ميشال أونفري: أوروبا وانفجار المشرق العربي والعنف الديني ومصارع الاستبداد

الجمعة 2015/05/01

تفتح «الجديد»، بدءاً من هذا العدد، ملف الحوارات الفكرية الواسعة والثقيلة، بناء على قناعة راسخة لديها، تشاركها فيها فئات متعددة من المثقفين العرب تتصل بغياب الحوار بين ضفتي المتوسط، تلك القطيعة التي تجلت في السنوات الأربع الماضية خصوصاً، حيث اختفى مفكرو الغرب، وصمتوا عن حريق المشرق العربي، والمجازر الكبيرة التي وقعت وتقع فيه يومياً، وعن انهيار الدول والكيانات والمجتمعات، التي لطالما استقت قواعد وجودها النظرية من أولئك المفكرين وآبائهم في الغرب، لنجدهم اليوم، في عجز كلي عن تفسير الواقع، فآثروا الصمت أو الركون إلى التفسير الشعبي والإعلامي لما يحدث. فالشرق، في قراءتهم للوقائع، يعاني من صعود الإسلاميين وانتهى الأمر، ما يشكل تهديداً للغرب وأمنه المستقبلي، دون أن ينظر هؤلاء، غالبا، إلى عامل الاستبداد الذي تسبب في نشوء ونمو تلك التيارات المتطرفة، ودون أن ينظروا إلى الفتك العظيم الذي عانت وتعاني منه التيارات المدنية والليبرالية الشابة التي تم خنقها في مهدها، لتخلو الساحة للعسكر والإسلاميين، ولعنفين متقابلين، بالتالي، يتصارعان على الوصول إلى السلطة، في ظل واقع عربي لم يهتد يوما إلى بوصلة المستقبل، وظلت نظمه السياسية، غير الشرعية في أكثريتها، تتوارى لنصف قرن وراء اقنعة «القضية المركزية» التي تمزقت، تماماً، مع انتفاضات الربيع العربي، ولم تبق أمام انظمة الاستبداد سوى مواجهة قدرها المأساوي مع جمهور اكتشف الطريق إلى باب الكهف للخلاص من ظلام ليل طال.

ميشال أونفري، الفيلسوف الفرنسي الذي عرف بنقده الشديد للأديان، ومنها الإسلام، بدءا من تناوله لبعض نصوص القرآن الكريم، والتي عدّها محرضة وداعية للعنف، وتحليله لفكر الإسلام ككل، سيكون له في «الجديد» مواجهة حوارية حادة، يعرض من خلالها فكره ورؤيته للعالم، أوروبا التي قال إنها تحتضر، والمشرق الذي اعتبر أنه يسبح في عنف الإسلام، مسلمو أوروبا، ووصفته التي ينصحهم فيها ، للانخراط في «إسلام جمهوري»، حيرته أمام أولئك الذين ولدوا فرنسيين، لكنهم يحملون في تكوينهم الإسلام، وآخرين مثلهم يرثون الكاثوليكية ونصوص الإنجيل «الدموية»، غياب «المسيح المتسامح» وصعود تعاليم وذهنية الحروب الصليبية، التحدي الكبير الذي يدخل أونفري نفسه فيه بتفنيده للنص القرآني ومعه سيرة النبي محمد، ملتزماً جانباً من الرواية والسند، قد لا يوفّق فيهما على طول الخط. على أن أكثر ما يشغل تفكير أونفري هنا في هذا الحوار الموسع معه هو تبرير خروج الإرهاب من النص، أكثر من النظر إلى شبكة العوامل الثقافية والاجتماعية، رغم إدانته لما سمّاه إرهاب الغرب والولايات المتحدة الأميركية ضد شعوب العالم العربي والإسلامي الذي يقتل الأبرياء بأحدث الأسلحة وأدوات التكنولوجيا باسم محاربة الإرهاب.

حول حوار أونفري تدور، في هذا الملف، ردود وسجالات، يميل جلّها إلى رفض فكره، وينطلق أغلبها من ذاكرة مسوَّغة، كما في المقالات التي كتبها مثقفون وباحثون جزائريون، أو تلك التي كتبها فيلسوف فلسطيني، بفعل التاريخ المتداخل سيما في القرنين التاسع عشر والعشرين، والذي لعبت فيه فرنسا أدواراً كولونيالية في وعي سكان حوض المتوسط وشمال إفريقيا، قفل تركة وإرث الاحتلال المباشر، قبل أن يتحول عدد من هؤلاء إلى لاجئين على أراضيها، ومن ثم مواطنين بالمولد والوثائق والثقافة.

تريد الجديد تحويل عدد من صفحاتها إلى تلك الساحة البديلة للحوار المتوسطي، الغائب عن الوجود في الواقع، لرصد تلك الحواف التي يلامسها حوار الغائبين عن الغائبين، بينما تنتشر نيران حريق المشرق العربي وتزداد مخاوف أوروبا، من مآلات لا يفوت أونفري أن يشخصها، معتبرا إياها بدايات «احتضار الحضارة الغربية» التي تكاد أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، حسب وصفه.

تدخلنا في حوار أونفري، بإشارات إلى بعض الزوايا التي رأينا أن الصواب جانبه فيها، أو أنها تتطلب تعليقاً من المحرر، مفسحين له في المجال لنقد الفكر الديني بحريته الكاملة، من دون مصادرة أو رقابة أو تشويش يمنع القاريء العربي من معرفة كيف يفكر هذا الفيلسوف الذي يعتبر اليوم أشهر فيلسوف فرنسي حي.

في هذا العدد والأعداد التالية من «الجديد»، سنترك الباب مفتوحاً للمفكرين وأهل الرأي الراغبين في الإدلاء بدلوهم في القضايا التي اثارها الحوار أو مناقشة الأفكار والرد عليها أو معها. والمجلة ترحب بنشر تعقيبات الفيلسوف ميشال أونفري على المثقفين العرب الذين قرأوا رؤيته كل على طريقته في حال رغب هو بمواصلة الحوار.

قلم التحرير

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.