مغامرة الْقِنَاعِ الشِّعْريِّ

مَنَاهِجُ نَقْدِيَّةٌ تَفْتَئِتُ على الإبْداعِ وتُشَظِّي النُّصُوص
الجمعة 2021/01/01
لوحة: فؤاد حمدي

لَيْسَ لِتَعَامُلِ بعض المناهج النَّقْدِيَّة مع النُّصُوصِ الإبداعِيَّةِ الْجَديدةِ بِوصْفِهَا وثائقَ أو مدوّناتٍ تُنْتِج نُصُوصاً لا تَعْدُو أنْ تَكونَ إلَّا اسْتِنْسَاخَاً، أَو إعادةَ إنْتاجٍ، لِنُصُوصٍ قَدِيْمَةٍ، أَنْ يُفْضِيَ إلى شَيءٍ سِوَى تَشْظِيةِ النَّصِّ الإبْدَاعيِّ  المدروسِ، وذلكَ بِتَحْويله إلى قِطَعٍ مُتَنَاثِرةٍ، أَو مَفْروزةٍ ومُصَنَّفَةِ، وغَير مُتَّصِلَةٍ ببَعْضِهَا بَعْضَاً، وَذَلِكَ لِيَسْهُلَ ردُّ كُلِّ قطعة مِنْهَا إلى مَصْدَرِهَا، أو إلى أَصْلِهَا الَّذي اقْتُطِعَتْ مِنه، أَو الَّذي يُحْتَمل أنْ تَكونَ عائِدةً، بِطريقَةٍ أو بِأُخْرى، إِلَيْهِ، أَوْ إِلى تَجَلٍّ اسْتنْسَاخِيٍّ قَدِيْمٍ مِن تَجَلِّيَاتِهِ النَّصِّيَّةِ الْمُوغِلَةِ فِي الْقِدَمْ.

ولَعلَّنا نَكُونُ في حاجَةٍ لأنْ نُوضِّحَ، هُنَا، أنَّ المناهج والتَّصَوراتِ الَّتي تربطُ كُلَّ نَتيجة بِأصْلِ سَابِق الْوجُود، والَّتي تَحْسَبُ أَنْ "لا جَديدَ تحتَ الشَّمْس"، لا تَقْصُرُ نَفْسَها، وأحْيَازَ اهْتِمِامِهَا، ومَرْجِعِيَّاتِها، عَلَى الكَلامِ الْمُتَداولِ مُشَافَهةً، أو كتَابَةً، ولا على النُّصُوص المُدوَّنَةِ أو المحفوظَة في الصُّدور، وإنَّما تَمتدُّ لِتشُمُلَ ما يَتَجَاوزُ اللُّغَةَ: كَلامَاً، وأقوالاً، ونُصُوصَاً مُدَوَّنَةً، كَاُصُولٍ مَصْدَرِيَّة لأيِّ نَصٍّ إبداعيٍّ جَديدٍ، فَهي قَد تُعِيْدهُ، باطْمِئْنَانٍ لا تُخْسَدُ عليه، إلى مصادرَ مَرْجِعِيَّة أُخْرى  كالبيئة المحيطة، والواقع الاجتماعيِّ  وأَحْوَالِ الْعَيْشِ، وسيرةِ الكاتب، أو رُبَّما إلى حالة واحدةً أو أكثرَ مِنْ حَالَةٍ من حالاته النَّفْسية، أو إلى واقِعةٍ مُعَيَّنة تَعرَّض لَها، أو ... إلخ.

وإلى ذلِكَ، فَإنَّنَّا لَنَجِدُ أنَّ الممارَسَةَ التَّطبيقيَّة لِمثل هَذِه المناهِجِ بِكُلِّ مَا انْطَوتْ عَلَيه من مقاصِدَ وآلِيَّات أفْرَزتْهَا التَّصورات النَّظرية التي تنهض عليها، لَم تَكُنْ لِتَتَوَخَّى، في التَّحْلِيْل الأخير، إلَّا الإعلانَ عن "موت الخيال" و"انتحار الفكر"، وذَلِكَ في مَجْرى تَأكِيدٍ مَكْرورٍ ومُعَادٍ للِمقولَةِ المُبْتَذلَةِ الَّتي صُيِّرتْ شِعَاراً ومُنْطلقَ تَفْكِيرٍ لا يَودُّ أَنْ يُفَكِّرَ إلَّا في مَا يُريْدُ تَسْوِيغَهُ آيديولوجِيَّاً، أو تَزْييفَهُ: "لا جديد، أبداً، تحت الشَّمس"، وهُو الشِّعارُ الذي يَستجيبُ، بِعُمْقٍ، للتَّصَورِ الْخَالي مِنَ التَّفَكُّر، وللمنْظُومَات الآيديولوجِيِّة المُصَنَّعةِ، الجَاري ترويجهمَا مِن قبِلِ قِوى الاسْتِغْلالِ والاسْتِبدادِ والتَّوحُّش البشري الرَّأسمالي، والقائِلَيْنِ مَا مُؤَدَّاهُ أنَّ الرَّأسِمالِيَّة قَد انْتَصَرتْ" وأنَّ تَاريخَ العَالم قد أنْجَزَ نَفْسَهُ، وأنْهى مساراتِه، بِتسْييدِها، وتَأبِيدِ سِيادَتِها، وأنَّ الكائنَ البشَريِّ قد أكْمَلَ صَوْغَ هُوِيَّتَه، وأنْ ليْسَ بمقدورِ الإنْسَانِ السَّاعيَ إلى إدراكِ جَديدٍ أن يُبْدِع جديداً يُغَايرُ ما سبق إنجازهُ، أو يَتَجَاوزَهُ، وأنَّ كل ما يستطيعهُ، مَع وصُولِ العالَم إلَى ذُرْوَةِ غايَاتِه، ونَهايَة مساراتِه، وكَمَالِ كَمَالِه، هو أنْ يُذْعِنَ لِمشيئةِ سَادَة الرَّأسمالِيَّة الظَّافِرةِ وسَدَنَة أبْراجِهَا ومَعابِدِهَا، وأنْ يَسْكُنَ، بِهُدوءٍ، الى عَالَمٍ ثَابتِ الْمَشِيْئَةِ ونَصٍّ مُغْلَقٍ سابق الإنجاز: عَالَمٍ ونَصٍّ يتأَبَّيانِ عَلَى الصَّيْرُورة، والتَّحْويلِ، والتَّحْوير، والتَّطوير، والتَّأْوِيْلِ وإِعادةِ التَّأْوِيْلِ لأنهما كاملان مكتملان، مُغْلَقَانِ على ذاتيهما ومكتفيانِ بهما، يُعْطِيَانِ أبَداً، وأبَداً لا يَنْقُصَانِ، وليسا قابلينِ لأيِّ تَعْدِيلٍ، أو إِضَافَةٍ، أو زيادة.

أَمَّا وقَدْ وصَلْنَا، مَع هَذِه الذُّروَة إلى قِمَّة التّبَجُّح والْعَماءِ والْهشَاشَة،فَإِنَّ لِهَذا الْوصُولِ أنْ يُغْلِقَ أَبوابَ الحاَجةٍ إلى مزيدٍ من تفصيل القول بشَاْنِ هذه التصورات والمناهج، وأنْ يُحَفِّزنَا عَلَى الإسْرَاعِ في صَوغِ خُلاصَة تَقولُ إنَّها مَحضُ تَصَوُّراتٍ زائِفَةٍ، ومناهِجَ مُؤَدْلَجَةٍ، تفتئت على الحَيَاة والإبداع والعالم، وتُحِيْلُ الإنسانَ إلى مجرد مستهلكٍ سالب للزَّمَانِ فِي آنِيَّتِهِ، ولإبداعاتِ أَسْلافِهِ الْخَالِدِينَ فِي النُّصُوصِ الأُصُولِ الَّتي حُجِّرَتْ وقُدِّسَت، نافيةً عنهُ إِمْكَاَن الوجود الفاعل في الوُجُود، مُحِيْلَةً حياته إلى صقيعٍ بارد لا يبثُّ في الكون غير برودة الموتْ.

إنها تصورات ومناهج تهدر جهد الإنسان الخلاَّق المُبدع، فيما هي تهدرُ وقت النَّاقِدِ الْمُتَفَحِّصِ وتَسْتَنْفِدُ جهده إذْ تُلْزِمُهُ بِإِمْعَانِ الْخَطْوِ في متاهات البحث عن (سَرِقَاتٍ مَزْعُومةٍ وانْتِحَالٍ)؛ وتتركه لاهثاً وراء خُطَواتِ شاعر مُبْدعٍ؛ بغية التقاطِ ما يُؤَهِّلهُ، كَناقِدٍ مُؤَهَّلٍ بِنَظَرِيَّة ومنْهَجٍ، لتأكيد موت الإبداع وإلصاق تهمة "الانْتِحَالِ" صخرةً مقيمةً على صدرِ كُلِّ مُبْدعٍ مُحِدِثٍ، أو حَديثٍ أو حَداثيٍّ، أو تَوَّاقٍ إلى إدراكِ جَدِيْدٍ  تَحْتَ الشَّمْس!

الْكلامُ يَفْتَحُ بَعْضُهُ بَعْضَاً

لَيْسَ لِلْكَلامِ إلَّا أَنْ "يَفْتَحَ بَعْضُه بعضاً"(1)، وتلك هي، بالضَّبْطِ، الْمَقُوْلَةُ الَّتي تُبَيِّنُ مُسْتَوياتِ العلاقة الممكنة بين النَّصّ الإبداعي الأَصِيْل؛ أي المُتَأَصِّل في الإبْداعِ، والنُّصُوص التي يستلهمها وينبني عليها، وتُفْصِحُ، بِعُمْقٍ، عَنْ أبْعَادِها. ولَعَلَّ لِهَذِه المقُولَةِ الْجَامِعَةِ الَّتي تشْمُلُ كُلَّ الكلامِ أنْ تَنْسَحِبَ عَلَى كُلِّ النُّصُوص، سَواء أكانت أدبيةً، أم غير أدبية. إنَّهَا، إذَنْ، علاقة اتصالٍ وانفصالْ؛ عَلاقَةُ هدمٍ وبناءٍ وامْتِصَاصٍ وتَحْويلٍ؛ أي أنَّهَا علاقةُ تفاعلٍ وحوار، وليست هِيَ، بأيِّ حالٍ وطالما أنَّ السِّيَاقات والعلاقات متغيرة، علاقةُ تَحَدُّرٍ من سلالة، أو علاقةُ فرعٍ بأصْلٍ، أو مَحضَ اسْتِنْسَاخٍ، أو تَولِيفٍ مُصْطَنَعٍ،  يُفْضِي إلى إنتاجِ نُسْخٍ باهتةٍ لأَصْلٍ قَدِيْمٍ أَبَدِيِّ الْحُضُورِ فِي مَلَكُوتٍ مُفَارقٍ ومُتَعالٍ، وسَاطِعِ الدَّلالةِ والضَّوءِ فِي مَعَانِيْه الْعَصَيِّةِ عَلَى التَّأْوِيْل. وإلَى ذَلِكَ، وفِي نَفْيٍّ جَذْريٍّ لِمثْلَ هَذا الْفَهمِ الَّذي لا يَفْهَمُ، فَإنَّ الشِّعْرَ، والإبْدَاعَ الأدبيَّ والفَنِّي عُمُومَاً، إنَّمَا هُوَ "خَلْقٌ يُمَارِسِهُ الشَّاعِر، فيما يَخْلِقُ مسافةً بينه وبين "التُّراث" من جهة، وبينه وبين "الواقع" من جهة ثانية"(2).

ولأنَّ النُّصُوص لا تنشأُ مِمَّا ليسَ نُصُوصَاً، ولأنَّ "كُلَّ ما يُوجَدُ دائماً هو عملُ تحويلٍ من خطاب إلى آخر، ومن نَصٍّ إلى نَصٍّ"(3)؛ فإنَّ لِهَذَا التَّحْوِيلِ الحِواريِّ التَّفَاعُلِيِّ الإبْداعِيِّ الْخَلَّاقِ أَلا يجعلُ النَّصَّ الأَدَبيِّ، وفي ذُرْوَتِهِ النَّصُّ الشِّعْريُّ وفِي قَلْبِهِ قَصِيدةُ الْقِنَاع، ثَوباً مُرَقَّعَاً، أو جسداً انتزع كلُّ عضو من أعضائه من جسدٍ آخر؛ بل إنَّهُ لَيُحَقِّقُ وجودَهُ كمَوْلُودٍ جَديدٍ مُؤَهَّلٍ لِأنْ يُثري عَالم الإبداعِ؛ فقد تخلَّقَ في رحْم الرُّؤيا الإبداعية الخاصة بالمُبْدِع، وسَرَتْ في أَنْسِجَة خلاياه أَنْسَاغُ أفكارهِ، ومَشَاعِرهِ، ورؤاهُ الْمتَجَدِّدة للعالم، فَاكْتَسى ثياب طريقةٍ خاصَّة في التَّشْكِيْل والتَّعْبِير والتَّكْوِيْنِ، مما أهَّلهُ لأن يشقّ لنفسه سياقاً خاصاً في حقل الإبداع الذي ينتمي إليه، مبدياً ما كان كامناً في أعماق النُّصُوص التي انبنى عليها، أو موحياً به، وذلك في الوقت الذي يبثُّ فيه، إفصاحاً أو إيحاءً، رؤيةَ المبدع لتلكَ النُّصُوص المفتوحة على ما لا يتناهى من القِرَاءَاتِ والتَّأْويلاتِ، ونَاتِجَ تًبَصُّره في الْوَاقِعِ القَائمِ الَّذِي قَرَأَهُ علَى نَحو مَكَّنَهُ مِنْ تَأْويلِهِ كَنَصٍّ مَفْتُوحٍ، بِدَوره، عَلى تَعَدُّدِ القِراءَاتِ والتَّأوِيلِ، وإِعَادَةِ التَّأْويل. تَماماً كَما أنَّ النَّصَّ الإبْداعيَّ النَّاتِجَ عنِ هَذه القِراءاةِ التَّفَاعُلِيَّة المتواكِبَة مع انْخِراطٍ حيَويٍّ في تَجاربِ رؤى داخِلِيَّةٍ، ومَسَاراتِ تَمَاهٍ وتَنَاصٍّ مَع أنماطٍ أصْلِيَّةٍ وشُخُوصٍ ورموزٍ، وسِيرِ حَيَواتٍ وتَجاربَ حَيَّةٍ ونُصُوصٍ، سيبقى مفْتوحَاً علَى القراءة والتَّأويلِ مَع تَعَدُّد القارئاتِ والقارئينَ وتباين مستويات وعْيِهم ومصادر معارِفِهم ومنظوراتِ رؤاهم، ومَع  تَنَوُّع المجتمعاتِ والثَّقَافَاتِ والأمْكِنَة، وتَوالي الْعُصُورِ الْحَضَارِيَّةِ، والمراحِلِ والأحْقَابِ، والأزمنة.

هكذا لَا تكونُ الْقَصِيْدَةُ الْحقيْقِيَّة إلَّا ولِيْداً جَديْداً، أَو هي لا تُوْلَدُ، عَنْ حَقٍّ، أبَداً، فَلا تَكُونُ مُؤَهَّلَةً لِوجُودٍ، وتَنامي وُجُودٍ، أَبَداً؛ إنَّهَا تَتَخَلَّقُ في وُجْدانَ الشَّاعِرِ الْمٌبْدِعِ لـ"تُولد ضِمْنَ نظامٍ موجُودٍ من الكلمات، وهي تشبهُ بنية الشِّعْر الذي تَتَّصِلُ به. والوليد الجديد هو مجتمعه؛ وقد تبدَّى ثانيةً من خلال الفرد، والْقَصِيْدَةُ الجديدةُ هي، أيضاً، تجسيد لمجتمعها الشِّعْري"(4).

ومَا مِن شَكٍّ في حقيقةِ أنَّ الابْنَ مُنْشَبِكٌ بأَبيه، وأَنَّه متصلٌ بهِ، غير أنَّ هَذَا الابْنَ، في الآنِ عَيْنِهِ، مُتَمَايِزٌ عَنْ أبِيْه ومُنْفَصَلٌ عَنْه، إِذْ لَهُ خُصُوصِيَّتَهُ، ولَهُ هُوِيَّتَهُ المكتسبة عبر تجربته الخَاصَّة، ولَهُ كيْنُونَتَهُ المُسْتَقِلَّةَ، ولَهُ فَرادَتُه الَّتي تُمَيِّزهُ عَنْ كُلِّ كائنٍ بشريٍّ سِواه، وكذلك هُوَ كُلُّ نَصٍّ إبداعيٍّ أَصِيْلِ وجديد، وكَذلِكَ هِي كُلُّ قَصِيدةٍ أصَيْلَةٍ وجَديدة.

وفي ضـوء هذه الرؤية الإبداعيَّةِ الَّتي تتوخَّى إدْمَاجَ المَصَادر فِي صَيْرورةٍ تُطْلِقُهَا عَملِيَّاتُ الإنْتَاجِ وإعَادة الإنْتَاجِ والتأْويْل التَّأَمُّلِيِّ، وتَحْلِيقِ الخَيَـالِ، لِتَحُـوْلَ دون الافتئات علـى التَّذوق الجَمَالي، والتَّبَصُّرِ الْفِكْرِيِّ، الْمُصَاحِبَيْنِ لِكُلِّ قِـراءة إبْداعِيَّةٍ للنَّصِّ، سنذهبُ إلى قِراءة قصائد "القِناعِ الطَّبِيعِيّ" الثّلاث الَّتي لا يشملُ المتن الشِّعري لقصيدة القناع في الشَّعر العربي المُعاصِر سِوَاها، وهي: "نَبْتٌ مُتَسَلِّقٌ" للشَّاعر سَعدي يُوسُف؛ و"دِفاع الأَسَدْ عَنْتَرَة" للشَّاعر مُعين بسيسو، و"مُذَكرات البَحر المَيِّت" للشَّاعر عزِّ الدِّين المناصِرة،  وهي القصائدُ الَّتي سَيُشَكِّلُ تَحْلِيْلُها النَّصِّيُّ، متعدِّدُ المستوياتِ والأوجِه،  المَتْنَ النَّقْديِّ  لِهَذا الكتاب، إِذْ سيكونُ لَنا، عَبرَ القراءةِ الْمُعَمَّقَة والتَّحليل المنْهَجيِّ والتَّفَحُّصِ الدَّقِيْقِ،  أنْ نَتَعرَّفَ المصادرَ المُتَدَاخِلَةَ في بناء كُلِّ قَصيدة مِنْ هَذه القَصائد، وفـي تكوين كُلِّ قِنَاعٍ مِنَ الأقنعةِ التي تَخوضُ التَّجاربَ الْمَروِيَّةَ فِيْها، وتَنْطِقُهَا.

ونَحْنُ، بِطَبيْعَهِ الحالِ وفي ضَوء كُلِّ ما قدْ سَبَقَ قَولَهُ،  لا نبحث عن المصادر كي نمسك بالشَّاعِر مُتلَبِّسَاً بـ "السَّرقة" أو "الانتحال"، وإنما نبحثُ عنها، حضوراً أو غياباً في النَّصِّ؛ كي نتعرَّف الأَسَاليبَ والطَّرائق والآلِيَّاتِ التي يَعْتَمدُهَا الشَّاعِرُ لِيُحَقِّقَ، عبرها، اتصاله بمصادره، وانفصاله، عَلى نَحو أو أخَرَ، عنها، أو استلهامه لها، وعمله، في الوقْتِ نَفْسِه، خارجها. وفي هَذَا السِّيَاق، سِيَكونُ لَنَا أَنْ نُدْرك الأسبابَ الْفِعْلِيَّة التي تجعل الشَّاعِرَ لصيقاً بمصادره، عاجزاً عن مغادرتها، أو تجاوزها للعَمل خَارِجَهَا، وسَيَكونُ لَنا أنْ نتبين، في ضوء هذا وذاك، الفني التَّجَلِّيَات المختلفة للأقنعةِ الشِّعْرِيَّة من حيث التَّكوين ، ومن حيثُ الوظائف الْجَمالِيَّة والدَّلاليَّة التي تتأَسَّسُ على هذا التَّكوين، وتستدعيه.

الأُصُولٌ الْمَصْدَرِيَّةٌ لأَقْنِعَةِ الشِّعْر

لوحة: فؤاد حمدي
لوحة: فؤاد حمدي

وإذْ تنهضُ الدِّراسة النَّصِّيَّة المُؤسَّسةِ عَلَى قَراءاتٍ  تَحْلِيْليةٍ، مُتَعَدِّدة المَداخِلِ والآلِيَّات، للقصائد، عَلَى فروضٍ عَدَيْدةٍ إدراجْنَاهَا  في مَا تقدَّم، وعَلَى رأسِها الْفَرْضُ التَّأْسِيسيُّ الَّذي مؤداهُ أن مصادر تسمية الأقنعة ليست هي بالضَّرورة مصادرُ تكوينها، ولا هَيَ، بالضَّرورة أَيْضَاً، مَصَادرُ بناءِ القَصَائدِ التي تَخُوضُ تِلْكَ الأقْنِعَة التَّجَاربَ المروِيَّة فيِهَا، وتَنطِقُها؛ فإنَّ مقتضيات تحويل هذا الْفَرْضِ، والفروض الأخرى ذَاتِ الصِّلَة، إلى نتائجَ مُؤَصَّلَةٍ ودالة، إِنَّما هي التي تُحدِّدُ الإطار الملائم للدِّراسَة النَّصِّيَّة لِقَصَائِد الْقِنَاعِ عَبْرَ تَحْلِيْلِهَا عَلَى مستويَيِّ البناء (بِناء النَّصِّ الشِّعريِّ) والتَّكوين (تَكْوينْ الْقِناع)؛ كمدخل ضروري لِتَحْلِيلِهَا مِنْ منْظُوراتٍ أُسْلُوبِيَّةٍ مُتَغايِرةٍ، وعلى مُسْتَوياتٍ تَفْصِيْلِيَّةٍ أخرى قَدْ تُوجِبُ الدِّراسَةُ النَّصِّيَة التَّحليليَّة لأَيِّ نَصٍّ مِنَ النُّصُوصِ الشَّعْرِيَّة الَّتي نُقَارِبُها ذَهَابَاً إليْها بِمَا يَسْتَجِيْبُ لِدَعَوةِ النَّصِّ نَفْسِه.

وإذْ وجدنا أنَّ الأقنعة التي تنطق جميع قصائد المتن الشِّعْري لقَصيدة القناع في الشِّعر العربي المُعَاصر، الذي تسَنَّى لَنا تشَكيلُه على نَحْوٍ يقتربُ مِنَ الاكتمال(5)، والَّذي هُوَ المَتْنُ الَّذي نُحْضِعُه، ضِمْنَ مشروعِنا النَّقْديِّ، للدراسَة النَّصِّيَّة والتَّحْلِيلِ، إنَّمَا تَرتدُّ إلى ثلاثة أُصُول مصدرية كبرى هي: الأصْل الطَّبِيعِيّ؛ الأصْلْ الإبداعي؛ والأصْل التَّاريخي، كَما أنَّها تَرتَدُّ إلى حُقُول وسِيَاقات مَصْدَريَّة عديدةٍ ومتنوعةٍ داخل هذه الأُصُول؛ فإنَّ تحليل الْقَصِيْدَة انطلاقاً من إدراجها ضمن إطار المصدر الذي اسْتُدْعِيَ منه اسم الْقِنَاع الذي ينطقها، سَيُشَكلُ، في ما نَحْسَبُ، قاعدةً ملائمةً لِتَعَرُّف مدى اقتراب الْقِنَاع، من مصدر تسميته أو ابتعاده عنه، ولإدْراكِ المصادر المتداخلة في تكوين القِنَاع، ولِتَبَيُّن آثارَ ما ينطوي عليه العملُ داخل مصدر واحد، أو خارجه، أَو داخل مصادر متعددة، أو خارجها، عَبْرَ تَفَحُّصِ مَا لِأَيٍّ مِنْ هَذِهِ الْحالاتِ مِنَ انعكاساتٍ على نسيج الْقَصِيْدَة، وعلى بُناها الدَّاخلية، وبنيتها الكلية، وعلى شبكاتِها الدَّلاليَّة، وكذلكَ عَبْرَ تَفَحُّصِ ما تُنْتِجِهُ الأساليب والطَّرائق والآلِيَّات التي تنتجُ هذه الانْعكاساتِ مِن مَدلولاتٍ مُحتَملَةٍ ذاتِ دلالاتٍ جَمالِيَّة، أو بنائيَّة، أو فِكْريَّة، أَوْ غيرَ ذَلِك.

وتَأسيساً عَلى كُلِّ ما تقدَّم، سَنَكُونُ، إضافَة إلى الكتاب الكتاب النَّظَريِّ التَّاصِيْلِيِّ الأوَّل المُعَنْون بـ "قَصيدة القناع في الشَّعْر العربي المُعَاصر: تحليلُ الظَّاهِرة"، إزاء ثَلاثَة مُجَلَّداتٍ تُشَكِّلُ، مُجْتَمِعَةً، الكتابَ الثَّاني المُعنْونِ بـ: "قَصيدة القناع في الشَّعْر العربي المُعَاصر: دراسَاتٌ نَصِّيَّةٌ"،  فِيْما يَتَركَّزُ كُلُّ مُجَلَّدٍ مِنْها عَلَى مُقارَبَةِ قَصَائدِ القِنَاعِ العَائدةِ إلى أصْلٍّ من الأُصُول المصْدَرِيَّة الثَّلاثَةُ الْكُبرى، عَلى تَعَدُّد حُقولِهَا وتَنَوُّعِ سِيَاقَاتهَا، وهي: الأصْل الطَّبِيعِيّ، والأصْلُ الإبْداعيُّ، والأَصْلُ التَّاريخيُّ. وهَكذا سَيحِملُ المُجَلَّدُ الأَوَّلُ عُنواناً فَرعِيَّاً هُو: "أقْنِعَةُ الأصْلِ الطَّبِيعِيّ"، فِيما سيَحْمِلُ الْمُجَلَّدُ الثَّاني العنوان الفرعيِّ: "أقْنِعَةُ الأصْلِ الإبداعيِّ"، لِتَكونَ "أقْنِعَةُ الأصْلِ التَّاريخيِّ" عنواناً فَرْعِيَّاً للمجَلَّد الثَّالث.

وليسَ بِلا دلالةٍ، هُنَا، أنْ تأخذَ المُجَلَّداتِ الثَّلاثَة تسلسلاً رَقَمِيَّاً، أو تَراتُبَاً، يتجاوب مع التَّعاقب الزَّمني للأُصُول المَصْدَرِيَّة الثَّلاثة: الطَّبِيعِيّ، والإبْداعي، والتَّارِيخي، ولـ"الأنات المغايرة" العائدةِ إلى أيِّ أصْلٍ مِنْ هَذِه الأُصُولِ، وذلكَ مِنْ دون إغفال تزامنها الْمتَحَقِّقِ مَع تَوالي عُصُور الحضارة الإنْسَانِيَّة، ومن دُونِ استبعاد التداخلات القائمة فِيْما بينها. وقد لا يكون مجرد مصادفةٍ أن يتجاوب هذا التَّسلسل مع تراتب الأصول من حيث عدد النُّصُوص الشِّعرِيَّة والقصائد والأقنعة الَّتي تًشكِّلُ المتنَ الشِّعْرِيَّ لِقصيدة القناع؛ فالأصل الطَّبِيعِيّ الذي نبدأ به يضمُّ أقلَّ عددٍ مِنْهَا (ثلاث قصائد فَحَسْبُ)، وبنسبَةٍ مئويةٍ بَلغت (%5.77)، يليه الأصل الإبداعي الذي يضمُّ عدداً أكبر (سِتَّ عَشْرةَ قَصيدةً)، وبنسبَةٍ مئويةٍ بَلغت (30.77%)، ثم الأصل التَّاريخي الذي يضمُّ العددَ الأكبر (ثَلاثة وثلاثين قَصيدةً)، وبنسبَةٍ مئويةٍ بَلغت (63.46%).

***

مَعْ صُدورِ المُجلَدِ الأوَّل: "أقْنِعةُ الأصْلِ الطَّبِيعِيّ"  مِنَ الكتاب الثَّاني: " قَصِيْدةُ القناعِ في الشَّعْر العَربِي المُعَاصِر: دراسَاتٌ نَصِّيَّةٌ"، نَكونُ قَد شَرَعْنَا، بَعْدَ مِضيِّ عِقْدَيْنِ وعَامَيْنِ من الزَّمَن على صُدور الكتاب الأوَّل: "قَصيدة القناع في الشَّعْر العربي المُعَاصر: تحليلُ الظَّاهِرة"(6)، فِي جَعْلِ مَشْروع العُمْر الفِكْريِّ النَّقْديِّ الذي جُعِلَ رسَالةَ دكتوراة، مُتَاحَاً في صيْغَةِ كُتبٍ مُحَرَّرةٍ، ومَنْشُورةٍ لِاطِّلاعِ كُلِّ مُهْتَمٍّ، ومُهْتَمَّةٍ، بُنُشْدَانِ الحَيَاةِ الْحُرَّةِ ، والإبْداعِ الْخَلَّاقِ، والوجُود العربيِّ والإنْسَانيِّ الحَيَويِّ فِي الْوجُود، مِنَ القَارئينَ والقَارِئَاتِ ذَويِّ الوجْدانِ الإنْسَانيِّ الحيِّ، والضَّمائرِ الْمَعْرِفِيَّة اليَقِظَةِ، والعُقُولِ النَّقْدِيَّةِ الوقَّادةْ.

ويَهُمِّني في هَذا السِّيَاق أنْ أوَضِّحَ أنْ تَعاملي التَّحريري مَع النُّصُوص النَّقْديَّةِ: النَّظَرِيَّة والتَّطبيقيَّة، الَّتي تَضَمَّنتَهَا رسَالَة الدُّكْتوراة المُنجَزةِ قبلَ عِقْدينِ وعامَين، وهو التَّعامُلُ الْهَادفُ، أصْلاً، إلى تِهيئتها للنَّشر في صِيغَة كُتُبٍ مُعَدَّةٍ للتَّداولِ في الأَحْيَاز المُجْتَمعِيَّة والثَّقافِيَّة العَامَّة، إنِّما نَهَضَ عَلى التزامٍ تَامٍّ بِأُصُولِهَا منْ كُلِّ مَنْظُورٍ ووجْهَةٍ، بحيث اقْتَصرَ التَّحريرُ على نَوعٍ من المراجَعة والتَّدقيق المَوضِعِيَّين: تَصْويباً لأيِّ خَطأٍ طِبَاعيٍّ، أو لُغَويٍّ، أو أُسْلوبيٍّ يُرْبِكُ الصِّياغَةَ، أو يُنْتِجَ نَوعاً من الالتباسِ في مَقَاصِد بعضِ الفقرات والْجُملِ، أو في المنطوياتِ المفهومِيَّة لِمُصْطلَلح من المصطَلحاتِ الْمُقْتَرحَة مِنْ قِبَلِنا في سياق الاسْتجابَة الْمعْرِفِيَّة لِخُلاصَات التَّبَصُّرُ النَّظَري، والمُقَاربات النَّقديَّة التَّطبيقيَّة للنُّصوص الشِّعْريَّة والقصائدِ الَّتي اُخْضِعَت للتَّحليل المنْهَجيِّ والدِّراسَة النَّصِّيَّة. ومَا كانَ هذا، لِحُسنِ الحَظِّ أو بسببِ حُسْنِ تَدْوينِ النُّصُوصِ الأُصُولِ و تدقيقهَا، إلَّا أَقَّلَّ القليلِ، وأنْدَرهُ، فِيما نَجَم الأعَمُّ الأغلبُ مِنَ الأَخْطاءِ واجِبَةِ التَّصْويبِ عنِ الحَاجَةِ إلى تحويل النُّصُوص الأصليَّةِ مِن برنامجِ تنضيد كلماتٍ ونُصوص كُمْبْيُوتَريٍّ صَارَ قَديْماً واخْتَفى، إلى برنامجٍ حديثٍ لا يَزالُ يُطَوِّرُ نَفسَهَ، ويَعْلُو بِهَا، ويُحَدِّثُهَا، مُعَزِّزاً فاعِلِيَّتَهَا، ومُرسِّخَاً وُجُودَهَا!

ولِئنْ كانَ لِمنْهجيَّة التَّحرير النَّصِّيِّ هَذِه أنْ تُحُافِظَ عَلَى صَلَةِ النُّصُوص بِزمَنِ كَتابتها، وبالمُكَوِّنَاتِ والخَصَائصِ المَعْرِفِيَّة الَّتي كانَ كاتبُهَا مُتَوافِراً عليْهَا في حِيْنِهِ، فَإنَّ لِمرورِ عِقْدينِ وعامَينِ مِنْ زَمنٍ مُتَسَارعِ الْخَطْوِّ علَى نَحْوٍ مُذْهِلٍ، ومِنَ التَّطور الإبداعيِّ والمعرفيِّ المُصَاحبِينِ، ولا سِيْمَا في إبْداعِ الشِّعرِ، وفي التَّنْظيرِ الْجَمَالِيِّ الأَدبي والْفَنِّيِّ، وفِي مَنَاهِج النَّقد التَّطبيقيِّ ومدارسِهِ، وفي العلوم الإنْسَانيَّة ذات الصِّلة، أَنْ يَفْتَحَ الأذْهَانَ عَلَى السُّوَالَ عنْ  جَدوى الشَّروع في نَشْرِ نُصُوصٍ نَقْديَّة نَظَريَّةٍ، ودراسَاتٍ نَصِّيَةٍ ومُقَارَبَاتٍ تَحليليَّة ذاتِ صِلَة بٍهَا، بِعْدَ أَنْ مَضَي عَلَى كتابِتِها زَمَنٌ يَبدو أنَّ كُلَّ عِقْدٍ فِيْه يُعَادل قَرْنَاً، فِيما يُعادلُ كُلُّ عامٍ عِقْداً، إذا مَا قُورنت أزمِنَةُ العَالَم المُتَحَضِّرِ الْحَديثِ، مِنْ أيِّ مَنْظُورٍ أو وُجْهَةٍ، بِأزْمِنهِ العَربِ الْمتَكلِّسَةِ الْقَديمة؟!

وبالنِّسبَة إليَّ، كباحثٍ أكاديميٍّ وناقِدٍ، وكإنْسَانٍ مَسْكُون بالسُّؤال الدَّائِم عن  نَهضَة العربِ والإنْسَانيَّة الحقَّة بِأسْرِهَا، فَإنَّني لا أملكُ مِن جَوابٍ عَنْ هَذا السُّؤال إلَّا الحِرْصَ عَلى النَّشْرِ، فَفيْهُ تَكْمنُ فَحْوى الْجَوابِ الْمكْنُوزَةِ مُكَوِّنَاتُهُ: الفكريَّةُ والجمالِيَّةُ، في ثَنايا النُّصُوص النَّقدِيَّة وأطْوائِها، والَّذي أَضَاءَتْهُ، ولَم تَزلْ تُسَلِّطُ كُلَّ أَنْورَاهَا عَليه، النُّصُوصُ الشِّعرِيَّةُ وقَصَائدُ القِنَاعِ الَّتي شَكَّلَت المَتْنَ الذي تَأسَّسَتْ كَتابَتُهَا عَلَيه. وإنِّي لَأَتَطَلَّعُ، بِلَهْفَةٍ آمُلُ ألَّا يَأخُذُهَا الزَّمنُ العَرَبِيُّ الأُفُقيُّ إلى تَكَلُّسٍ وخُمُودٍ، إلى تَعَرُّف إِجاباتِ القارئاتِ والقارئين عَنْ هذَا السُّوال، سَواءُ أَتَقَاسَمَتْ إجَابَاتُهُنَّ وإِجَابَاتُهُم فَحْوى جَوابيَ  فِي كُلِّيَّتِهِ، أَوْ فَحْوَى بَعْضِ مُكَوِّناتِهِ، أمْ تَعدَّدتْ اتِّجَاهَاتُ هَذِهِ الْإِجَابَاتِ، وتَبَاينتْ مُؤَسِّسَاتُهَا، وتَنَوَّعَّتْ مَغَازي خُلاصَاتِها وفَحَاويْها، أَوْ تَغَايَرتْ فِيْهَا سُبُلُ الاسْتِجَابةِ السُّلُوكِيَّة للتَّحَدِّيَات الوُجُودِيَّة الَّتي يُمْلِيهَا واقِعٌ مَضَى على تَكلُّسِهِ وحُلكَة سِواده ما يَربُو على سَبْعَة قُرونٍ مَشْحُونَةٍ بِصَدْمَاتِ حَدَاثَةٍ مُتَواليِةٍ تَتفَاقَمُ عَقابيلُ العْجْزِ عَنْ الاستجابَةِ الْحيَويَة لِمَا تَفْرِضُه مِنْ تَحَدِّيَاتٍ، ولمَا تَحُثُّ عَلَيه مِنْ تَهَيُّئٍ حَقِيْقِيٍّ لانْتِهَاجِ سُبُلٍ مَعْلُومَةٍ يُفْضِي عُبُورُهَا إلى إدراكِ نُهُوضٍ، وإلى اسْتِعَادةِ القدْرةِ عَلى تَحقيقِ وُجُودٍ عُرُوْبِيٍّ حَقِيْقيٍّ وفَعَّالٍ، وَذِي مَغْزىَ حَضَارِيٍّ، في شَتَّى مَدَاراتِ الْوُجُودِ الإِنْسَانيِّ الْمَائِرِ الْآنَ فِي أَعْمَاقِ الْوُجُودِ الْحيِّ، والَّذِي لَمْ يَكُفَّ الإنْسَانُ الحَقُّ عَنْ نُشْدَانِ ظُهُورهِ مِنْ خَفَاءٍ، وسُطُوعِ تَجَلِّيَاتِه.

مُلاحَظَة: النَّصُّ المنسُورُ، هُنَا، هُوَ اسِتِكْمَالٌ للِنَّصِ المَنْشُور في العَددِ رقم (70)، نُوفمبر/ تشرين الثَّاني، مِن "الْجَديد"، والّذي يَحمل العنوان:  "أُصُول القناع الشِّعْري: قصيدة القناع في الشَّعْر العَربِي الْمُعَاصِر".

هَوامش وإشَارات:

(1) ابن رشيق: العمدة في محاسن الشِّعْر وآدابه ونقده، جزءَان، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت، الطبعة الرابعة، 1972، الجزء الثاني، ص 236.

(2)  أدونيس: الثَّابت والمُتَحَوِّل، الكتاب الثَّالث: صدمة الحداثة، دار العودة، بيروت، الطَّبعَة الرَّابعة، 1983، ص 18.

(3) تزفيطان تودوروف: الشِّعْرية، ترجمة: شكري المبخوت ورجاء بن سلامة، دار تُوبقال للنَّشر، الدار البيضاء، الطَّبعة الثَّانية، 1990، ص 76.

(4) نورثرب فراي: تشريح النَّقد - مُحاولات أربَع، تَرجمة: محمد عصفور، منشورات الجامعة الأردنيَّة، عمادة البحث العلمي، عَمَّان، د.ط، 1991، ص 122.

(5) للاطِّلاع التَّفصيليِّ عَلى مُكَوِّنات هَذَا المتْنِ، وعلى تراتب حُقُوله المصدريَّة من حيثُ عدد الأقنِعة ونسبها المئويَّة فِي كُلِّ حَقلٍ، ومن حيث تراتب الشُّعراء على مستويات: عدد الأقنعة، وعدد القصائد، وتنويع الأصول المصدريَّة، ومن حيثُ التّعاقُب الزَّمَني لصدور قصائد القناع، وتواريخ كتابتها ونشرهَا في ديوانٍ لأوَّل مَرَّة، ومن حيثُ ما قَدْ شَمله المتنُ من شُعراءَ ودواوين شَعريَّةٍ وقصائد، وللحصول على إطلالة بانوراميَّة على كُلِّ ذلك في شبكَةٍ جَدْوَلِيَّة واحِدَةٍ، أُنْظُر: عبد الرَّحمن بسيسو: المرجَع سَابِق الذِّكر، الجداول، ص 334 وما بَعْدها.

(6) للحصول على المعلومات المتعلِّقة بنشر هذا الكتاب، في طبعته الأولى، أنْظُر: عبد الرَّحمن بسيسو: المرجِع سَابق الذِّكر، الهامش رقم (1) أعلاه.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.