هل هناك أدب اعتراف في الثقافة العربية

الجمعة 2019/02/01
لوحة موسى النعنع

أدب الاعتراف هو من الآداب الحديثة في العالم العربي، بعكس أدب التراجم (كتابة النفس) الذي له باع طويل في الثقافة العربية والإسلامية، بفضل نتاجات أدباء وروّاد من أمثال الإمام الغزالي.

هذا النوع من الأدب يعتبر حديث الولادة، أو ربما حتى أنه لم يظهر بعد في بلدان المشرق العربي، بينما وصل الباحثون والأساتذة في الغرب إلى درجة متقدمة في هذا الأدب، لدرجة أنهم أسسوا مادة دراسية جديدة في مجال الكتابة الإبداعية أسموها “كتابة الحياة” وهي تدرّس في الجامعات منذ عقود.

القيود الاجتماعية وتركيباتها العقائدية، أجبرت الكاتب العربي أن ينشر ضمن أطر معيّنة وقوالب معروفة، مما فقد حريته في التعبير عمّا يجول في خاطره للعامة. لذلك عندما قرر أن ينشر اعترافاته، كان تركيزه يصبّ على جمالية اللغة العربية أكثر من مشاعره وعواطفه الشخصية، وخير مثال على ذلك المصري عبدالرحمن شكري في كتابه “الاعتراف”.

لكن إذا ما نظرنا إلى موقع أدب الاعتراف في المغرب والمشرق، نجد أن المشرق لم يستطع أن يعرّي نفسه تماماً كما فعل مثيله المغرب، يعود ذلك لعدة أسباب، أولها تأثر أدباء المغرب بالإرث الاستعماري الثقافي أكثر مما هو حال نظرائهم في المشرق.

فالمغرب العربي (باستثناء ليبيا)، احتل من قبل فرنسا البلد الذي ولدت فيه الثورة الفرنسية عام 1789، التي أتت بأفكار جديدة من ضمنها الليبرالية والتحرر، لا سيما في مجال الكتابة والفكر، وانعكس دلك في كتابات الأدباء والمفكرين من أمثال جان جاك روسو الذي يعدّ أحد أعمدة الثورة وصاحب أقوى اعترافات بالتاريخ (اعترافات جان جاك روسو)، حيث قال بأن العلم المنقاد من قبل السلطة هو علم ساقط.

بدورها نقلت فرنسا هذه الأفكار إلى المغرب العربي، فتأثر كتّابها بها، إلى درجة أنهم عندما دوّنوا سيرهم الذاتية، كانت باللغة الفرنسية كإدريس شرابي ومحمد شكري ورشيد بوجدرة.

ولكن ربما يسأل القارئ إنّ لبنان وسوريا احتلا أيضا من قبل فرنسا، فلماذا لم يصدرا نفس النتاج كما هو الحال في بلدان المغرب العربي؟ الجواب هنا أن فترة الانتداب كانت أقلّ منها في المغرب العربي، بالإضافة إلى أن الهوية القومية في المشرق العربي كانت أكثر صلابة منها من المغرب، فمن سوريا والمنطقة المجاورة انطلقت عدة أحزاب عربية قومية.

وهناك أيضا سبب آخر لتأخر المشرق في أدب الاعتراف وهو أن معظم المشرق كان محتلاً من قبل بريطانيا صاحبة تقاليد عريقة في المحافظة على ما هو قائم بدلاً من استقدام الجديد، فالمثل الإنكليزي يقول “القديم هو الذهب” كان رائجا عند الإنكليز في زمن الانتداب.

أمّا السبب الثالث لتأخر المشرق في أدب الاعتراف هو الجذور القوية للهوية الدينية وخصوصا في الخليج العربي.

ميخائيل نعيمة اللبناني وبثلاثة أجزاء ضخمة من سيرته الذاتية، “سبعون” أيضا لم يسرد بحرية مثلما فعل الكاتب المغربي محمد شكري بأقل من 300 صفحة قي كتابه “الخبز الحافي”. مع العلم أن نعيمة هو صاحب مقولة “إن الكاتب بتسجيل حياته يجعل نفسه كبيت مبنيّ من زجاج ليراه الجميع من الخارج”.

وعندما ننظر لمحاور أدب الاعتراف ما بين المشرق والمغرب، ربما نقع على تشابه صغير، فعلى سبيل المثال صورة الأبوية في أدب الاعتراف المشرقي، تقدم الأب كقدوة لأبنائه، خصوصا الابن الذي يكتب عنه، أما أحاديث الجنس والمرأة والأبوية فهي شبه غائبة عن أدب الاعتراف المشرقي.

بخلاف دول المغرب، فهذه المحاور موجودة بقوة وبشكل صريح، وخاصة محور الأبوية، فيتناوله الكاتب هناك كجرعة دواء للتحرر من السلطة والقهر والحرمان.

أما بالنسبة لأدب الاعتراف الأنثوي فهناك القليل جدا وحتى أنه من المتعذّر على الباحث أن يجد أي كتاب بهذا الموضوع في المشرق أو المغرب، فهدى شعراوي وفدوى طوقان ونوال السعداوي لهن كتبُ سير ذاتية وليس اعترافات، ويعود ذلك التقصير لسيطرة الصبغة الذكورية في الثقافة العربية وحتى المجتمعات العربية. أضف إلى ذلك التركيبة الاجتماعية وسطوة العادات والتقاليد.

أدب الاعتراف في العالم العربي، خاصة في المشرق، ما زال يعاني من تلك القيود ويحتاج ربما إلى قرون من الزمن ليصل لمثيله الغربي بالجرأة بالصراحة وتعرية النفس على كل المستويات لجعل كتب الاعتراف ليس فقط مواد ثقافية، وإنما وثائق اجتماعية يعود إليها الباحثون والدارسون للبحث عن حياة الأجيال السابقة بأدق تفاصيلها.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.