعثة للسرقة وخرب متحف البعثة والمستودعين المخصصين لحفظ الكسر الفخارية، وحالة التخريب والسرقة أيضا طالت موقع حلبية – زلبية على ضفاف الفرات.
أما في الرقة فقد نهب لصوص الآثار القبور في موقع دبسي عفنان بالقرب من موقع دبسي فرج الأثري، وقام أحد المتطرفين بتدمير مزار التابعي أويس القرني ومقام النبي إبراهيم في قرية عين عروس قرب تل أبيض ومقام الدروبية، في حين عمل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام على تدمير تماثيل الأسدين الموجودين في مدخل حديقة الرشيد، ومن المعروف أن أحد التماثيل قديم والآخر نسخة حديثة، كما هدم التنظيم مقام الوالي العثماني سعدالدين باشا العظم بالجرافة بداية العام الماضي، والمقام موجود في صحن جامع المنصور الذي بني خلال العهد العباسي والذي يعرف بالجامع العتيق، ونتيجة انعدام العناية تهدم جزء من السور الأثري للمدينة والذي يؤرخ لعام 156 هـ/772 م، كما تعرض المتحف الأثري في المدينة نهاية العام الماضي لأضرار نتيجة القصف الجوي من قبل طائرة تابعة لقوات النظام السوري، في حين هاجم ما يقرب من مئة مسلح مستودعات مبنى هرقلة الأثري، وسطوا على محتوياتها المكونة من مئات القطع الأثرية، وهي عبارة عن فخاريات متنوعة وجصيات وأجزاء من لوحات فسيفسائية وكسر فخارية للدراسة، تمثّل نتائج أعمال التنقيب الأثرية لمواقع مختلفة في محافظة الرقة على مدى سنوات.
في الحسكة دمر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام مراقد المشايخ الخزنويين المؤسسين للطريقة الصوفية النقشبندية وهم الشيخ أحمد الخزنوي، والشيخ محمد معصوم الخزنوي، والشيخ علاءالدين الخزنوي، والشيخ عزالدين الخزنوي، بالإضافة إلى هدم مسجد وحلقة للعلم وحرق كافة محتويات المعهد من كتب ومخطوطات يشرف على إدارتها أبناء الشيخ الخزنوي في قرية تل معروف التابعة لمنطقة القامشلي، وفي منطقة تل براك نسف التنظيم مقام الشيخ نامس في تل صاهوك على طريق “الحسكة- القامشلي” وفي ذات المنطقة سجلت حفريات غير شرعية يقوم بها التنظيم، في حين قصفت قوات التحالف قلعة سكرة التي يتحصن بها التنظيم، وفي تل عجاجة كشف عن تنقیبات سرية وتدمير تماثيل أثرية من قبل التنظيم الذي اعتقل لصوص آثار وصادر ما بحوزتهم من تماثيل أثرية تعود للفترة الآشورية عثر عليها خلال عمليات التنقيب غير الشرعية في تل عجاجة، ومن ثمة قام بتدميرها.
وفي تل جولمة فوقاني بمحافظة الحسكة سجلت عمليات تنقيب سرية، حيث تعرض الموقع والذي يقع على بعد 40 كم شمال مدينة الحسكة و15 كم إلى الغرب من موقع تل شاغر بازار، إلى عمليات حفر سرية في عدة مناطق من هذا التل الذي يعود تاريخه إلى الألف الثالث قبل الميلاد.
دمشق قلق ومخاوف
الثور الآشوري- منحوتة من محفوظات المتحف البريطاني
ربما لا تقاس الأضرار التي أصابت العاصمة بما أصاب غيرها من المدن، ولكن المخاوف التي تحدق بالعاصمة تبدو غير واضحة المعالم فالجميع يعلم أن الحرب النهائية ضد النظام السوري ستكون في هذه المدينة العتيقة فما حجم الكوارث التي ستقع في حال دخولها الحرب، وكم ستلتهم النار والقذائف من تراثها وتاريخها، فبعض الرشقات والمناوشات تسببت في شهر تشرين الثاني عام 2013 بتدمير جزء من الفسيفساء على الباب الكبير للحرم في جامع بني أمية بعد سقوط قذيفة هاون عليه، كما تعرضت قلعة دمشق لعدة قذائف هاون بتاريخ 03 و21/11/2013، فأحدثت فتحة في الجدار تقارب أبعادها 80×80 سم ، كما تسبّبت بكسر كافة الأغطية الزجاجية للمبنى والمباني الملاصقة له، ومنها ما يعرف بقاعة العرش أو القاعة الأيوبية التي تحتضن معرضاً للرسم، وذلك بحسب ما نقلت مديرية الآثار والمتاحف، كم دمر جزء كبير من مقام العسالي الذي يعود للعام 1653 م، نتيجة قصف قوات النظام للحيّ، وفي حيّ جوبر تضرر المعبد اليهودي القديم هناك وكذلك تضرر ودمر جزء من جامع جوبر الكبير الأثري.
أما في الضمير بريف دمشق فقد تعرض جزء من المعبد الروماني في المدينة للدمار، وفي مدينة عدرا نبش قبر الصحابي حجر بن عدي الكندي من قبل إحدى الجماعات المسلحة، وفي حرستا تعرضت الزاوية الشاذلية لأضرار نتيجة قصف قوات النظام التي طالت أيضا الحمّام القديم في المدينة، وأعلنت المديرية العامة للآثار والمتاحف عن عمليات تنقيب غير مشروعة في منطقة يبرود بجبال القلمون وذلك في موقع السحل.
العراق محو للتاريخ
الانتهاكات المسجلة بعيدا عن تجارة الآثار التي تعتبر تجارة رائجة في العراق منذ الغزو الأميركي للبلاد في العام 2003، كانت المشاهد المروعة من متحف الموصل أول صدمة للعالم، حيث أقدم التنظيم على تدمير بعض مقتنيات متحف الموصل الذي يعد ثاني أهم متحف في العراق بعد المتحف العراقي في بغداد، وتأسس هذا المتحف عام 1952 وكان مقتصراً على قاعة صغيرة ومن ثمة أقيم المتحف الجديد في العام 1972 والذي يضم أربع قاعات إحداها للآثار القديمة وأخرى للآثار الآشورية وثالثة للآثار الحضرية والأخيرة للآثار الإسلامية، وما عرضه داعش في التسجيل لم يكن إلا قاعة واحدة ولذا بات السؤال ملحاً عن مصير باقي المقتنيات في هذا المتحف، الذي تعرض كغيره من متاحف العراق للنهب في أحداث نيسان من عام2003، ولم تتمكن الحكومات العراقية المتعاقبة من استعادة أيّ من تلك المقتنيات التي سرقت.
وفي التسجيل الذي أعلن فيه التنظيم إزالة معالم “الشرك والكفر”، يظهر عمليات تدمير تمثال نادر لبوذا إضافة إلى بعض القبور والأضرحة، كما دمّروا التمثال الآشوري الكبير الذي يعتبر من أقدم الآثار ويعود تاريخه إلى القرن 19 ق.م، وقاموا بتحطيم الثور المجنح الخاص في بوابة نركال.
ما عرضه داعش في التسجيل لم يكن إلا قاعة واحدة ولذا بات السؤال ملحاً عن مصير باقي المقتنيات في هذا المتحف، الذي تعرض كغيره من متاحف العراق للنهب
وبالبحث قليلا عن المواقع الأثرية في العراق يمر عليك رقم 12 ألف موقع أثري لا يحظون بعظيم عناية أو اهتمام أو حتى حماية. قسم منها اليوم بات تحت رحمة داعش ومن بين أبرز هذه المواقع مدينة نمرود التي أعلن التنظيم تدميرها بالجرافات، وهذا ما أكدته وزارة السياحة والآثار العراقية وقالت الوزارة في بيانها إن “داعش” قام بالاعتداء على مدينة نمرود الأثرية وتجريفها بالآليات الثقيلة، مستبيحاً بذلك المعالم الأثرية التي تعود إلى القرن الـ13 قبل الميلاد وما بعده، نمرود وهو الاسم العربي للمدينة التي تعرف باسم “كالح” أو “ككالخو وكالخو والنمرود”، كانت مدينة آشورية، أسست في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وأصبحت في القرن التاسع قبل الميلاد عاصمة الإمبراطورية الآشورية الحديثة زمن الملك آشور ناصربال الثاني، ودمرت في العام 612 ق.م على يد الكلدانيين والميديين.
مدينة “كالح” أو نمرود 30 كلم جنوب الموصل عند ضفاف دجلة، تنبأ الأثاريون عند تجريفها أن تكون مملكة الحضر هي التالية وبالفعل في السابع من شهر آذار قام عناصر التنظيم بتجريف ناحية الحضر الأثارية جنوبي محافظة نينوى، ونقلت مواقع عراقية عن شهود عيان أن العناصر استخدموا الجرافات والآليات الثقيلة في عملية الهدم والإزالة كما فعلوا في مدينة نمرود من قبلها، والحضر هي أقدم الممالك العربية وحكمها أربعة ملوك لمدة أربعة وثمانين عاماً كان أولهم الملك ولجش158 – 165 م ومن ثمة الملك سنطروق الأول165- 190 م وهو أخو الملك ولجش، وحمل لقب ملك العرب بحسب النقوش القديمة على مباني المدينة، ومن بعده جاء الملك عبد سميا190- 200 م وهو ابن سنطروق الأول، وخلفه الملك سنطروق الثاني 200-241 م وهو ابن عبد سميا، وقاومت تلك المملكة قوات الفرس والروم قبل أن تقع بيد الفرس عام 241 ميلادية وتدمّر بشكل رهيب، وبعد الفرس جاء داعش ليكمل المشهد.
الحديث عن السنوات الأخيرة يظلم ما سبقها من تجاوزات إن كان في سوريا أو في العراق، ففي سوريا التي كانت مستباحة من قبل عصابة حاكمة باعت ما تمكنت من بيعه عبر مافيات الآثار العالمية، ودمّر قسم منها في العمليات العسكرية في ثمانينات القرن الماضي بنموذج حماة على سبيل المثال لا الحصر، وقبلها طمست المقبرة الصوفية في دمشق التي بني عليها مستشفى التوليد الجامعي، وإهمال المواقع الأثرية ذات الطابع الديني من مقامات وغيرها عدا المقامات الشيعية التي كانت تحظى برعاية إيرانية واضحة المعالم، والحال ذاته كان في العراق وخاصة فترة الغزو الأميركي للبلاد عام 2003 وانتشار حالات السرقة للمتاحف والحفريات العشوائية وتجارة الآثار، ولكن الواقع ينذر اليوم بكوارث أعظم وأجل من السابقات فلا أحد يعلم ماذا حدث بباقي القطع الأثرية التي لم تظهر في مشاهد التدمير في متحف نينوى ولم يخبرنا التنظيم بالصورة عن عمليات تدمير مدينة نمرود إذ من الممكن جدا أن تباع كل هذا القطع وحتى المدن برمتها وتنقل إلى أماكن غير معلنة اليوم، كما حدث مع نهايات الحكم العثماني للمنطقة حيث استباح الغرب التراث الأثري في المنطقة برمتها ونقل ما نقل إلى متاحف بلاده في ألمانيا وفرنسا وإنكلترا لم يعد من تلك القطع أو التحف إلى بلادها شيء، ربما يقول البعض كان خياراً جيدا لذاك الميراث الإنساني من الدمار ولكن السرقة هي السرقة.