ندى الحمصي المهاجرة بالمسرح
في أحد أحياء أونتاريو الكندية تتابع ندى الحمصي اليوم مشاهد حياتها المسرحية التي ابتدأتها قبل سنوات عديدة من هجرتها الأخيرة نحو كندا، ولتساهم عبر نشاطها في تأسيس عدد من الفرق المسرحية وفي تدريب فرق أخرى، ولتتابع مسيرتها في الكتابة عن المسرح وله، من دمشق كانت انطلاقتها نحو اليابان حيث عملت مع » تاداشي هاما» قبل أن يستقر بها الترحال في كندا حيث عملت مع» مارك انغرام»، »مايكل كابلان»، »ديانا مانولة»، »آدم فارفارو»، »بادي جيلارد»، »تير شارتراند»، »مايت وايت»، »أريانا باردوسونو»، »ستيسي لين»، »مجدي بو مطر الكندي من أصل لبناني»، » حازم كمال الدين البلجيكي من أصل عراقي»، والإيمائي »إيتينم أوتون»، ولتنشغل اليوم إلى جانب عملها المسرحي بالكثير من الندوات ولجان تحكيم المهرجانات العالمية.
ولدت في العاصمة السورية دمشق وتخرجت من قسم اللغة الإنكليزية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعتها، لتجد طريقها مع بداية سبعينات القرن الماضي نحو المسرح من خلال دورة لإعداد الممثلين في المركز الثقافي العربي، ومنذ تلك اللحظة لا تكف ندى الحمصي عن صقل معارفها وتجاربها التي أغنتها من خلال الاحتكاك بالعديد من الشعوب والثقافات خلال ترحالها الطويل.
من المركز الثقافي العربي في دمشق إلى الفرق المسرحية الجامعة فالفرق العمالية والمسرح الوطني الفلسطيني وصولاً إلى تأسيس مركز åإيماء دمشق» و»مسرح الحجرة»، و»موزاييك للإنتاج الفني»، تعبر ذاكرة ندى هذه المطارح اليوم بكثير من الشغف لتتوقف عند عام 1988 حيث كتبت ومثّلَت مونودراما »الاختيار» التي أخرجها رياض عصمت، ذلك العرض الذي مزجت به ندى الحمصي الناطق بالصامت بتقنيات الإيماء، ولتتابع عروضها غير الناطقة مع تقنيات الإيماء في مهرجانات عديدة حيث حصلت على جوائز متنوعة بين الكتابة والتمثيل حيث اشتغلت عروضاً مسرحية من إخراج »زيناتي قدسية»، »جميل عواد»، »وليد قوتلي»، »فواز الساجر»، »توفيق المؤذن»، »غسان الجباعي»، åجواد الأسدي»، »رياض عصمت»، »محمد قارصلي»، بينما تنوعت أعمالها في التلفزيون والسينما مع »محمد ملص»، »محمد بدرخان»، »هيثم حقي»، »أمل حنا»، »شيرين ميرزو»، »حسن عويتي»، »وليد قوتلي».
في عام 2014 كانت آخر أعمالها حيث كتبت وأخرجت »اسمي داخل فرج» العرض الذي قدّمه ممثلون بثلاث لغات تراوحت بين العربية والإنكليزية ولغة الإشارة للصم والبكم، وإلى جانب عملها في المهرجانات والندوات وورش الأعمال الإبداعية تركّز ندى الحمصي نشاطها بشكل أساسي اليوم مع تجمع الثقافات المتعددة» إم تي سبيس» إلى جانب وجودها الدائم في المسرح العربي الكندي.
»الجديد» التقت الكاتبة والممثلة والمخرجة السورية المقيمة في كندا ندى الحمصي وكان هذا الحوار حول تجربتها المسرحية.
أكثر من ثلاثين عاما في المسرح العربي والعالمي، كيف تستطلع ندى الحمصي تجربتها منذ البدايات وحتى اللحظة الحاضرة؟
حمصي: وجدت أن التاريخ يعيد نفسه، أن كل الاختلافات والتناقضات موجودة، هنالك الإبداع وهنالك عكسه، هنالك فنانون راقون وهنالك عكسهم، المسرح كان دائماً حالة وبقي حالة، كان دائماً بعيداً عن معظم الشعب وبقي كذلك، كان له جمهوره وبقي كذلك، كان المسرح مربياً وبقي كذلك وكان المسرح مفسداً وبقي كذلك.
ورغم التغيرات في العالم، من تكنولوجيا إلى حروب وتعذيب في الأقبية، بقي المسرح كما كان عمله دائما وكما كان موقعه.
المسرح يجمع الناس عليه حينما يعملون فيه كفنانين، أو حينما يجتمعون في مكان واحد كجمهور ليشاهدوا عملا مسرحيا، أو حينما تكون هنالك لقاءات أو مهرجانات مسرحية. وبقي المسرح كما كان، يمكن أن يكون مرفّها أو مزعجا أو يكون وسيلة لعلاج المشاكل النفسية والكآبة والجهل، وسيلة لعلاج أطفال المخيمات والمهجرين كما يحدث حاليا في مخيمات النازحين من سوريا أو غير سوريا، والمسرح كان وما يزال وسيلة لمقاومة الاحتلال كما يحدث في فلسطين وفي شتى مدنها، وفي نفس الوقت يتفرق الناس عن المسرح، لرصانته أو سماجته، أو حالة القمع التي يضع فيها المتفرج.
رغم تقلبات الزمان، بقي المسرح مهمّا للمسرحيين في العالم وبقي موجودا للفنانين وللمتفرجين وللمتابعين، فتجربة الذهاب إلى المسرح لا تعوضها ألعاب الكومبيوتر ولا تعوضها التفجيرات الانتحارية. ولو كان الانتحاريون يتابعون المسرح لما تم غسيل دماغهم ولما فجّروا أنفسهم في الناس، فالمسرح كان دائما وسيلة تربية وارتقاء، ومهما كان الفنان المسرحي دنيء النفس لن يكون دنيئا كما هو المنتحر بين الناس. كان ذلك هو دور الفن بالعموم، الارتقاء بالذهن والذائقة، والمسرح هو واحد من الفنون، وما يزال أبا الفنون، فهو لحم ودم وفكر وثقافة الإنسان أمام أخيه الإنسان.
هذا عموماً أما بالنسبة إليكِ؟
حمصي: بالنسبة إليّ أنا، فلقد قمت بكل ما كان يمكنني أن أفعله على المسرح وللمسرح. حينما كنت في عزّ شبابي ونشاطي كان عشقي هو المسرح وكان المسرح هو أهم ما في الحياة، ولكن مآسي الحياة كانت أقل بكثير وكانت المأساة الكبرى تتلخص في قضية فلسطين فحسب، وكانت القضية واضحة والعدوّ معروف. ثم جاءت مجازر وحروب أهلية وعمليات إرهابية وقمع للشعوب وعرفت الكثير عن الخوف وعن التعذيب في السجون وجاءت الحرب على العراق وعلى لبنان وقصفت إسرائيل غزة مرات ومرات. ثم ثارت الشعوب العربية أو أنها حرّضت على الثورة، فتم تخريب الأوطان وتمزقت البلدان وشهدت بأم عيني دمار بلدي سوريا وقسوة الإنسان على أخيه الإنسان، فما عاد المسرح هو سيد عقلي وقلبي بل أصبح العمل الإغاثي هو أهم ما يمكن القيام به حين تكون صرخات المعذبين تصم الآذان. وكالعادة أصبح المسرح يقوم بعمل إغاثي، فصار الشباب الفنانون يتطوعون لممارسة الأنشطة المسرحية مع أطفال المخيمات النازحين. وصار المسرح الطبيب النفسي لأولئك الأطفال، في نهاية المطاف المسرح يربّي النفس ويعلّم الرسوخ والصبر والتحدي والعمل الجماعي وحب الحياة.
قمت بكل ما كان يمكنني أن أفعله على المسرح وللمسرح. حينما كنت في عزّ شبابي ونشاطي كان عشقي هو المسرح وكان المسرح هو أهم ما في الحياة
أزمة وعي
منذ نشوء المسرح، والحديث عن وجود «أزمة» في المسرح يتصاعد، هل هي أزمة نص أم أزمة مخرج أم أزمة ممثل؟
حمصي: إنها أزمة جمهور، برأيي، بالأحرى إنها أزمة إنسان، أزمة تربية الإنسان، تربيته على أن يكون أكثر رقيّا وإنسانية وتربيته على أن يستمتع بالفن مثلما يستمتع بالأكل.
الإنسان بطبيعته يلحق غرائزه ويحب تحقيقها، يحب الأكل والجنس والمعارك وعبادة النفس واللعب والقيام بالأمور الخفيفة، يحب متابعة كرة القدم لأنها لعبة تهيّجه ولا تتطلب جهدا دماغيا وذهنيا.
بينما المسرح هو فعل جهاد، جهاد ضد الجهل وجهاد لفهم أمور عميقة ومعقدة، إنه قضاء الوقت في تعذيب النفس وتهذيبها بدل اللعب الخفيف والإثارات الخفيفة والعراك مع الآخرين.
في سوريا مثلا، كانت تلك القلة من المثقفين والفنانين الذين حاولوا أن يقودوا المجتمع، ولكن المجتمع السوري مجتمع تقع فيه قوى متناقضة ومرهقة؛ وفوق كل ذلك؛ فإن خيبات أمل حادة عانى منها كل مواطن سوري أو عربي، خيبة أمل من تحقيق العدالة، سواء العدالة الداخلية أو العدالة العالمية «تشير إلى الهاوية التي نعيش فيها في العالم العربي من حضيض إلى حضيض»، هذه الخيبات جعلت الإنسان العربي يتقهقر باتجاه التدين بأمل أن ينقذه الله وأن يكون للعذاب الدنيوي معنى. فصار الجامع أو الكنيسة ملجأه، وتحجّبت النسبة العظمى من النساء ظنا أن هذا يرضي الخالق. الإنسان العربي عموماً لا يضع المسرح أو الفن في «أجندته» والفرد في سوريا يتابع ما تمليه عليه الدولة وما يتلاقى مع برنامج العائلة ككل، لقد كان المواطن السوري يتابع معرض دمشق الدولي ومهرجان بصرى؛ فهنا يمكن له أن يذهب ويأكل ويتحدث وتتحرك مشاعره من دون أيّ جهد فكري أو تحليلي، ولكنه لا يتابع مهرجان المسرح العربي أو مهرجان السينما العالمية؛ لأن هذه المتابعات ليست بالضرورة ممتعة له؛ فهي متابعات ثقافية تتطلب الصمت والصبر والمتابعة والتحليل والشعور بالقلب والتفكير بالرأس؛ وهذه مهمات مرهقة.
هذه الأنشطة الثقافية بحلّتها الاستعلائية تصبح أثقل دماً، أضف إلى ذلك المسرح هو إضاعة لوقت وجهد ومال المتفرج. المسرح غير موجود أصلاً في برنامج الإنسان العادي؛ مثلما تتواجد خطبة الجمعة وعظة الأحد؛ ومثلما يتواجد المسلسل التركي مثلاً أو مثلما تتواجد سلسلة الوول مارت للتسوق. الكثير من الناس لا يعرفون أصلاً ما هو المسرح؛ وكثيرون جداً يظنون أن الفنان المسرحي إنسان نطاط مخبول يستمتع بالتمثيل كالأطفال. لطالما سمعتُ عبارة « أنا أساعدك» حين أقوم بالتجهيز لعمل فنّي، ولا يخطر لهم أن هذا العمل ليس لمتعتي الشخصية؛ وإنما أنا أسخّر نفسي وخبرتي من أجل مشروع فني ينفع الناس.
المسرح هو جزء من التربية الثقافية، يتطلب تربية من الصغر، لا بد من تعليمه كما يتعلم الطفل الأبجدية، لا بد من تعليمه إلى جانب الفنون الأخرى، لينمو التذوق ويصبح متعة.
ولكن ماذا عن الجمهور المسرحي عبر العصور هل طالما كان نخبوياً؟
حمصي: الجمهور المسرحي عبر العصور والبلدان جمهور متشابه، قليل، نخبوي، بالعموم هو جمهور مثقف أو متعلم، والفنانون كثر أيضا، وكل الفنانين يريدون أن يأتي جمهور غفير لمشاهدة أعمالهم، ولكن الجمهور ليس بهذا الكمّ. إن معظم جمهور المسرح هو الفنانون المسرحيون أنفسهم أساسا، ويتناوبون بين أن يكونوا المبدعين أو يكونوا المتفرجين، هنالك تنافس حاد ما بين الفن الاستهلاكي المسلي المثير الخفيف والفن الآخر، الذي لا أعرف ماذا أسميه، فنّ الاستمتاع بالذهن والذائقة! وطبعا المنتصر دائما هو الفن الاستهلاكي. ولذلك يذهب الألوف لحضور حفلة غناء ورقص وتصفيق وتصفير ولا يهمه أبدا أن يحضر مسرحية لبيكيت أو تشيخوف.
وعموما يتأثر المواطن بما تمليه عليه ثقافته ودولته وحكومته، وغالبا ما ترى أن المؤسسات الحكومية تدعم المتع العائلية خفيفة الدم أكثر من دعمها للمسرح وللفنون الأخرى ثقيلة الدم، أما الأزمة الأخرى فهي أزمة إنتاج، المال يحقق الكثير، ادفع ثمن الدعاية وانشرها في الباص والتلفاز والصحف واليوتيوب، يأتي ناس أكثر، حقق بالمال تدريبات أكثر وادفع للفنانين وللمصممين، يصبح العرض أفضل ويأتي ناس أكثر.
هنا في كندا، توجد مهرجانات مسرحية كثيرة، على مبدأ البرودواي، مسرح شكسبير ومسرح شو ومسرح كلاسيكيات وميوزيكال، يأتيها الناس زرافات زرافات كأيام الحشر، وتباع بطاقات العروض بأسعار غالية، ولكن هذه المهرجانات أصبحت تقاليد وطنية، تم بناؤها عاما بعد عام وبجهد كبير من مؤسسات الدولة والفنانين. أستطيع أن أشبّهها بمهرجان بصرى في سوريا، حين كانت الألوف تتوافد لترى المهرجان على اختلاف نوع العروض. إذن فهنالك ما يمكن فعله ولكن الفنان يحتاج لمؤسسة تسنده وتدعمه ماليا وإداريا وإعلاميا.
فالأزمة برأيي ليست أبدا أزمة مخرج أو ممثل، فكل فنان يقدم ما تتيحه موهبته وما يستفزه في العالم، وغالبا نرى معظم فناني المسرح مضحين وفقراء، ولو كان هنالك طلب كثير على النصوص والعروض والمسارح لصار هنالك إنتاج أكثر وأكثر وهذه الكثرة تؤدي للتنوع. ولكن بالعموم الإنتاج المسرحي وخصوصا في منطقتنا العربية ليس بتلك الغزارة لأنه فن غير مطلوب، هذا لا ينفي حالات رائعة شهدتها من ازدحام الناس على العروض المسرحية في مهرجان قرطاج المسرحي في تونس مثلا.
ولربما تكون هنالك أزمة نص وخصوصا فيما يخص المنطقة العربية ورأيي أن ذلك بسبب تغير الظروف بسرعة كبيرة، فما أن يقرر الكاتب أن يكتب عملا عن إرهاب القاعدة حتى يقفز له إرهاب داعش وكثيرا ما يكون الفنان المسرحي هو ضحية الظروف وتغيرها.
مسرح الإيماء
كنتِ من أوائل المشتغلين بالمسرح الإيمائي سوريَّاً، ما هي أبرز مقومات هذا الفن ولماذا لم يُكتَب له الاستمرار؟
حمصي: الإيماء فن صعب، يحتاج إلى متابعة ودأب وتمارين روتينية مستمرة، إنه حالة صراع مع الجسد، هنالك دائما ما تتعلمه وتستصعبه، برأيي أن الإيماء فن صعب جدا وراق جدا.
أما لماذا لم يكتب له الاستمرار فإذا كان قصدك في المنطقة العربية فعلى ما أعتقد كانت هنالك فورة إيماء، ثم جاءت الحروب. أذكر أنني في إحدى زياراتي لسوريا، كنت أتدرّب على عرض إيمائي مرح وضاحك مع خريجي المعهد المسرحي وبتدريب من د. سامر عمران، فجاءت الحرب العراقية، حاولنا أن نتابع التدريب ولكننا كنا جميعا حزانى وغاضبين من الحرب. فأوقفنا التمارين ولم نقدم العرض.
ورغم ما يحصل في المنطقة العربية إلا أن هنالك مسرحا، وخصوصا بسبب جهود الهيئة العربية للمسرح في الشارقة، والتي تقوم بجهود جبارة من أجل المسرح ومن أجل تمكينه في المدارس، ولكن لا نتوقع من بلدان منكوبة ومسروقة وتحت النار كَليبيا واليمن وأجزاء كثيرة من سوريا حاليا بأن يقدموا مسرحا، فكيف الحال بفنّ صعب كمثل فن الإيماء؟ الإيماء يحتاج إلى مدرب ومتدربين وتدريب ومعرفة ومتابعة وثقافة وتركيز. شروط كثيرة قد لا يكون تحقيقها ممكنا.
المسرح الإيمائي قويّ جدا في آسيا، أما في كندا فهو موجود بنسبة أقل، ولا بد لممارسيه من أن يكونوا فنانين استثنائيين في تكنيكهم، متدربين محترفين متمرّسين وقادرين على تحقيق عروض قوية جدا، ومعظمهم تدرب في أوروبا وتحديدا في فرنسا في مدارس إيمائية عريقة، جاك ليكوك، إيتيان دوكرو، مارسيل مارسو. أما في المنطقة العربية فحسب علمي هنالك محاولات كثيرة يافعة وأنا شاهدت بعضها هنا وهناك، من سوريا ومن تونس غيرهما.
تجربة المونودراما
يعتبر العمل بالمونودراما مخاطرة على صعيد العمل المسرحي، وأنتِ قمت كأول ممثلة سورية بكتابة وتمثيل عرض مسرحي مونودرامي؟ حدثيني عن تلك التجربة.
حمصي: نعم، المونودراما مخاطرة، لأن شروطها صعبة، كيف يمكن لممثل واحد أن يشد الجمهور بإيقاع محسوب وأداء محسوب وموضوع محسوب.
كانت تجربتي الأولى هي مونودراما «الاختيار» من تأليفي وإخراج رياض عصمت، تتحدث المسرحية عن طالبة جامعية «هناء» متمردة على الأهل والمجتمع، تمرر الفتاة الخيارات المتاحة أمامها عبر استحضار الشخصيات التي تعرفها أو تحلم أن تكون مثلها في حياة التمرد فتجد أن تلك النماذج جميعا تواجه مصائر مريرة وأنها ستكون مثلهم خاسرة إذا تمردت، فيسقط في يدها وتصرخ مستغيثة: «ماما».
كتبت هذه المسرحية في منتصف الثمانينات من القرن العشرين وقدّمت العرض معتمدة على مهارات الإيماء والتشخيص. ولم أعتمد المونولوج الطويل المباشر للجمهور ولم أعتمد طريقة سرد الحكاية، بل كان هنالك جدار رابع وكانت الشخصية تمر بالتغيرات الزمنية أمام الجمهور فتدخل في بداية العرض وهي في حالة من الإيمان وينتهي العرض وهي في حالة من فقدان الحلم، أي أن تغير الشخصية يحصل أمام الجمهور.
التقيت سابقا بأحد سجناء الرأي في سوريا، وأخبرني أنهم شاهدوا المسرحية في السجن وكانوا يلعبونها فيما بعد فيما بينهم ويمازحون بعضهم قائلين إن «ندى تساوي دزينة رجال» أفرحني ذلك كثيرا وأشعرني وكأنني مثل «ليلي مارلين».
بعد ذلك تابعت العمل على المونودراما مع الدكتور محمد قارصلي الذي كتب وأخرج لي « فجر وغروب فتاة تدعى ياسمين» و»امرأة.. نساء» كلاهما عرضان بدون حوار، يستطيع المشاهد متابعة الحكاية بصريا، وكلاهما اعتمد على مهارات الإيماء والتشخيص والرقص. «ياسمين» تجوّلت في عدد كبير من البلدان وحصلت على جوائز عديدة، من اليابان حصلت على جائزة أفضل سينوغراف وعلى جائزة العرض المبتكر وحصلت أنا على جائزة أفضل ممثلة. وكذلك من الهند.
في كندا، عدت إلى المونودراما الناطقة، عملت مع مخرجة كندية اسمها ديانا مانولة وقدمنا عرضا قصيرا بعنوان «الطفل الذي لم يولد بعد». ثم وبإخراج من مجدي بومطر قدمت «سلطان باشا» والفكرة فكرة مجدي وكتبت أنا الحكاية وهي على مبدأ الحكواتي «ستوري تيلر» وعلى لسان زوجة سلطان باشا، بينما أنشغل اليوم بكتابة نص جديد سألعبُ فيه العرض بنفسي هذه المرة وربما يكون جاهزاً في عام 2017.
هناك عمل لا أعرف إن كنت أستطيع اعتباره نوعاً من المونودراما، «الربيع الأسود» (بلاك سبرينغ)، حيث أنني كنت أقدم الحكاية وحدي تمثيلا، وكانت معي فنانة أخرى تؤدي بجسدها وصوتها. لاحظت أن المؤلف والمخرج، حازم كمال الدين لا يعتبرني بطلة العرض، بل ربما يعتبر مصمم الفيديو، غاري كيركهام، بطلا أكثر من الممثلة. وهذا طبعا لأن العرض كان يعتمد على تكافل هذه الفنون المختلفة، تمثيلا وغناء وتصميما مرئيا.
ما قبل المسرح
ما الذي ينقص المسرح العربي ليكون مسرحا منتجا للأفكار المسرحية ويحتل مكانة عالمية؟
حمصي: ما الذي لا يوصل صوت القضية الفلسطينية للعالم؟ إن وصول المسرح السوري للعالمية يتطلب خطة تربوية وثقافية وإعلامية كاملة شاملة ولا تقف عند المسرح. وبالطبع تتطلب موقفا سياسيا وطنيا أولا وحكيما ثانيا، وبالطبع لا بد من القضاء على الفساد والسرقات، وإنهاء الفقر، والتوزيع بالعدل، وتحقيق الكرامات. ودون ذلك لن تكون هنالك رؤوس مرفوعة ولا قيادات ولا تحليق إلى العالمية.
هل من الممكن أن يحدث التكامل بين المدارس المسرحية بالرغم من الاختلافات في المناهج التي قامت عليها هذه المدارس؟
حمصي: قامت المناهج على المسرح ولم يقم المسرح على المناهج وهذه كلها تتغير وتتحرك وتختلط وتتباعد، في العرض الواحد ترى الممثل يشرب من كوب وهمي وفي مشهد آخر تراه يكنس بمكنسة حقيقية، أي أن المناهج لا حدود تفرّقها، إنما هي جميعا جاءت من المسرح وتصب فيه.
كل الفنانين يريدون أن يأتي جمهور غفير لمشاهدة أعمالهم، ولكن الجمهور ليس بهذا الكمّ. إن معظم جمهور المسرح هو الفنانون المسرحيون
إلى أي مدى مازال المسرح العربي متأثراً بالمسرح العالمي؟
حمصي: بطبيعة الحال فن المسرح كما هو في البلدان العربية حاليا هو قادم إلينا من المسرح العالمي، الكثير من المخرجين والفنانين درسوا في مدارس غربية، الاتحاد السوفييتي، رومانيا، بلغاريا، إيطاليا، إنكلترا، أميركا، فرنسا. ورغم وجود شروط الفرجة في أصل تراثنا، وأن هنالك كتبا كثيرة بحثت في المسرح في التراث العربي، إلا أن الواقع هو أن المسرح العربي يتأثر ويتعلم ويمارس طقوس المسرح الغربي، والمسرح بالعموم أصبح فنا عالميا يمارسه الفنانون في أيّ دولة بنفس الطريقة، ولم يعد المسرح غربيا أو شرقيا بل أصبح عالميا. طبعا هذا لا ينفي تراث وخصوصية كل ثقافة على حدة، كمسرح الكابوكي أو النو الخاص باليابان على سبيل المثال.
اسمي داخل فرج
حدثينا عن تأسيس المسرح العربي الكندي عام 2013 وعملك «اسمي داخل فرج» الذي قدمته على خشبة مسرح الريجستري في مدينة كتشنر؟
حمصي: الفكرة ولدت بمساعدة من «فضاء الثقافات المتعددة» أي من مجدي بومطر المدير الفني لتجمع الثقافات المتعددة؛ ومنّي أنا ندى الحمصي حين قمنا بمساعدة مجموعة من اللاجئين العراقيين في مسرحية «شلال في تورنتو» وكان على رأسهم الفنان داخل فرَج. وقتذاك شدتني قصة «داخل فرَج» الحقيقية. إذ عاش داخل تحت نظام صدام وقضى السنوات في السجون والتعذيب، ثم جاءت الحرب الأميركية على العراق، وفي الخامس من أبريل، دخل الجنود الأميركان العاصمة بغداد، كان بيت داخل في منطقة قد زرع فيها صدام صواريخ حربية، وكان قد هدد أن يفجر الصواريخ إذا ما دخل الأميركان ويحوّل العراق إلى تراب، خاف داخل على عائلته من هذا التهديد فقرر أن يهرب إلى بستان أخته البعيدة عن العاصمة، اجتمعت العائلة كلها في باص نقل واحد وانطلقوا، وعند التقاطع بدأ القصف على الباص وكأنه رش الحصى على المعدن، خلع داخل قميصه الداخلي الأبيض وهرع باتجاه الجنود ملوحا بالقميص الأبيض على أنهم مسالمون ولا يملكون السلاح، إلا أن الجنود تابعوا إطلاق النار واشتعل الباص. عاد داخل ليسحب أولاده وأباه، إلا أن الجنود أطلقوا النار على رجله، فراح يقفز باتجاه الباص المحترق، فأطلقوا على رجله الأخرى فسقط على الأرض، اجتمع حوله الجنود يضحكون ويصورون، أحدهم مد يده وسرق ما كان بجيبه من المال.
قررتُ أن أحوّل قصة (داخل فرج) لمسرحية؛ وبالفعل أخذتُ تفاصيل الحكاية من «داخل» عبر عدد من المقابلات، وكتبتها نصاً مسرحياً بعنوان «اسمي داخل فرَج». واستوحيت العنوان من «اسمي راتشيل كوري»، وراتشيل كوري هي الناشطة الأميركية الشابة التي وقفت تدافع عن البيوت الفلسطينية من هدم البلدوزرات الإسرائيلية فمشى البلدوزر عليها. حكاية داخل فرج هي نفس الحكاية، حين تحصد آلة الحرب أرواح الأبرياء.
على المسرح ثلاثة ممثلين قدّموا الحكاية أداءً وسرداً بلغاتٍ ثلاث، العربية والإنكليزية ولغة الإشارة للصم والبكم، العربية لغة العراق والإنكليزية لغة الجنود الأميركان ولغة الجمهور الكندي في أونتاريو ولغة الإشارة للصم والبكم لغة الصرخة الصامتة لكل ضحايا الحرب.
داخل فرج يعيش حاليا في مدينة كتشنر، وعادة أقف ممثلة على المسرح، أما في هذا العمل فأنا مؤلفة ومخرجة وفي شهر مايو من عام 2016 سيتجول هذا العمل في أربع مدن كندية في مقاطعة نيو برونزويك.
رسالة المسرح
ماذا حملت من بلادك قبل مغادرتها نهائياً، أقصد مسرحياً بالطبع، وقد اشتغلتِ مع الرعيل الأول؟
حمصي: تعلّمت من الرعيل الأول أن أقدّس المسرح، وأتعامل معه على طريقة الأنبياء، نبل وتضحية، ولكن تلك التعاليم التي كانت ترافقني في شبابي بتأجج عاطفي كبير، تحوّلت الآن إلى أرضية فكرية ثابتة لعملي المسرحي، فكل عمل مسرحي أقوم به لا بد أن يحمل رسالة إنسانية، تدعم العدل والحب والسلام والتآخي وحب الأرض والوطن ورعاية الطبيعة والتآخي مع الحيوان. إن لم تكن هذه الأهداف موجودة في العمل المسرحي فهو لا يعنيني.
اليوم أعيش في كندا، ممثلة وكاتبة ومخرجة ذات سمعة مسرحية طيبة، لقد عملتُ مع العديد من الفِرق هنا؛ وعلى رأسها فرقة «فضاء الثقافات المتعددة» ودعني أقول إنني أُقدّم سوريا عبر وجودي في المجتمع الكندي؛ ومن خلال عملي في المسرح العربي-الكندي الذي أحمل مسؤوليته. أقدمُ سوريا لكندا فسوريا تعيش في داخلي؛ وما تعلمته عن المسرح تعلمته أولا من الفنانين المسرحيين في سوريا.
في عام 1975 بدأت أول ما بدأت المسرح في دورة إعداد ممثل من إشراف يوسف حنا وعبدالله عباسي، ثم عملت مع الزيناتي قدسية وجميل عواد وفواز الساجر ووليد قوتلي وتوفيق المؤذن وغسان الجباعي ورياض عصمت وجواد الأسدي ومحمد قارصلي وشيرين ميرزو. وترعرت على مشاهدة أعمال المخرجين الكبار في سوريا والوطن العربي كنائلة الأطرش وسامي عبدالحميد والجعايبي وعبدالقادر علولة والمنصف السويسي وصقر الرشودو على مشاهدة عروض المهرجانات العربية من الجزائر والمغرب والسودان والعراق والكويت وتونس والعراق، وكنت محاطة بأصدقاء مسرحيين سواء من بلدان عربية مثل محمد إدريس ومحمد المديوني وزهيرة بن عمار أو من بلدي سوريا، رشيد عساف، سلوم حداد، محمد حوراني، فيلدا سمور، بسام كوسا، لؤي عيادة، تيسير إدريس، نذير سرحان، نجاح العبدالله، الزيناتي قدسية، عباس النوري، لينا الباتع، عبدالرحمن أبو القاسم، واحة الراهب، سميح شقير، بشار وأيمن زرقان، صباح ضميراوي، هالة العبدالله، وحتى السينمائيين، محمد ملص، نبيل المالح، هيثم حقي، مأمون البني، أسامة محمد، محمد الرومي، بندر عبدالحميد، عمر أميرلاي والقائمة تطول وتطول، كلهم كانوا فنانين في المسرح، في الشعر، في النقد، في السينما، وهنالك المئات من الأسماء التي لم أذكرها وهم كتاب وشعراء وموسيقيون ومثقفون وكلّهم كانوا يحبون المسرح أو يعملون فيه. هؤلاء الناس هم من تربّيت على أيديهم مسرحا وفنا وتعلمت أن المسرح رسالة ومسؤولية.
مسرح آخر
بالانتقال للحديث عن المسرح العالمي، بدأتِ معه كزائرة في اليابان واليوم أنت ضمن حقل المسرح الكندي، حدثيني عن التقاطعات والاختلافات بين المسرح العربي والكندي؟
حمصي: حال وصولي لكندا قبل حوالي 17 عاما، كتبت مقالة طويلة للحياة المسرحية التي تصدر في دمشق تحدثت فيها عن الاختلافات التي شاهدتها في المسرح الكندي عن المسرح في سوريا، أو المسرح العربي عموما.
فبينما موضوعاتنا العربية هي بعمومها جادة وحارة وضرورية كمثل انتقاد الحكومات الدكتاتورية أو الفساد أو ما يتعلق بفلسطين وصراعنا مع الاحتلال الإسرائيلي. توجد هنا مواضيع يتناولها المسرح تعتبر تابو في بلادنا ولا يجرؤ أحد على تناولها مثل المواضيع الجنسية والمثلية الجنسية، ومواضيع أخرى مثل الإدمان أو الدعوة للسماح بتدخين الحشيش قانونيا. وهنالك الكثير من العروض التي تتناول حكايات الهجرة واللجوء.
وحينما يتناولون هنا موضوعا مهمّا لدينا في البلاد العربية فإنهم يقدمونه على طريقتهم وبرؤيتهم الغربية للموضوع، وبطريقة لا تشبه طريقتنا في التفكير.
كندا، الفخورة بتعدديتها الثقافية تفتح المجال للمشاهد أن يرى أعمالا من كافة ثقافات العالم ومن قاراته جميعا وعلى أقل تقدير يرى محاولات الفنانين لحفظ تراثهم سواء كان الفنان أفريقيا أسود أو آسيويا أصفر أو غير ذلك، ونحن العرب، بعضنا يفعل نفس الشيء ونحاول تأكيد ثقافاتنا وترسيخها قدر المستطاع، وبتفاوتات معرفية وعقائدية، فهنالك الفنانون الذين يقدمون أعمالا بدائية بلهجاتهم العربية وهنالك من يعمل على عروض عميقة وبرؤية فنية إبداعية، مثل أعمال مجدي بومطر ووجدي معوض وماركوس يوسف وجبار الجنابي وغيرهم.
من خلال تجربتك، هل المسرحيون العرب في أوروبا والقارة الأميركية جزء من مسرح عربي أم جزء من رؤية عربية للمسرح الغربي؟
حمصي: بالعموم رأيت أن بعضهم هو جزء من رؤية عربية للمسرح الغربي أو جزء من مسرح عربي في المهجر، وبعضهم هو جزء من المسرح الكندي كما هو سائد في كندا، وخصوصا أولئك الذين وصلوا كندا صغارا أو ولدوا فيها كوجدي معوض، وبالعموم فالفنانون من الأصول العربية هم أيضا أبناء بلد المهجر وأبناء الثقافة الجديدة. ويمكن القول إن هنالك فنانين من الأصناف كافة. هنالك مسرحيون من أصول عربية ولكنهم كنديون في أعمالهم وفي طريقة تفكيرهم، وهنالك عرب كنديون هم عرب في أعمالهم، وهنالك شباب فكّروا كما يفكر الكندي ومارسوا المسرح الكندي حتى كبروا في العمر فعادوا يبحثون في ثقافتهم العربية. تستطيع أن تجد نموذجا لكل ما يمكن أن يخطر على بال، وبالعموم فإنني لاحظت أن العرب الكنديين، ومثلهم من هم ليسوا عربا، لا بد أن يكون لثقافتهم الأصلية تأثير على إنتاجهم الإبداعي. فهذا ما لا مفر منه، الإنسان ينتمي لثقافته ليس بقرار منه ولكن لأنه أتى من تلك الثقافة، ولا بد أن تتجلى تلك الثقافة في أعماله.
قيم وهويات
في الحديث عن صراع الهوية المزدوجة للمسرح العربي في المَهاجر المختلفة اليوم، هل هو صراع هويات جغرافية أم صراع قيم؟
حمصي: إنه كلاهما، التغير الجغرافي سيؤدي إلى تغير فكري، القيم الأخلاقية والجمالية تختلف من مكان إلى آخر وبنفس الوقت هنالك قيم إنسانية موحدة.
تخيّل حالة الهياج الداخلي حينما ينتقل الإنسان إلى بلد آخر لا يعرف طرقاته ولا لغته ولا نظامه، وبنفس الوقت لديه أحلام ومبادئ ورغبات وتوق، ولديه مسطرة يقيس عليها الأمور كما تعلم قياسها في بلده.
حين يتعلم الإنسان المغترب الحياة في مغتربه تخفت العاصفة الداخلية ولكن الصراع يبقى ولو بشكل متردد، فالإنسان المهاجر لا يمكن له أن يتخلص من تاريخه وثقافته والقيم التي تربّى عليها، وحينما لا يستطيع التواصل مع الآخرين أو لا يستطيع تحقيق أعماله بالرؤية التي يريد فإن هذا الصراع يشتد، ولكن حينما يجد أن ما يقوله ويفعله مقبول ومفهوم للآخرين فهذا يعطيه حالة من الرضى والثبات.
على ماذا تقوم الشراكة الإبداعية بين الشرق والغرب من وجهة نظر عربية وغربية في آنٍ واحد بحسب خبرتك؟
حمصي: أظن أن الشراكة الإبداعية تكمن أولا في القيم المطروحة والتي تمس جميع البشر وثانيا في طريقة التقديم، المسرح فن عالمي، متشابه في كثيره ومتباعد في قليله.
الإنسان يبقى هو الإنسان رغم اختلاف ثقافاته وتجاربه وتربيته وقناعاته وهنالك دائما قيم إنسانية وعاطفية مشتركةلكوني مهاجرة إلى كندا وأحمل في داخلي تاريخي العربي السوري، فإنني أنجذب وأهرع إلى متابعة ما هو قريب لمشاكل شعبي وقوميّتي ولغتي. مثلا حينما وصلت كندا، وجدت أن مخرجا إيرانيا يقدم عملا مسرحيا بعنوان «بنات شهرزاد» فهرعت لمشاهدة العمل والكتابة عنه. وما زلت حتى اليوم ورغم أنني بدأت أحقق أعمالي كما أريدها، كتابة وإخراجا، إلا أنني ما زلت أهرع إلى مشاهدة العروض التي تلمس ولو من بعيد معتقداتي وقيمي وتاريخي.
كيف ترين ما يحدث في سوريا اليوم وإلى أي مدى ساهم ما يحدث في خلخلة البنية الثقافية للمجتمع السوري؟
حمصي: لا أعرف إن كان من الضروري أن أقول شيئا في هذا، فما يحدث في سوريا هو قويّ وطويل وعريض وعملاق والمسرح فيه نملة صغيرة، الواقع هو موت وقذائف وقصف واعتقالات واختطاف واحتضار وهروب وغرق وموت تحت التعذيب، الواقع الآن هو ذبح الأطفال والنساء وحرق الإنسان حيا، رجمه بالحجارة ورمي المثليين من عل، الواقع مرير وصعب وحاضر وقوي وصفيق، ماذا أقول؟ أين المسرح من كل هذا؟ إنه فقط لأعمال الإغاثة في المخيمات أو لتأكيد أن العاصمة دمشق تعيش بخير تحت السلطة النظامية، ما يحدث في سوريا، وفي مصر، وليبيا، والصومال، واليمن، وتونس، والسودان، ما يحدث يعطّل المسرح، ولذلك أكرّر أن أسوأ ما شاهدت في هذا الزمن هو داعش وأن أفضل ما شهدت هي الهيئة العربية للمسرح ونضالها. ولا أريد أن أقول أكثر فعند هذا السؤال يعجز اليراع.